أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فتحي البوكاري - الشَّــرِكَـــــة















المزيد.....



الشَّــرِكَـــــة


فتحي البوكاري
كاتب

(Boukari Fethi)


الحوار المتمدن-العدد: 7390 - 2022 / 10 / 3 - 10:02
المحور: الادب والفن
    


بَدَا لَكَ الشَّارِعُ الّذِي وَقَعَ عَلَيْهِ اِخْتِيَارُكَ مَنْطقَةً زَكِيَّةً، تَتَلَأْلَأُ فِيهِ نُجُومُ أَحْلَامِكَ وَتَوْقُكَ إِلَى السَّعَادَةِ. يَكْفِي أَنْ تَرْمِيَ شِبَاكَكَ كَيْ تَصْطَادَ الذَّهَبَ... أَمَامَكَ مِئَاتُ الأَبْوَابِ. خَلْفَ كُلِّ بَابٍ كَنْزٌ يَنْتَظِرُ صَرِيرَ المِفْتَاحِ. وَالمِفْتَاحُ مَعَكَ:
الأَنَـــاقَـةُ.
الفـَاعِلِيَّــةُ.
وَالصَبْرُ الطَّوِيلُ.
فَمِنْ أَيْنَ تَبْدَأُ؟ وَأَيْنَ الاتِّجَاهُ؟
مَرَّ الوَقْتُ، وَأَنْتَ لَا تَزَالُ تَرْمِي بِوَمِيضِ عَيْنَيْكَ جِهَاتِ الشَّارِعِ الممْتَدِّ أَمَامَكَ بِلَا حُدُودٍ. فِي آخِرِ هَذِهِ الطَّرِيقِ سَتَنَالُ البَرَكَةَ. سَتَجْمَعُ حَصَادًا وَفِيرًا. هُنَاكَ، فِي آخِرِ هَذَا الشَّارِعِ الطَّوِيلِ، الّذِي لَا يُمْكِنُكَ مِنْ مَكَانِكَ هَذَا أَنْ تَرَى نِهَايَتَهُ، يَنْتَظِرُكَ النَّعِيمُ الخَالِدُ. يَجِبُ أَنْ تُسْرِعَ كَيْ تَلْتَحِقَ بِفَوْجِ الأَثْرِيَاءِ. مَصِيرُكَ بَيْنَ يَدَيْكَ فَلَا تَقِفْ مَبْهُوتًا، مُتَهَيِّبًا... تَسْتَطِيعُ أَنْ تَلِجَ أَيَّ مَكَانٍ شِئْتَ... تَحْتَ وَقْعِ أَنَاقَتِكَ هَذِهِ لَنْ يَتَجَاسَرَ أَيُّ كَائِنٍ كَانَ عَلَى صَدِّكَ عَنِ الدُّخُولِ إِلَى مَكْتَبِهِ. هُمْ لَيْسُوا أَحْسَنَ مِنْكَ. وَصُوَرُهُمْ لَيْسَتْ أَفْضَلَ مِنْ صُورَتِكَ. حَدِّقْ فِيهِمْ سَتَرَى الزَّيْفَ يُدَثِّرُهُمْ... لَا، لَا تَنْظُرْ بِعَيْنَيْكَ فَيَبْهَرُكَ مَظْهَرُهُمْ، بَلِ ارْمِهِمْ بِشُعَاعِ بَصِيرَتِكَ. اِرْمِ أَحْلَامَكَ عَالِيًا وَتَسَلَّقْ إِلَيْهَا سَتَرَى الوُجُوهَ عَلَى حَقِيقَتِهَا وَسَتُدْرِكُ مَقَامَكَ العَالِيَ فِيهِمْ. أَنْتَ شَخْصٌ مُهِمُّ. أَنْتَ رَجُلٌ مُحْتَرَمٌ حَقًّا، وَشَخْصِيَّتُكَ تَبْدُو وَاضِحَةً مِنْ خِلَالِ رَبْطَةِ عُنُقِكَ المتَنَاسِقَةِ مَعَ ثَوْبِكَ الأَنِيقِ. إِنَّكَ شَخْصٌ تُلَائِمُهُ الأَلْبِسَةُ. عِنْدَمَا تَلْتَفِتُ إِلَيْكَ الرُّؤُوسُ لَنْ تُخْطِئَ فِي تَوْسِيمِكَ بِوِسَامِ الاحْتِرَامِ وَالتَّقْدِيرِ، رَغْمَ أَنَّ النَّاسَ هُنَا يَنْخَدِعُونَ بِسُهُولَةٍ وَيَتَذَوَّقُونَ المرْءَ بِأَعْيُنِهِمْ إِلَّا أَنَّكَ بِالفِعْلِ تَسْتَحِقُّ التَّقْدِيرَ فَأَنْتَ تَنْظُرُ إِلَى بَعِيدٍ وَغَدًا سَيَبْتَسِمُ لَكَ حَظُّكَ. فَانْطَلِقْ مُبَاشَرَةً إِلَى هَدَفِكَ، إِلَى غَايَتِكَ، إِلَى مَطْمَحِكَ. حُطَّ مِنْ قِيمَةِ الآخَرِينَ وَارْفَعْ شَأْنَ نَفْسِكَ تَتَحَرَّرْ مِنَ التَّخَوُّفِ وَالرَّهْبَةِ الّذَيْنَ يُسَمِّرَانِكَ إِلَى الأَرْضِ... قُلْتَ لِنَفْسِكَ:” لَيْسَ مِنَ السَّهْلِ أَنْ أَنْتَزِعَ مِنَ النَّاسِ أَمْوَالَهُمْ قَبْلَ أَنْ يَسْتَقِرُّوا فِي أَمَاكِنِهِمْ“. رَأَيْتَ مِنَ الحِكْمَةِ أَنْ تَتَرَيَّثَ قَلِيلًا. سَتُمْضِي بَعْضَ الوَقْتِ فِي المقْهَى إِلَى أَنْ تَتَوَضَّحَ لَكَ خُطُوطُ أَفْكَارِكَ.
فِي المقْهَى جَلَسْتَ وَأَنْتَ تَتَسَاءَلُ:” إِذَا كَانَ الأَمْرُ هَكَذَا فَلِمَاذَا هَذَا التَّأْكِيدُ عَلَى ضَرُورَةِ القِيَامِ بَاكِرًا؟ “
لِكَيْ تَنْجَحَ عَلَيْكَ أَنْ تُطَبِّقَ الطَّرِيقَةَ بِدِقَّةٍ. إِذَا قِيلَ لَكَ إِنَّ الحَظَّ الأَوْفَى فِي آخِرِ هَذِهِ الطَّرِيقِ فَعَلَيْكَ أَنْ تُصَدِّقَ ذَلِكَ. وَإِذَا قِيلَ لَكَ سِرْ عَلَى هَذَا النَهْجِ تَظْفُرْ بِالسَّعَادَةِ فَعَلَيْكَ أَنْ تَفْعَلَ بِلَا تَرَدُّدٍ. هُمْ أَقْدَرُ مِنْكَ عَلَى فَهْمِ هَذِهِ الحَيَاةِ. هُمْ أَوْسَعُ خِبْرَةً مِنْكَ، وَأَكْثَرُ ثَقَافَةً وَتَعَلُّمًا... "البَايِّبِي" رَجُلٌ ذَكِيٌّ وَمُتَمَرِّسٌ يُمْكِنُ لَهُ أَنْ يَفْتَحَ لَكَ آفَاقًا بَعِيدَةً. فَقَطْ الْتَزِمْ بِتَوْجِيهَاتِهِ دُونَ تَفْكِيرٍ أَوْ تَشَكُّكٍ..
فِي تِلْكَ اللَّحْظَةِ، تَنَاسَلَتْ فِي أُذُنَيْكَ كَلِمَاتُ "البَايِّبِي" حِينَ قَالَ: “نَحْنُ لَا نَشُكُّ فِي ذَكَائِكَ الخَارِقِ أَوْ فِي قُدْرَتِكَ عَلَى المبَادَرَةِ، وَلَكِنْ مَنْهَجُنَا مَتِينٌ لَا يَحْتَاجُ إِلَى تَعْدِيلٍ. لِمَ الإِضَافَةُ أَوِ التَّحْوِيرُ وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ بِدَقَائِقِ أَرْكَانِهَا قَدْ لَقِيَتْ نَجَاحًا وَرَوَاجًا فِي ثَمَانِينَ دَوْلَةً؟”
وَاعْتَذَرْتَ صَادِقًا. وَسَحَبْتَ وَقْتَهَا اقْتِرَاحَاتِكَ التِي رُمْتَ مِنْ خِلَالِهَا إِظْهَارَ حَمَاسَتِكَ لِلْعَمَلِ فِي المؤَسَّسَةِ. وَبَدَأْتَ فِي تَطْبِيقِ التَّعْلِيمَاتِ حَرْفِيًّا.
قُلْتَ حَرْفِيًّا! وَمَا تَفْعَلُهُ الآنَ هَلْ يُلَامِسُ هَذِهِ الكَلِمَةَ؟
اِسْتَرْخَيْتَ فِي جِلْسَتِكَ وَفَكَّرْتَ:“لَنْ تَضُرَّ نِصْفُ سَاعَةٍ تَأْخِيرًا مَا دُمْتُ أَمْلِكُ المفَاتِيحَ. وَمَا دَامَتِ الكُنُوزُ مُخَبَّأَةً خَلْفَ تِلْكَ الجُدْرَانِ... ”
****
تَزَحْزَحَ الزَّمَنُ قَلِيلًا فَنَفَضْتَ عَنْكَ التَّرَدُّدَ وَاتَّجَهْتَ إِلَى بَابٍ قَرِيبٍ مِنْكَ. ثُمَّ تَوَقَّفْتَ عِنْدَ عَتَبَتِهِ. لَمْ تَجِدِ الشَّجَاعَةَ لِتَدْخُلَ. أَحْسَسْتَ بِالتَّوَتُّرِ. صَاحِبُ هَذَا البَابِ نَجَّارٌ، لَنْ يَسْتَفِيدَ بِمَا سَتَعْرِضُهُ عَلَيْهِ. تَحَوَّلْتَ عَنْهُ إِلَى بَابٍ آخَرَ، ثُمَّ آخَرَ، وَأَنْتَ تَتَفَادَى الوُقُوعَ عَلَى مَنْ لَا يَهُمُّهُمُ الأَمْرُ. ارْتَكَبْتَ خَطَأً فَادِحًا. الطَّرِيقَةُ لَا تَقُومُ عَلَى الانْتِقَاءِ. أَحْيَانًا تَحْتَجِبُ الحَقَائِقُ خَلْفَ المظَاهِرِ. فَلَا تَقَعْ فِي هَذِهِ المصْيَدَةِ. تَرَدَّدَتْ فِي أَعْمَاقِكَ كَلِمَاتُ "البَايِّبِي". الْتَقَطَتْ ذَاكِرَتُكَ صَدَاهَا فَعَاوَدْتَ اجْتِرَارَهَا: “إِنَّ كُلَّ بُقْعَةٍ تَخْتَارُونَهَا هِيَ خَزِينَةُ أَمْوَالٍ مَفْتُوحَةٌ. عُبُّوا مِنْهَا مَا اسْتَطَعْتُمْ، وَلَا تَحْتَقِرَنَّ أَحَدًا، فَقَدْ تَنَالُونَ مِنَ الحَاجِبِ مَا لَا تَنَالُونَهُ مِنَ المدِيرِ.”
عَلَيْكَ إِذًا أَنْ تَبْدَأَ مِنْ جَدِيدٍ وَتَمْسَحَ هَذَا الشَّارِعَ بَابًا، بَابًا... مِنْ حَقِّ كُلِّ النَّاسِ الانْتِفَاعُ بِبِضَاعَتِكَ. وَمِنْ حَقِّكَ الاسْتِفَادَةُ مِنْ لَهْفَتِهِمْ وَحُبِّهِمْ لِلتَّمَلُّكِ... عُدْتَ إِلَى بَابِ النَّجَّارِ. شَحَنْتَ نَفْسَكَ بِالجُرْأَةِ وَاقْتَرَبْتَ مِنْهُ. أَحْدَثْتَ صَوْتًا لَا هُوَ نَحْنَحَةٌ وَلَا سُعَالٌ... تَفَطَّنَ النَّجَّارُ إِلَى وُجُودِكَ فَبَادَرْتَهُ قَائِلًا:
- صَبَاحُ الخَيْرِ، هَلْ تَسْمَحُ لِي بِدَقِيقَةٍ مِنْ وَقْتِكَ؟
أَهْمَلَ النَّجَّارُ مَا كَانَ مُنْغَمِسًا فِيهِ وَأَوْلَاكَ اهْتِمَامًا مَشُوبًا بِالاسْتِغْرَابِ وَالدَّهْشَةِ:
- نَعَمْ، تَفَضَّلْ.
تَمَلَّكَتْكَ الخِشْيَةُ مِنْ عَدَمِ إِجَادَةِ دَوْرِكَ...
كَانُوا، قَبْلَ أَنْ يُطْلِقُوكَ لِتُغَامِرَ فِي المدِينَةِ، قَدْ دَرَّسُوكَ كُلَّ شَيْءٍ، القَوَاعِدَ الخَمْسَةَ لِنَجَاحِ عَمَلِيَّةِ البَيْعِ، وَالمؤَثِّرَاتِ النَّفْسِيَّةَ الأَرْبَعَةَ وَالصِّفَاتِ الثَّمَانِيَةَ التِي يَجِبُ أَنْ تَتَحَلَّى بِهَا كَيْ تَرْتَقِيَ إِلَى الإِدَارَةِ. وَكَانَ المدْخَلُ بَسِيطًا: الابْتِسَامَةُ وَالحَمَاسَةُ وَالتَّحْدِيقُ فِي العَيْنَيْنِ...
“نَحْنُ نَمْتَازُ عَلَى غَيْرِنَا بِابْتِسَامَتِنَا الدَّائِمَةِ. إِنَّهَا تُعَبِّرُ عَنْ تَفَاؤُلِنَا وَرُوحِنَا المرِحَةِ. وَمَنْ يَلْتَقِي بِنَا سَتَنْسَحِقُ شَخْصِيَّتُهُ تَحْتَ تَأْثِيرِ الجَوِّ الّذِي نَصْنَعُهُ بِابْتِسَامَتِنَا وَحَمَاسَتِنَا وَنَظَرِنَا مُبَاشَرَةً فِي العَيْنَيْنِ... ”
وَقْعُ كَلِمَاتِ "البَايِّبِي" تُدَوِّي فِي رَأْسِكَ ثُمَّ تَخْفُتُ شَيْئًا فَشَيْئًا. كُنْتَ حَرِيصًا عَلَى تَطْبِيقِ الطَّرِيقَةِ بِإِتْقَانٍ. أَحْسَنْتَ اسْتِعْمَالَ القَاعِدَةِ الأُولَى مِنَ القَوَاعِدِ الخَمْسَةِ ثُمَّ رُحْتَ تُحَضِّرُ شَرِيطَ المقَدِّمَةِ السَّرِيعَةِ. قُلْتَ بِطَرِيقَةٍ آلِيَّةٍ:
- سَعِيد سَالِم، مُمَثِّلٌ تِجَارِيٌّ عَنِ الشَّرِكَةِ خ.أ.
- تَشَرَّفْنَا.
شَدَّتْكَ عِبَارَتُهُ الزِّئْبَقِيَّةُ. لَيْسَ فِيهَا مَا يَدْفَعُ أَمَلَكَ إِلَى الانْفِلَاتِ. وَلاَ يُوجَدُ فِيهَا، أَيْضًا، مَا يُخْمِدُ هِمَّتَكَ. احْتَرْتَ فَاخْتَرَقْتَ بِذِهْنِكَ اللَّحْظَةَ المقْبِلَةَ. رَأَيْتَ النَّجَّارَ يُحْصِى مَا أَخَذَهُ مِنْكَ وَأَنْتَ تُحْصِى مَا تَبَقَّى لَدَيْكَ. لَقَدِ اقْتَنَى البِضَاعَةَ كُلَّهَا. عَلَامَاتُ الفَرَحِ تَبْدُو عَلَى وَجْهِكَ. رَأَيْتَ جُيُوبَكَ قَدِ انْتَفَخَتْ فَرَقَصْتَ مَزْهُوًّا. سَيَسْتَقْبِلُكَ "البَايِّبِي" بِبَسْمَةٍ مُشَجِّعَةٍ وَتَصْفِيقٍ حَارٍّ مُمْتَزِجَيْنِ بِرَنِينِ الجَرَسِ الرَّاقِصِ بَيْنَ يَدَيْكَ، وَ"البَايِّبِي" يُتَابِعُ دَائِمًا تِلْكَ الحَرَكَةَ بِنَفْسِ الطَّرِيقَةِ وَبِنَفْسِ العِبَارَةِ:
- plus, fort, baby, plus fort! (1)
تُحِيطُكَ نَظَرَاتُهُ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ. تَشْحَنُكَ شَحْنًا فَتَهُزُّ الجَرَسَ بِقُوَّةٍ فِي غِبْطَةٍ وَجُنُونٍ... تَتَعَطَّرُ بِالسَّعَادَةِ حِينَ تَسْمَعُهُ يَقُولُ:
- Juice, juice by you, Salem (**)
وَتُدْرِكُ أَنَّكَ بَدَأْتَ الخُطْوَةَ الأُولَى نَحْوَ تَحْقِيقِ الحُلْمِ. بَدَأْتَ تَزْحَفُ نَحْوَ المبْتَغَى... وَسَتَصِلُ إِلَى مَا تُرِيدُ. هَدَفُكَ وَاضِحٌ، جَلِيٌّ، سَتَسِيرُ إِلَيْهِ بِقَفَزَاتٍ جَهَنَّمِيَّةٍ وَبِدَفَعَاتِ مُتَتَالِيَةٍ مِنْ أَحَاسِيسَ غَرِيبَةٍ كُنْتَ تَتَلَقَّاهَا بِلَذَّةٍ وَشَرَاهَةٍ. بِكَلِمَاتٍ طَيِّبَاتٍ يَتَجَدَّدُ نَشَاطُكَ وَتَتَوَالَدُ آمَالٌ عَذْبَةٌ فِي عُرُوقِكَ. فَلَا تُفَكِّرُ وَلَا تَرَى. كُلُّ مَا تَفْعَلُهُ هُوَ الجَرْيُ وَرَاءَ طُمُوحِكَ الوَاسِعِ. تَعَبُ اليَوْمِ رَاحَةٌ غَدًا. هَكَذَا تَزِنُ الأُمُورَ. فَكَثْرَةُ التَفْكِيرِ تَعْطِيلٌ عَنْ نَيْلِ الرِّفْعَةِ وَبُلُوغِ الرَّجَاءِ...
فِي لَحْظَةٍ وَاحِدَةٍ يَنْطَفِئُ كُلُّ شَيْءٍ. يَفِرُّ الحُلْمُ العَذْبُ هَارِبًا... وَتَعُودُ إِلَى الحَيْرَةِ وَالتَّسَاؤُلِ. مَاذَا تَنْتَظِرُ مِنْ هَذَا الّذِي أَمَامَكَ؟ كَانَتْ لَهْفَتُكَ مَحْمُومَةً إِلَى حَدِّ البَحْثِ عَنْ وَسِيلَةٍ تَقْفِزُ بِهَا فَوْقَ الزَّمَنِ. تَمَنَّيْتَ لَوْ تَتَكَشَّفُ عَلَى خَبَايَاهُ فَتَعْرِفُ مَدَى مَنْفَعَتِهِ لَكَ، ثُمَّ أَسْرَعْتَ تُوقِفُ الفِكْرَةَ. أَخْمَدْتَهَا فِي صَدْرِكَ. خِفْتَ مِنْ هَذَا الخَاطِرِ الخَطِيرِ الذِي خَطَرَ بِبَالِكَ رَغْمَ أَهَمِّيَتِهِ. وُجُودُ اخْتِرَاعٍ مِنْ هَذَا النَّوْعِ يَزِيدُ فِي خَنْقِ الحُرِّيَاتِ العَامَّةِ وَتَكْبِيلِ الفَرْدِ. سَتَقْطِفُ الثَّمَرَ المرْجُوَّ دُونَ الاسْتِعَانَةِ بِهَذَا التِّنِّينِ. يَنْتَفِضُ بِدَاخِلِكَ الأَمَلُ. يَسْتَيْقِظُ. يَتَلَاشَى كُلُّ شَيْءٍ. لَا يَبْقَى إِلَّا العَيْنَانِ تَرْكُضَانِ بَعِيدًا عَنْكَ. يَتَحَاشَى النَّظَرَ فِي عَيْنَيْكَ. يُسْقِطُ أَشِعَّتَهَا عَلَى مَا فِي يَدِكَ. عَيْنَاكَ مُدَرَّبَتَانِ تُجَاهِدَانِ كَيْ تَصِلَا إِلَى الِإثَارَةِ. تَلْهَثُ خَلْفَ الهَدَفِ. تَرْفَعُ رَأْسَكَ حَتَّى تَتَمَكَّنَ مِنْ عَيْنَيْهِ. تَسْحَبُهُ مِنْهُمَا، مُنْتَقِلًا إِلَى عَرْضِ البِضَاعَةِ...
رَطَنْتَ بِلُغَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ مُخَضْرَمَةٍ:
- شُوفْ خُويَا، هَذِهِ آلَةٌ لِلتَّدْلِيكِ، صَغِيرَةُ الحَجْمِ، خَفِيفَةُ الوَزْنِ، ذَاتُ فَائِدَةٍ عَظِيمَةٍ. يَكْفِى أَنْ تَضَعَ هَذَا المحْجَمَ عَلَى جَسَدِكَ وَتَضْغَطَ لِتَرَى العَجَبَ.
حَاوَلْتَ مُسْتَمِيتًا تَنْوِيمَهُ. كَلَامُكَ مُعَطَّرٌ جَمِيلٌ، لَمْ يَعْبَأْ بِهِ، فَقَطْ الفُضُولُ يَتَصَاعَدُ مِنَ الظُّفْرِ إِلَى الرَّأْسِ. يَطُنُّ فِي الأُذُنَيْنِ. يَتَحَرَّكُ فِي الأَمْعَاءِ. يَطْفَحُ. يُعْطِي الأَوَامِرَ إِلَى الأَعْضَاءِ. تَمْتَدُّ اليَدُ تُرِيدُ الإِمْسَاكَ بِالآلَةِ. لَمْ تَرُدَّهَا خَائِبَةً. كَرِيمٌ، تَرَكْتَهُ يَأْخُذُهَا مِنْكَ. وَبِسُرْعَةٍ اسْتَعَدْتَهَا وَأَنْتَ تَقُولُ مُوَضِّحًا:
- اُنْظُرْ، هَكَذَا تَعْمَلُ.
ثُمَّ أَعَدْتَ الآلَةَ إِلَى عُلْبَتِهَا لِكَيْ لَا يُفَكِّرَ فِي اسْتِعَادَتِهَا مِنْكَ. كُلُّ تَصَرُّفَاتِكَ مَدْرُوسَةٌ. تَدَرَّبْتَ عَلَيْهَا جَيِّدًا حَتَّى بَدَتْ تِلْقَائِيَّةً. بِالتِّكْرَارِ تَمَرَّسْتَ عَلَيْهَا. الخِدْعَةُ تَفْضَحُهَا خَفَقَاتُ قَلْبِكَ المالِحَةُ. المـُنْصِتُ إِلَيْكَ أَصْبَحَ خَيَالًا مَحْمُومًا. لَمْ تَشْبَعْ عَيْنَاهُ وَلَمْ تَمَلَّ أُذُنَاهُ. إِحْسَاسٌ غَرِيبٌ أُثِيرَ فِيهِ، سَتَجْنِي أَنْتَ ثَمْرَتَهُ. صَارَ شَبِيهًا بِطِفْلٍ تَعَلَّقَ بِلُعْبَةٍ لَمْ يَفْهَمْهَا. اسْتَدْرَجْتَهُ بِذَكَائِكَ حَتَّى امْتَلَأَ فَمُهُ هَوَاءً...
- بِكَمْ هَذِهِ؟
الثَّمَنُ؟ هَذَا هُوَ المفِيدُ، القَاعِدَةُ الأَخِيرَةُ قَبْلَ الانْتِهَاءِ وَالتَّكْمِيلِ. سَتَصْعَقُهُ بِرَقْمٍ فَاجِعٍ. سَتُرَاوِحُ بِهِ بَيْنَ الحَارِّ وَالبَارِدِ. تَرْفَعُهُ إِلَى دَرَجَةِ الذُّهُولِ ثُمَّ تُفَجِّرُ فِي عَيْنَيْهِ نَبْعًا يَتَدَفَّقُ أَبَدًا. وَسَتَحْصُدُ بَعْدَهَا سَبَائِكَ الذَّهَبِ، تَطِيرُ بِهَا كَالخُطَافِ إِلَى "البَايِّبِي".
بَسْمَتُكَ دَوْمًا فِي شَفَتَيْكَ. تَأَهَّبْتَ لِتُجِيبَهُ:
- بَعْدَ أُسْبُوعٍ وَاحِدٍ سَتَجِدُ هَذِهِ الآلَةَ، فِي المغَازَاتِ وَالمتَاجِرِ الكُبْرَى، بِسِعْرٍ يُقَارِبُ العِشْرِينَ دِينَارًا...
اهْتَزَّ مُرْتَدًّا. أَلْجَمَهُ الرَّقْمُ، ثُمَّ انْشَرَحَ عِنْدَمَا أَكْمَلْتَ:
- وَلَكِنْ، إِذَا رَغِبْتَ فِيهَا الآنَ، يُمْكِنُ أَنْ تَقْتَنِيَهَا مِنِّي بِسِعْرٍ خَاصٍّ جِدًّا، بِسِعْرٍ إِشْهَارِيٍّ بَسِيطٍ قَدْرُهُ سِتَّةُ دَنَانِيرَ فَقَطْ!
أَنْهَيْتَ سَرْدَ مَحْفُوظَاتِكَ، فَهَبَطَ سُكُونٌ عَمِيقٌ. غَاصَ النَّجَّارُ بَحْثًا عَنِ الضَّوْءِ وَالهِدَايَةِ. وَظَلَلْتَ أَنْتَ بَارِدَ الطَّبْعِ، لَا يَعْكِسُ ظَاهِرُكَ بَاطِنَكَ. نَظَرُكَ مَشْدُودٌ إِلَى فَمِهِ تَنْتَظِرُ الرَّدَّ... الرَّدَّ الّذِي يَسْمَحُ لَكَ بِالانْطِلَاقِ...
****
” كُلَّ صَبَاحٍ، فِي إِفْرِيقِيَا يَسْتَيْقِظُ الغَزَالُ وَهْوَ يُدْرِكُ أَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَعْدُو أَكْثَرَ مِنَ الأَسَدِ لِكَيْ لَا يَكُونَ لَهُ فَرِيسَةً...” بِلَمْحَةٍ خَاطِفَةٍ تَتَكَشَّفُ عَنِ المكَانِ. المعَلَّقَاتُ تُزَيِّنُ حِيطَانَ القَاعَةِ... الأَجْوَاءُ حَافِلَةٌ وَالأَكُفُّ تُصَفِّقُ بِحَرَارَةٍ... تَعْزِفُ نَفْسَ اللَّحْنِ... أَعْصَابُكَ تَهَيَّأَتْ لِلْانْشِرَاحِ. تَنْفُذُ إِلَى أَعْمَاقِكَ وَتَسْتَخْرِجُ مِنْهَا حِكْمَةً، إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَقْطَعَ حَدِيثَ شَخْصٍ دُونَ أَنْ تُثِيرَ غَضَبَهُ فَصَفِّقْ... أَمَّا هُنَا فَكَلِمَةُ "دْجُوسْ" كَافِيَةٌ لِيَعْقُبَهَا تَصْفِيقٌ وَتَصْفِيقٌ...
"دْجُوسْ juice!"
لَفْظَةٌ تَتَرَدَّدُ بِاسْتِمْرَارٍ... وَقْعُهَا يُدَوِّي فِي رَأْسِكَ. بَهَرَتْكَ الكَلِمَاتُ الغَامِضَةُ المتَنَاسِلَةُ مِنْ بَيْنِ شَفَتَيِ "البَايِّبِي". أَدَرْتَ عَيْنَيْكَ فِي الحَلَقَةِ الصَّاخِبَةِ... حَدَّقْتَ فِي الوُجُوهِ المنْشَرِحَةِ. رَمَيْتَ مُدَرِّبَكَ بِنَظْرَةٍ خَاطِفَةٍ كَأَنَّكَ تَرْجُو مِنْهُ تَفْسِيرًا لِهَذِهِ الطُّقُوسِ الغَرِيبَةِ، ثُمَّ عَلَّقْتَهَا عَلَى الجِدَارِ أَمَامَكَ... “كُلَّ صَبَاحٍ، فِي إِفْرِيقِيَا، يَسْتَيْقِظُ الأَسَدُ وَهْوَ يَعْلَمُ أَنَّ عَلَيْهِ العَدْوَ أَكْثَرَ مِنَ الغَزَالِ وَإِلَّا مَاتَ جُوعًا...” قَاعَةُ الاجْتِمَاعَاتِ عَارِيَةٌ تَمَامًا مِنَ الأَثَاثِ... نَالَكَ التَّعَبُ مِنَ الوُقُوفِ. لَمْ تَجِدْ شَيْئًا تَسْتَنِدُ عَلَيْهِ فَاسْتَنَدْتَ عَلَى أَطْمَاعِكَ وَطُمُوحِكَ. وَ"البَايِّبِي" يَسْقِيكَ أَمَلًا زُلَالًا... “أَنْتُمْ لَسْتُمْ كَالآخَرِينَ...” تُنْصِتُ. الحَالَةُ مُثِيرَةٌ. صُوَرٌ لِوَحِيدِ القَرْنِ، وَأَسْمَاءُ حَيَوَانَاتٍ بَرِّيَّةٍ. تَرْفَعُ رَأْسَكَ مِنْ جَدِيدٍ تُكْمِلُ قِرَاءَةَ المعَلَّقَةِ... “عِنْدَمَا تَطْلَعُ الشَّمْسُ، مَهْمَا تَكُنْ، أَسَدًا أَوْ غَزَالًا، الأَفْضَلُ لَكَ أَنْ تَبْدَأَ فَوْرًا فِي الجَرْيِ”. أَثَارَتْكَ العِبَارَةُ... سَتَسْعَى وَتُجَرِّبُ. سَتَكُونُ أَسْرَعَ مِنَ الأَسَدِ وَالغَزَالِ. سَتَتَّجِهُ إِلَى هَدَفِكَ مُبَاشَرَةً... رُوحُ النَّجَاحِ مُتَيَقِّظَةٌ فِي نَفْسِكَ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ... أَنْتَ خُلِقْتَ لِأَدَاءِ هَذَا العَمَلِ.. أَنْتَ أَهْلٌ لَهَا. فَأَنْتَ لَسْتَ كَالآخَرِينَ...
****
المعَلَّقَاتُ النُّحَاسِيَّةُ تَشُعُّ فِي عَيْنَيْكَ. تُغْرِيكَ فَتَنْجَذِبُ إِلَيْهَا... وَالزَّمَنُ؟ ... الزَّمَنُ يَمُرُّ. تَضْغَطُ عَلَى النَّوَاقِيسِ فَتُفْتَحُ الأَبْوَابُ وَتَطُلُّ الرُّؤُوسُ مُسْتَفْسِرَةً... نُفُوسٌ تَسْتَقْبِلُكَ بَاسِمَةَ مُرَحّبَةً، وَنُفُوسٌ تَلْحَظُ فِيهَا البُرُودَةَ، فَلَا تَهْتَمَّ. وَالزَّمَنُ لَا يَنْتَظِرُ. تَمْضَغُكَ الشَّوَارِعُ. تَبْتَلِعُكَ البِنَايَاتُ. تَتَوَاجَهُ مَعَ النَّاسِ. يُقَلِّبُونَكَ وَتُقَلِّبُهُمْ. وَالحُلْمُ يَتَلَظَّى فِي صَدْرِكَ، يَمْلَأُ وَجْهَكَ عَزِيمَةً وَتَصْمِيمًا. وَالوَقْتُ يَمُرُّ.. الأَقْدَامُ تَتَحَرَّكُ فِي كُلِّ الاِتِّجَاهَاتِ. السَّيَّارَاتُ لَا تَمَلُّ مِنَ السَّيْرِ، تُلَاحِظُ ذَلِكَ وَأَنْتَ تَظْهَرُ بِسُرْعَةٍ وَتَخْتَفِي بِسُرْعَةٍ... تُلْصِقُ بَسْمَتَكَ بِشَفَتَيْكَ وَتُرَدِّدُ "مُمَثِّلٌ تِجَارِيٌّ"... حَفِظَهَا النَّاسُ، فَمَا الجَدِيدُ؟ سَاعَتُكَ تَلُفُّ لَفَّاتٍ مُدْهِشَةً... فِي لَحْظَةٍ خَاطِفَةٍ حَلَّ المسَاءُ... الآنَ السَّاعَةُ السَّادِسَةُ. مَا بَقِيَ يَكْفِيكَ فَقَطْ لِلْوُصُولِ إِلَى الشَّرِكَةِ رَاجِلًا... عَلَيْكَ أَنْ تَجْمَعَ نَفْسَكَ وَتُغَادِرَ هَذِهِ المنْطِقَةَ الغَنِيَّةِ. تُرَى كَمْ بِعْتَ مِنْ قِطْعَةٍ؟ انْشَغَلَ ذِهْنُكَ. مَدَدْتَ يَدَكَ وَنَزَعْتَ بَسْمَتَكَ الّتِي بَيْنَ شَفَتَيْكَ... مِلْتَ إِلَى إِحْدَى العِمَارَاتِ مُتَجَهِّمًا. فِي مَكَانٍ مُعَتَّمٍ، قُرْبَ المدْرَجِ خَلَعْتَ أَنَاقَتَكَ وَوَقَارَكَ وَنَثَرْتَ البِضَاعَةَ قُدَّامَكَ عَلَى القَاعَةِ... شَرَعْتَ فِي العَدِّ... وَاحِدٌ... اِثْنَانِ...
" اللَّعْنَة! "
سَمِعْتَ الشَّتِيمَةَ وَوَقْعَ أَقْدَامٍ عَلَى السُّلَّمِ فَقَطَعْتَ العَدَّ وَقَطَعْتَ أَنْفَاسَكَ. انْكَمَشْتَ كَجِرْذٍ تَرُومُ الاخْتِبَاءَ لِكَيْ لَا يَرَاكَ النَّازِلُ وَأَنْتَ عَارِيًا مِنَ الهَيْبَةِ وَبِضَاعَتُكَ مَفْرُوتَةٌ أَمَامَكَ فِي مَكَانٍ قَذِرٍ... تَنَفَّسْتَ ارْتِيَاحًا عِنْدَمَا مَرَّتِ اللَّحْظَةُ بِسَلَامٍ وَلَمْ يَحْمَرَّ وَجْهُكَ وَلَمْ تَحْنِ رَأْسَكَ مِنَ الخَجَلِ... عُدْتَ إِلَى التِّعْدَادِ... وَاحِدٌ... اثْنَانِ... فُتَّ العَشْرَةَ فَأَبْدَيْتَ عَدَمَ الرِّضَا وَالسُّخْطِ. مَازَالَ لَدَيْكَ الكَثِيرُ، فَمَا العَمَلُ؟ لَنْ تَسْتَطِيعَ أَنْ تَبِيعَ كُلَّ هَذَا فِي طَرِيقِ عَوْدَتِكَ. الوَقْتُ ضَيِّقٌ. وَدَدْتَ لَوْ يَزِيدُ تَمَدُّدًا حَتَّى تَتَخَلَّصَ مِنْ حِمْلِكَ. أُمْنِيَّةٌ مُسْتَحِيلَةُ التَّحْقِيقِ. فَكِّرْ. عَجِّلْ بِالتَّفْكِيرِ لَنْ تُفِيدَكَ الأَمَانِي فِي هَذَا الظَّرْفِ... النَّجَاعَةُ فِي التَّدْبِيرِ وَسُرْعَةِ الحَرَكَةِ. انْتَبِهْ جَيِّدًا! تِلْكَ الفِكْرَةُ الحَمْقَاءُ تَتَّجِهُ نَحْوَكَ اعْتَرِضْهَا... أَمْسَكْتَ بِهَا. كُنْتَ مُحْتَارًا فَاهْتَدَيْتَ. أَلْقَيْتَ عَنْكَ الحَيْرَةَ. أَرْجَعْتَ البِضَاعَةَ إِلَى الحَقِيبَةِ... حَشَرْتَهَا فِيهَا حَشْرًا. نَهَضْتَ مُسْرِعًا وَانْطَلَقْتَ لِتُوقِفَ سَيَّارَةَ "تَاكْسِي" وَطِرْتَ إِلَى البَيْتِ.
****
كُنْتَ تَقْتَفِي أَثَرَ مُدَرِّبِكَ كَكَلْبٍ وَدِيعٍ. تَتْبَعُهُ أَيْنَمَا ذَهَبَ. كُنْتَ حَرِيصًا عَلَى تَعَلُّمِ مِهْنَتِكَ الجَدِيدَةِ بِسُرْعَةٍ. تُتَابِعُهُ بِعَيْنَيْ تِلْمِيذٍ نَبِيهٍ. تُغْرِقُهُ فِي الأَسْئِلَةِ:
- كَيْفَ تَجْرِي الأُمُورُ دَاخِلَ الشَّرِكَةِ؟
- لَا تَسْتَعْجِلْ! لِكُلِّ شَيْءٍ أَوَانُهُ.
- هَلْ هُنَاكَ إِقْبَالٌ عَلَى البِضَاعَةِ؟
- سَتَلْمَسُ ذَلِكَ بَعْدَ حِينٍ. أَمَّا الآنَ فَانْظُرْ إِلَى وُجُوهِ النَّاسِ، تَمَعَّنْ فِيهَا جَيِّدًا وَقُلْ لِي مَاذَا تُلَاحِظُ؟
رَاقَبْتَ الوُجُوهَ بِكُلِّ فَرَاسَةٍ. رَكَّزْتَ أَوَّلًا عَلَى الحَوَاجِبِ، لَمْ تَفْهَمْ لِمَاذَا بَدَأْتَ بِالحَوَاجِبِ وَلَمْ تَبْدَأْ بِشَيْءٍ آخَرَ. عَلَى كُلٍّ فَقَدْ تَحَوَّلْتَ عَنْهَا إِلَى الجِبَاهِ وَسَرَحْتَ فِي الغُضُونِ وَالتَّجَاعِيدِ ثُمَّ حُمْتَ حَوْلَ الخُدُودِ وَمَا بَيْنَهَا. وَجَدْتَ اللُّعْبَةَ مُسَلِّيَةً. لَمْ تَكْتَشِفَ هَذِهِ التَّسْلِيَةَ مِنْ قَبْلُ. تَمَتَّعْتَ بِاللَّعِبِ وَلَمْ تَتَمَتَّعْ بِالإِجَابَةِ عَنِ السُّؤَالِ الغَرِيبِ.
وَبَعْدَ صَمْتٍ قُلْتَ:
- لَمْ أَجِدْ مَعْنًى لِسُؤَالِكَ فَالوُجُوهُ عَادِيَّةٌ لَا تَحْمِلُ اسْتِثْنَاءَاتٍ.
- ذَلِكَ لِأَنَّ نَظَرَاتِكَ بَرِيئَةٌ، ضَوْؤُهَا الخَافِتُ لَنْ يَسْتَطِيعَ تَذْوِيبَ تِلْكَ الأَقْنِعَةِ...
وَتَلَاشَتْ بَعْضُ الكَلِمَاتِ إِذِ انْعَطَفَ هُوَ يَسَارًا وَانْدَفَعْتَ أَنْتَ إِلَى الأَمَامِ ثُمَّ اَسْتَدَرْتَ سَرِيعًا وَلَحِقْتَ بِهِ جَرْيًا، رَكَضْتَ خَلْفَهُ بِأُذُنَيْنِ مَمْدُودَتَيْنِ تَلْتَقِطَانِ التَّعَالِيمَ بِأَدَبٍ. تَسْتَمِعُ.
- ... انْظُرْ إِلَيْهِمْ كَيْفَ يَجْرُونَ... انْظُرْ إِلَيْهِمْ كَيْفَ يَتَخَاطَبُونَ دُونَ أَنْ يَطْلُبُوا الفَهْمَ وَالتَّوَاصُلَ... انْظُرْ إِلَى أَعْيُنِهِمْ الذَّابِلَةِ لَا تَكُفُّ عَنِ النَّظَرِ فِي الفَرَاغِ. أَلَا تَرَى أَنَّ النَّاسَ يَسِيرُونَ وَكَأَنَّ تَوَابِيتَ عَلَى أَكْتَافِهِمْ؟ أَلَا تَرَى أَنَّ الجَمِيعَ خَيَالَاتٍ تَبْحَثُ عَنْ أَلْوَانٍ لَنْ تَعْثُرَ عَلَيْهَا أَبَدًا؟ فِي زَمَانٍ غَابِرٍ كَانَ أَجْدَادُنَا يَتَأَلَّقُونَ سَعَادَةً وَهُمْ يَفْتَحُونَ أَبْوَابَ أَحْلَامِهِمْ وَحَنِينِهِمْ عَلَى زَمَنِنَا هَذَا، يَرْسُمُونَ لَنَا عَالَمًا مُسْتَقِيمًا نَسْكُنُ إِلَيْهِ. وَهَا نَحْنُ الآنَ فِيهِ، وَلَا نَجِدُ مَا خَطَّطُوا لَهُ. فَأَنْفُسُنَا تَهْفُ لِزمَانِهِمِ انْتِشَاءً وَغُرْبَةً. وَفِي ظِلِّ هَذَا الانْبِتَاتِ وَالتَّفَتُّتِ يَهْرَعُ الأَذْكِيَاءُ لِلْقَنْصِ وَالغِنَى... الأَذْكِيَاءُ فَقَطْ، يَا سَعِيدُ.
وَفَهِمْتَ الإِشَارَةَ، مِثْلُ هَذَا التَّلْمِيحِ لَا يَخْفَى عَلَيْكَ، مِثْلُ هَذَا التَّلْمِيحِ يَنْفُخُ طُمُوحَكَ المخْتَبِئَ فِي زَوَايَا صَدْرِكَ. وَلَمَّا عُدْتَ تَنْظُرُ فِي وُجُوهِ النَّاسِ رَأَيْتَ مَا لَمْ تَرَهُ مِنْ قَبْلُ: وِشَاحُ الغُرْبَةِ وَالأَلَمِ يُعْصَرُ عَصْرًا فَيَتَسَاقَطُ ضَيَاعًا وَحَيْرَةً. فَتَمْتَمْتَ مُزَكِّيًا:
- صَدَقْتَ.
وَأَضَافَ مُدَرِّبُكَ مُوَضِّحًا:
- فَهِمَ الأَمَرِيكَانُ هَذِهِ الحَالَةَ فَنَهَضُوا لِلْاسْتِفَادَةِ مِنْهَا. هَكَذَا هُمُ الأَذْكِيَاءُ لَا يُفَوِّتُونَ الفُرَصَ!
وَهَذِهِ فُرْصَتُكَ أَتَتْ إِلَيْكَ. سَتَغْتَنِمْهَا. اليَوْمَ خَادِمٌ وَغَدًا سَيِّدٌ، تُنَاطِحُ السَّمَاءَ. كَانَتْ فَرْحَتُكَ تَرْفَعُكَ نِسْمَةً خَفِيفَةً تَعْلُو وَتَعْلُو حَتَّى حَصَلَ التَّنَاغُمُ بَيْنَ عُذُوبَةِ المأْكُلِ وَالمشْرَبِ وَجَمَالِ المسْكَنِ وَالمظْهَرِ. أَحْسَسْتَ أَنَّ الرَّغَبَاتِ البَعِيدَةَ وَالمسْتَحِيلَةَ قَدْ حَطَّتْ بَيْنَ يَدَيْكَ فَصِرْتَ تُهْمِلُهَا تَعَفُّفًا وَاَنْتِقَامًا. وَكَمَا صَعَدْتَ إِلَى السَّمَاءِ نَزَلْتَ إِلَى الأَرْضِ وَتَبِعْتَ مُدَرِّبَكَ، يَسْحَبُكَ حَيْثُ يَشَاءُ. لَا يَهُمّ مَا دُمْتَ سَتَنَالُ البَرَكَةَ!
أَخِيرًا تَوَقَّفْتُمَا... تَأَمَّلْتُمَا المكَانَ الّذِي سَتَعْمَلَانِ فِيهِ. قَالَ لَكَ:
- مِنْ هُنَا نَبْدَأُ.
وَلَمْ يَتَحَرَّكْ. ظَلَّ يَفُكُّ تَشَابُكَ الأَسْئِلَةِ فِي ذِهْنِكَ. وَيَطْرُدُ بِمِكْنَسَةِ الشَّرْحِ العَنَاكِبَ القَابِعَةَ فِي خَلَايَا تَفْكِيرِكِ...
- فِي الْوَاقِعِ، النَّاسُ لَا يَبْتَاعُونَ مِنَّا الأَشْيَاءَ لِحَاجَاتِهِمْ إِلَيْهَا. فَالبَعْضُ مِنْهَا تَافِهَةٌ.. تَافِهَةٌ جِدًّا. وَلَكِنْ عُذُوبَةُ أَلْفَاظِنَا تُسْكِرُهُمْ، وَحَلَاوَةُ بَسْمَتِنَا تَسْحَرُهُمْ وَتُعْطِيهِمْ مَوْجَاتٍ إِيجَابِيَّةً. مَا يَدْفَعُهُ النَّاسُ لَنَا لَيْسَ ثَمَنًا لِلْبِضَاعَةِ وَإِنَّمَا هُوَ ثَمَنُ تِلْكَ اللَّحَظَاتِ الدَّافِئَةِ التِي تَشْتَعِلُ فِيهَا الاِبْتِسَامَةُ فَتَبْهَتُهُمْ.. فِي زَمَنٍ عَصِيبٍ وَشَحِيحٍ أَنْتَ تَبْتَسِمُ! وَطِيلَةَ يَوْمٍ كَامِلٍ وَأَنْتَ هَكَذَا فِي مُنْتَهَى الاِنْشِرَاحِ! أَلَا تَسْتَحِقُّ عَلَى ذَلِكَ أَجْرًا؟
مِنَ الضَّرُورِي وَأَنْتَ تَتَلَقَّى دَرْسَكَ الأَوَّلَ فِي المهْنَةِ أَنْ تَبْدَأَ بِالتَّدَرُّبِ عَلَى تَمْدِيدِ أَطْرَافِ شَفَتَيْكَ وَحَمْلِ جَذْوَةٍ لَا تَخْبُو مِنَ السَّعَادَةِ. تُقْنِعُ نَفْسَكَ أَنَّكَ قَادِرٌ عَلَى تَسْوِيقِ الصَّخْرِ وَالهَوَاءِ... لَا قِيمَةَ لِلْبِضَاعَةِ... كُلُّ القِيمَةِ لِلطَّرِيقَةِ. وَشَغَلَكَ التَّفْكِيرُ فِي الدَّرْسِ حَتَّى رَدَّدَتْ أَعْمَاقُكَ: أَذْكِيَاءٌ... أَذْكِيَاءٌ... أَذْكِيَاءٌ
****
فَتَحْتَ البَابَ بِالمفْتَاحِ وَدَخَلْتَ. كُنْتَ تَعْتَقِدُ أَنَّ زَوْجَتَكَ لَمْ تَعُدْ بَعْدُ مِنَ العَمَلِ، وَلَكِنَّ ضَجِيجًا فِي المطْبَخِ نَبَّهَكَ إِلَى وُجُودِهَا. فَصِحْتَ مِنْ بَعِيدٍ:
- نُورْ، أَحْتَاجُكِ.
وَجَرَيْتَ إِلَى غُرْفَةِ النَّوْمِ. رَمَيْتَ الحَقِيبَةَ أَرْضًا وَتَقَدَّمْتَ إِلَى خِزَانَةٍ صَغِيرَةٍ فِي الرُّكْنِ. وَقَفْتَ أَمَامَهَا تَتَفَرَّجُ عَلَى القُفْلِ وَتَنْتَظِرُ. حَفِيفُ خُطُوَاتِ زَوْجَتِكَ يَصِلُكَ مُتَثَاقِلًا وَالقَلَقُ يُطَوِّحُ بِكَ. رَأْسُكَ الآنَ شَرَرُ بَرَاكِينَ يَحْتَدِمُ. هَلْ يَكْفِيكَ الوَقْتُ لِتَكُونَ فِي الشَّرِكَةِ، فِي الموْعِدِ؟ إِذَا تَأَخَّرْتَ ثَانِيَةً فَلَا بَأْسَ... إِذَا تَأَخَّرْتَ دَقِيقَةً فَلَا بَأْسَ. أَمَّا إِذَا زِدْتَ عَنْ ذَلِكَ فَسَيُمْطِرُونَكَ غَضَبًا وَلَعْنَةً. لَيْسَ هَذَا مَا يُقْلِقُكَ عَلَى أَيَّةِ حَالٍ. المصِيبَةُ أَدْهَى مِنْ هَذِهِ المشْكِلَةِ، المشْكِلَةُ لِمَنْ سَتَدُقُّ الأَجْرَاسُ إِنْ بَعُدَتْ الآذَانُ عَنْ حُقُولِ الصَّوْتِ. آهٍ! كَمْ هِيَ حَارِقَةٌ لَحَظَاتُ الانْتِظَارِ! أَيَّةُ مُتْعَةٍ سَتَلْقَاهَا فِي دَقِّ نَوَاقِيسَ لَا يَسْتَمِعُ إِلَيْهَا أَحَدٌ! يَغْمُرُكَ إِحْسَاسٌ غَامِضٌ يَقْطُرُ فَجِيعَةً وَقَسْوَةً بِأَنَّكَ سَتَجِدُ المسْرَحَ خَالِيًا مِنَ المتَفَرِّجِينَ، الشُهُودِ... تَضْغَطُ عَلَى القَلْبِ لِتُسْكِتَ الطَّنِينَ. يَجِبُ أَنْ يَنْتَظِرَ العَالَمُ لِيَشْهَدَ أُولَى أَجْرَاسِكَ. يَتَدَفَّقُ مِنْ صَدْرِكَ هَوَاءٌ مَلْهُوفٌ يَتَحَوَّلُ إِلَى صَدًى سَاخِنٍ...
- نُورْ.
وَتَبْرُزُ زَوْجَتُكَ تَدْفَعُ بَطْنَهَا المنْتَفِخَ أَمَامَهَا. فَاَتَّجَهْتَ إِلَيْهَا تَتَمَسَّحُ وَتَتَوَدَّدُ وَتُنَاوِرُ:
- أَرَاكِ قَدْ عُدْتِ بَاكِرًا.
- أَحْسَسْتُ بِالإِرْهَاقِ فَطَلَبْتُ الإِذْنَ بِمُغَادَرَةِ المؤَسَّسَةِ قَبْلَ الوَقْتِ.
قُلْتَ لَهَا بِإِشْفَاقٍ وَمُدَاهَنَةٍ:
- لَا يُمْكِنُ لامْرَأَةٍ حَامِلٍ المدَاوَمَةُ طَوِيلًا خَلْفَ المكَاتِبِ!
مِنْ حُسْنِ حَظِّكَ القَدَرُ يُنَوِّرُ نَجْمَكَ. كُلُّ الظُّرُوفِ تَتَهَيَّأُ لِتَرْفَعَكَ سَحَابَةً فَوْقِ الرُّؤُوسِ. مَاذَا كُنْتَ سَتَفْعَلُ لَوْ لَمْ تَجِدْ زَوْجَتَكَ بِالبَيْتِ؟ سَتَخْلَعُ الخِزَانَةَ؟ سَتُكَسِّرُ أَلْوَاحَهَا؟ سَتَجْعَلُهَا حُطَامًا؟ مَا يَمُورُ فِي نَفْسِكَ أَعْتَى مِنْ أَنْ تَكْبَحَهُ. هَلْ يَسْتَطِيعُ المرْءُ أَنْ يُعَانِدَ الطُّوفَانَ؟ وَفِكْرَتُكَ المجْنُونَةُ طُوفَانٌ جَارِفٌ... وَأَقْسَى مِنْهُ أَنْ يَظَلَّ عَقْلُكَ يَتَمَسَّكُ بِهَا، وَيَظَلُّ لِسَانُكَ يَبْحَثُ عَنِ الكَلِمَاتِ الّتِي سَتَتَسَوَّلُ بِهَا. كُنْتَ قَادِرًا عَلَى امْتِصَاصِ زَوْجَتِكَ بِطَرِيقَةٍ مَا. وَلَكِنَّ الوَقْتَ يُشْعِرُكَ بِالخَوْفِ، قَدْ يَفْشَلُ مَا تُخَطِّطُ لَهُ. تُرِيدُ أَنْ تَجْعَلَ حَدًّا لِعَذَابِكَ. لَيْسَ هَذَا وَقْتَ مُنَاوَرَةٍ وَتُطْوَافٍ مِنْ بَعِيدٍ. فِي حَالَتِكَ هَذِهِ، القَلَقُ يُوَجِّهُكَ وَيُمْلِى تَصَرُّفَاتِكَ. وَلَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ سِوَى القُبُولِ وَالإِذْعَانِ. أَجْبَرْتَ نَفْسَكَ لِتَقُولَ دُونَ تَمْثِيلٍ أَوْ تَكَلُّفٍ:
- نُورْ! أَحْتَاجُ خَمْسًا وَسَبْعِينَ دِينَارًا.
جَفَلَتْ وَهْيَ تَنْبُشُ مَلَامِحَكَ دَهْشَةً كَأَنَّهَا تَبْحَثُ عَنْ شَيْءٍ مَخْفِيٍّ فِي أَظْلَمِ رُكْنٍ مِنْ ذَاكِرَتِكَ.
- لَكِنْ، سَعِيد، لِمَاذَا تَحْتَاجُ هَذِهِ الدَّنَانِيرَ؟
فَأَجَبْتَ بِنَفَاذِ صَبْرٍ:
- سَأَشْرَحُ لَكِ فِيمَا بَعْدُ. نَاوِلِينِي المبْلَغَ فَالوَقْتُ يَخْنُقُنِي.
تَسْتَسْلِمُ لِطَلَبِكَ مُرْغَمَةً. تُعْطِيكَ المبْلَغَ وَكَأَنَّهَا تُعْطِيكَ قِطْعَةً مِنْ لَحْمِهَا. عَرَقُ الشُّهُورِ تَنْقُرُهُ جَوَارِحُ رَغْبَتِكَ، فَيَهْتَزُّ اللَّحْنُ الصَّاخِبُ، وَتَلْمَعُ النَّشْوَةُ العَارِمَةُ فِي جَفْنَيْكَ. وَاَسْتَعَدَّ قَلْبُكَ يَنْوِي الذَّهَابَ إِلَى هُنَاكَ بِسُرْعَةِ الضَّوْءِ. فَكَانَ قَلْبُكَ طَائِرًا يُحَلِّقُ بَعِيدًا فِي الجَوِّ، عِنْدَمَا اَلْتَفَتْتَ إِلَى البَابِ سَمِعْتَ زَوْجَتَكَ تَقُولُ وَهْيَ تَتَضَوَّرُ حَيْرَةً:
- سَتَعُودُ إِلَى الشَّرِكَةِ؟
- نَعَمْ، فِي الحَالِ.
واخْتَفَيْتَ. وَاخْتَفَى مَعَكَ تَعَبُ الشُّهُورِ. وَفِي تِلْكَ اللَّحْظَةِ الّتِي كَانَتْ رُوحُكَ تَفِيضُ ارْتِيَاحًا، تَفَطَّنَتْ "نُورْ" إِلَى حَقَيبَتِكَ فَانْزَلَقَتْ تَدْرِيجِيًّا نَحْوَهَا.. فَتَحَتْهَا بِدَافِعِ الفُضُولِ وَلَمَّا رَأَتْ مَا فِيهَا صَرَخَتْ جَزِعَةً:
- يَا إِلَهِي! لَقَدْ نَسِيَ الرَّجُلُ أَنْ يَأْخُذَ مَعَهُ البِضَاعَةَ.
وَجَرَتْ خَلْفَكَ تُرِيدُ أَنْ تَلْحَقَ بِكَ. رَكَضَتْ وَلَكِنْ.. وَلَكِنْ.. وَلَكِنْ..
****
تَلْبِيَةً لِأَمَلٍ طَافِحٍ يَرْكُلُ بِقَدَمَيْهِ أَسْيِجَةَ الدِّمَاغِ، سَأَلْتَ مُدَرِّبَكَ:
- كَمْ أَمْضَيْتَ مِنَ الوَقْتِ حَتَّى صِرْتَ مُدَرِّبًا؟
لَمْ يُسَارِعْ بِالإِجَابَةِ الْتَفَتَ نَحْوَكَ مُحَاوِلًا رُؤْيَةَ نَسِيجِ الضَّبَابِ الّذِي يُنَاطِحُ رَأْسَكَ وَيُلْقِى بِكَ فِي سَدِيمِ النَّشْوَةِ وَالعَذَابِ... هَضَمَكَ بِعَينَيْهِ ثُمَّ قَالَ:
- أَعْتَرِفُ بِأَنِّي لَسْتُ مِثَالًا يُحْتَذَى بِهِ. رُبَّمَا تَسْتَطِيعُ أَنْتَ اخْتِصَارَ الزَّمَنِ أَكْثَرَ مِنِّي. المطْلُوبُ ثَمَانِيَةَ أَجْرَاسٍ. وَالجَرَسُ يُقَابِلُهُ بَيْعُ عِشْرِينَ قِطْعَةً فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ. بَعْدَ أُسْبُوعٍ فَقَطْ قَدْ تُصْبِحُ مُدَرِّبًا إِذَا عَمِلْتَ بِجِدٍّ وَحَالَفَكَ الحَظُّ.
تَشْرُدُ وَأَنْتَ تَلْهُو بِالأَرْقَامِ. كُنْتُمَا تَرْكُضَانِ فِي الدُّرُوبِ. وَكُنْتَ أَسْرَعَ مِنْهُ إِلَى رُكُوبِ أَحْلَامِكَ. يَكْفِي أَنْ تَسْتَنْشِقَ رِيحَهَا لِكَيْ تُحَلِّقَ بَعِيدًا... بَعِيدًا... تَرْكُضُ أَسْرَعَ مِنْهُ وَتَلْهَثُ وَرَاءَهُ! تَجْرِي وَتَقُولُ:
- حَدِّثْنِي عَنِ "البَايِّبِي"
- عَلَى الرُّغْمِ مِنْ بَيَاضِ الثَّلْجِ وَسَوَادِ العِرْقِ فَقَدْ صَبَرَ وَنَالَ. أَكَلَتْهُ المسَافَاتُ وَنَخَرَ جَسَدَهُ البَرْدُ. طَارَدَ رَغِيفَهُ فِي أَرْضِ النُّورِ وَالحُرِّيَاتِ وَارْتَفَعَ إِلَى أَعْلَى مَسَافَةٍ فِي جَوِّ الغِنَى وَالثَّرْوَةِ. ضَغَطَ "البَايِّبِي" بِقُوَّةٍ عَلَى المـُدَّةِ الفَاصِلَةِ بَيْنَ الأُمْنِيَّةِ وَتَحْقِيقِهَا حَتَّى أَحَالَهَا إِلَى نُقْطَةِ هُتَافٍ وَفَرَحٍ. عِنْدَئِذٍ فَكَّرَ فِي بَلَدِنَا المنْفَتِحِ عَلَى التِّجَارَةِ الخَارِجِيَّةِ وَتَلَقِّي البَضَائعِ!
وَبِسُرْعَةٍ خَاطِفَةٍ وَفَّرَ لَكَ حُلْمُكَ الطَّيِّبُ وَرَقَةً وَقَلَمًا لِتَرْسُمَ البَلَدَ الّذِي يَسْتَجِيبُ أَكْثَرَ لِرَغَبَاتِكَ. أَحْسَسْتَ بِقُوَّةٍ خَارِقَةٍ تَدْفَعُكَ لِاخْتِيَارِ بَلَدِ الثَّلْجِ وَالعُيُونِ الزُّرْقِ. سَتَعْكِسُ اتِّجَاهَ "البَايِّبِي" وَتَجْمَعُ مَحْصُولَكَ الوَفِيرَ مِنْ أَرْضِهِ تَمَامًا كَمَا يَفْعَلُ هُوَ فِي أَرْضِكَ. سَتَتَنَفَّسُ هُنَاكَ وَلَنْ يَضِيقَ صَدْرُكَ. سَتَغْرُزُ قَدَمَيْكَ فِي بُنُوكِهَا وَتَمْتَصُّ ذَهَبَهَا اَمْتِصَاصَ المحْرُومِينَ... وَتَتَمَلَّكُ أَرْضَهَا وَنَاسَهَا تَمَامًا مِثْلَ "البَايِّبِي" حِينَ تَـقِفُ أَمَامَهُ طَوَابِيرُ الخَائِفِينَ مِنَ الجُوعِ، يَرْغَبُونَ فِي مُبَادَلَتِهِ تَعَبَهُمْ وَعَرَقَهُمْ بِالمالِ. تَسْتَغِلُّ جَمِيعَ الصُّحُفِ اليَوْمِيَّةِ وَالأُسْبُوعِيَّةِ. بَعْضُ الأَسْطُرِ القَلِيلَةِ تَشْغُلُ صَفْحَةً بِأَكْمَلِهَا...” عَرْضُ شُغْلٍ“... طَبْعًا، سَتُكْتَبُ بِكِتَابَةٍ تَشُدُّ انْتِبَاهَ القَارِئِ إِلَيْهَا... قَارِئٌ زُرْقَةُ البَحْرِ فِي عَيْنَيْهِ وَصُفْرَةُ الرِّمَالِ تَرْكِيبَتُهُ... وَمِنَ الطَّبِيعِي أَنْ تَبْحَثَ عَنْ طَعْمِ السُّكَّرِ فِي الوُجُوهِ فَتُدْنِي مِنْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتُبْعِدُ عَنْكَ مَنْ تَشَاءُ، وَتُشَجِّعُ بِبَسْمَتِكَ مَنْ تُغْرِيكَ شَفَتَاهُ... هُرَاءٌ! أَضْغَاثُ أَحْلاَمِ الفُقَرَاءِ! مَنْ يَرْضَى أَنْ يَشْتَغِلَ بَائِعًا جَوَّالًا غَيرُ المهَاجِرِينَ وَالمهَجَّرِينَ؟ لَيْسَ هُنَاكَ سَبَبٌ يَجْعَلُهُمْ يَنْحَنُونَ لِتَتَسَلَّقَ أَنْتَ ظُهُورَهُمْ وَتَرْكَبَ أَكْتَافَهُمْ. أُولَئِكَ لَا يَعِيشُونَ فِي رُكْنِ الفَوْضَى وَالحِرْمَانِ، وَلَا تَمْلَأُ مُدُنَهُمْ الوِحْشَةُ وَالعَنَتُ... فَكِّرْ بِرَوِيَّةٍ أَيْنَ تَضَعُ الأُمْنِيَاتِ! احْسُبْهَا بِدِقَّةٍ قَبْلَ أَنْ تُغَامِرَ...
وَهَزَّكَ اَرْتِطَامٌ ثُمَّ سَمِعْتَ صَوْتَ صَاحِبِكَ يَطْلُبُ مِنْكَ التَّوَقُّفَ أَمَامَ أَحَدِ المقَاهِي:
- فَلْنَسْتَرِحْ هُنَا قَلِيلاً ثُمَّ نُوَاصِلُ ... "كَاسْ تَايْ"؟
وَلَمْ تُمَانِعْ. فِكْرَةٌ طَيَّبَةٌ فِي وَقْتٍ مُنَاسِبٍ. يُمْكِنُكَ تَنْظِيفَ رَأْسِكَ مِنَ الضَّجِيجِ الصَّاخِبِ، وَمَحْوَ مَا اَنْطَبَعَ فِي أَعْمَاقِكَ مِنْ صُوَرٍ لِوُجُوهٍ فَزِعَةٍ وَمَرْعُوبَةٍ. "كَاسْ التَّايْ" أَوْ أَيَّ شَيْءٍ آخَرَ، سَيُنْسِيكَ الرَّكْضَ وَالحَيْرَةَ وَكُلَّ مَا لَاحَظْتَهُ فِي يَوْمِكَ هَذَا. وَسَيُجِيبُكَ مُدَرِّبُكَ عَنْ كُلِّ تَسَاؤُلَاتِكَ دُونَ بَتْرٍ أَوْ مُقَاطَعَةٍ.
المقَاعِدُ وَالمنَاضِدُ مُصْطَفَّةٌ أَمَامَ المقْهَى، عَلَى رَصِيفِ الشَّارِعِ... وَصَاحِبُكَ يُفَضِّلُ الانْزِوَاءَ فِي رُكْنٍ قَصِيٍّ، بَعِيدًا عَنِ الأَزِيزِ وَالحَرَكَةِ. أَشَارَ إِلَى الدَّاخِلِ وَدَخَلَ فَتَبِعْتَهُ. وَأَشَارَ إِلَى كُرْسِيٍّ فَجَلَسْتَ عَلَيْهِ. وَقَبْلَ أَنْ تَسْتَوِيَ فِي مَقْعَدِكَ وَيَجِدُ صَاحِبُكَ مَكَانًا مُلَائِمًا يُرِيحُ فِيهِ الكِيسَ الثَّقِيلَ، كَانَ النَّادِلُ قَدْ وَقَفَ عِنْدَ رَأْسَيْكُمَا صَامِتًا. رَفَعْتَ وَجْهَكَ إِلَيْهِ فَوَجَدْتَهُ يَنْظُرُ إِلَيْكَ، فَتَسَاءَلْتَ فِي سِرِّكَ:” هَلْ يَعْرِفُ هَذَا النَّادِلُ قِرَاءَةَ وُجُوهِ الزَّبَائِنَ؟ وَأَيَّ صُورَةٍ تُرَى يَحْمِلُهَا الآنَ عَنِّي؟ “
وَقَالَ لَكَ صَاحِبُكَ بَعْدَ أَنْ مَرَّرَ لِلنَّادِلِ طَلَبَاتِهِ:
- مَاذَا تُحِبُّ أَنْ تَشْرَبَ؟
فَقُلْتَ وَأَنْتَ تَرْشُقُ عَيْنَيْكَ فِي عَيْنَيِ النَّادِلِ البَارِدَتَيْنِ:
- أَيَّ شَيْءٍ... "كُوكَا" أَوْ أَيَّ شَيْءٍ مَوْجُودًا.
فَيَهْمِسُ صَاحِبُكَ مُحَوْصِلًا جُمْلَةَ الطَّلَبَاتِ:
- "كَاسْ تَايْ" وَوَاحِدَة "كُوكَا".
وَاسْتَدَارَ النَّادِلُ مُبْتَعِدًا وَلَاحَقْتَهُ بِنَظَرَاتِكَ وَأَنْتَ تُدِيرُ أَلْفَ سُؤَالٍ عَلَى قَفَاهُ. سَمِعْتَ صَاحِبُكَ يَقُولُ لَحْظَةَ كُنْتَ تَتَذَكَّرُ فِيهَا ذَاكَ المسْؤُولَ الّذِي أَطْرَدَكُمَا مِنْ شَرِكَتِهِ:
- كَيْفَ وَجَدْتَ العَمَلَ عَلَى الموْقِعِ؟
- تَعَبُهُ لَذِيذٌ...
وَمَرَّتْ بِبَالِكَ الحَادِثَةُ. لِمَ لَمْ يَفْهَمْ ذَاكَ الحَيَوَانُ وَجْهَ الاخْتِلَافِ بَيْنَ "بَائِعٍ مُتَجَوِّلٍ" وَ(***)"Représentant"لِشَرِكَةٍ مُحْتَرَمَةٍ كَشَرِكَتِكَ؟ لِمَاذَا لَمْ تُفِدْ أَنَاقَتُكُمَا وَأَلْفَاظُ صَاحِبِكَ المهَذَّبَةُ فِي إِسْكَاتِ ذَاكَ الحَيَوَانِ البَلِيدِ مِنْ تَرْدِيدِ جُمْلَتِهِ السَّخِيفَةِ:” إِذَا أَرَدْتُمَا بَيْعَ تَفَاهَاتِكُمَا فَعَلَيْكُمَا بِسُوقِ المنْصِفْ بَايْ لَا هَذَا المكَانِ“. رُبَّمَا كَانَ بِعَيْنَيْهِ حَوَلٌ. وَلَكِنْ عَلَيْكَ أَنْ تَعْتَادَ عَلَى مِثْلِ هَذِهِ الوَقَائِعِ وَأَنْ تُصِرَّ – كَمَا فَعَلَ صَاحِبُكَ – عَلَى تَوْضِيحِ الفُرُوقِ وَتَبْيِينِهَا، لِأَيِّ كَائِنٍ يُسَمِّمُكَ بِعِبَارَاتِهِ الجَارِحَةِ... عَلَى أَيَّةِ حَالٍ، لَا تَعْتَقِدُ أَنَّكَ سَتَعْثُرُ عَلَى المزِيدِ مِنْهُمْ فِي تِلْكَ المنَاصِبِ...
كَانَ البُخَارُ يَفِرُّ مِنْكَ مَشْحُونًا بِرَائِحَةِ العَرَقِ وَيَغْمُرُ رِجْلَيْكَ الملْتَهِبَتَيْنِ، فَتَشْعُرُ بِرَخْوَةٍ وَانْتِشَاءٍ... لَابُدَّ مِنْ قُوَّةٍ جَبَّارَةٍ لِكَيْ تَعُودَ إِلَى الوُقُوفِ وَالحَرَكَةِ مِنْ جَدِيدٍ. خَطَرَ لَكَ أَنْ تَسْأَلَ حَتَّى لَا يَنْزَعِجَ مُدَرِّبُكَ مِنْ صَمْتِكَ وَتُشْفِي، فِي الآنِ نَفْسِهِ، رَغْبَةً تَطْرُقُ صَدْرَكَ:
- كَمْ بَقِيَ لَكَ لِتَصِيرَ وَكِيلَ شَرِكَةٍ؟
- عِنْدَ تَكْوِينِ فَرِيقٍ مِنْ خَمْسَةِ مُدَرِّبِينَ يُمْكِنُنِي فَتْحُ فَرْعٍ للشَّرِكَةِ فِي أَيِّ مَكَانٍ أُرِيدُ. وَلَكِنْ هَذَا غَيْرُ مُهِمٍّ الآنَ...
أَنْصَتَّ إِلَيْهِ بِانْتِبَاهٍ.
- المـُهِمُّ أَنْ تَحْفَظَ بَعْضَ الصِّفَاتِ التِّي يَجِبُ أَنْ يَرَاهَا "البَايِّبِي" فِيكَ قَبْلَ أَنْ يُعْطِيكَ ثِقَتَهُ الكَامِلَةَ فِي قُدْرَتِكَ عَلَى إِدَارَةِ الشَّرِكَاتِ... مَعَكَ قَلَمٌ؟
وَأَسْرَعْتَ تَبْحَثُ فِي جُيُوبِكَ. أَخْرَجْتَ قَلَمًا. وَمَعَ القَلَمِ وَرقَةٌ.
- اكْتُبْ.
وَاتَّكَأَ عَلَى مَسْنَدِ الكُرْسِيّ وَأَنْتَ تَتَطَلَّعُ إِلَيْهِ باِهْتِمَامٍ.
- الصِّفُاتُ التِي سَتُكْسِبُكَ ثِقُةَ "البَايِّبِي" ثَمَانِيَةٌ: أَوَّلًا، أَنْ تَتَمَتَّعَ بِمَعْنَوِيَّاتٍ وَرُوحٍ إِيجَابِيَّةٍ... ثَانِيًا، أَنْ تَتَهَيَّأَ مُسْبَقًا...
- يَعْنِي؟
- أَنْ تُحَضِّرَ مَكَانَ عَمَلِكَ قَبْلَ مَجِيئِكَ إِلَى الشَّرِكَةِ. تَحْدِيدُ المكَانِ لَا يَجْعَلُكَ تَضُيِّعُ الوَقْتَ فِيمَا بَعْد، لَمَّا تَتَسَلَّمُ البِضَاعَةَ...
وَقَطَعَ حَدِيثَهُ. رَاقَبَ النَّادِلَ وَهْوَ يَضَعُ مَا طَلَبْتُمَا عَلَى المنْضَدَةِ. وَحِينَ فَرَغَ مِنْ ذَلِكَ شَكَرَهُ صَاحِبُكَ ثُمَّ تَابَعَ قَائِلًا:
- ثَالِثًا، أَنْ تَكُونَ دَائِمًا فِي الموْعِدِ... سَجِّلْ هَذَا! سَجِّلْ!
وَامْتَدَّتْ يَدَهُ إِلَى "كَاسْ التَّايْ". تَرَشَّفَ مِنْهُ ثُمَّ أَعَادَهُ إِلَى مَكَانِهِ وَتَابَعَ:
- رَابِعًا، أَنْ تَمْسَحَ الموْقِعَ الذِي تَخْتَارُهُ مَسْحًا جَيِّدًا... خَامِسًا، أَنْ تَعْمَلَ كَامِلَ الوَقْتِ ثَمَانِيَ سَاعَاتٍ دُونَ انْقِطَاعٍ... سَادِسًا، أَنْ تُحَافِظَ عَلَى مَعْنَوِيَّاتِكَ مُرْتَفِعَةً.
قُلْتَ مُتَشَكِّكًا:
- أَظُنُّنِي سَجَّلْتُ هَذِهِ الصِّفَةَ فِي البِدَايَةِ.
أَقْنَعَكَ بِأَنَّ الدُّخُولَ بِمَعْنَوِيَّاتٍ مُرْتَفِعَةٍ سَهْلٌ، وَلَكِنَّ المحَافَظَةَ عَلَيْهَا مُرْتَفِعَةً طِيلَةَ يَومٍ كَامِلٍ لَا يَسْتَطِيعُهُ إِلَّا الأَقْوِيَاءُ...
وَمَرَّتْ بِبَالِكَ حَادِثَةُ الإِهَانَةِ. مِنْ جَدِيدٍ تَعُودُ إِلَيْهَا. “هَذِهِ شَرِكَةٌ مُحْتَرَمَةٌ وَلَيْسَتْ سُوقًا لِعَرْضِ التَّفَاهَاتِ”. أَجَلْ، سَيِّدِي، أَجَلْ، وَلَكِنْ لِتَفْهَمَ...” ... “لَا أُرِيدُ أَنْ أَفْهَمَ شَيْئًا... أَيْنَ الأَمْنُ... أُرِيدُ الأَمْنَ... لِيُلْقِ بِهِمَا خَارِجًا...” وَهَبَّتِ السِّكْرِتِيرَةُ مُرْتَجِفَةً. وَأَطَلَّ مُوَظَّفُو الشَّرِكَةِ مِنْ مَكَاتِبِهِمْ. وَجَاءَ الحَارِسُ لَاهِثًا، خَائِفًا... تَرَجَّاكُمَا أَنْ تَخْرُجَا... “أَرْجُوكُمَا، اخْرُجَا...” ... “حِسَابِي سَيَكُونُ مَعَكَ لَوْ وَجَدْتُ أَحَدَهُمَا هُنَا مَرَّةً أُخْرَى...” وَكَانَ الدَّمُ فَائِرًا فِي عُرُوقِ مُدَرِّبِكَ. كَانَ يَغْلِي مِنَ الغَضَبِ وَالأَلَمِ... “هَذَا الحَيَوَانُ سَبَبُ تَخَلُّفِنَا. فِي الدُّوَلِ المتَقَدِّمَةِ، يَحْتَرِمُ النَّاسُ عَمَلَنَا وَيُقَدِّرُونَ جُهْدَنَا. الجَهْلُ مُصِيبَةٌ وَهْوَ الخَاسِرُ عَلَى أَيَّةِ حَالٍ”. وَأَنْتَ أَيْضًا كُنْتَ تَحُسُّ بِالإِهَانَةِ وَلَكِنَّ الصَّفْعَةَ كَانَتْ مُوَجَّهَةً رَأْسًا إِلَى صَاحِبِكَ أَكْثَرَ مِمَّا كَانَتْ مُوَجَّهَةً إِلَيْكَ... “نَصَّابُونَ... لُصُوصٌ... أَلَا يُدْرِكُونَ أَنَّ هَذَا المقَرَّ مُخَصَّصٌ لِلْعَمَلِ وَلَيْسَ مُعِدًّا لِلتَّبَضُّعِ. مَنْ رَغِبَ مِنَ الموَظَّفِينَ فِي شَيْءٍ فَعَلَيْهِ بِالسُّوقِ خَارِجَ وَقْتِ العَمَلِ”. كُنْتَ تَابِعًا لَا غَيْرَ. وَكَانَتْ نَفْسُ صَاحِبِكَ تَتُوقُ إِلَى مَلْءِ وَجْهِ ذَاكَ الحَيَوَانِ بِالسَّبِّ وَالبُصَاقِ... “مَا أَكْثَرَهُمْ! ... الهَمْ!”. كَانَ حَقِيرًا تَافِهًا لَا يُفَرِّقُ بَيْنَ الـ "Représentant" وَالبَائِعِ الجَوَّالِ... الغَبِيّ! يَتَّهِمُكُمَا بِتَضْيِيعِ وَقْتِ الموَظَّفِينَ... أَيَّةُ غَبَاوَةٍ... “هَذِهِ الطَّرِيقَةُ أَمَرِيكِيَّةٌ نَجَحَتْ عِنْدَهُمْ هُنَاكَ بِنِسْبَةِ 100/100 وَسَتَنْجَحُ هُنَا أَيْضًا رَغْمَ أَنْفِ هَذَا الحَيَوَانِ الجَاحِدِ... تَضْيِيعُ وَقْتِ الموَظَّفِينَ! مَنْ يُضَيِّعُ أَوْقَاتَ الموَظَّفِينَ؟ نَحْنُ أَمْ هُوَ؟ فِي الدُّوَلِ المتَقَدِّمَةِ تَدُورُ عَجَلَةُ المصَانِعِ وَالشَّرِكَاتِ 24 سَاعَةً عَلَى 24 سَاعَةً. لَا يَتَوَقَّفُ فِيهَا العَمَلُ أَبَدًا. اللَّيْلُ مِثْلُ النَّهَارِ حَرَكَةٌ دَائِمَةٌ. وَبِفَضْلِ مَا يَقُومُ بِهِ أَمْثَالُنَا، يَرْتَاحُ العَامِلُ وَيُرَكِّزُ جُهْدَهُ عَلَى الْعَمَلِ فَقَطْ كُلُّ شَيْءٍ يُوَفِّرُهُ لَهُ الـ «Représentant".. حَتَّى الأَشْيَاءَ البَسِيطَة يَجِدُهَا العَامِلُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلَا يُضَيِّعُ تَرْكِيزَهُ فِي التَّفْكِيرِ فِي شَيْءٍ آخَرَ غَيْرَ العَمَلِ...”. كَانَ بِإِمْكَانِ صَاحِبِكَ أَنْ يَمْلَأَ فَمَهُ بِمَا لَا يُبَاحُ قَوْلُهُ وَيَنْفُثُهُ فِي وَجْهِهِ الخِنْزِيرِيّ... “كَانَ يَتَحَدَّثُ عَنِ النَّصْبِ وَالاحْتِيَالِ، يَبْدُو أَنَّ أَحَدَهُمْ قَدْ غَشَّهُ” ... “رُبَّمَا... رُبَّمَا... فَبَعْضُ الزُّمَلَاءِ حَمْقَى يَفْقَؤُونَ أَعْيُنَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ!... فَلَا تَكْتَرِثْ وَتَنَاسَ الأَمْرَ... يَوْمًا مَا سَنَرُدُّ لَهُ الإِهَانَةَ ضِعْفَيْهَا... حِينَ تَصِيرُ وَكِيلًا يُمْكِنُكَ أَنْ تَفْعَلَ ذَلِكَ بِطَرِيقَةٍ أَوْ بِأُخْرَى... أُؤَكِّدُ لَكَ ذَلِكَ” وَحُبِسَتِ الكَلِمَاتُ الّتِي لَا تُقَالُ فِي جَوْفِ صَاحِبِكَ... لَمْ تُؤَثِّرْ فِيكَ تِلْكَ الحَادِثَةُ وَلَمْ تَقْلَقْ... كُنْتَ تَمْلِكُ صِفَةً مِنَ الصِّفَاتِ المهِمَّةِ الّتِي يُحِبُّهَا "البَايِّبِي!"
- سَابِعًا، أَنْ تَعِيَ دَوْمًا مَاذَا تَفْعَلُ وَسَبَبَ وُجُودِكَ هُنَا...
وَكَتَبْتَ... كُلُّ الطُّرُقِ تُؤَدِّي إِلَى...
وَأَخِيرًا، التَّرَفُّعُ.
عَنْ أَيِّ شَيْءٍ؟ لَسْتَ تَدْرِي. وَلَنْ تَدْرِيَ. وَلَكِنَّكَ سَتَفْعَلُ المسْتَحِيلَ لِكَيْ تَجِدَ المكَانَ المنِيرَ، مَكَانَكَ فَوْقَ الشَّمْسِ!
****
- Plus fort, baby, plus fort !
وَزَقْزَقَتِ الفَرْحَةُ فِي عَيْنَيْكَ. وَتَدَفَّقَتِ السَّعَادَةُ فِي عُرُوقِكَ. وَانْتَشَيْتَ... كَانَتْ أَحَاسِيسُكَ مُتَأَيِّنَةً فِي مَحَالِيلِ غَبَائِكَ... مُتَخَمِّرَةً، سَعِيدَةً، وَأَنْتَ تَدْفَعُ أَمْوَالَ زَوْجَتِكَ إِلَى الكَاتِبَةِ وَتَقْبِضُ ثَمَنَ أَتْعَابِكَ مِنْ عَرَقِهَا... لَمْ تَعُدَّهَا وَأَنْتَ تَعْرِفُ كَمْ هِيَ. المهِمُّ أَنَّكَ سَجَّلْتَ أَوَّلَ جَرَسٍ لَكَ. أَوَّلَ جَرَسٍ وَسَيَعْقُبُهُ الكَثِيرُ مِنَ الأَجْرَاسِ. وَتَشْعُرُ بِالدِّفْءِ وَأَنْتَ تَرَى نَظَرَاتِ الحَسَدِ فِي عَيْنَيْ مُدَرِّبِكَ رُغْمَ مُحَاوَلَاتِهِ الجَاهِدَةِ لِكَيْ يَبْدُوَ فَخُورًا بِكَ... أَلَسْتَ تِلْمِيذَهُ؟ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ سَجَّلْتَ جَرَسًا. وَغَدًا قَدْ تُحَقِّقُ هَدَفَكَ الثَّانِي. أَنْتَ أُعْجُوبَةٌ. أَنْتَ خَارِقٌ لِزَمَانِكَ. كَمْ كَانَ وَمِيضُ عَيْنَيْكَ شَدِيدًا. عَيْنَاكَ تَلْتَقِطَانِ دَقَائِقَ أَحْدَاثِ اللَّحْظَةِ الخَالِدَةِ. وَعَقْلُكَ البَاطِنُ يُسَجِّلُ وَلَا يُهْمِلُ شَيْئًا. احْتَفَظْتَ بِالتَّفَاصِيلِ لِتَحْكِيَهَا لِزَوْجَتِكَ عِنْدَمَا تَعُودُ إِلَى المَنْزِلِ. وَقَدْ عُدْتَ مُحَطَّمًا. يَغْزُوكَ التَّعَبُ. عُدْتَ تَحْمِلُ أَشْيَاءَ كَثِيرَةً تَوَدُّ لَوْ أَنَّكَ تُطِيلُ الحَدِيثَ عَنْهَا. تِلْكَ اللَّحْظَةُ القَصِيرَةُ بَقِيتَ سَاعَةً تَحْكِى وَلَمْ تَنْتَهِ مِنْهَا! وَامْتَدَّتْ يَدَاكَ تَجِسُّ البَطْنَ المنْفُوخَ وَتَهْمِسُ لِزَوْجَتِكَ كَالحَالِمِ:
سَيُولَدُ طِفْلُنَا فَيَجِدُنَا قَدْ هَيَّأْنَا لَهُ عِيشَةً رَضِيّةً أَفْضَلَ مِمَّا عِشْنَاهَا. سَيَجِدُ أَبَاهُ جَالِسًا خَلْفَ مَكْتَبٍ فَاخِرٍ...
تُقَاطِعُكَ زَوْجَتُكَ بِضِيقٍ:
- الأَفْضَلُ لَكَ أَنْ تَنَامَ. عِنْدَمَا تَفِيقُ سَتُدْرِكُ كُنْهَ الوَاقِعِ.
- أَنْتِ دَائِمًا هَكَذَا، عَاجِزَةً عَنْ فَهْمِي... أُرِيدُ لِابْنِي أَنْ يَتَذَوَّقَ طَعْمَ الحَيَاةِ بِلِسَانِهِ لَا بِعَيْنَيْ خَيَالِهِ كَمَا كُنْتُ أَفْعَلُ. سَأُوَفِّرُ لَهُ مَا يَسْتَطِيبُهُ القَلْبُ، وَتَلَذُّهُ العَيْنُ. أَلَا تَوَدِّينَ هَذَا لِابْنِكِ؟
- بَلَى، أَوَدُّ ذَلِكَ. نَمْ، نَمْ... نَمِ الآنَ أَرْجُوكَ.
- عَلَى كُلِّ حَالٍ سَأُعَوِّضُ لَكِ مَا فَاتَكِ فِي وَقْتِ قَصِيرٍ... فِي البِدَايَةِ سَأَعْتَمِدُ عَلَيْكِ... سَأَحْتَاجُكِ.
- لَا تُحَاوِلُ أَنْ تَعْتَمِدَ عَلَيَّ.. لَا يَكْفِي مَا ادَّخَرْتَهُ لِنَفَقَاتِ الوِلَادَةِ، وَأَنْتَ تَثْلُمُ مِنْهُ... لَنْ أَسْمَحَ لَكَ مَرَّةً أُخْرَى... لَنْ أُوَافِقَكَ عَلَى مَا تَفْعَلُ.
- سَأَرُدُّهُ لَكِ أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً. أَعِدُكِ.
وَتَصْمُتَ وَلَا تَسْمَعُ لَهَا رَدًّا... كَلَامُكَ لَمْ يُقْنِعْهَا..
- تَعْلَمِينَ، سَأَبْذُلُ جُهْدًا لِكَيْ أَبِيعَ كُلَّ الْبِضَاعَةِ دُونَ أَنْ أَضْطَرَّ إِلَى تَغْطِيَتِهَا مِنْ جَيْبِي... أُرِيدُ فَقَطْ أَنْ أَجْعَلَ بَعْضَ الْمَـالِ رَكِيزَةً لِمَا قَدْ يَحْدُثُ... لِلْحِيطَةِ لَا غَيْرَ.
وَتَصْمُتُ مِنْ جَدِيدٍ. وَتَسْمَعُ تَنَفُّسًا مُنْتَظَمًا. اللَّعْنَةُ! لَقَدْ نَامَتْ. تَتَشَنَّجُ مِنَ الغَيْظِ وَتَهُمُّ بِرَكْلِهَا لِكَيْ تُوقِظَهَا... ثُمَّ لَا تَجْرُؤُ. اسْتَخْدَمْتَ عَقْلَكَ، كَعَادَتِكَ دَائِمًا. أَنْتَ تَعْرِفُ مَتَى لَا يَكُونُ الإِلْحَاحُ ضَرُورِيًّا. سَرَحْتَ فِي رَسْمِ أَبْعَادِ الكُتْلَةِ اللَّحْمِيَّةِ النَّابِتَةِ فِي رَحِمِ زَوْجَتِكَ. سَتَحْرُقُ المسَافَاتِ البَعِيدَةَ مِنْ أَجْلِ طِفْلِكَ، مِنْ أَجْلِ أَنْ يَنْمُوَ فِي عَالَمٍ لَا وَجَعَ فِيهِ. وَمِنْ أَجْلِ نَفْسِكَ أَيْضًا، مِنْ أَجْلِ أَنْ تَقْتَلِعَ الخَوْفَ مِنْ غَدِكَ فَلَا تَهْتَمَّ حِينَ تَحْصُلُ زِيَادَةٌ فِي سِعْرِ مَادَّةٍ مِنَ الموَادِّ، وَلَا تَنْشَغِلُ بِمِيزَانِ العَرْضِ وَالطَّلَبِ. إِنَّ أَكْثَرَ مَا يُقْلِقُكَ الاقْتِصَادُ فِي مَا لَا يُمْكِنُ الاقْتِصَادُ فِيهِ بِلُغَةِ المدَافِعِينَ عَنِ المعَذَّبِينَ فِي الأَرْضِ..
وَسَلَّمَكَ النَّوْمُ إِلَى يَوْمٍ جَدِيدٍ... نِمْتَ سَاعَتَيْنِ وَصُورَةُ المنَاصِبِ العُلْيَا لَا تُفَارِقُ عَيْنَيْكَ... هَلْ نِمْتَ حَقًّا أَمْ مُجَرَّدُ شُرُودٍ نَالَكَ؟ نَاضَلْتَ ضُدَّ التَّعَبِ وَالإِرْهَاقِ. أَطْرَدْتَ الكَسَلَ وَنَهَضْتَ بِأُعْجُوبَةٍ... تَكَادُ تَحْرُقُ المسَافَةَ فِي زَمَنٍ قِيَاسِيٍّ... مَشَّطْتَ فِيهِ الشَّوَارِعَ شَارِعًا شَارِعًا... مَسَحْتَ فِيهِ الأَزِقَّةَ زَنْقَةً زَنْقَةً... طَرَقْتَ فِيهِ الأَبْوَابَ بَابًا بَابًا... وَزُرْتَ فِيهِ المكَاتِبَ مَكْتَبًا مَكْتَبًا... وَعَرَفْتَ فِيهِ الوُجُوهَ وَجْهًا وَجْهًا... وَأَذَلَّكَ بَعْضُ النَّاسِ وَحَسَدَكَ آخَرُونَ... وَأَرَادَتْ زَوْجَتُكَ أَنْ تَكْبَحَ جُمُوحَ نَفْسِكَ الطَّامِحَةِ فَلَمْ تَفْلَحْ... ذَهَبَتْ إِلَى حَدِّ التَّشْكِيكِ فِي حَقِيقَةِ الوُعُودِ المقَدَّمَةِ إِلَيْكَ... “لَا تَكُنْ غَبِيًّا... أَيُّ ضَمَانٍ فِي يَدِكَ لِكَيْ تَنْدَفِعَ لِهَذَا العَمَلِ بِكُلِّ حَمَاسٍ؟ “
وَاسْتَشْرَتْ فِيكَ العَدْوَى... مَاذَا لَوْ كَانَ الأَمَلُ سَرَابًا؟ وَمَعَ أَنَّكَ لَعَنْتَ تَسَرُّعَكَ الأَخْرَقَ، إِذِ اعْتَقَدْتَ أَنَّ هَذِهِ الشَّقِيَّةَ تُرِيدُ أَنْ تَصْرِفَكَ عَنْ تَحْقِيقِ حُلْمِكَ مِنْ أَجْلِ أَنْ تُنْقِذَ مَا تَبَقَّى مِنْ مُدَّخَرَاتِهَا الَّتِي أَتَى عَلَيْهَا سَيْلُ طُوفَانِكَ، إِلَّا أَنَّكَ لَمْ تَنْسَ وَمَرَّرْتَ شُكُوكَهَا إِلَى زَمِيلَتِكَ الَّتِي ضَحِكَتْ وَهْيَ تَرُدُّ:
- لَا أُفَكِّرُ فِي الْوُعُودِ مَا دُمْتُ أَكْسِبُ.
وَاسْتَغْرَبْتَ:
- تَكْسِبِينَ؟
وَقَدْ كُنْتَ تَظُنُّ أَنَّ رَنِينَ أَجْرَاسِهَا مِنْ صُنْعِ أَمْوَالِهَا. كُنْتَ تَعْتَقِدُ أَنَّ الجَمِيعَ يَفْعَلُونَ مِثْلَكَ...
- طَبْعًا، فِي الفَتْرَةِ التِي عَمِلْتُ فِيهَا كَوَّنْتُ صَدَاقَاتٍ مَعَ أُنَاسٍ مُهِمِّينَ فِي بَعْضِ الشَّرِكَاتِ.
وَغَمَزَتْكَ بِعَيْنَيْهَا...
- Il Faut être créatif, baby
****
تُشْرِقُ الشَّمْسُ أَوْ لَا تُشْرِقُ. تَخْتَفِي خَلْفَ الغُيُومِ أَوْ لَا تَخْتَفِي. تَمِيلُ نَحْوَ الغُرُوبِ أَوْ لَا تَمِيلُ. لَمْ يَكُنْ وَقْتُكَ يَسْمَحُ لَكَ بِمُلَاحَظَةِ تَحَوُّلَاتِ الطَّبِيعَةِ... وَمَا كَانَتْ هَذِهِ التَّحَوُّلَاتُ تَهُمُّكَ أَصْلًا... فَأَنْتَ فِي سِبَاقٍ مَعَ الزَّمَنِ، وَالدَّقِيقَةُ الوَاحِدَةُ الَّتِي تُضَيِّعُهَا فِي التَّمَتُّعِ بِجَمَالِ الكَوْنِ تُؤَخِّرُ تَجْسِيمَ حُلْمِكَ إِلَى أَجَلٍ غَيْرِ مُسَمًّى... إِنَّهَا كَارِثَةٌ لَوْ يَحْصُلُ هَذَا. لَا، لَنْ تَفْتَحَ إِحْسَاسَكَ لِلْوُجُودِ... الوُجُودُ كُلُّهُ سَيَكُونُ بَيْنَ يَدَيْكَ لَوْ حَقَّقْتَ مَا تَصْبُو إِلَيْهِ. وَالحَيَاةُ سَتَأْتِيكَ صَاغِرَةً حِينَ تَجْلِسُ خَلْفَ المكْتَبِ الموْعُودِ تُدِيرُ أَعْمَالَكَ. وَرُبَّمَا سَتَلْتَقِي يَوْمًا بِأُولَئِكَ الَّذِينَ احْتَقَرُوكَ... اسْعَ إِلَى هَدَفِكَ بِلَا تَرَدُّدٍ فَقَدْ قَارَبْتَ أَنْ تَصِلَ. تَابعْ سَيْرَكَ فِي الشَّوَارِعِ الطَّوِيلَةِ وَالأَزِقَّةِ الضَّيِّقَةِ. الأَعْيُنُ تَتْبَعُكَ وَأَنْتَ تَجُرُّ نَعْلَكَ الَّذِي أَكَلَ الطَّرِيقُ سُمْكَهُ. تَسِيرُ بِبُطْءٍ كَالتَّائِهِ. تَتَمَايَلُ ذَاَتَ اليَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ. الْكِيسُ الضَّخْمُ يَكَادُ يَقْسِمُكَ نِصْفَيْنِ. تَمَلَّكَكَ الحُنْقُ. هَمَمْتَ أَنْ تَقْذِفَ بِالْبِضَاعَةِ تَحْتَ أَرْجُلِ النَّاسِ... سَئِمْتَ مِنْ هَذَا العَمَلِ. قَلِقْتَ وَضَجَرْتَ... مَاذَا دَهَاكَ؟ جِسْمُكَ قَادِرٌ عَلَى تَحَمُّلِ الأَتْعَابِ، فَلِمَ التَّذَمُّرُ؟ لَعَنْتَ "البَايِّبِي" وَطَرِيقَتَهُ. لِمَاذَا يُرْغِمُكَ عَلَى حَمْلِ مَا لَا طَاقَة لَكَ بِهِ؟ كُنْتَ قَدْ رَجَوْتَهُ أَنْ يُقَلِّلَ مِنَ الكَمِّيَّةِ حَتَّى لَا تَبْدُوَ كَبَائِعٍ مُتَجَوِّلٍ يَتَدَحْرَجُ فَوْقَ الأَرْصِفَةِ. كُنْتَ قَدْ لَفَتْتَ نَظَرَهُ إِلَى حَقِيقَةٍ هَامَّةٍ، الهَيْئَةُ المحْتَرَمَةُ لِلْـ"Représentant» لَا تَتَنَاسَبُ مَعَ الحُمُولَةِ الضَّخْمَةِ المعَلَّقَةِ عَلَى ظَهْرِهِ. يَبْدُو لَكَ مُحْرِجًا، إِذْ أَنَّ بُرُوزَهُ بِذَاكَ الشَّكْلِ يُثِيرُ قَرَفَ الحُرَفَاءِ وَتَنَدُّرَهُمْ... سَتُوَلِّدُ تِلْكَ الهَيْئَةُ اشْمِئْزازَهُمْ... وَهُنَا سَتَنْهَدُّ دَعَائِمُ الطَّرِيقَةِ... سَتَتَسَاقَطُ حِجَارَةً عَلَى رَأْسِ "البَايِّبِي" وَأَفْكَارِهِ. سَتَنْسِفُهَا نَظَرَاتُ السُّخْطِ وَالاسْتِيَاءِ وَثَوْرَةُ البَوَّابِينَ... وَ"البَايِّبِي" يُصِرُّ عَلَى الالْتِزَامِ وَالتَّقَيُّدِ بِالعَدَدِ المحَدَّدِ لِدَقِّ الجَرَسِ، رُغْمَ ضَخَامَةِ حَجْمِ البِضَاعَةِ الجَدِيدَةِ. أَحْمَقُ. فَهْوَ لَا يَعِي أَخْطَاءَهُ. غَالَبْتَ مَتَاعِبَكَ وَآلَامَكَ وَأَنْتَ تَتَقَدَّمُ فِي الشَّوَارِعِ الصَّامِتَةِ مِنْ تِلْكَ الأَحْيَاءِ الَّتِي تَلُوحُ لِلْغُرَبَاءِ مَهْجُورَةً وَهْيَ تَحْتَوِي عَلَى كَامِلِ مَبَاهِجِ الحَيَاةِ. إِحْسَاسٌ غَرِيبٌ مَنَحَكَ القُوَّةَ لِإِخْفَاءِ مَا تُعَانِيهِ مِنْ إِعْيَاءٍ. تَقَدَّمْتَ تَجُرُّ سَاقَيْكَ جَرًّا وَتُفَكِّرُ فِي أَصْحَابِ البُيُوتِ الَّذِينَ يَتَحَدَّثُونَ بِلُغَةٍ تَخْتَلِفُ عَنْ لُغَتِكَ. لَا تَسْمَعُ صُرَاخَ أَطْفَالِهِمْ... أَيْنَ حِسُّهُمْ؟ تَتَسَاءَلُ مَقْبُوضَ القَلْبِ. عَيْنَاكَ زَائِغَتَانِ وَوَجْهُكَ شَاحِبٌ. حَالَةٌ مِنَ الانْكِمَاشِ تُمْسِكُ بِكَ، تُغْرِقُكَ فِي أَفْكَارٍ سَوْدَاءَ. مِهْنَتُكَ عَلَّمَتْكَ اسْتِشْفَافَ بَوَاطِنِ النَّاسِ مِنْ مَلَامِحِ وُجُوهِهِمْ وَأَنْتَ لَا تَقْدِرُ عَلَى فَهْمِ مَا يَجْرِي لَكَ... تَدُورُ وَتَدُورُ دُونَ تَوَقُّفٍ، نَاظِرًا إِلَى حِذَائِكَ، غَارِقًا فِي خَيَالَاتِكَ. مَلَلْتَ العَوْدَةَ إِلَى نَفْسِ البِنَايَاتِ وَنَفْسِ الوُجُوهِ. تُعَذِّبُكَ شَكَاوَى الحُرَفَاءِ مِنْ بِضَاعَةٍ قُمْتَ بِتَسْوِيقِهَا سَابِقًا، أَوْ قَامَ بِهَا أَحَدُ زُمَلَائِكَ، لَمْ تَصْمُدْ لِأَيَّامٍ قَلِيلَةٍ... تَوَالَدَتْ الشَّرِكَاتُ بِطَرِيقَةِ الانْشِطَارِ وَانْتَشَرَتْ عَشْوَائِيًّا كَالأُخْطُبُوطِ اللَّعُوبِ... كُنْتَ قَدْ حَمَلْتَ، يَوْمًا، إِلَى "البَايِّبِي" شَكْوَى أَحَدِهِمْ مِنْ سِلْعَةٍ كَانَ قَدْ اقْتَنَاهَا مِنْكَ تُعْرَضُ فِي الأَسْوَاقِ بِسِعْرٍ أَرْخَصَ.
- Mais il faut être créatif, baby.
فَاجَأَكَ "البَايِّبِي" بِتَوْجِيهَاتِهِ الحَادَّةِ. اعْتَمَدْتَ بَعْدَهَا عَلَى فِطْنَتِكَ وَذَكَائِكَ لِلتَّمَلُّصِ مِنَ الموَاقِفِ الحْترِجَةِ... خَدَّمْتَ مُخَّكَ وَغَلَّفْتَ الكَلِمَاتِ المتَعَفِّنَةَ بِإِكْسِيرِ الحَيَاةِ. لَمَّعْتَهَا وَقَدَّمْتَهَا إِجَابَاتٍ مُسَكَّنَةً عِنْدَ الطَّوَارِئِ. عَلَى أَيَّةِ حَالٍ، هُنَاكَ خَطَأٌ مَا يَجِبُ تَصْحِيحُهُ حِينَ تَتَرَبَّعُ عَلَى عَرْشِكَ! وَقَدْ بَاتَ قَرِيبًا. تُوشِكُ أَنْ تَنَالَ البَرَكَةَ، فَلَا تَحْزَنْ... مَنْهُوكَ القِوَى، تَزْحَفُ دُونَ تَوَقُّفٍ... وَالنَّهَارُ يَزْحَفُ. وَصَلْتَ إِلَى مُلْتَقَى شَارِعَيْنِ تَخْتَارُ اتِّجَاهًا وَتَمْضِي فِيهِ. يَجِبُ أَنْ تَكْسَبَ مَا أَمْكَنَ، لَا جَدْوَى مِنَ المشْيِ. الْتَفِتْ إِلَى يَمِينِكَ هُنَاكَ شَيْءٌ يَلْمَعُ... لَافِتَةٌ نُحَاسِيَّةٌ. اتَّجَهْتَ إِلَيْهَا. سَوَّيْتَ هِنْدَامَكَ، قَبْلَ أَنْ تَقُومَ بِدَفْعِ البَابِ الحَدِيدِيِّ وَتَدْخُلَ... تَقَدَّمْتَ تَجُرُّ قَدَمَيْنِ مُتْعَبَتَيْنِ فِي مَمْشَى مُمْتَدٍّ مِنْ بَابِ الحَدِيقَةِ إِلَى مَدْرَجٍ رُخَامِيٍّ عَرِيضٍ... خَطَوْتَ خُطوَاتٍ نَحْوَ سُلَّمٍ بَاتَ غَيْرَ بَعِيدٍ... وَانْتَابَكُ الذُّعْرُ فَجْأَةً. وَطَارَ بَصَرُكَ إِلَى يَمِينِكَ لِيَحُطَّ عَلَى كَلْبٍ كَأَنَّهُ وَحْشٌ يَجْرِى نَحْوَكَ بِسُرْعَةِ الرِّيحِ فَصَرَخْتَ صَرْخَةً مَكْتُومَةً، وَاسْتَدَرْتَ... مَدَدْتَ ذِرَاعَكَ فِي الهَوَاءِ لِتَرْمِيَ البِضَاعَةَ تَحْتَ رِجْلَيْكَ لِتَتَحَرَّرَ مِنْ ثِقَلِهَا... دُسْتَهَا فِي الأَثْنَاءِ وَأَنْتَ تُلْقِي بِجَسَدِكَ فِي الشَّارِعِ تَجْرِي كَالبَرْقِ تُسَابِقُ الضَّوْءَ.. وَمِنْ خَلْفِكِ يَأْتِيكَ النُّبَاحُ عَالِيًا. تَرْكُضُ بِأَقْصَى قُوَّتِكَ وَتَوَدُّ لَوْ تُعِيدُ النَّظَرَ فِي اللَّافِتَةِ الصَّفْرَاءِ النُّحَاسِيَّةِ. لَابُدَّ أَنَّكَ أَخْطَأْتَ العُنْوَانَ، أَوْ أَضَعْتَ رُشْدَكَ، أَوْ... انْتَصَبَ جِسْمٌ فِي طَرِيقِكَ فَجْأَةً... حَاوَلْتَ أَنْ تَتَوَقَّفَ. فَاهْتَزَّ قَلْبُكَ وَارْتَطَمَ بِجِدَارِ الصَّدْرِ وَأَخَذَكَ الرُّعْبُ وَالْوَجَعُ الْمـُمِيتُ وَبَدَأْتَ تَشْعُرُ بِالبَرْدِ يُجَمِّدُ رِجْلَيْكَ وَبِانْسِحَابِ الأَرْضِ مِنْ تَحْتِ قَدَمَيْكَ ثُمَّ ارْتَعَشْتَ قَلِيلًا وَشَهَقْتَ شَهْقَتَكَ الأَخِيرَةَ وَلَمْ يَعُدْ مِنْ مُتَحَرِّكٍ فِيكَ سِوَى دَمَكَ المسْفُوحَ يَزْحَفُ نَحْوَ البَالُوعَةِ، وَشَيْطَانُ أَمَلِكَ الضَّائِعِ يَبْحَثُ عَنْ غَبِيٍّ غَيْرَكَ مِنَ اليَسِيرِ العُثُورُ عَلَيْهِ (4).
_________________________
(1) أَقْوَى، حَبِيبِي، أَقْوَى!
(2) رُؤُوسُ كَلِمَاتِ هَذِهِ الجُمْلَةِ: Join us in celebrating expansion (انْضَمَّ إِلَيْنَا فِي الِاحْتِفَالِ بِالتَّوَسُّعِ)
(3) مُمَثِّلٌ تِجَارِيٌّ
(4) أَخْبَرَتْ "نُورْ" عَنْ حَالِهَا لَيْلَةَ الحَادِثَةِ قَالَتْ: ظَلَلْتُ خَلْفَ البَابِ أَتَرَقَّبُ عَوْدَةَ سَعِيدٍ. كُنْتُ قَلِقَةً، مَرْعُوبَةً. كُلَّمَا تَقَدَّمَ الوَقْتُ ازْدَدْتُ خَوْفًا وَحَيْرَةً فَسَعِيدٌ لَمْ يَتَعَوَّدْ عَلَى المبِيتِ خَارِجَ المنْزِلِ وَأَنَا لَمْ أَعْتَدْ عَلَى المبِيتِ وَحْدِي. حَاوَلْتُ قَدْرَ المسْتَطَاعِ أَنْ أَبْقَى مُسْتَيْقِظَةً، أُغَالِبُ النَّوْمَ وَأَبْحَثُ عَنْ أَسْبَابٍ لِتَأَخُّرِهِ. وَلَا أَدْرِي كَيْفَ أَخَذَتْنِي غَفْوَةٌ وَأَلْقَتْ بِي فِي بَحْرِ يَوْمٍ جَدِيدٍ. فِي الصَّبَاحِ، وَدُونَ أَنْ أَنْظُرَ إِلَى السَّاعَةِ، قَفَزْتُ مَذْعُورَةً عَلَى ضَرَبَاتٍ عَنِيفَةٍ عَلَى البَابِ. أَسْرَعْتُ جَرْيًا لِأَفْتَحَ لِلطَّارِقِ قَبْلَ أَنْ يُوقِعَ بِخَبَطَاتِهِ المجْنُونَةِ الجَنِينَ مِنْ أَحْشَائِي... فُوجِئْتُ، أَمَامَ عَتَبَةِ الدَّارِ، بِفِرْقَةٍ مِنْ رِجَالِ الشُّرْطَةِ. وَحِينَ سَأَلَنِي قَائِدُهُمْ عَنْ سَعِيد تَذَكَّرْتُ أَنِّي كُنْتُ بِانْتِظَارِهِ، وَتَرَدَّدْتُ فِي الإِجَابَةِ فَقَدْ كُنْتُ أَتَسَاءَلُ بَيْنِي وَبَيْنَ نَفْسِي: أَلَمْ يَعُدْ بَعْدُ؟ لَعَلَّهُ الآنَ نَائِمًا وَلَمْ أَتَفَطَّنْ لِذَلِكَ؟ وَلَمْ يُمْهِلْنِي الضَّابِطُ لَحْظَةً لِلتَّأَكُّدِ. أَشَارَ إِلَى رِجَالِهِ فَدَارُوا فِي البَيْتِ. اخْتَفُوا فِي الغُرَفِ وَالزَّوَايَا ثُمَّ عَادُوا مُحَمَّلِينَ بِالبِضَاعَةِ التِي كَانَ سَعِيدٌ قَدْ دَفَعَ عَرَقِي ثَمَنًا لَهَا. وَبَيْنَمَا كَانَ الضَّابِطُ يَأْمُرُ أَحَدَهُمْ بِتَثْبِيتِ الحَالَةِ فِي مَحْضَرِهِ وَيُمْلِي عَلَيْهِ بَعْضَ العِبَارَاتِ، مِثْلَ: "البِضَاعَةُ المسْرُوقَةُ".. "خِيَانَةُ مُؤْتَمَنٌ".. كُنْتُ أَسْأَلُ نَفْسِي: مَا الَّذِي يَحْدُثُ أَمَامِي؟ وَأَيْنَ بَاتَ سَعِيدٌ البَارِحَةَ؟



#فتحي_البوكاري (هاشتاغ)       Boukari_Fethi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جذور القصة القصيرة بين صدى الاقتداء ورجع التراث.
- الحلاّج يموت مرّتين (*)
- وللمهمّشين نصيبهم من الحياة
- تعدّد الأصوات في رواية -آخر الموريسيكيات- لخديجة التومي (*)
- معاني الغربة في النسيج السردي لأبي بكر العيّادي (*)
- زهرة ماي (Mayflower)
- الأساليب الفنية في نصوص عبد القادر الطويهري السردية(*)


المزيد.....




- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...
- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فتحي البوكاري - الشَّــرِكَـــــة