أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فوز حمزة - حين يصمت المغيب














المزيد.....

حين يصمت المغيب


فوز حمزة

الحوار المتمدن-العدد: 7490 - 2023 / 1 / 13 - 23:28
المحور: الادب والفن
    


احتاجت إلى لحظات لتسترد وعيها لتدرك أن الوقت الآن عصر، وليس صباحًا كما ظنت،هذه الحالة كثيرًا ما تمر بها حينما تستيقظ من قيلولتها لتجد الأوقات وقد تداخلت فيما بينها إلى الحد الذي يفقد فيه الزمن ملامحه، وتتماهى ساعاته مع بعضها.
ابتسمت بسخرية، وهي تحاول إيجاد الفرق بين النهار و الليل، بين الصمت المحيط بالأشياء من حولها، و انعكاسه داخلها .. لم تشعر يومًا إلى هذا الحد، لم تكن هي والحياة معًا.
وهي ما تزال مستلقية على الفراش، تذكرت الحلم، لم يكن وجهها الذي رأته في المرآة. حدقت فيه، ارتعبت عندما وجدته رأسًا بثلاثة وجوه لثلاث نساء بعين واحدة و شامة سوداء أعلى الشفة، تساءلت وهي تنظر إلى سقف الغرفة: لماذا أشعر كأنني أتسلق منحدرًا بظهر مقوس؟
كم من الوقت مر عليّ، وأنا أمشي فوقه منحنية؟
صراخ طفلة في الغرفة المجاورة أخرجها من دوامة أفكارها، غطت أذنيها بكفيها كمحاولةً لتجاهل الصوت كما تفعل كل مرة، أنين العجوز القادم من الغرفة الأخرى و رجاؤها اليائس في إسكات الطفلة، جعلها تقف حائرة بين الاثنتين.
الصخب داخلها يشبه صخب أمواج بحر أواخر تشرين.
بحثت عن هاتفها النقال في محاولة يائسة للهرب إلى ذلك العالم الافتراضي عبر حسابها الفيسبوكي. تقويم الهاتف أشار بتاريخ اليوم وهو الرابع من مايو .. يا للمصادفة! إنها الذكرى العاشرة لانفصالها بعد زواج دام ثماني سنوات. اندهشت لأن قلبها لم يعد يحمل أية ضغينة للزوج الذي خانها مع حجارة الأرض و قطط المزابل.
حانت منها التفاتة لصورة زفافها. حاولت استرجاع مشاعرها ذلك اليوم. اليأس من بلوغها الثالثة والثلاثين،هو من دفعها للزواج منه. بقيت تدفع ثمن لحظة الغباء تلك في الاستمرار مع زوج لم يكن العقم وحده من سبب جرحًا لها، بل رفضه الخضوع للعلاج، وإصراره على بقاء الوضع كما هو.
مؤلم حد الصمت حين تدرك أنك كنت شيئًا عابرًا في حياة أحدهم.
الأمل في العثور على زوج آخر، لم يفارقها لحظة، هذه المرة لن تتنازل عن أي شيء تتمناه في الرجل الذي سيشاركها ما تبقى من حياتها.
لا تريد شيئًا سوى أن يقول لها: أريدكِ زوجة لي.
تطلعت نحو النافذة المغلقة.
بدأت الشمس تهبط نحو الزوال والليل الأزرق يزحف على جسد الأرض راسمًا ظلالًا كثيفة مثقلة بأفكار غريبة.
حملتْ فنجان قهوتها السادة لترقب العالم من شرفتها، سحب الدخان الرمادية المنبعثة منِ سيجارتها، وهي تتبدد في الهواء، أشعرتها بقصر الحياة،وأنها يومًا ما ستصبح عاجزة عن مراقبة النجوم. تذكرت ما مضى من عمرها الذي بدا لها كأنه أرجوحة صنعها القدر.
أغلقت باب شرفتها الزجاجي. بدأت ترقب من خلفه العجوز وهي تعنف الطفلةَ لأنها خنقت الطائر ونتفت ريشه، فشلت كل محاولاتها في إنبات بذور الصلح بينهما، كل يوم يمر يباعد المسافة بين الثلاثة ويضع مزيدًا من الصخور بينهما.
شعور بأن الحياة داخلها أصبحت أكثر وحدة، وأكثر إحباطًا.
نظرتْ إلى الطفلة التي أخذتْ تلملم ريش الطائر المنثور وفي عينيها غضب مسلح لكل ما حولها. بدت الشامة أعلى شفتها كبيرة جدًا وسوداء أكثر مما ينبغي.
شعرت بالخوف على نفسها من العجوز التي راحت تشير بعصاها لصور الموتى المعلقة على الحائط كأنها تعدهم ومن نظراتها المتحجرة، تقدح شرر السخط على كل شيء.
استغربت لأن التجاعيد أعلى شفة العجوز أخفت جزءًا من الشامة التي بدت قريبة من لون بشرتها.
تطلعت نحوها،إحساس العجز لم يفارقها وهي تبصر أمام عينيها فشلها في إحلال السلام بين ماكان وما سيكون.
لم تعد الحياة سوى ساحة حرب لهؤلاء الثلاثة.
شعرت باحتضارهما من خلف الزجاج دون إعلان النهاية، ابتعدت عن باب الشرفة لتصطدم بالسياج الحديدي، حانت منها التفاتة نحو القطار البعيد حيث مضى سريعًا، ولم يخلف وراءه سوى دخان أسود سرعان ما بدده الهواء.
حاولت التخلص من ذكريات مغبرة كانت تلازمها طوال الوقت، والكف عن استعادة ذكرى أيام مهدورة.
هربت لتختبئ في ظلمة أفكارها، بينما الخريف تسلل إلى داخلها ليقف على مشارف قلبها، يرقب بخوف هبوط الظلام على مدنها وقراها.
صبت لها فنجانًا آخر من القهوة لتفتح علبةَ سجائر جديدة وتبدأ بعد النجوم .. ارتجاف يدها دعاها لتتطلع إلى عروق يدها الزرقاء التي أخبرتها عن الحياة التي خوت من روادها. مالت برأسها إلى أسفل الشرفة. بدت الأشياء صغيرة بينما العتمة تنعصر بين أخاديدها. نفثت الدخان بقوة من صدرها، لم تجد الكلمات لوصف كيف هو شكل الأشياء حين تصمت.
لم تسعفها عبراتها لتصف كيف هو طعم الصمت وقت المغيب.



#فوز_حمزة (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حدث في البنك
- البوابة
- اعتراف
- لعبة في الوطن
- نوافذ الكلمات
- كان لدي صباح لأجلكِ
- حفلة شواء
- هزة مرتدة
- وجهان للحب
- من خلف القضبان
- رسالة في صندوق أسود
- السطر الأخير
- تعال ننس الماضي
- تسعة عشر دقيقة
- أيها المطر .. عليك السلام
- شجرة العشق
- عودة غودو
- على ساحل بركاس
- أوراق زهرة اللافندر
- مسافات وأشياء أخرى


المزيد.....




- أفلام ومشاركة نشطة لصناع السينما العرب في مهرجان كان 2025
- ثقافة الخيول تجري في دمائهم.. أبطال الفروسية في كازاخستان يغ ...
- مصر.. القبض على فنان شهير لتنفيذ حكم صادر ضده بالسجن 3 سنوات ...
- فيلم -ثاندربولتس-.. هل ينقذ سلسلة مارفل من الركود؟
- بعد جدل ومنع.. مؤرخ إيطالي يدخل -الشوك والقرنفل- لجامعة لا س ...
- -أحداث دمشق 1860- تقلبات الفردوس والجحيم في قصة مذبحة وتعاف ...
- نقل مغني الراب توري لينز للمستشفى بعد تعرضه لاعتداء في السجن ...
- مهرجان كان: -التظاهرات الفنية لها دور إنساني في مناصرة القضا ...
- السفير حسام زكي: مستوى التمثيل في القمة العربية ببغداد سيكون ...
- رئيس الإذاعة المصرية الأسبق يوجه انتقادات لاذعة لياسمين عبد ...


المزيد.....

- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فوز حمزة - حين يصمت المغيب