أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فتحي البوكاري - أبدا لست أهذي














المزيد.....

أبدا لست أهذي


فتحي البوكاري
كاتب

(Boukari Fethi)


الحوار المتمدن-العدد: 7436 - 2022 / 11 / 18 - 14:05
المحور: الادب والفن
    


أكّدت لي والدتي أنّ مولدي قد تمّ في يوم بارد وأنّي لم أحب قط على أربع .. أبدا، لست أكذب .. قالت إنّها حين وضعتني سقطتُ على رجليّ دون أن أرتكز على أحد. حتى إنّ القابلة التي كانت تولّدها فغرت فاها لحظة ولم تمدّ يدها إليّ لتمسح ما التصق بي من عفونة الرحم. و حين همّت بذلك كنتُ قد انفلتتُ مبتعدا عنها ، أجمع حشية تناسب رأسي الصغير لأتوسّدها . . كنت منذ الصغر مولعا بالنوم .. و لكن عندما أكون وحدي يفرّ عن جفنيّ النعاس. لست أدري لماذا، رغم أنّي سمعت من يقول إنّ سببه الخوف. و هو لم يُوضح سبب هذا الخوف ...
أتذكّر أنّي كنت أتكئ دوما تحت شجرة زيتون كبيرة أرعى بقرة .. لا أظنّ .. غزالة .. لا، لست أذكر .. ربّما هو ظلّ أرض .. ليس مهمّا .. على كلّ حال، كنت أرعى شيئا خاصّا، نسيته. و كان على الشجرة عشّ عصفور .. يغدو الطائر خماصا ثمّ يعود إلى وكره وقد امتلأت حوصلته. وكنت أراه لا يتوجّه رأسا إليه ، بل يرفرف حوله، يستكشف جوانبه قبل أن يحطّ على مقربة منه ثمّ ينطّ ، بعدئذ، على الأغصان، من غصن إلى غصن، إلى أن يدخل عشّه .. أدهشني صنيعه ذاك، في بادئ الأمر. كان يملك أجنحة فما الذي يعيقه فلا يلج مكانه رأسا؟ ولكن حين فكّرت في ذلك بجدّية أحسستُ بالدوار يلفني والنعاس يخثر جفنيّ .. فنمت ولم أنتبه إلاّ بعد أن فقدت ما كنت أرعاه .. وحتى الغصن الذي كان ركيزة لبيت العصفور الصغير وجدته مكسورا .. أو هكذا خيّل إليّ، لأنّي عندما أفقت لم أنظره فوق الشجرة .. ووجدتي نفسي أندهش أكثر حينما علمت أنّ نومي لم يدم إلاّ لحظات ...
حينما أخبرت حارس الضيعة المجاورة بالأمر سخر منّي و ظنّ أني سلكت طرق المتصوّفين في الغفوة مع الزيادة في التوهّم .. وقد أجبرتُ على أن أكرّر حكايتي على مسامعه أكثر من مرّة حتّى يقتنع بما قلتُه.. أقسمت له أنّي لم أرتكز على أحد، وأني ولدت ماشيا على رجليّ .. فلم يصدّقني، بل اكتفى بتحريك شفتيه في دعاء عريض وقال:
- إنّ الفصل شتاء، وأنا لم أشاهد أيّة دابة تمرّ من هنا.
أشكّ في صدقه كما يشكّ في سلامة عقلي .. لا يمكن أن تطير، هكذا، مرّة واحدة. ليس لأنّها لا تقدر على الطيران، وإنّما لأنّها تحبّني .. تحبّني كثيرا. ولن تفعل ذلك دون أن تحملني معها .. أنا راعيها الأوّل والأخير .. ولدت ماشيا ولم أرتكز على أحد...
عندما أثقلت عليه، همّ بالانصراف. فاعترضت طريقه. تمسّحت به. ألححت عليه أن يتذكّر .. ضيعته كبيرة، واسعة ولا يستطيع أن يحيط بجميعها .. قد تكون تسرّبت إلى واديه دون أن يتفطّن إلى ذلك .. يجب أن يستشير أحدا ما، هنا. طرحت عليه الفكرة فاحمرّ وجهه واسودّ. نفخ في أوداجه حتّى انفتح منخراه على وسعهما وتكوّمت عظامه في جهة واحدة من وجهه ثمّ قال:
- لقد طعنت في مسؤوليتي كحارس للضيعة .. اتهمتني بالغفلة وهذا إثم لا أستطيع أن أغفره لك .. أنت نفسك لا تعرف أن تحدّد ما تبحث عنه فكيف لي أن أحدّد ما أنت تجهله.
ثمّ مشى متجاهلا وجودي، تاركا إياي في ذهول تام .. بعد فترة عاد وأشار إليّ كي أتبعه .. فاقتفيت أثره صامتا. قال:
- سنعالج المشكلة في مجلس عائلي مُضيّق. سأرى رأي الجماعة لعلّهم شاهدوا الذي فقدته.
لا يوجد في الكوخ أحد .. وقفت أنتظر مجيء أفراد أسرته، أتلهّى بالتفرّج عليه هو يحمل صندوقا متينا .. كبّه وجلس فوقه. ثمّ سحب من جيبه علبة سجائر وضعها بجانبه على الصندوق وبقي ساهما .. تمتم بكلام لم أتبيّنه ..
- ماذا قلت ؟
ظننته يخاطبني .. التفت نحوي وقال:
- مازلنا نفاوض ..
مع من؟ لا أحد في الكوخ غيره ومع ذلك فهو يرفع عينيه عاليا .. يقاطع بيديه محتجّا .. يسكت ليشعل لفافة تبغ يمتصّ منها نفسا ينفثه في الهواء ثمّ يلقي بالبقيّة تحت أقدامه .. يتصبب عرقا حتّى تبتلّ ثيابه، وأخيرا ابتسم وهو يقول لي متسائلا:
- هل كنت تبحث عن شيء مفقود؟
فأخرج من فوري، ويقهقه هو خلفي بصوت مبحوح، مازلت أسمع دويّه يرنّ في أذني إلى الآن .. نعم إلى الآن .. أحسّ خلالها أنّي أسير على أربع غير أنّي أبطأ من السلحفاة، أنا الذي ولدت ماشيا و لم أرتكز على أحد.



#فتحي_البوكاري (هاشتاغ)       Boukari_Fethi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حوار مع المؤرّخ أ. د عبد الجليل التميمي
- الأبراج
- الغموض في شعر فتحي ساسي النثرية، من خلال ديوانيه: -كنت أعلّق ...
- يا أنت
- حيـــن يخضّـــر الإسفلت
- حوار مع الأديب أحمد ممّو:
- غرف في الجنة .. غرف في النار
- يوم تبدّلت الْأرض
- الشَّــرِكَـــــة
- جذور القصة القصيرة بين صدى الاقتداء ورجع التراث.
- الحلاّج يموت مرّتين (*)
- وللمهمّشين نصيبهم من الحياة
- تعدّد الأصوات في رواية -آخر الموريسيكيات- لخديجة التومي (*)
- معاني الغربة في النسيج السردي لأبي بكر العيّادي (*)
- زهرة ماي (Mayflower)
- الأساليب الفنية في نصوص عبد القادر الطويهري السردية(*)


المزيد.....




- الفنانة المغربية لالة السعيدي تعرض -المرئي المكشوف- في -دار ...
- -الشوفار-.. كيف يحاول البوق التوراتي إعلان السيادة إسرائيل ع ...
- “المؤسس يواصل الحرب”.. موعد مسلسل قيامة عثمان الموسم السادس ...
- المسرح الجزائري.. رحلة تاريخية تجمع الفن والهوية
- بفعاليات ثقافية متنوعة.. مهرجان -كتارا- للرواية العربية ينطل ...
- حديقة مستوحاة من لوحة -ليلة النجوم- لفان غوخ في البوسنة
- عودة الأفلام الرومانسية إلى السينما المصرية بـ6 أعمال دفعة و ...
- عائلات وأصدقاء ضحايا هجوم مهرجان نوفا الموسيقي يجتمعون لإحيا ...
- كيف شق أمريكي طريقه لتعليم اللغة الإنجليزية لسكان جزيرة في إ ...
- الحلقة 2 الموسم 6.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 166 كترجمة على ...


المزيد.....

- إيقاعات متفردة على هامش روايات الكاتب السيد حافظ / منى عارف
- الخلاص - يا زمن الكلمة... الخوف الكلمة... الموت يا زمن ال ... / السيد حافظ
- والله زمان يامصر من المسرح السياسي تأليف السيد حافظ / السيد حافظ
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل مسرحية "سندريلا و ال ... / مفيدةبودهوس - ريما بلفريطس
- المهاجـــر إلــى الــغــد السيد حافظ خمسون عاما من التجر ... / أحمد محمد الشريف
- مختارات أنخيل غونزاليس مونييز الشعرية / أكد الجبوري
- هندسة الشخصيات في رواية "وهمت به" للسيد حافظ / آيةسلي - نُسيبة بربيش لجنة المناقشة
- توظيف التراث في مسرحيات السيد حافظ / وحيدة بلقفصي - إيمان عبد لاوي
- مذكرات السيد حافظ الجزء الرابع بين عبقرية الإبداع وتهمي ... / د. ياسر جابر الجمال
- الحبكة الفنية و الدرامية في المسرحية العربية " الخادمة وال ... / إيـــمـــان جــبــــــارى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فتحي البوكاري - أبدا لست أهذي