أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - عن حتمية المواجهة بين العلمانية والإسلام














المزيد.....

عن حتمية المواجهة بين العلمانية والإسلام


عبد المجيد إسماعيل الشهاوي

الحوار المتمدن-العدد: 7501 - 2023 / 1 / 24 - 18:05
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


تقوم العلمانية على مفهوم أن "أهل مكة أدرى بشعابها"، بمعنى أن ساكنيها من زمن لآخر وعصر لآخر هم- في زمنهم وعصرهم- أدرى بأحوالهم وأحوال مدينتهم أكثر من غيرهم، سواء من سبقوهم أو من سيلحقون بهم في العيش هناك، وبالطبع ممن هم من خارجها وغرباء عنها. وتتوسع العلمانية في هذا المفهوم أكثر إلى الزعم أن "الأحياء أدرى بشؤون الحياة"، أو أن "أهل الدنيا أدرى بشؤون دنياهم"، أو أن "العلمانيون (نسبة إلى ’العالم‘ وليس ’العلم‘) أدرى بشؤون عالمهم". هي زعم بأحقية أهل العالم في أن يكتشفوا عالمهم وينظموا معيشتهم فيه بأنفسهم؛ أو، في قول آخر، أن يصبح أهل الدنيا هم أنفسهم المرجعية الوحيدة في أمور دنياهم. وتحقيقاً لهذه الغاية، لا تحتاج العلمانية إلى تقديم أي مزاعم بخصوص أحقيتها أو معرفتها فيما يخص عالم الآخرة، أو ما بعد الدنيا. ذلك لا يأتي ضمن نطاق اهتمامها أصلاً، كونها معنية في الأول والأخير بالأحياء وعالمهم فقط.

لكنها تضطر حتماً إلى مواجهة الدين حين تجد أن هذا الأخير يفرض من نفسه مرجعية على نفس العالم الذي تريد العلمانية تحريره من أي مرجعية سوى هؤلاء الذين يحيونه أنفسهم. ولما كان الدين يستمد أحقيته المرجعية على عالم البشر من أسطورة ميتافيزيقية فيما وراء العالم ذاته، وجدت العلمانية نفسها مضطرة- لكي تحرر عالم الأحياء من مرجعية غيبية من خارج هذا العالم ذاته- إلى تجاوز نطاق اختصاصها الأصيل ومصارعة الدين عبر تفكيك وتقويض هذه الأسطورة الدينية ذاتها، أو عالم الغيب. في قول آخر، كان لابد من دحض وفضح عورات الأسطورة الدينية أولاً حتى تنهار من تلقاء نفسها المرجعية الغيبية، أو سلطة الآلهة والرسل والحواريين والصحابيين والقديسين وغيرهم من الغائبين والأموات، على تفاصيل حياة الأحياء الحاضرين في هذا العالم.

في أوروبا، كان الملوك والأمراء يحكمون في ممالكهم وإماراتهم على مرجعية من قوتهم ونفوذهم وممتلكاتهم وأنسابهم ورضا الرعية بحكمهم، فضلاً عن مقومات أخرى جميعها تخص هذا العالم فقط. وفي الوقت نفسه، كان البابا في روما يحكم من خلال الكنائس في نفس تلك الممالك والإمارات، ليس بالتوازي مع الملوك والأمراء لكن في تسامي وأسبقية نظرية فوقهم جميعاً. الأسطورة المسيحية تقضي بكون البابا خليفة أو وكيل أو مندوب أو ممثل الرب يسوع المسيح، الذي كان بدوره مبعوث الله إلى الأرض. ومن ثم يصبح البابا ممثلاً ومترجماً للإرادة الإلهية على الأرض، أعلى وأسمى من كل الملوك والأمراء قاطبة. وعلى خلفية هذا النزاع على السلطة بين البابا وكنائسه من جهة والملوك والأمراء من الجهة المقابلة، نشأت الحركة العلمانية الغربية بتحريض ودعم من الملوك والأمراء ضد سلطة البابا. في النهاية انتصرت العلمانية للعالم على الغيب، للملوك والأمراء على البابا والكنائس التي انتُزعت من سيطرة البابا الدينية في روما وأُخضعت بالكامل لسلطة الملوك والأمراء الذين يحكمون في هذا العالم الحاضر.

عند هذه النقطة، أصبحت الممالك والإمارات الأوروبية أشبه بوضع نظيراتها عبر العالم الإسلامي منذ بداياته حتى الآن- الحكام يحتكرون كامل السلطة في شقيها العلماني والغيبي، أو الدنيوي والأخروي معاً. لكن هذا الوضع لم يدم طويلاً، لأن العلمانية كنظرية وممارسة كانت قد رسخت أقدامها بالفعل في الواقع الحياتي المعاش للناس بعدما قوضت المرجعية الدينية الأسطورية. ولما كان الأساس الفلسفي للعلمانية هو "أهل مكة أدرى بشعابها"، كان منطقياً أن تمتد النظرية إلى كون أهل مكة هؤلاء هم أبناء المدينة أنفسهم، في هذا الزمن بالذات وفي حياتهم هذه بالذات، جميعهم وليس قلة منهم فقط، سواء من ذوي المرجعية الدينية أو غير ذلك. ومن ثم أدت العلمانية، التي رعاها الملوك والأمراء في المبتدأ لتعزيز سلطتهم في صراعهم ضد البابا والكنيسة، إلى تقويض سلطة الملوك والأمراء أيضاً داخل ممالكهم وإماراتهم بعد تحررها من التبعية للبابا في روما، لتنتقل السلطة ومن ورائها المرجعية الساندة لها كاملة غير منقوصة إلى "أهل المدينة" أنفسهم، كلهم مجتمعين، وليس إلى أي شخص آخر مهما كانت ادعاءاته أو مرجعياته، دينية أو علمانية أو أخرى.

في الواقع العربي، الإسلام لا يمثل سلطة منازعة لسلطة الحكام حتى يطلق هؤلاء الأخيرون العلمانية ضده لتقويض مرجعيته الأسطورية الغيبية. بل على العكس، الحكام في العالم الإسلامي كانوا دائماً وأبداً بحاجة إلى الإسلام، الأسطورة الغيبية ذاتها، لإضفاء الشرعية على حكمهم عبر كل العصور حتى اليوم. في الوقت نفسه، طالما بقيت الأسطورة الإسلامية هي السائدة على مخيلة المجتمعات الإسلامية تحت حماية الحكام ورعايتهم، لن تتمكن العلمانية أبداً من تحقيق الانتصار والغلبة والانتشار عبر هذا العالم الشرقي مثلما فعلت في الغرب. كذلك، وللمفارقة، لأن الحكام هم في الأصل من أهل هذا العالم وليسوا من أهل الغيب والدين، هم أيضاً لا يستغنون عن العلمانية من أجل بقائهم واستمرارية حكمهم. في قول آخر، الحكم في العالم الإسلامي ذو طبيعة فردية استبدادية منذ بدايته إلى اليوم، ويستند على ويستمد مشروعيته من الأسطورة الدينية الغيبية ومن الواقع الحياتي المعاش معاً في الوقت ذاته. وهو، من أجل المحافظة على بقائه، لا يستغني لا عن الدين ولا عن العلمانية. بل نجده دائماً ما يتدخل عبر ممارسة سلطته تارة في صف الدين، وتارة أخرى في صف العلمانية، ليُبقي الاثنين معاً في قبضته ولخدمة مصالحه.



#عبد_المجيد_إسماعيل_الشهاوي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اتحاد الديمقراطيات الشعبية العربية
- حُقُوقِي
- لا أمل في نصر روسي دائم
- اللهُ لا يَتكَلم والرسولُ لم يَقُلْهُ: بَشَرِّيَةُ النص
- حين انفجرت المسيحية من الداخل
- الفكر في الهُراء
- بوتين، معزولاً ومرتاباً، يتدثر بزمرة من المستشارين الغلاة
- عن أهمية النص في الإسلام
- لماذا لا ننتج فلسفة؟
- المال والصالح العام
- الأنبياء ملوك المستضعفين
- ديانة التوحيد
- عُقْدَة أبولهب
- اعتذار واجب للكافرين
- عمل الفساد في السلطة
- زنا العيون لا يُنتج حملاً
- السلطة والثروة والدين
- لديَّ حُلْمُ كُوردي
- السلثردي
- هل القوة وحدها تكفي؟


المزيد.....




- -في تهديد مباشر-.. ترامب: المرشد الأعلى الإيراني -هدف سهل- و ...
- ماما جابت بيبي.. استقبال تردد قناة طيور الجنة بيبي على نايل ...
- ترامب: المرشد الأعلى هدف سهل.. نعلم أين يتواجد
- باسم يوسف يثير جدلا بمنشور عن الحرب الإيرانية الإسرائيلية، ف ...
- الرئيس الأمريكي: نعرف تماما أين يختبئ المرشد الأعلى ولكن لن ...
- الرئيس الأمريكي دونالد ترامب: نعرف تماما أين يختبئ المرشد ال ...
- ثبت الأن تردد قناة طيور الجنة الحديث على النايل سات وعرب سات ...
- مقتل العشرات من منتظري المساعدات جنوب قطاع غزة، وإغلاق المسج ...
- العراق.. السوداني يدعو الدول العربية والإسلامية للتعاون في ...
- هل تعتقد أن اغتيال المرشد الأعلى لإيران علي خامنئي فكرة جيدة ...


المزيد.....

- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - عن حتمية المواجهة بين العلمانية والإسلام