أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - مظهر محمد صالح - مرارات فوق البحر الاحمر














المزيد.....

مرارات فوق البحر الاحمر


مظهر محمد صالح

الحوار المتمدن-العدد: 7445 - 2022 / 11 / 27 - 02:06
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


دخل مكتبي ، رجل أشيب الرأس متوسط القامة ، عرف نفسهُ بأنه أستاذ الاقتصاد الكمي في واحدة من جامعات جنوب العراق ، ثم اخذ مجلسه على اول كرسي في الطرف الايمن من مكتبي ليبادرني القول مبتسماً هل رأيتني من قبل ؟ اجبته ربما ، هنا اطلق الرجل اساريره وعلت الابتسامة ثغره ثانيةً قائلاً :ما اسهل الكلام وما اشق اللحظات والمواقف …! و واصل حديثه ، انه من الصعب عليك ان تتذكرني مالم اكرر ما حدث لنا سوية قبل (اكثر من اربعين عاما).
هنا توقف الرجل من فوره ملتزماً الصمت ليتركني في دوامة الانفعالات وانا ابحث عن الاستفهام والشوق الى المجهول ، حيث كان من ايسر الامور على نفسي في تلك اللحظات هي الغربة المتسارعة بين بحر الوجد وبحر الامل .ثم استدركت وانا ابحث في يقيني صفحة قديمة ليقلبها هذا الرجل في تاريخي الشخصي المليء بالمتاعب والمحن !! هنا اجبت الدكتور محمد القادم من الجنوب ، لا اتذكر يا استاذ ،فان سوء الحظ قد سلط علينا عدواً اسمه الافكار فغزانا من داخل ذكرياتنا وعبث فيها ايما عبث
خلال العقود العجاف الماضية ،فربما كان الحادث المشترك بيننا فريسة لقهر معُذب ، ولكن لابد من بلوغ الحقيقة.
تبسم الدكتور محمد ثانية وهو من شاطرني البؤس والخوف والهم فوق سماء البحر ، قائلاً لا اسعى الى هذه المقابلة العسيرة ولكن جئت كي اذكرك ما حصل لنا على متن الطائرة الخاصة الرسمية الحديثة الصنع والتي تحمل عنوان : Lockheed JetStar….!!!
هنا انسكب سم القلق ليبتعد عن نفسي ،فاطلقت ضحكة عالية قائلًا له كيف لا اتذكر وانت من جلس الى جانبي في تلك الطائرة التي اريد لها ان تسقط في الشعب المرجانية للبحر الاحمر!!! .
ففي شهر أيار /مايو من العام 1980 حملتنا طائرة رسمية صغيرة حديثة الصنع ،وفي اول طيران لها بعد قدومها من الولايات المتحدة وهي تتسع لمجموعة لايزيد عددها على عشرة اشخاص ، مُتسمةً بطابعها البيروقراطي من حيث طغيان الجلد الابيض الثمين على مقاعدها وسيادة اللون الذهبي على مقابضها المعدنية ومواسير المياه ، ويوحي لك مجلسها وانت داخلها شدة المكتبية الحكومية وطغيانها ، وهي محلقة في السماء مواصلةً رحلتها من بغداد الى دار السلام عاصمة تنزانيا الواقعة قبالة الساحل الشرقي لافريقيا .اذ حملت الطائرة وفدا رسميا فنيا يراسه سياسي كبير صوب هذه الدولة الفقيرة ، لتحظى حكومة الرئيس جوليوس نايريري بقرض من الاموال التي وفرتها ريوع دورة الاصول النفطية التي تراكمت في نهاية سبعينيات القرن الماضي قبل ان تفنى في الحرب.
ففي سماء البحر الاحمر اخذت طائرة JetStar بالنزول تدريجياً من مستوياتها العالية وصارت تلامس لمعان الامواج الا قليلاً ، ولم يمر حينها من امامي سوى ذلك الشاب مهندس الطائرة الذي حانت منه شدة نظره الى ارض الطائرة ومفاصله ترتعد وهو يذهب مسرعاً بين مقدمة الطائرةً ويعود الى مؤخرتها بذهن مشتت . فالمنظر وسيناريو الاحداث اللحظية بات مرعباً ولم يبرح مخيلتي .اما زميلي محمد الذي جلس الى جانبي فقد حمل منظر البحر فوق راسه وهو ينظر الي بعينٍ متلصصة حذره ، وغدا كلانا يختلس الخوف بالنظر نحو مهندس الطائرة لنتسائل ما الخطب ايها الرجل ؟ فكانت اجابته لاشيء . ولم يفصح وجه ذلك الشاب المهندس عن تعبير محسوس في مفاصل وجهه ، سوى سحنة واحدة تدفع اساريره صوب الخوف بلا حذر.وظل يسرع الذهاب والاياب وهو يتمتم في نفسه ليقتنص فرصة للحزن الداكن بعد ان طغى الخوف على انفاسه.
هبطت الطائرة على مدرج طاريء في مدينة جدة ، واحاطتها في الوقت نفسه عدد من سيارات الاطفاء والاسعاف من كلا الجانبين لتواكب الطائرة بسرعات عالية وهي تترنح على مدرج الهبوط الاضطراري.
مضت ساعات قليلة من الانتظار ولم يكتشف فريق الصيانة التابع لشركة لوكهيد اي عطل ، بعد ان اشروا فجأة ان هناك عطل متعمد بفتح الملفات الفولاذية التي تربط مقدمة الطائرة في بدنها ، وهو فعل مروع اريد منه احداث خلل في توازن الضغط داخل الطائرة نفسه ، ما قد يتيح سقوطها بعد قطعها مسافات محددة.
انتهت اللعبة وواصلنا الطيران صوب العاصمة التنزانية دار السلام ونحن جميعا نغفوا بصمت مطبق ،لنذهب في اليوم التالي مباشرة الى وزارة المالية التنزانية التي كتب على مدخل بوابتها و باللغة السواحلية ( وزارة يا فدا) اي (وزارة الفدية او المال). استدركت في نفسي ما هي الفدية التي ستدفع الى الحكومة التنزانية ؟ هل نحن ام القرض ؟انه المال المجهول الذي افتتحنا به رحلتنا الى شرق افريقيا بالتقلب على ظهر طائرة JetStar فوق البحر الاحمر ،ام انه يوم لاتكفي فيه الفدية و لاتمضي الا في رحلة هابطة نحو اعماق مياه البحر الاحمر، كي تنعقد المكيدة .
ضمت الطائرة شخصية اقصيت من مناصبها كافة بعد العودة بفترة قليلة كي اتيقن انها المكيدة الخفية . فربما لا تصنف مثل هذه الحوادث بالصدف القدرية طالما ظلت ايادي الخصومة تتهاوى من امامي وهي تدير مكرها بخبث محكم لترمي مراراتها في النهاية كضحايا فوق البحر الاحمر.
((انتهى))



#مظهر_محمد_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ‏‎قصر زاويته بلا ملك ….!
- ثلاثية الثقافة وحوار العقل : الذاكرة والكيد والحظ …!
- حوار الاجتماع السياسي :ضبط التوازنات الداخلية والخارجية
- حوارات معاصرة في الثقافة العراقية- المشرقية .
- الدولة - الامة في حاضنة الاستطالة: انموذج دولة لما بعد الاحت ...
- الأضعاف والتمكين:صراع في ثنائيات الحياة.
- -التضحية الأُضحية :وصراع الطامعين-
- المزِيَّة والمحيط : درس في سببية الحياة .
- على مائدة الرئيس :هموم الحرب وشجون السلام.
- اقلام لاهبة في السياسة العراقية
- عقيل الخزعلي: شذرات من فكر عراقي لا ينقطع.
- ‏‎انسداد المزدوج: تحليل الدولة المشرقية -الهشة
- طواحين الشرق السياسية بلا دقيق.
- الديمقراطية المشرقية: تأملات في الكمائن والتلاقي والضد النوع ...
- الاستجواب وادوات الدولة الاديولوجية الموازية .
- معبد الاغتراب الديمقراطي.
- ‎:النخبة وصعود الطبقة الوسطى وجهات نظر في الثقافة العراقية.
- العراق بعد العام 2003 : الدولة اللينة والدولة الموازية
- بوابات الاجتماع السياسي المغلقة :مفاتيح الفكر العراقي الاربع ...
- النفط و النظام النقدي الدولي: من صدمة نيكسون الى صدمة اوكران ...


المزيد.....




- القوات الإيرانية تستهدف -عنصرين إرهابيين- على متن سيارة بطائ ...
- الكرملين: دعم واشنطن لن يؤثر على عمليتنا
- فريق RT بغزة يرصد وضع مشفى شهداء الأقصى
- إسرائيل مصدومة.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين بجامعات أمريكية ...
- مئات المستوطنين يقتحمون الأقصى المبارك
- مقتل فتى برصاص إسرائيلي في رام الله
- أوروبا.. جرائم غزة وإرسال أسلحة لإسرائيل
- لقطات حصرية لصهاريج تهرب النفط السوري المسروق إلى العراق بحر ...
- واشنطن.. انتقادات لقانون مساعدة أوكرانيا
- الحوثيون: استهدفنا سفينة إسرائيلية في خليج عدن وأطلقنا صواري ...


المزيد.....

- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - مظهر محمد صالح - مرارات فوق البحر الاحمر