|
:النخبة وصعود الطبقة الوسطى وجهات نظر في الثقافة العراقية.
مظهر محمد صالح
الحوار المتمدن-العدد: 7219 - 2022 / 4 / 15 - 03:10
المحور:
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية
1- تمهيد: بين فكرة (التملك) التي جاء بها كارل ماركس 1818-1883 في توصيف الطبقة الوسطى وبين واحدة من الاطروحات التي جاء بها (آلان كروجر Alan Krueger ) استاذ الاقتصاد السياسي في جامعة برنستون في الولايات المتحدة والذي اعتمد معيار ( الدخل) كاساس في توصيف الطبقة الوسطى ،والتي جاءت كاكثر التعريفات إنتشارا في السنوات القليلة الماضية في توصيف معنى الطبقة الوسطى. اذ عرف مركز Pew للأبحاث في الولايات المتحدة في العام 2018 (الطبقة الوسطى) على أنها جميع الأسر التي يتراوح دخلها بين ثلثي الوسيط median الوطني للدخل الى مرتين ذلك الوسيط ، اذ قام آلان كروجر بتعميم نطاق (دخل income )يتراوح بين 50 و 150 بالمائة حول الوسيط median لتحديد الطبقة الوسطى الامريكية. وبالعودة الى المفكر كارل ماركس حول الطبقة الوسطى التي يعرفها بالطبقة (البرجوازية)، فان النظام الاجتماعي الذي يهيمن عليه ما يسمى بالطبقة الوسطى. في النظرية الاجتماعية والسياسية ، كان يعني البرجوازية إلى حد كبير على وفق ما تناوله كارل ماركس في كتاباته بين الاعوام (1818-1883) فضلاً عن وأولئك الذين تأثروا به. لذا فان الأساس الرئيس للتقسيم الطبقي للماركسية يقوم على فكرة تملك او (امتلاك )وسائل الإنتاج ، والدور والموقع الذي تؤديه في تنظيم العمل الاجتماعي (عملية الإنتاج) فضلاً عن توزيع الثروة والموارد والعوائد. وبهذا فان "الطبقة الوسطى" من وجهة النظر الماركسية هي طبقة تحت الطبقة الحاكمة وفوق الطبقة العمالية او البروليتارية. في حين تنصرف نظرية النخبة elite theory الى اشتقاق آخر مختلف عند تقريب ذلك من الطبقة الوسطى ، فهي نظرية تقوم على وصف علاقات القوة في المجتمع المعاصر. اذ تفترض أن أقلية صغيرة، تتكون من نخب اقتصادية، وشبكات تخطيط السياسات، يشكلون سلطة مستقلة في كيان الدولة بعيداً عن عملية انتخابات ديمقراطية ويتم وصفهم بالنخبة elite .لذلك ارتبطت نظرية النخبة بقوة مع مفاهيم بناء الدولة - الامة nation state والاخيرة هي وحدة سياسية حيث الدولة والأمة متطابقتان. اذ يحظى مفهوم الدولة الامة على نحو أكثر دقة من مفهوم "البلد country" ، لأن البلد لا يحتاج إلى مجموعة عرقية سائدة كما هو الحال في مفهوم الدولة- الامة.
2- جاءت ولادة الطبقة الوسطى بطور مختلف عند بناء الدولة -الامة في تاريخ العراق الوطني الحديث إبتداءً من روح الامة العراقية وجدليتها التاريخية العابرة للمذاهب والعرقيات والقوميات الضيقة وفي خضم دايلكتيك تاريخ تطور العراق الحديث ذلك في حقبة النصف الاول من القرن العشرين .فقد استطاعت تلك الطبقة الوسطى ان تفرز نخبة مستقلة ) independent elite ) ،وحملت تلك النخبة بثوابتها ومتغيراتها معادلة مشروعها الوطني ليعبر بصدق عن روح الامة العراقية في بناء عقد اجتماعي جديد موحد ،جوهره الدفاع عن مستقبل الإنسان وضمان وجوده وتقدمه وسعادته ،وكان بمقدور المشروع الوطني النخبوي المستقل ان يوفر بنية موضوعية لاستدامة العدالة الانسانية وضمان الحريات وتوفير العيش المزدهر للانسان في العراق ومنذ ان تمزقت الطبقة الوسطى وتحولت للاسف الى مشاريع واستقطابات مذهبية وعرقية وغيرها من صراعات النصف الثاني من القرن العشرين ،افتقرت النخبة العراقية (ذات التقاليد العريقة) إلى ضمان زخم عامل قوتها :وهو الاستقلال وحاضنته الطبقية . الوسطي يومها خلعت الطبقة الوسطى بنفسها ثوب برنامجها الوطني وتغطت بمذهبيات واديولوجيات متحيزة وضيقت نفسها في حلبات الاستقطاب الحزبي والتمزق المذهبي والتشتت القومي وهي بلاشك قد مزقت بدورها وشائج نسيج (النخبة المستقلة ) واستبدلته بفواصل اجتماعية وسياسية شديدة التباعد عن معتقد ديمومة .الاستقلال وهكذا فقدت النخبة العراقية منذ نصف قرن والى اليوم واحدة من اهم مقومتها ،وهي هوية استقلاليتها ، بعد ان انتهت الطبقة الوسطى هي الأخرى كمشروع وحاضنة للنخبة المستقلة وتشتت الى التعددية Pluralism السياسية .وبهذا غدت (النخبة التاريخية )مجرد شتات او نقاط صغيرة شديدة التلون وعنصر عشوائي ذي ضوضاء ملونة غير بيضاء في معادلة التنبؤات السياسية المتصارعة المشوشة: cloured stochastic element of political conflicts ،ولاتملك تلك القوى في الوقت نفسه زخم استقلاليتها الذي يعني ضمان وحدتها .وان نشوء النخب الحالية يمثل اندماجاً عشوائياً مع تعدديات سياسية ونزعات مناطقية او عشائرية متحيزة معادية لمذهب النخبة واستقلاليتها. ولاسيما بعد ضياع النخبة لمحيطها الطبقي الاوسط ومناخها الحيوي او فقدان وجودها بوحدتها الطبقية الاوسطية .الواسعة فمن صفوة القول ما زالت تلك الاجزاء النخبوية متعلقة وحتى اللحظة باجنحة التحيزات السياسية والطبقية والمذهبية او القوميات الضيقة .وغيرها لدا فان ولادة نخبة عراقية مستقلة في القرن الحادي والعشرين بات بأمس الحاجة الى ولادة طبقة وسطى عراقية حقيقية عابرة للقوميات والمذاهب كشرط ضرورة) necessary condition ) ليُولد عبرها ومن خلالها قوى لمشروع مستقل ،تقوده النخبة العراقية (sufficient condition كشرط كفاية) تهتدي به الديمقراطية العراقية التعددية كمجال فكري وحركي ذي صدى وطني واسع وليس العكس 3- من جانب ثقافي آخر ،يذهب المفكر الحداثوي الاستاذ مازن صاحب بتبني مذهبا آخر في تداول مفهوم النخبة والطبقة الوسطى مؤكدا بالقول : عرفت الدولة العراقية نموذجها المدني من خلال ريادة الواقع السياسي ما بعد الحربين العالميتين .. هكذا ظهرت النخبة السياسية التي أدركت حقائق التاريخ وضرورات الجغرافية .. فانتعش واقع النخب المثقفة سواء أكانت مع الحكم الملكي ام ضده بتطبيقات نزاهة الرؤية لعراق واحد وطن الجميع .. بعد الانقلابات العسكرية انتعشت الطبقة الوسطى بانتعاش الواقع الاقتصادي وسرعان ما اضمحل دورها بعد انهاك الحروب للاقتصاد العراقي .. حتى بعد العام 2003 كان يمكن التصالح بين طبقات الشعب بعودة ظهور الطبقة الوسطى وممارسة دورها الاقتصادي والمجتمعي لادارة الراي العام الجمعي المؤثر على القرار السياسي .. ولكن لم تهتد التطبيقات الديمقراطية الى منهج اعتماد النخب والكفاءات المثقفة لقيادة البلد نحو تراكم مدني متجدد لبناء دولة حضارية حديثة تستثمر تراث عظيم من اجل مستقبل اكثر عظمة .. وادى نظام المكونات والمحاصصة الى استبعاد دور النخب في توليد طبقة وسطى مقتدرة لتطبيقات المواطنة الفاعلة في ادارة الدولة وبناءها المنفتح على تلك الطبقة الوسطى لتخلق فرص العمل في القطاع الخاص وإمكانية تحولها الى برجوازية وطنية ... هكذا ضاع طريق الديمقراطية وتلاشت النخب والكفاءات المثقفة ولم تظهر طبقة وسطى تقود دولة عراق واحد وطن الجميع ..واستبدلت باجندات سياسية متضاربة انتهت الى ظهور شرائح مجتمعية على هامش صراعات وشخصنة حزبوية ... تتعامل مع نتائج توافق محاصصة وتعيش على هامشها فيما انزوت النخب والكفاءات المثقفة والطبقة الوسطى بمختلف أشكال الاستبعاد والتهميش. ولبلوغ شرط الكفاية بما يوفر عبور جسر الديمقراطية وبناء دولة لمستقبل اجيالنا المقبلة ، فان الامر يتطلب التفكير الايجابي بأهمية اعتماد النخب والكفاءات المثقفة على وجودها الفعال من اجل توسيع بقعة الزيت المجتمعية والاقتصادية لانتاج طبقة وسطى تفرض كلمتها من خلال صناديق الاقتراع.
4-ويتناول المفكر السياسي والمؤرخ الرافديني الاستاذ الدكتور مزهر الخفاجي متلازمة التوصيف بين النخبة والطبقة الوسطى وعلى النحو الوارد في (2 ) اعلاه بالقول: تقترب محاولات مظهر محمد صالح مع مجموعة من المثقفين المتنورين في انماط انتاج المعرفة المختلفة ..ولابدَ ان نذكر هنا أن مصطلح الطبقة الوسطى في العراق او تحديد المفهوم يحتاج الى تدقيق ، واعتقد أن العراق يخلوا من نمو طبيعي ..او تأصيل للطبقة الوسطى منذ قرنين من الزمن ..ولانجافي الحقيقة حينما نقول :ان الكلا الاحتلالين العثماني والانكليزي قد ساهما في تفتيت مفهوم الطبقة الوسطى او على الاقل تشويه دلالاتها وفاعليتها المجتمعية ..على الأصعدة (السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، والثقافية ، والدينية ) وهي حاولت ونقصد المحتل خلال المئتي عام المنصرمة من تأسس لتمظهرات الطبقة الوسطى متناسلة رموزها من اقطاعيات ثلاث: اولاً، الاقطاعية القبلية .ثانياً، الاقطاعية الالولغارشية(ملاكي الاراضي والبيوت) ثالثاً، الاقطاعية الدينية . فهذا التمظهر الكاذب كان مرتبطاً (عند نشاة الدولة العراقية الحديثة 1921) بفكرة الولاء للمحتل البريطاني او التخادم معه، او الحفاظ على مصالحها كطبقات نافذة …والتمظهر غير الحقيقي للطبقة الوسطى كما اسلفنا ، اذ غيبَ دورها في مفاصل ثلاثة فقد (أنشطرت الجماعة الوطنية ، وتشظت بين الولاء للخارج او المصالح ،او لطبقتها) فهي وإن كانت فاعلة في فترات تاريخية معينة إلا أنها بدت وكأنها اقصد الجماعة الوطنية ، كمخرج للطبقة الوسطى وكأنها ممسوكة من الخارج ..وخير دليل غياب الطبقة الوسطى والجماعة الوطنية في اختيار حاكمها الوطني ، إلا بعد موافقة الانتداب البريطاني ، وكذلك غابت الجماعة الثقافية كونها منتج من نواتج التمظهر او تشكل الطبقة الوسطى … في مطلع القرن العشرين وقد تلاشى دورها الفاعل وانحسر في دور التحرير او التنوير النسبي واختفى دورها القيادي في قيادة الطبقة الوسطى ، والجماعة الثالثة ونقصد الموسسة العسكرية الوطنية والتي وان كانت نتاجاً طبيعياً لحاجات المجتمع في تأسيس الجيش في عشرينات القرن الماضي …إلا ان الجماعة العسكرية كانت نبتاً طبيعياً او امتداداً لمصالح الاقطاعيات الثلاث (القبلية ، الالوغارشية، والدينية ) فوجدنا ان دورها يتصاعد مرة كما هو واضح في حركة (مايس 1941) وفي ثورة (تموز 1958) وغيرها … لكنها كانت محدودة الانحياز .. إننا نثبت هنا ان كلا الاحتلالين العثماني والانكليزي وحتى الاحتلال الامريكي قد ساهم في الحد من دور الطبقة الوسطى ولاسيما في تمكين نخبها (الوطنية والثقافية والعسكرية ) من ان تؤدي الدور التاريخي الذي يجب ان تؤديه ، وهي عكس الطبقة الوسطى في مصر والتي ساهمت الجماعة الوطنية والثقافية والعسكرية فيها على مدى القرن الماضي في الانحياز الى مصالح شعبها ، وفي الحفاظ على هويتها الوطنية وكذا الامر في الطبقة الوسطى في تونس .. ان هذا الوصف السريع لايمنعنا من القول : أن بواكير الوعي عند الطبقة الوسطى في حواضرها الثلاث (بغداد، البصرة ، الموصل ) وحتى بعض المناطق في شمال العراق ، كانت قد ادت ادواراً وطنية عظيمة تجسدت فيها الهوية الوطنية وتناسلت فيها .. الطبقة الوسطى قيم ومعاني الوطنية الحق ، فالعراق كما هو معروف دولة واحدة في اطار تنوع بشري وثقافي ، والعرق والطائفة بإنتمائاتها الوطنية وارتفعت عن الممارسة الطائفية والسلوك الشوفيني ، وتغلبت على روح التمرد والانفصال .. ان الطبقة الوسطى في العراق مرشحة ان تأخذ دورها الوطني الفاعل اذا ماتوفر لها (دولة عادلة ، وعقد اجتماعي متوازن ، وديمقراطية حقَة ) تضمن حق الفرد وليس حق المكونات ولا الطوائف في بناء مستقبل مزدهر للبلاد . (انتهى)
#مظهر_محمد_صالح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
العراق بعد العام 2003 : الدولة اللينة والدولة الموازية
-
بوابات الاجتماع السياسي المغلقة :مفاتيح الفكر العراقي الاربع
...
-
النفط و النظام النقدي الدولي: من صدمة نيكسون الى صدمة اوكران
...
-
الفكر العراقي الراهن : رؤى في الصدق ، الحب والمروءة.
-
النقود الملكية الحمراء
-
تعويضات حرب الكويت: مسار داكن في التاريخ الاقتصادي للعراق.
-
قراءة إنسانية في قلم المفكر عقيل الخزعلي
-
رباعية الفكر الرافديني
-
موديل الدولة المشرقية :العراق انموذجاً.
-
الحرس الدستوري الجديد في العراق
-
تجربتي العملية مع الراحل د. سنان الشبيبي
-
المفكر كاظم حبيب : حوارات في ذاكرة الضمير.
-
التناثر الديمقراطي والاغتراب الرأسمالي .
-
الذاكرة مدينة لاتنام في العصر الرقمي.
-
الخصومة في جدل البنية الفوقية السياسية:العراق انموذجاً.
-
شهداء خالدون ( الدكتور صفاء الحافظ )
-
الخطاب في الاجتماع السياسي في العراق : حوار الحكماء.
-
اليسار واليمين : تأملات في رؤى عراقية معاصرة.
-
الإنسان رواية
-
وعاء الخوص السومري
المزيد.....
-
مبعوث الأمم المتحدة للصحراء الغربية يلتقي مسؤولين من البوليس
...
-
بيان المكتب الجهوي لحزب النهج الديمقراطي العمالي بالجنوب
-
الدفاع التركية تعلن تحييد 58 مسلحا من حزب العمال الكردستاني
...
-
في الذكرى السنوية الخامسة لانتفاضة أكتوبر 2019
-
نـــــــداء حزب التقدم والاشتراكية للمشاركة في المسيرة الشعب
...
-
الصين الشيوعية تحتفل بعيدها الـ75.. هل تصمد حتى المئوية؟
-
تعزية الامين العام لحزب التقدم والاشتراكية محمد نبيل بنعبد ا
...
-
تعزية الامين العام لحزب التقدم والاشتراكية محمد نبيل بنعبد ا
...
-
? أخبار الاشتراكي: 1/10/2024
-
بلاغ صحفي حول اجتماع المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية
...
المزيد.....
-
مَشْرُوع تَلْفَزِة يَسَارِيَة مُشْتَرَكَة
/ عبد الرحمان النوضة
-
الحوكمة بين الفساد والاصلاح الاداري في الشركات الدولية رؤية
...
/ وليد محمد عبدالحليم محمد عاشور
-
عندما لا تعمل السلطات على محاصرة الفساد الانتخابي تساهم في إ
...
/ محمد الحنفي
-
الماركسية والتحالفات - قراءة تاريخية
/ مصطفى الدروبي
-
جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية ودور الحزب الشيوعي اللبناني
...
/ محمد الخويلدي
-
اليسار الجديد في تونس ومسألة الدولة بعد 1956
/ خميس بن محمد عرفاوي
-
من تجارب العمل الشيوعي في العراق 1963..........
/ كريم الزكي
-
مناقشة رفاقية للإعلان المشترك: -المقاومة العربية الشاملة-
/ حسان خالد شاتيلا
-
التحالفات الطائفية ومخاطرها على الوحدة الوطنية
/ فلاح علي
-
الانعطافة المفاجئة من “تحالف القوى الديمقراطية المدنية” الى
...
/ حسان عاكف
المزيد.....
|