أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - قطار آخن 38















المزيد.....

قطار آخن 38


علي دريوسي

الحوار المتمدن-العدد: 7461 - 2022 / 12 / 13 - 14:49
المحور: الادب والفن
    


قام أخي "نوربيرت" بتمديد مدة إقامتي في موسكو ثلاثة أشهر إضافية، هناك اكتشف الأطباء بدايات مرضي بسرطان الجلد بعد الولادة مباشرة، عُدت بعدها إلى ألمانيا، وصلتُ البيت مُنهَكة، كئيبةً ومنكسرة، أهديت الطفلة لأخي وزوجته، سجّلاها تحت اسم "روزا هنيلوري أدليرهورست".

كان قد مضى على زواج أخي أكثر من سنتين دون أن يرزق بطفل، زوجُ أخي الدكتورة "هناء شابر" سيدة ثرية بالمال والخبرة والتجربة، مُثَقَّفة وغامضة لكنها حنونة، سيدة حقيقية بمعنى الكلمة، بريطانية الجنسية، تنتمي إلى عائلة عريقة ومعروفة، يعيش بعض أفراد عائلتها في مدينة "باث" جنوب غرب بريطانيا، والدها "لورانس شابر"، رجل تاريخ واقتصاد، ألماني-بريطاني الجنسية، استلم في حياته المهنية مواقع وظيفية مهمة في شركات أمريكية وبريطانية للوقود والمواد الكيميائية، جدها هو "فريد شابر" أحد كبار المشاهير ألألمان في علوم الكيمياء، هل سمعتَ به؟ إن لم تكن قد سمعت به أتمنى أن تقرأ عنه، أقصد أن تتعمق بمعرفته.

كان "فريد شابر" عالماً وأستاذاً جامعياً في مجال الكيمياء والتفاعلات الكهروكيميائية وتفاعلات الغاز الحراري، له مؤلفات مهمة وأبحاث عديدة في ميادين الكيمياء الكهربائية، تمكّن من مزج النيتروجين والهيدروجين في ظل حرارة عالية جداً لصنع الأمونياك، مُنتِجاً بذلك السماد النيتروجيني الصناعي الذي أسهم في زيادة المحاصيل الغذائية عالمياً، بعد التخوف الذي كان سائداً في بدايات القرن العشرين من عجز الإنتاج الغذائي العالمي عن تلبية حاجات سكان العالم. ولمكافأته على اكتشافه هذا مُنِحَ "فريد شابر" جائزة نوبل في الكيمياء التقنية.

أعود إلى قصتي، إذ لم تنتهِ آلامي بعد!

أحببت رجلاً كما لا يمكن لإمرأة أن تحب، لم يكن حباً، بل عشقاً وجنوناً واشتهاء، عَزْباء دهر ولا أرْمَلة شهر، كان هذا الرجلُ بلاءً حقيقياً ابتليت به بعد أن اِلتقيته ومارست معه الجنس للمرة الثانية في حياتي، كنت على استعداد أنْ أفعل كل شيء لأجل هذا الإنسان، أن أتبعه إلى أي مكان، كنت أسير في خطاه كمن تسير في نومها بلا بوصلة، لكن هذا الرجل لم يبالِ بي يوماً ولا بما أظهرت له من مشاعر، عاملني ككلبة، كان يشبه أبي حتى في السرير، هل جربت أن تحب بجنونٍ من لا يحبك؟

أنْ تحيا أو تحب بلا ألم هو قرار خاطئ، لأن الإنسان في هذه الحالة سيتوقف لا شعورياً عن الحياة والحب، صراع الإنسان مع قلبه هو موتور الإبداع والتطور، وصلت إلى هذه النتيجة الآن فقط، متأخرة سنوات طويلة.

بعد فترة نقاهة شفيت تماماً من ذاك الحب المرضيّ، انتصرت المرأة الكلبة على نفسها، عشتُ طعم أن أكون اِمرأة حرة لأول مرة، دأبت على قراءة الروايات والقصص، صرت أكتب نصوصاً وخواطر قصيرة، عرفت منذ ذلك الحين أنني لن أسمح لنفسي أبداً أن أعيش تجربة ذل مرة أخرى، كيف يعود عبداً من ذاق طعم الحرية!؟ لا شك أنك تفهمني.

عشت بعد شفائي مرحلة من الحيطة والترقُّب، أتحقق من كل شيء، من كل شخص، أراقب الناس بحذر ثعلب، أبحث عن نقاط ضعفهم، أضع دوائر حولها، صرت كصقر السنقر أفترس في السنة الواحدة الآلاف من فئران الحقول دون أن يتغير وزني، بدأت أخدع نفسي أنني أتلاعب بالحياة، كنت أعيش في ظلها، تواريت في سراديبها، كنت أظن أن حيلتي هذه مع الحياة ستجنبني العذاب والمخاطر، لا للمزيد من المشاعر الموجعة، لم أكن أريد شيئاً أكثر من هذا.

لم يرسل الكون لي ولا في حالة من الأحوال النماذج السلبية من الذكور وحسب، بل على العكس من هذا، لقد عرض الكون عليّ مجموعة متنوعة من الرجال الجذّابين بقامات رشيقة وثقافات اِجتماعية متنوعة وجيدة لكنني كنت دائماً أقع بحب الرجل الخاطئ، بحب الأشرار، لم يكن للرجال اللطفاء الحظ الوافر معي، نصف الجسد السفلي وحده ما كان يلفت انتباهي.

**

الآن وصلتُ إلى قصتي مع زوجي الورقيّ الذي يكبرني بعشرين سنة.

فقط بهذه الكلمات والذكريات البشعة التي أخبرتك بها أستطيع أن أشرح لماذا استمرتْ علاقتي مع زوجي الورقي الذي عشت معه لعدة سنوات.

طالما ظننت أنني استحق حياة أفضل مما عشت وأن الآلهة ستكافئني يوماً على صبري وأن آلامي الكبيرة ستنتهي حتماً بفرح كبير يليق بي، اعتقدت أن حالتي ستتحسن بالمال وأنني سأستريح أخيراً وأتنفس الصعداء، في النهاية هذا ما يرويه الكثيرون، أليس كذلك!؟

حكايتي معه بدأت قبل سنوات من تورطي به كزوجٍ على ورقة، كنت صديقة أخته، قال لي حين كنت في المدرسة الإعدادية مازحاً: سأتزوجك يوماً ما يا حلوة. ابتسمتُ يومها في سري وفكرتُ: حسناً، تزوجني إن أردتَ، ولما لا!؟

كانت عائلة زوجي من روسيا، عائلة غنية وقريبة من الحزب الحاكم، امتلكت كل شيء، كان لديهم امتيازات وتسهيلات خاصة لترتيب شؤونهم وتأمين احتياجاتهم، لديهم فيلا وسيارات وشركة متوسطة يعمل فيها نحو مئتي موظفاً.

في الحقيقة لم أحب هذا الرجل نهائياً ومع هذا فقد بقيت إلى جواره، كنت أملك من خلاله الكثير من الخيارات والإمكانيات التي يمكن أن تلهينني وتشغلني عن قلقي وتشتتي وحزني وتصرف نظري عن رفضي لحاضري، أعني عدم حبي لزوجي، هكذا كنت أفكر أو هكذا خُيّل لي، ثم ما لبثت أن أدركت أن كل الأمور التي أُتيحت لي من منزل كبير وراحة دون عمل واستجمام وسفر وغيرها من الرفاهيات لا تعني لي شيئاً البَتَّة.

يعتاد الأنسان على هذه الأشياء حين توفرها ومع مرور الزمن تصبح أمراً طبيعياً.

لا أحد منا يستطيع شراء السعادة!
لكن ما الجدوى من هذه الحقائق والاعترافات الآن؟

تزوجته دون تفكير، تزوجته دون قلب، ضحيت بحياتي وحياته، تزوجته بعد أن حصلت على الشهادة الثانوية التي تؤهلني للدراسة الجامعية، بعد سنة رزقت بولد ذكر وفي السنة التالية بطفلة، بعدها أصبحت علاقتنا معقدة جداً، لاحظ زوجي أن هناك شيئاً يسير بشكل خاطئ، ملاحظته منطقية، إذ كنا نعيش في الجحيم لأن كل منا على حد سواء تربَّى على احترام ما يمكن أن يقوله ويريده المجتمع وأن لا يثرثر كثيراً عن أموره الشخصية، وهكذا بقيت أنا ذلك الكلب الأحمق، لم أستطيع الخروج من هذا الدور الذي رُسم لي منذ الطفولة بل تقبلت الكثير، تقبلت كل ما حدث.

حاولت أن أحبه كزوج لكني لم أنجح، عاملني دائماً كقطعة براز كريهة الرائحة، كان غالباً ما ينهي أزماتنا ونقاشاتنا سريعاً بالضرب، هكذا ببساطة، فقط لأن جوابي لم يعجبه، واجهت معه ومن خلاله مرة أخرى العنف والقهر والإذلال لكنني بقيت معه حوالي بضعة أعوام، لعل السبب يعود لاستقرار حياتي الجنسية معه، فكرت طويلاً بأنني كنت أستحق ضربه كما استحقيته عند أبي، كان يضربني وكنت أشعر بعدم الأمان، كان يوقظني في الليالي لأنه أراد أن يمنعني من النوم، كان يلعنني، يشتمني، يحتقرني، يعاملني كقطعة وسخ، هددني مراراً بالسكين، وأنا الكلبة قبلت بكل هذا، نعم أنا كلبة والكلاب قذرة، وسخة لا قيمة لها، أنا لا شيء، أنا فاشلة، أنا براز، كيف لي أن أنتظر احترام أي إنسان لي حين أفكر كما أفكر بنفسي؟ كثيراً ما رَدَّدتُ في أحلامي شتائم زوجي التي أحفظها عن ظهر قلب.

تغيرت الأمور بشكلٍ كلي عندما بدأ زوجي يحتقر أولادي، يضربهم ويعنفهم وهم بالكاد قد تعلموا النطق والمشي. قال لهما مرة: أنتما عديما النفع وفاشلين كوالدتكما الخائنة، لستما من ظهري.

لقد قبلت أن يعاملني بوحشية، أن يلعنني كما يحلو له لكن ليس أن يعامل أطفالي كما يحلو له، كنت قد أقسمت عند الولادة ألا أسمح لأحد بأن يمسهم بسوء وأنهم لن يجبروا أبداً على العيش في الوسخ الموحل الذي عشت فيه، بل عليهم أن يصبحوا شيئاً مميزاً في الحياة، عليهم أن يتنعموا بالحياة، أقسمت أن أحمي أطفالي على عكس ما فعل أهلي، كنت أبني مستقبلهم في عقلي لحظة بلحظة، أخطط لدراستهم، رحلاتهم، المهن التي تليق بهم، أقسمت أن أكون لهم وإلى جانبهم في كل مكان، أقسمت أن أحبهم وأدعمهم بكل قوتي، أقسمت أن أفهمهم مستقبلاً بأن في إمكانهم الاعتماد عليّ في كل لحظة.

وهكذا اتخذت قراري ليس فقط بمغادرة هذا الرجل بل وتقديم شكوى قانونية ضده أيضاً.

استغرق الأمر سنوات عديدة لاتخاذ قرار بهذا الحجم، للقيام بخطوة لها عواقب كبيرة على حياتي، كثيراً ما وجدت الأعذار لسلوكياته الوقحة وأخطائه المتكررة، بل غالباً ما كنت أقنع نفسي أنني السبب وأن الخطأ خطأي، كنت أقنع نفسي أنني فعلاً عديمة النفع وأنانية، لا أعمل ولا أهتم به وبالأطفال بما فيه الكفاية.
**



#علي_دريوسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قطار آخن 37
- قطار آخن 36
- قطار آخن 35
- قطار آخن 34
- قطار آخن 33
- قطار آخن 32
- قطار آخن 31
- قطار آخن 30
- قطار آخن 29
- قطار آخن 28
- قطار آخن 27
- قطار آخن 26
- قطار آخن 25
- قطار آخن 24
- قطار آخن 23
- قطار آخن 22
- قطار آخن 21
- قطار آخن 20
- قطار آخن 19
- قطار آخن 18


المزيد.....




- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77
- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...
- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام
- السعودية تتصدر جوائز مهرجان هوليوود للفيلم العربي
- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...
- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - قطار آخن 38