أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فوز حمزة - البوابة














المزيد.....

البوابة


فوز حمزة

الحوار المتمدن-العدد: 7472 - 2022 / 12 / 24 - 14:03
المحور: الادب والفن
    


مرت ساعة منذُ أن تم إيقافه في مخفر الشرطة.
اجترت ذاكرته أحداث اليوم السابق، والأسبوع الماضي، بل جاهد أكثر ليتذكر ما حصل الشهر الفائت.
استحضر صور أشخاص تحدث معهم، وجوهًا قابلها، أعاد مع نفسه الأحاديث التي تبادلها مع آخرين عله يعثر على شيء يدينه، لكن ذلك لم يأتِ بنتيجة.
صداع ألم به جرّاء هبوط السكري عنده في الدم.
مد يده في جيب سترته وأخرج حبات تمر يابسة، شعر بعد ابتلاعها كأنه يعانق الحياةَ ثانيةً.
رائحة العفن المنبعثة من الفراش، لم تمنعه من الاستلقاء عليه،في هذا المكان لا مزيد من الخيارات،
وهو يحدق في النافذة القذرة المكتسية بطبقة غبار كانت كافية لتمنع مرور أشعة الشمس من خلالها، أغمض عينيهِ مانحًا الصداع عذرًا ليرحل، لكن الأصوات القادمة من عالم مليء بالغموض،هي التي استحوذت على اهتمامه.
سمع وقع خطوات تتجه نحوه، اقتربت أكثر حتى شعر بأنفاس صاحبها. فتح عينيه في وجه شاب ملتح، انحنى يتفرس في وجهه قائلاً:
- إنت زين؟
نظر إليه بكل الدهشة التي يمتلكها قبل أن يرد عليه:
- كيف دخلت؟ لمْ أشعر بكَ!
- أنا مسجون مثلك، بس إنت ما انتبهت عليّ لما دخلت، شنو تهمتك؟
قال بعد لحظة صمت:
- تفاجأت بهم وهم يلقون القبض عليّ في الجامعة.
- أنتَ معلم بالكلية؟
انشغل عن الإجابة بالنظر إلى قميصِ الشاب المتعرق، رائحة أبطيه اختلطت مع رائحة المكان. شعر برأسه مثقلًا بأفكار يلفها الضباب، أخرجه مما هو فيه صوت الشاب يسأله ثانية:
- إنت شنو أدرّس؟
- التأريخ السياسي. فجأة، التمعت عيناه كأنه تذكر شيئًا.
سأله الشاب بقلق:
- إشبيك، ليش صفنت؟!
كأنه يحدث نفسه حينما قال:
- عندما ألقوا القبض عليّ، كنت أحاضر عن التاريخ المزيف الذي درسناه، عن الأكاذيب التي أجبرنا على تصديقها والتي ملأت رؤوسنا بالرماد. كنت أقول لطلابي: مهما جاهدنا للوصول إلى جزيرة الأمان، سيعيدنا التيار ثانية للغرق مادمنا لا نغير وسائل الإبحار. إننا كمن يحاول النجاة وسط رمال متحركة حتى إنني تذكرت كلمات أحد الطلبة عندما قال لي: نعم يا دكتور، العطشان يرى كل ماحوله ماءً، وقد لا يكون ما يحيط به سوى السراب!
التفت نحو الشاب فجأة ليسأله:
- لماذا أنت هنا؟
- تعاركت ويه واحد.
- كم مضى عليك في السجن؟
- منذ زمن طويل، انتظر المحامي حتى يخلصني. البارحة، كالولي اليوم هو موعد زيارته، بس تأجل الموعد أكثر من مرة.
تنبه الاثنان لصوت باب الزنزانة وهو يفتح من قبل الحارس الذي راح يهمس للشاب مبتسمًا وهو يناوله صينية الأكل:
- باجر يجي المحامي مالتك، ويخلصك، فقط التزم الصبر و .. ا .. ل .. ه .. د .. و .. ء.
حزن لسماعه الخبر،فقال موجهًا الحديث لزميل السجن:
- صارلي انتظر هذا المخلص أكثر من ألف عام، ما أعرف اشوكت يحن عليّ ويجي؟!
وهو ينظر للشاب،أحس إنَّ كل فكرة من أفكاره ماهي إلا محاولة لمصافحة مارد جبار حول معصميه، طوق من نار، شعور عميق بالغباء ترسخَ داخله لأنه ظنَّ أنه سيتمكن من ملامسة السماء بينما هو يقف على رؤوس أصابعه.
جال ببصره في جدران السجن المثقلة بظلالها والتي أخبرته ساخرة: أنت وتاريخك سجينا زنزانة واحدة.
فقدَ الرغبة في الحديث بينما كلماته وقفت في ثنايا أسنانه المتكسرة.
وهو يلتهم آخر حبة تمر وجدها في جيبه، نظر إلى الشاب الذي حمل صينية الأكل قابع في الزاوية البعيدة يتناول طعامه ونظرة تأمل نابعة من عينيه.
رفع رأسه إلى النافذة العالية التي سمحت لخيط رفيع من الضوء يخترق بصمت العتمة التي تفصل بينه وبين رفيقه، نور مفعم بالفضيلة، لكنه عاجز عن تبديد الظلمة.
ردد مع نفسه:
البحر يقلص شواطئه، بينما نحن ما نزال نبحر بزوارق من ورق!



#فوز_حمزة (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اعتراف
- لعبة في الوطن
- نوافذ الكلمات
- كان لدي صباح لأجلكِ
- حفلة شواء
- هزة مرتدة
- وجهان للحب
- من خلف القضبان
- رسالة في صندوق أسود
- السطر الأخير
- تعال ننس الماضي
- تسعة عشر دقيقة
- أيها المطر .. عليك السلام
- شجرة العشق
- عودة غودو
- على ساحل بركاس
- أوراق زهرة اللافندر
- مسافات وأشياء أخرى
- العهر الفني
- سكران والكأس ملأى


المزيد.....




- كيف مات هتلر فعلاً؟ روسيا تنشر وثائق -اللحظات الأخيرة-: ما ا ...
- إرث لا يقدر بثمن.. نهب المتحف الجيولوجي السوداني
- سمر دويدار: أرشفة يوميات غزة فعل مقاومة يحميها من محاولات ال ...
- الفن والقضية الفلسطينية مع الفنانة ميس أبو صاع (2)
- من -الست- إلى -روكي الغلابة-.. هيمنة نسائية على بطولات أفلام ...
- دواين جونسون بشكل جديد كليًا في فيلم -The Smashing Machine-. ...
- -سماء بلا أرض-.. حكاية إنسانية تفتتح مسابقة -نظرة ما- في مهر ...
- البابا فرنسيس سيظهر في فيلم وثائقي لمخرج أمريكي شهير (صورة) ...
- تكريم ضحايا مهرجان نوفا الموسيقى في يوم الذكرى الإسرائيلي
- المقابلة الأخيرة للبابا فرنسيس في فيلم وثائقي لمارتن سكورسيز ...


المزيد.....

- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فوز حمزة - البوابة