اكتشفت أول أمس إثناء مطالعتي لصحيفة داغيبلادي النرويجية اليومية ميزة جديدة من المزايا التي يتحلى بها المواطن النرويجي والتي تحظى بها المرأة النرويجية. عرفت بعد 11 سنة من سكني في هذه البلاد البعيدة والنائية، أن من العادات والتقاليد النرويجية المتفق والمتعارف عليها و المتبعة في قيادة السيارات أن يقوم الرجل بإعطاء الأفضلية في المرور للنساء.وهذا طبعا يتناقض في بعض الأحيان مع قوانين القيادة والمرور لكنه أصبح جزءً هاماً من ثقافة المجتمع النرويجي. لكنه يتفق تماما مع حرية المرأة في بلاد الشمال الأوروبي. وحيث يوجد نقابة للدفاع عن حقوق الرجال،كما يحلو لأحدهم الترديد دائما.فور قراءتي الخبر الذي بدا لي غريبا وعجيبا،تذكرت المرأة النرويجية التي نظرت لي بغضب قبل أيام قليلة،بعدما رفضت السماح لها بالمرور عملا بقانون القيادة وقبل أن أتعرف على تقليد القيادة في بلدها - بلدي.ومع أن الطريق كانت لي وليس لها إلا أنها لم تراع كوني نرويجي من أصل أجنبي وكون أنني قد أكون لا زلت جاهلا بالعادات والتقاليد النرويجية وبالذات الغريبة والعجيبة منها. لم اسمح لها بالمرور أولا لأنني كنت يومها لازلت أجهل التقليد المذكور كما أسلفت أعلاه.طبعا بعد معرفتي بالعادة تلك بدأت بالفعل ألاحظ ذلك أثناء قيادتي للسيارة في شوارع العاصمة النرويجية أوسلو. وأكثر من ذلك فقد قررت من الآن وصاعدا العمل بالعرف المتبع والتقليد النرويجي الذي اكتشفته بفضل متابعة زوجتي اليومية للصحافة النرويجية.ولقد قرأت في نفس اليوم مقالا آخرا عن قيادة السيارات في السويد،وكانت المفاجئة كبيرة عند التهامي لخبر يقول أن نتيجة الإحصائية الرسمية التي أجريت في السويد أكدت أن سائقي السيارات القادمين بالتحديد من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يشكلون خطرا بنسبة 220% عند قيادتهم للسيارات وهذا رقم خيالي. وهو بالتأكيد خبر مخجل ومحزن لأنه رقم قياسي في ألا مبالاة بحياة النفس وحياة الآخرين،من حيث الخطر الكبير الذي يشكله هؤلاء على الناس يوميا. وتذكرت كذلك أنني كنت قبل أربعة سنوات واحدا من الذين يقودون السيارة بسرعة غير عادية ويشكلون خطرا على الآخرين كما قال لي الشرطي السويدي الذي أوقفني بين مدينتي هالمشتاد ومالمو أثناء قيادتي السيارة بسرعة أخجل من ذكرها الآن. لكني أتذكر أن الشرطي قال لي يا سيدي هنا نحن في السويد وليس في أمريكا.قلت حينها معه حق والآن أقول الحمد لله أنه قال أمريكا وليس النرويج أو لبنان أو فلسطين..
*
يعتبر الأطفال زينة الحياة الدنيا وزينة بيتنا أطفالنا الثلاثة. يوم أمس كانت زوجتي ترافق أبننا سفيان وعمره ستة أعوام كي توصله إلى دار الحضانة التي يذهب أليها كل يوم من الثامنة صباحا وحتى الخامسة بعد الظهر.تحرص زوجتي دائما على مرافقته لأنه سوف يغادر تلك الحضانة والى الأبد بعد خمس سنوات كاملة قضاها هناك. ويجب على سفيان الانتهاء باكرا من الحضانة كي نوفر مبلغ 2500 كراونة الذي ندفعه شهريا للحضانة. حيث سنستعين بالمبلغ المذكور على شراء بطاقة سفره في الصيف الآتي قريبا. وكذلك لأنه سوف يدخل الصف الأول في المدرسة منتصف شهر أغسطس آب القادم.وهو لازال متعلقا بشدة بالحضانة وأصدقائه فيها فهو يواصل طرح السؤال تلو السؤال،آخر أسئلته كان التالي : هل يستطيع أن يقوم بزيارة الحضانة بعد أن يتركها في الفاتح من حزيران يونيو القادم؟ ولما كان جواب والدته بالنفي. قام سفيان بتشغيل عقله الطفولي وفاجئ والدته بالقول: يا أمي عليك أن تأكلي الكثير من الطعام حتى يكبر بطنك وتلدين لي أختا صغيرة أقوم بدوري بمرافقتها يوميا من البيت إلى الحضانة. كم كانت مفاجئة زوجتي كبيرة، فولدنا سفيان يريد من أمه أن تأكل الطعام كي يكبر بطنها وتلد له أختا صغيرة يكون المسئول عنها كما يفعل معه شقيقه وشقيقته الأكبر منه سنا. كما أنه يظن بأن الأطفال يولدون من خلال التهام الكثير من الطعام والكرش أو البطن المنتفخ. هذا الولد هو أكثر أولادي تمردا وإزعاج،لكنه قريب للقلب ويتحرك دوما كفراشة صيف عربي.
*
بينما كنت منهمكا في كتابة هذه السطور وصلتني رسالة الكترونية من الصديق العزيز الكاتب الفلسطيني الشجاع رشاد أبو شاور،كانت رسالته تحمل الكثير من الدفء والمودة.تحمل حر عمان وشوقي لدمشق ومحبتنا لبيروت.سررت بها وسعدت بالخبر اليقين الذي يقول لي عبره أنه قام بالرد على تعلوجيات " من علج وعلوج" الدكتور احمد أبو مطر الذي لا موقف لديه ولا ما يحزنون،وكل ما تبجح به عبر قناة الجزيرة في برنامج الاتجاه المعاكس ينم عن عدم ثقة الأخير بمستقبله وعن خوفه من الماضي الذي يجثم على صدره ويقبض على حريته. فموقف الدكتور أبو مطر انتهازي ووصولي وركيك لأقصى الحدود. وقد أفلح رشاد أبو شاور عندما قام بالرد على أبو مطر وتقديم صورته الحقيقية للقارئ العربي. لأن الأخير قام بالمزايدة الرخيصة على كل العرب المعارضين لأمريكا وإسرائيل،وهذه ليست المرة الأولى التي يمارس فيها أبو مطر هواياته المفضلة عند فيصل القاسم وفي مجلة المؤتمر التابعة للمتصهين العراقي احمد الجلبي وفي مواقع أخرى.ولا أريد هنا تذكير الدكتور أحمد أبو مطر بما تجرأ و قاله للصحافة النرويجية بحق حكيم فلسطين الدكتور جورج حبش. لقد طفح الكيل يا دكتور أحمد وعلى الإنسان أن يحترم عقول البشر والتصرف كإنسان فلسطيني رغم أننا نحمل جنسية النرويج،أو أن يتحمل ما قد ينتج عن تصرفاته وأقواله. لأن شعب فلسطين والأمة العربية ليسوا مشروع سمسرة وهرب إلى الأمام ومتاجرة بدماء الناس.على العكس من ذلك هم مشروع بناء قومي يعيد للعروبة وهجها المضيء وبريقها وعزتها وكرامتها المهانة. وهذا الوهج كان يوجد قليلا منه في الكتاب الأخضر وفي أدبيات العنف الثوري الأخضر للرئيس الليبي القذافي. ودكتورنا أحمد من الذين روجوا لتلك الأفكار.وقبلها كان من الذين عملوا تحت شعارات " وراء العدو في كل مكان، ودم حديد و نار، والطائرة للجميع وهكذا علمنا الوديع". هكذا نشأ هو وهكذا تربت ونشأت أيضا أجيالا فلسطينية نعتز بها وبكل شهداء وأسرى وجرحى وبمناضلي ومناضلات تلك التجربة الثورية الفلسطينية الفريدة. وبعد أن مل من تلك الجماعات ألتحق الدكتور بمن هم أكثرها خطورة وبوليسية بالمجلس الثوري التابع لأبي نضال صبري البنا،ثم انتهى به المطاف لاجئا في أوسلو وحصل لي أن تعرفت عليه في مجمع اللاجئين حيث تصادف أن كنا في نفس المكان لعدة أشهر. للأسف فأن أفكاره الآن ليست عديمة الصدفة بل هي مرتبة ومعدة منذ وقت بعيد وهي ليست موقع افتخار أو احترام.لأننا كفلسطينيين لن نعتز بها ولن نرحب بنوعيتها الهدامة لأنها جزء من الحرب على أمة العرب. أفكار أحمد أبو مطر ليست ملكه بل ملك مصلحته والبوصلة التي تحدد له طريقه الجديد بعدما تخلى عن كل ما هو قديم.
ننصح الدكتور أحمد أن يعيد دراسة أفكاره ويتذكر تقلباته الفكرية والسياسية والتجربة التي مر بها وان لا يركب القطار الأمريكي الإسرائيلي السائر بسرعة فائقة. لأن هذا القطار سوف يعطب عند أول مفترق وعلى أقرب محطة عربية قادمة.