أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود حمدون - السلاح الأخير














المزيد.....

السلاح الأخير


محمود حمدون

الحوار المتمدن-العدد: 7217 - 2022 / 4 / 13 - 23:35
المحور: الادب والفن
    


" السلاح الأخير "
===
أخبرته حاجتي لكوب شاي من يديه, قلت له أن لسعة البرد في حضرته لها متعة لم أستشعرها في الشتاءات التي عاصرتها بعقودي الخمسة المنقضية,كما أنبأته وأنا صادق في كل كلمة, أنني أجد نفسي بين يديه, فأنا أعشق الإصغاء إليه, أقعد بين يديه كتلميذ أمام قُطبه الصوفي, على رغم علمي أنه شخصية متواضعة للغاية في كل شيء غير أن له نظرة نافذة ساحرة, يتكلم بعفوية ومن بين شفتيه تنساب كلمات سرعان ما تتسرب إلى, تتشرّبها نفسي, فأجدني بعدما أغادره وقد أصبحت على غير ما كنت.
فلمّا جالسته منذ ساعات, قلت له تحدّث كيفما شئت, قل و لا تخش مفرداتك,لا تتحسس حروفك, دع كلماتك تخرج كما هي كثمرة شهية نبتت من دون أن تلوّثها يد,كقطرة من ماء السماء سقطت على الأرض فأحيتها بعد موات قرون ..
علت وجهه ابتسامة خجل , فعاجلته بسوال, ما أتيت الليلة إلاّ لأطرحه عليه : كيف مات أبوك؟ هل أصابه مرض؟
بلهجة صعيدية محبّبة, يُصرّ على الاحتفاظ بها, يراها هويته التي لا يمكنه أن يتخلّى عنها,قال: مات أبي في الرابعة و الستين من عمره, صحيح البدن, حاد النظر, صلب العود, مستقيم الظهر, كاملة أسنانه, متوقّد الذهن,سريع الغضب,شديد البأس..
ثم صمت "أبو خلف" دقيقة كأنما يستحضر ذكريات من بعيد, عاد إليّ و أستأنف ما انقطع من كلام: جاءني ذات عصر أحد الأيام منذ خمس وعشرين سنة, أخبرني أنه زهد في العمل في الزراعة, يرغب في راحة بعض الوقت, قال وهو يفرك يديه وينظر إليّ:سأقضي معك يا ولدي بضع ليالِ ثم أعود لمسقط رأسي,فقلت له وأنا أقبّل يديه ورأسه: على الرحب يا أبي.

أذكر وقتها أنه أخذ براحة يدي اليمنى وأدخلها في صدره, قبض عليها بشدة, دعا ليّ بدعاء بعضه جهر به, براحة البال, بأن تُفتح لي الأبواب المغلقة , بأن يحبّني كافة الخلائق , كثير منه بهمس. فأدركت أن ساعته حانت, أن الثمرة توشك أن تسقط من شجرة الحياة .
أزعم أنّي رأيت و أنا بين يديه خيالات و وميض هالات تحيط بنا, أنوار تتلألأ لحظات ثم تختفي, سمعت نغمات موسيقية رائعة تنساب برفق إلى أذني , لا أعرف من أين تأتي, فمسحت برفق على رأس أبي, ثم جعلت من فخذي الأيمن وسادة لرأسه, نظرت في عينيه وقلت: انطق الشهادة يا أبي, فمثلك لا يمكنه أن يمضي لرحلته دونها, هي سلاحك الأخير,فتطلّع إلي وجهي وبسمة رائقة غريبة تستقر بين شفتيه,
فكررت طلبي ثانية وهذه المرة برجاء أشد بعدما أيقنت أن أية ثانية تمر ستخلّف وراءها حسرة إن لم تُستغل جيدًا, قلت: يا أبي و مولاي, انطق شهادتك ثم توكّل على الله. أقسم أنه نطقها علانية ثلاث مرات متتابعات وراء بعضها, ثم أغمض عينيه, بينما أنفاسه تخفت , كانت النغمات تصاعدت السحرية من حولي.



#محمود_حمدون (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سنةُ من نوم
- - تسليم أهالي-
- لو رأيتُكِ الآن ..
- لحنُ مميَّز
- ثقب أسود
- دفعة جديدة
- مال قيصر
- ميتا فيرس - وجود وهمي جديد
- محاسبة القرار
- أزمة - رشدي - , قراءة في فقه المسكوت عنه
- قدسية النص وجرأة الخروج عليه


المزيد.....




- إبراهيم نصرالله ضمن القائمة القصيرة لجائزة -نوبل الأميركية- ...
- على طريقة رونالدو.. احتفال كوميدي في ملعب -أولد ترافورد- يثي ...
- الفكرة أم الموضوع.. أيهما يشكل جوهر النص المسرحي؟
- تحية لروح الكاتب فؤاد حميرة.. إضاءات عبثية على مفردات الحياة ...
- الكاتب المسرحي الإسرائيلي يهوشع سوبول: التعصب ورم خبيث يهدد ...
- من قال إن الفكر لا يقتل؟ قصة عبد الرحمن الكواكبي صاحب -طبائع ...
- أروى صالح.. صوت انتحر حين صمت الجميع
- السعودية تخطط لشراء 48 فدانا في مصر لإقامة مدينة ترفيهية
- هل يشهد العالم -انحسار القوة الأميركية-؟ تحليل فالرشتاين يكش ...
- التمثيل النقابي والبحث عن دور مفقود


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود حمدون - السلاح الأخير