أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود حمدون - سيكوباتي














المزيد.....

سيكوباتي


محمود حمدون

الحوار المتمدن-العدد: 7463 - 2022 / 12 / 15 - 03:16
المحور: الادب والفن
    



" مفيش ميت بيدفع أجرة "
تلملم الشمس بقايا أشعتها الذهبية الدافئة, بدا أنها تتثاءب وترغب في الرحيل مبكرًا كعادتها في أيام الخريف. حينها كنت أنتظر سيارة أجرة على ناصية أحد شوارع" المهندسين", للذهاب إلى ميدان" الجيزة", ومنه عودة إلى بيتي بعد عمل يوم شاق, ما أكثرها أيام الشقاء, حتى آمنت أن حياتي تفقد بهجتها حينما تخلو من الشقاء, تجدب منها القسوة.
غير بعيد عني تقف امرأة خمسينية, من تلك النسوة اللاتي تفترشن الأرصفة, الهائمات على وجوههن بلا مأوى, شأنهن شأن أطياف كثيرة من الناس, لكن من فرط هامشيتهم لا نراهم, أو فقدنا قدرتنا على الإحساس بوجودهم, ربما نخشى مصيرهم, فنتوهّم اختفائهم من حولنا.
قفزتُ إلى العربة, جلستُ على كرسي خلف السائق, نقدته أجرته بسرعة كعبء أحرص دومًا على الخلاص منه. ثم رحت أرمق بفتور السيارات الفارهة, واجهات المحلات التجارية البرّاقة. لم تعد تثيرني كما الماضي, تمر أمام عيني كشريط سينمائي حفظته عن ظهر قلب, لكني لا أملك مفرًا من مشاهدته كل يوم.
انتبهت على بوادر مشاحنة تندلع ببطء بين السائق وأحد الركاب, أمر يحدث كثيرًا, اعتدته أيضًا, درّبت نفسي منذ فترة بعيدة على ألّا أتدخل فيما لا يعنيني, لذلك تجاهلت الخناقة, اختليت بنفسي, أستعيد شريط أحداث يومي, ما سأفعله غدًا.


غير أن الشجار احتدم بشدة, بدا أن التلاسن يحتدم بين السائق وسيدة تجلس جواري مباشرة, حين أدرت رأسي إليها, وجدتها نفس المرأة التي رأيتها على رصيف الشارع, رثة الملابس, تقبض بيدها على كيس أسود من البلاستك. عيناها غائرتان, يحمل وجهها كثيرًا من التجاعيد حتى أن ملامحها الأصلية توارت تحت ركام الشقاء الطويل.
كانت حادة في ألفاظها, تخلط في حديثها بين العامية الشائعة بعض كلمات فصيحة لا تخطئها أذني, كان ردّها أسرع من قدرة السائق على مجاراتها, فاكتفى هذا الأخير بأن بَرْطَم ببعض الألفاظ, ثم أشاح بوجه بعيدًا عنها, ضغط نفير المركبة بشدة ولفترة طويلة كأنما يفرغ شحنة غضبه في إيذاء المارة من حوله.
"سيكوباتي", كلمة واحدة ألقتها المرأة في وجه السائق, لتنهي حالة الجدل بينهما بضربة قاضية حسب تصورها, ثم نظرت إليه بحدة كأنما تستفز رجولته, غير أنه تغافل عنها, تشاغل بالطريق, التسابق مع سيارة أجرة على نفس الخط, للاستحواذ على أكبر عدد من الركاب.
التفتُ إليها, قلت:" سيكوباتي"؟ , مازحتها: أنت مثقفة ؟
فأجابتني: "أيوة",عادي. ما المشكلة؟ تقصد "عشان شكلي وهيئتي"؟
- عفوًا لا أقصد التقليل من شأنك, لكن.. أتعرفين معنى كلمة" سيكوباتي"؟
-باشمئزاز: "لو مش عارفاها, مش ها قولها"
أمام ردّة فعلها, تصنَّعت المرح, برغبة في التعرف عليها عن قرب, قلت لها: اسمحي لي أن أدفع لك الأجرة.
فردّت بسرعة: لا لا, اعطني قيمة الأجرة إن كنت تنوي دفعها فعلًا. ثم نظرت في عيني عميقًا, أكملت بصوت عال سمعه الجميع: "أصلي مش بدفع أجرة", عمري ما دفعت.
باستغراب, سألتها: لمَ؟, " هو فيه حد بيركب ببلاش"؟
فأجابتني وهي تعبث بيمينها بقاع الكيس الأسود: أصل أنا ميتة, ميتة من زمان جدًا, ثم فركت أصابعها ببعضهم البعض, صاحت: "انت سمعت قبل كده عن ميت بيدفع أجرة" ؟



#محمود_حمدون (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لغة جديدة
- اعترافات الملك قبيل الرحيل
- - سرير بروكرست- , رؤية انطباعة عن رواية -مقتل دميه-
- لو شكيت لحظة واحدة
- A.T.M
- حقائق راسخة
- السلاح الأخير
- سنةُ من نوم
- - تسليم أهالي-
- لو رأيتُكِ الآن ..
- لحنُ مميَّز
- ثقب أسود
- دفعة جديدة
- مال قيصر
- ميتا فيرس - وجود وهمي جديد
- محاسبة القرار
- أزمة - رشدي - , قراءة في فقه المسكوت عنه
- قدسية النص وجرأة الخروج عليه


المزيد.....




- -منتدى أصيلة- يسلم الإيفوارية تانيلا بوني جائزة -تشيكايا اوت ...
- هل يمكن فصل -التاريخ- كما جرى عن -التأريخ- كما يُكتب؟ الطيب ...
- لازلو كراسناهوركاي.. الكاتب الذي عبر من الأدب إلى السينما وص ...
- صورة المعلم في الرواية العربية: دراسة نقدية منهجية تطبيقية ت ...
- أسماء أطفال غزة الشهداء تقرأ في سراييفو
- الكاتب المجري لاسلو كراسناهوركاي يفوز بجائزة نوبل للأدب
- تامر حسني يعيد رموز المسرح بالذكاء الاصطناعي
- رئيس منظمة الاعلام الاسلامي: الحرب اليوم هي معركة الروايات و ...
- الدكتور حسن وجيه: قراءة العقول بين الأساطير والمخاطر الحقيقي ...
- مهرجان البحرين السينمائي يكرم منى واصف تقديرا لمسيرتها الفني ...


المزيد.....

- شهريار / كمال التاغوتي
- مختارات عالمية من القصة القصيرة جدا / حسين جداونه
- شهريار / كمال التاغوتي
- فرس تتعثر بظلال الغيوم / د. خالد زغريت
- سميحة أيوب وإشكالية التمثيل بين لعامية والفصحي / أبو الحسن سلام
- الرملة 4000 / رانية مرجية
- هبنّقة / كمال التاغوتي
- يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025 / السيد حافظ
- للجرح شكل الوتر / د. خالد زغريت
- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود حمدون - سيكوباتي