أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فتحي البوكاري - الأبراج















المزيد.....



الأبراج


فتحي البوكاري
كاتب

(Boukari Fethi)


الحوار المتمدن-العدد: 7407 - 2022 / 10 / 20 - 22:55
المحور: الادب والفن
    


كانت نوّارة في غاية السّعادة، لم تصدّق نفسها حين عُرض عليها الْمشاركة في إنشاء محطّة التّوازنات الْمناخيّة، التي تعرف اختصارا بـ (1)CBS. لا تدري كيف استحضرت مخيلتها صورة الْمحطّة الْفضائيّة الدّوليّة، خليفة محطتي ”مير“ و”سكيلاب“، وبادر ذهنها فورا إلى الرّبط بين الْمختبر السّابح في الْفضاء على ارتفاع 390 كيلومترا عن سطح الْأرض وبين هذا الْمشروع السّابح في الْبحر في عمق يقدّره الرّائي من الشاطئ بنحو 250 مترا، والّذي يهدف بالْأساس إلى تحضير الْإنسان للْعيش في مناخ اصطناعيّ يحاكي بيئته الطّبيعيّة.
اعتقدت نوّارة أنّ السّكن في هكذا قلعة سيمكّنها من تحطيم رقم قياسيّ يخلّده الْكتابُ الْمرجعي الْمكنّى بموسوعة ”غينيس“، سيعلو اسمها ويزهر كنجم روّاد الْفضاء شعلة من نور تسكن قصور الشّهرة إلى أبد الآبدين.
نشطت نوّارة والْتزمت بتعهداتها بالبقاء في تلك الْبيئة الْغريبة لفترة طويلة، لن تغادرها إلاّ بعد الْانتهاء من الْمهمّة الْموكولة لها والْمتمثّلة في متابعة أشغال الْقسم الْمتعلّق بجهاز التّبخير لفصل الْأكسجين عن الْهيدروجين، تصميما وتنفيذا، وهي الْمهمّة التّي نفّذتها في كنف السّرّية التّامّة، وبإخلاص وتفان، حتّى اكتمل الْبناء في عامين وبعض الشّهور، واستوت الْأبراج قبّة بلّوريّة مغلقة لا ترى فيها من فطور.
في ذات الْيوم الّذي انتهت فيه أعمال بناء الْمحطّة، تمّ فيه التّدشين بعرض كل رئيس قسم لمنجزه، واستفاضت نوّارة في شرح الْمنجز من أعمال وحدتها. عرضت كيفيّة عمل جهاز منبع التيّار الذي يشبه بطّارية بسيطة هائلة على شكل حوض إسمنتيّ عميق، بداخله قضيبان متوازيان من الْكربون والزّنك بارتفاع ثلاثة أمتار يفصلهما حاجز من زجاج سميك قاتم. وحين كانت تتحدّث عمّا سيحدث فيه من التّفكّك الْإلكتروليتي، كانت أعين بعض الْمتجمّعين حولها تتأرجح ما بين قسمات وجهها الْجميل والرّسوم التّخطيطيّة الْمنقوشة على صفيحة معدنية مستطيلة الشّكل خلف لوحة زجاجية مثبّتة على أعمدة الْحواجز الْوقائيّة الْملتفّة حول الْممشى المحيط بالحوض الجاف.
كانت نوّارة تشير بإصبعها إلى الْمخطّط وهي تشرح وتوضّح المسار فتَتْبَع نظراتُ سامعيها الإصبعَ، تأخذ طريقها إلى حيث تشير، وقد أنهت كلامها بقولها معتذرة: ”لا شكّ أنّ محلول الملح الّذي سنستعمله هنا ليس هو الأكفأ من بين المحاليل المشهورة بنقلها للتيّار، لكنّه المتوافر بكثرة ولزمن طويل.“، ثمّ ارتدّت فجأة إلى الخلف واستدارت نحو أحد مساعديها من أعوان وحدتها وأشارت إليه لكي يفتح الصّمّامات ذات الْاتّجاه الْواحد، فمرّ ماء الْبحر منها وغمر قاع الْحوض حتّى لامس مساحته الْجانبيّة الْملساء وشرع في تسلّقها تدريجيا، ولمـّا ارتفع إلى ما يزيد عن ثلثي ارتفاع الْقضيبين أشارت إليه مرّة أخرى فأوقّف تدفّقه.
”لنر، الآن، ماذا يمكن أن يعطي فرق الجهود من جرّاء حدوث التفاعل الكيميائي.“
استأنفت نوّارة كلام الْلحظات الْأخيرة من آجال التّسليم، الّتي قد تنتهي بانتهاء ما تمّ ترتيبه من مراسم الاستلام، ففي الْلحظة الّتي قالت فيها تلك الجملة، أدارت مفتاحا يشبه قاطع كهرباء مركزي فاشتعلت أضواء القاعة وأنيرت لوحة التّحكّم، وحين داعبت بأناملها بعض الْأزرار، هدرت آلات ميكانيكيّة وانفتحت فوهات في وعاء كبير كوعاء الْمختبرات، ضُخّ فيه سائل فبدأ يغلي وتظهر منه فقاقيع الهواء. ثمّ هدرت آلات أخرى وأضيئت القاعة.
”ها هو الْأكسجين، يا سادة، يحيّيكم“
أعلنتها باعتزاز وحماسة مبتسمة وهي تشير إلى الْفقاقيع بيدٍ، وإلى الْجموع الْواقفة في صمت كتماثيل الشّمع بالْيد الْأخرى، فارتفعت الْأيدي جميعها بالتّصفيق الحارّ.
تراجعت نوّارة إلى الخلف، فتقدّم رئيس فريق تحلية المياه، وحلّ محلّها. تحرّك على طول خطّ السحب بين المكثّف وخزّان التجميع وهو يتحدّث عن الناتج الخالي من الملح وكيفيّة توزيعه.
في تلك الْلحظة، استجمع عبد النّور طاقته وتسلّل إلى حيث تقف نوّارة وهي تنظر إلى ثمرة جهدها، وأحاط كتفيها بذراعه فارتعدت. ولمـّا تبيّن له أنها شُدَّت إليه ولم تعد تجد نفسها داخل الجموع المحتشدة حولها، وتحرّرت منهم بالْكامل، همس في أذنها مبتسما: ”أتعلمين !أنت المغناطيس الجاذب في هذه الاحتفاليّة“!
نطق بها من الْقلب بأسلوب أشعرها بارتياح كبير، وبفرحة رفعتها عاليا فوق النّجوم، ارتقت بها كإلكترون متحرّر من قوى جذب نواته، يسبح منفردا في حقله المغناطيسي، تطلّعت في وجهه من فوق كتفها بعينين واسعتين مشحونتين بالحنان، وقلب مليء بالامتنان والانتشاء وتبسّمت. لم تقل شيئا، واكتفت برفع يدها لتمسّد براحة كفها اليد الضّاغطة، وتربّت عليها برقّة.
نظر بحرارة في عينيها وتنهّد، ثمّ أردف قائلا: ”إنّه لأمر محزن أن أودّعك ولا أدري متى أراك ثانية.“
انتبهت إلى محيّاه المغمور بالقلق. ملامح الألم مرتسمة على وجهه، غير أنّها، احتاجت إلى وقت لكي تنهي الرّبط بين نبرة صوته المشبع بالأسى والتّوتّر، وبين إجراءات فكّ الارتباط بالمؤسّسة.
قالت وهي تراوغه وتعود لتنظر أمامها: ”أليس رائعا أن ننهي جهودنا بهذا الإنجاز العظيم؟“
”نعم، والأروع من ذلك أنّنا سنتحرّر من سنوات عشناها مثل مساجين ينتظرون إطلاق سراحهم.“
كان عبد النّور يتحدّث عن الحرّية بشفاه مرتعشة، عن الفراق الوشيك الّذي لا يقوى على احتماله، فشعرت بعاطفة تتدفّق فجأة نحوه، وبحرقة تطرق بقوّة على جدار صدرها، فازدادت التصقا به. استندت عليه لتستشعر منه الحرارة والضغط، بمقدار مدروس، بحساب الجرام المول، حتّى لا يصل الأمر إلى درجة الإشباع، فعقلها العلمي الّذي تعوّد على حساب قيمة الفاعليّة الترموديناميكيّة - ذلك المقدار المعبّر عن درجة تلاحم جزيئات المكوّن، والمتعلّق بدرجة الحرارة والضغط- يعرف جيّدا متى يبلغ بضغط بخار الماء على المحلول درجة بداية تكوّن بلورات الجليد.
الضغط والحرارة، الأنتروبيا بتعبيرها العلمي الخالص، عاملان من عوامل التلاحم.
قالت متسائلة: ”هل سنتبادل عناق الوداع باكرا؟“
نوّارة العامري امرأة في عقدها الثالث، تتمتّع بطاقة كبيرة، جريئة ومختلفة ومثيرة للاهتمام، ومن خلال الاسم وبياض البشرة وشعرها الحريريّ الأصفر المائل إلى الحمرة، تبدو لعبد النّور متحدرة من أصول صقلبيّة، في تقديره الغالب على ظنّه أنّ جدّها الأوّل الذي وطئت قدماه الأرض التي بسطت عليها عليسة جلد ثورها قد قدم مع الحملة الاسبانيّة في عهد الأغالبة، ربّما كان آنذاك قائدا في تلك الحملة أو من الممكن أن يكون عبدا من عبيد المراكب المسخّرين لدفع الوحدات العائمة وتوجيهها إلى برج شكلي، الحصن الاسباني الذي كان يوما ما قائما في مكان ليس بعيدا عن موقع مشروع الـ CBS وتلاشى تماما مع أطلال القلعة الرومانية الأثريّة وأحياء سكنيّة كثيرة على امتداد الساحل، ابتلعها البحر منذ عشرات السنين بعد سلسلة متتالية من الترميمات أقيمت عبر العصور. وباستنطاقه للتاريخ قرونا إلى الوراء، رجّح أنّ الجدّ الأوّل، سواء كان حرّا أو عبدا، قد غشي كرها إحدى بنات البلد المغتصَب واستنبت منها فصيلة حسنة.
كما أنّه لم يغب عن ذهنه، في تأويل هويّة ذاك العِرْقِ، فرضيّة أن تكون موريسكيّة الأصل فرّت من جحيم محاكم التفتيش واستوطنت مدينة حلق الوادي الغارقة في الماء، بعد فترة من التهجير والترحال، وإن كان توقّعه ذاك بهذه الصيغة ضعيفا بل إنّ احتماله مستبعد جدّا.
تلك الجذور، إن صدفت توقّعاته، غائرة في الماضي البعيد، فماذا عن حياتها الآن وماضيها القريب بعد حروب عالميّة وكوارث فظيعة؟ وهل من المقدّر أن يعلق فرع شجرته بفرع شجرتها وأن يتقاسما معا المستقبل عندما يغادران الـ CBS ويعودان إلى حياتهما الطبيعيّة؟ هل يأمل ذلك؟
منذ حلوله بموقع مشروع الـCBS انجذب إليها وذاب في حبّها إلى حدّ الجنون. كان قد تعوّد على مجالستها أثناء الاستراحة، يتجاذبان معا أطراف الحديث بألفة غريبة. عشق حالة الابتهاج الّتي تتسرّب من حديثها، وقوامها الفارع، وصدرها البارز، وسحره كثيرا وجهها الوضّاء وذكاؤها الحادّ، فقد أخذت من ”جيبس“ طاقته، ومن ”هيلدبراند“ نظريّته في المحاليل النّظامية.
تشعره لَكْنَتها الغريبة عن أهل السّاميّة بأنّ جزءا غامضا من حياتها مغموس ببحر أسرارها، فهو لا يعرف شيئا عن ماضيها، ولا أحد يعرف شيئا عن حياتها السابقة خاصة أنّها لم تجعل أيّ فرد من أفراد عائلتها ومعارفها موضوع حديث لها، ولم يلحظ عبد النّور من خلال التواصل معها أيّ حنين لذكرياتها، كانت تجعلها خبيئة في الزّوايا المهجورة، تركنه هناك ثمّ تسحب فوقه لحاف النسيان وتهرب.
لقد همّ عديد المرّات وفي عدّة مناسبات أن يسألها عن مكان مولدها، وعن أخبار أسرتها، وعن عدد إخوتها، وكيف دبّرت أمرها لتبرر اختفاءها الطويل في هذا الجزء المنبتّ من العالم، وكيف تتخيّل استقبالهم لها عند عودتها؟ وأسئلة أخرى كثيرة لم يجرؤ آنذاك على طرحها معتقدا أنّه من غير اللائق أن يتطفّل على الجزء الخاص بحياتها السابقة.
أغلب الأسئلة الّتي كانا يتنازعانها فيما بينهما أسئلة غائرة في اختصاصات علمية ومعرفية، أمّا الأسئلة الخاصة فلا تطرح مطلقا، السؤال الوحيد الذي وجّهه إليها ذات يوم وهما يترشّفان الشّاي، وكان سؤاله بعيدا عن شغف المعرفة العلمية، تعلّق بوضعيّتها العائليّة، سألها وباحتشام شديد: ”هل أنت مرتبطة؟“ فأخبرته أنّها عزباء، ولم تزد، ردّها المقتضب أوصد نهائيا أيّ منفذ للولوج إلى ماضيها الشخصيّ، وجعله يتخبّط في لعبة التأويلات.
أمّا اليوم، وضغط الأيّام المقبل عليها يدفعه إلى الوصل بين الماضي والآتي، ويضطرّه إلى الفصل والقطع مع الحاضر، تجبره على التحرّك بسرعة قصوى قبل فوات الأوان، فاللحظة مناسبة ثمينة لجرّها إلى الحديث عن نفسها.
راقت له فكرة أن ينتزع منها الأمور التي يشوّقه التكلّم فيها، فقال يسحبها بخيط تعليقه: ”سوف تجدين الوجوه قد تغيّرت كثيرا بعد غيبة.“
”وجوه مَنْ؟“
”وجوه مَنْ ينتظرك: أمّ، أب، إخوة...“
”ليس لديّ أحد.“
داهمه شبح الوجع صاخبا، استشعر الغصّة التي اعتصرت كلماتها رغم الضجيج الذي يصخب به الحشر حولهما وهم يواصلون تقديم شرح مكوّنات المشروع متعاقبين كلّ فيما يخصّه.
فردّد غير مصدّق: ”لا أحد .. لا أحد؟!“
أكّدت له أنّها تنتمي إلى المكان الذي تتواجد فيه. المكان الذي ساهمت بعقلها وأفكارها في صنعه على ماء متموّج بدل اليابسة.
”عائلتي زملائي، أمّا معارفي فهم بين رحّل و صرعى وباء أعجز النّاس عن دفنهم.“
اجتاحه عويل جارف قبل أن ينتبه إلى أنّها تسلّلت بهدوء من بين يديه وابتعدت متكدّرة إلى المنصّة الثّابتة لهبوط وإقلاع الهليكوبتر لتغالب حزنها، فاستنتج أنّه قام بشيء مشين يستوجب الندم والاعتذار، ولام نفسه بشدّة.
أشفق عليها، كان عليه التفكير في شيء يقوله لكي يظهر تعاطفه معها. لحق بها إلى حيث وقفت عند حاجز القبّة المعدني، تتأمّل من خلف واجهة زجاجيّة سميكة معتّمة الطائرة العموديّة الحمراء القابعة في الملحق المخصّص لها، كأنّها قطعة حديد من مخلّفات منصّة الـOffshore الثّابتة لاستخراج النفط، إذ أنّ الموقع كان في الأصل منشأة بحريّة، شيّدت على بعد بضعة مئات من الأمتار عن ساحل عين العسرة، وحين تأكّد نضوب رواسب النفط، وزال الانتفاع بها واستغلالها، صارت مهملة مهجورة، خشيت نوّارة أن تضعف في حضوره، فأمسكت دموعها، وتدثّرت بالصمت.
تردّد قليلا قبل أن يقول مواس وهو يشتمّ رائحة عطرها الأنيق:
”انفضي عن صدرك تلك الذّكريات ولا تتعلّقي بالألم، فما يزال لديك بقعة ترجعين إليها.“
”أجل، للأماكن عطرها وإن خلت ممّا نحب“،
كان ذلك كل ما نطقت به، قبل أن تنتبه إلى سائق الطائرة يجرّ نفسه بتثاقل عبر الباب المحصّن المفضي إلى الملحق. تفاجأت به وهو يحجل في بزّة برتقالية غريبة، لم تكد تصدّق أنّ هذا الطيّار هو نفسه الّذي نقلهم ذات مرّة من البرّ إلى الموقع بزيّه النموذجي الجميل، وحين تطلّع عبد النّور صوبه سألته: ”لماذا يحجل الطيّار بهذا اللّباس الغريب الّذي يمنحه مظهرا لا يليق؟“
فهم أنّها صارت الآن في حال أكثر ملاءمة لتتقبل اعتذاره، وقد تعلّقت نظراته بالطّيّار يتابع خطواته الخرقاء المتوجّهة ببطء نحو المصطبة العائمة ذات السّطح الإسفلتي حيث تقبع الهليكوبتر المتروكة هناك منذ آخر رحلاتها قبل حوالي السنة، إلى حين الحاجة إليها.
”يبدو أنّه يرتدي سترة النّجاة فوق زيّ القيادة“
عاودت نوّارة النّظر إلى الطّيّار الّذي بدا ممتلئ الجسم، حدّقت فيه بصمت ولوقت طويل، خلصت أخيرا إلى أن التصوّر الذي طرحه عبد النّور ينحو إلى المعقول، فقالت: ”أظنّك على حقّ .. ولكن، لماذا يفعل ذلك؟“
هزّ عبد النّور كتفيه، ”يبدو أنّ الرّجل يتقيّد بالتعليمات، أظنّه سوف يطير بطائرة لم تتزحزح من مكانها منذ أشهر“، ما جعلها تنتفض، ”أتقصد أنه غير متأكّد من وصوله بالطائرة سالما؟“ أومأ برأسه بلى، وبعد وقفة من التفكير، صرخت: ”لا لن أركبها سأطلب منهم نقلي بالزورق“، ولَمّا التقت عيناهما قال بصدق وحرارة: ”أعتذر على ما سبّبته لك من ألم.“
في الحقيقة لم يكن عبد النّور الموهوب والمتمتع بالكثير من الذكاء وقوة الاستيعاب، يعرف بالضبط إن كانت المصطبة عائمة أم ثابتة، بالرغم من معرفته الجيّدة بأساسيات فنّ العمارة والتشييد بحكم تخصّصه في ذلك. ولكن، من خلال موقع المشروع المعدّ في الأصل لاستنزاف رواسب النفط، والّذي لا شكّ أنّه قد استنزف مجهود الآلاف من الأيدي العاملة الّتي قامت بتجميع الهياكل على اليابسة، ثمّ نقلها على مراكب ضخمة إلى الموقع، يرجّح أنّ يكون لها أعمدة خراسانيّة ثابتة نابتة في قلب الصّخور، شبيهة في ثباتها بتلك القلاع المشيّدة في الجزر الصغيرة لسجن أخطر المجرمين، ألكتراز ALCATRAZ على سبيل المثال، وذلك بسبب قربها من اليابسة، أمّا تلك المنشئات المتنقّلة الشبيهة بالبوارج العائمة فتنحدر سيقانها- على ما يظنّ- إلى عمق بضعة أمتار تحت سطح البحر تثبّت فيها ثقالة كمخاطيف السفن، يقوم العمّال برفعها عندما يكون من الضروري تحريك المنصّة لإجراء حفر بئر جديدة.
هكذا كان، هو المتحدّر من عائلة عريقة بإحدى أطراف السّاميّة، رجل ملتح مهذّب يتمتّع بروح مرحة، درس الهندسة المدنيّة بالجامعة، وأمضى سنيّ الحرب كلّها بعيدا وراء البحار يراكم معارفه الفنّية لعلم المواد وللمنتجات المحسّنة لأداء الخرسانة في البيئات القاسية التي تتعرّض فيها الأعمدة الخرسانية إلى الضغط الهيدروليكي العالي، ومنها الإسمنت المستعمل في المياه الجوفية، أو مياه البحر، وعندما عاد إلى السّاميّة، ارتجفت روحه كأنّ ريحا باردة عصفت بقلبه، فقد بدت له المدينة غريبة كما لو أنّه يشاهدها للمرّة الأولى، وفوجئ بحجم الخراب الذي تسبب فيه تغلّب روح الشرّ على عين الحكمة والتعقّل.
يومها وجد عالما كئيبا أغبر وبؤسا شديدا ضاق له صدره، عاين الخوف المزروع في عيون النّاس ولامس تأثير الأمراض والجوائح على نفوس ساكني المكان، قدّر أنّهم أصبحوا أقلّ عددا ممّا خلّفهم.
ربّما كان عليه ألّا يعود أبدا. لم يقم بتلك الرحلة القاسية ويقطع المسافات الطويلة ليتّخذ في مكان مشوّه وملوّث كهذا مقعدا للسمع والإنصات ويستنشق فيه الهواء الفاسد. كانت أمّه وشقيقته قد جلستا أمامه تحدّقان في وجهه وتحادثانه لليلة طويلة، لليلتين أو أكثر، عن الأحداث التي مرّت بها العائلة وعصفت بالمدينة، تقاسمتا معا الإجابة عن كلّ ما سأل، واستعرضتا عليه ما محا عن وجهه أمارات التعجب، إلى أن انطفأت جذوة الترحاب ولم يعد مهما ما صار يذكره اللّسان، فكان لزاما عليه التحرّك والسير في ثنايا طرقات لونها كلون التراب، قشرة أرض في منطقة من شمال القارّة يسفعها الريح، تجثم فوق عظام بناة حضارة عظيمة دارسة متخفّية تحت سطح الأرض يسمّها مدرّسو التاريخ قرطاج.
لم يكن في صباح اليوم ذاك في حالة معنوية مرتفعة. كان يسير وحيدا مثقلا بالكآبة، عندما سمع صوتا يقول مازحا: ”أمازلنا نرى هذا الوجه السمح؟“، فتوقّف واستدار ببطء. اتجّه بعينيه إلى مصدر الصوت. كان صديقا قديما تتحرّك أعقابه في اتجاهه، وفي رفقته يمشي شخص طويل القامة وسيما لا يعرفه يرتدي ثوبا فاخرا، فلمّا دنا من عبد النّور تباطأ وتبسّم.
تطلّع في وجهه دقّق فيه النظر للحظة وفجأة اتّسعت عيناه.
”المنصف!“
صرخ كطفل استيقظ من نومه فرأى أباه الغائب واقفا بالقرب منه، عرف فيه صديقا قديما ففتح له ذراعيه واحتضنه بحرارة وقد اجتاحته سعادة غامرة وشعور بالبهجة لرؤية أحد أقرانه الذين تركهم في ما مضى يتسكّعون في الأزقّة والشوارع ويلجون البيوت في مرح وسعادة، أغلبهم، كما أُخبر بذلك، لم يثبتوا في أماكنهم وتفرّقوا كفراخ الحجل، فمنهم من شقّ طريقه في الأرض الواسعة ومنهم من صعد في مرونة الرّوح إلى السماء الفسيحة، مع أنّه لم يفكّر فيهم مطلقا عندما كان يذوب مع الثلج في صقيع الغربة القاسية.
”لو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد“، قال المنصف وهو يضحك، ثمّ أضاف: ”صدق حدسي توقّعت أن أجدك هنا، فما الذي أعادك إلى هذه المدينة المنكوبة؟“
تنهد عبد النّور، رفع أهدابه، وقال: ”الحنين صاحبي، الحنين. رائحة الوطن فوّاحة“
ولكنّ المرء يحنّ إلى العمران لا إلى الخراب، يحنّ إلى الجمال لا إلى القبح والكآبة. كانت الأشياء مختلفة عن أيّ وقت مضى. تبدّل وجه المدينة دون شكّ، جرفت الحرب معالمه الجميلة وجرّدته من كلّ شيء مشرق يتوق الإنسان لرؤيته، انتزعت منه مسحوقه الماديّ والروحيّ وأحرقته ببعض نيرانها المالحة ثمّ أعادت تزويقه بشكل يوجع القلب، ففي ما مضى كانت هنا دورا تعجّ بالحركة، تعجّ بالنّاس، انجرف أغلبهم بعيدا بسبب تلك الحرب اللعينة وتناثروا شرقا وغربا.
فكّر إنّ الحياة مزحة فاسقة، وشوقه الكبير للبلدة ألغى عقله، فها هو يسبح ضد التيّار، ويعود إلى الديار في وقت غير مناسب.
سأله المنصف إن كانت العودة نهائية أم ظرفيّة. بالطبع، كان بوسعه أن يتجنّب الإجابة الفورية والمباشرة ويحيد عن السؤال بكلمات جاهزة يختارها من قائمة محفوظات طويلة يمتلكها كعبارته المشدودة إلى لسانه دوما ”سأعانق البلدة وأغادر“، لكنه خيّر قول الحقيقة كاملة، فقال: ”لا أعرف كم من الوقت سأبقى هنا، ولا إلى أين سأتّجه عندما أغادر، لم اتخذ قراري بعد.“
في المرّة الأخيرة التي قابل فيها المنصف قبل رحلته إلى الغرب، كان على هذه الحالة أشعث الشعر يرفرف في ثوب مهلهل، يشتمّ من أسماله رائحة منفرة، رغم تخطيه مرحلة الطفولة إلى عتبة الرجولة الكاملة، كبر ولم يتغيّر كثيرا، مازالت الحالة الصبيانية تتلبّسه وهو يطرق المواضيع القديمة بوعي الأيام الماضية، ومازالت الرّائحة الكريهة تفوح منه، رغم انبعاث رائحة عطر قويّة من الرجل الواقف بجانبه والذي ثبّت نظراته في وجه رفيقه بأعصاب نافرة، مما يجعل المرء يتساءل عن طبيعة تلك العلاقة الغريبة التي تجعل من رجل لم يعرف شعره المشط لأسابيع متصلا بشخص آخر أناقته تفيض على جوانبه. كان يضع على رأسه قبعة أجنبيّة منسوجة بخيوط كتّان في لون التراب، ويرتدي سترة سميكة من الجلد وسروالا أسود نظيفا. فكّر عبد النّور هناك شيء خاطئ بالأساس وتناقض صارخ في هذه الرفقة.
”لا ينبغي الإسراع في اتخاذ قرار، فلك عندي عرض“، قال الرجل برصانة وتهذيب وقد جذب إليه الانتباه، هو مَنْ كان صامتا طوال الوقت يستمع بهدوء واهتمام، وكانت هذه هي أولى كلماته التي خرجت من فمه بعد التحية والمصافحة، ومعها أشرقت عيناه وانفلقت ابتسامته الوامضة. فقال عبد النّور ضاحكا: ”دعني أسمع.“
لم يتحدّث الرجل على الفور، التفت إلى المنصف، وبعد تردد قصير، رماه بنظرة ثابتة فهم الأخير منها أنّه يرغب في انصرافه لكي لا يتكلّم أمامه بلسان مقيّد، فما كان منه إلاّ أن قال متلعثما وهو يحرّك يديه في إيماءات مستمرّة غير واثقة: ”سأترككما،إذن، على انفراد، لديّ مشاغل لأنهيها“، وقبل أن يذهب انحنى فجأة، ودون أدنى تردّد، همس بشيء ما في داخل أذن الرجل الذي بدا أنه يمارس عليه تأثيرا بالغا، وقد ردّ بقلب بارد: ”نعم، نعم.. في المساء“، فاستقام سريعا، وهتف وهو مشرب بكل مشاعر التودّد: ”إلى اللقاء، عبدو“، ”نلتقي قريبا، صديقي“، وانصرف، صاح عبد النّور محاولا استدعاء فيضا من المجاملات وتابعه بعينين باسمتين وهو يمضي بعيدا حتّى اختفى ثمّ ردّهما وأسقطهما على الرجل الذي قال بهدوء:”طرقت بابكم على غير موعد رغبة في مقابلتك، فأخبرتني أمّك أنك لست بالبيت. وهذا المنصف صديقك كان حينها مارا من هناك فطلبتْ منه أمّك أن يكون دليلي إليك.“
تجتاحه أحيانا دوّامة من الأفكار، جميع أطرافه مهدودة من الركض لوقت طويل، هنا وهناك في كل اتجاهات الشوارع الصامتة، كما لو كان يسعى للتعرف على الوجه الجديد للمدينة وضمّه بكامله إلى مقلتي عينيه، وها هو الدليل يقتنصه هنا، كيف توصّل إلى معرفة مكانه، ليس يدري، ولكنّه من هذه النقطة كان تقدّمه سريعا، برهن على مهارة في تقفّيه الأثر ككلب مدرّب، وهذا الرجل الذي يقف أمامه مناور بارع يملأ مساحة الترقّب والفضول بلهو الحديث ويغمره برذاذ اللغو، فمتى يطرق الموضوع الذي جاء من أجله مباشرة دون لفّ ودوران، على أيّ حال لا يسعه في تلك اللحظة إلاّ أن يتحلّى بالصبر وينتظر.
قال عبد النّور يحثّه على الكلام: ”حسنا، ها أنا أصغي إليك.“
”بالمناسبة“، تابع الرجل حديثه بالنبرة نفسها، ”أنت لا تعرفني، والصورة المعلّقة على جدار صفحتك الافتراضيّة، أين ثبّتت فيها خبر موعد عودتك، لم تكن واضحة بشكل جيّد.“
وعلى غرار عنكبوت ماكرة تلفّ حول فريسة في قبضة شبكتها، يدور الرجل قافزا على الموضوع، يبدو أنّه مطلع جيّد على تفاصيل حياته وأنّه مستعد لمحادثة طويلة.
قال له: ”هي صورة قديمة لها في قلبي مكانة، فهل نجلس في مكان ما أو نسير؟“
وتطلّع الرجل حوله، وأمام منظر الدمامة الصارخة وحركة المرور الضعيفة، رفع يديه عاليا، ثمّ بسطهما قدّامه، وقال: ”دعنا نتحرّك، فلا شيء هنا يرغّبك في القعود.“
سارا قدما جنبا إلى جنب في الطرقات العريضة التي انتشرت على حافتيها تلال من ركام الحجارة لبنايات مهدّمة، وعبد النّور يتعجّل في سرّه معرفة طبيعة العرض الذي سيطرحه، لكنّ الرجل بدل أن يطفئ تلك الرغبة المتوقّدة في نفسه، تمنّع عنه واستمرّ في التكلّم عن واقع السّاميّة وآفاقها، تحدث عن أيام الحرص والطموحات والأماني الكبيرة والمخطّطات الواسعة. تحدّث كيف أنّ المدارس والجامعات قد أنتجت البغضاء والكراهيّة وصنعت الخصومات السياسيّة، وكيف أنّ منتسبيها قد حملوا، إثر تخرّجهم، تلك العداوة القائمة بين يسار ويمين والجدل العقيم ودلفوا بهما إلى الإدارة ومؤسسات الحكم.
كان الرجل يتحدث باسهال كبير وعفوية تامة ومقدرة عظيمة على تنسيق الأفكار، يتوقّف من حين لآخر ليأخذ نفسا عميقا يجدّد به هواء رئتيه، وهو يسأل: ”هل تفهمني؟“، فيردّ عبد النّور بإيماءة من رأسه ومعها يطلق تنهيدة طويلة: ”للأسف، ما تقوله صحيح.“
”أتعرف ما معنى أن تحمل خصومات الجامعة إلى الإدارة والمؤسسات؟“، يسأل، ودون أن ينتظر ردّه يجيب عن سؤاله بنفسه: ”إنّه يعني أنّك لم تكبر، أنّك مازلت صغيرا بحجم البقّة غير أنّك تملك السلطة والقرار، القوّة والنّفوذ التي لم تكن بيدك أيّام الجامعة صارت وقتها في المتناول، كان ما بدا تدافعا في ظلّ غلالة الديمقراطيّة هو في الواقع تكسير عظام المدينة وتهشيم بنيان العيش المشترك فيها. لقد تحوّلت منشآتها ومؤسساتها إلى وكر لتدبير المؤامرات ودفع الأتباع والأذيال إلى ارتقاء المصعد الاجتماعي ونيل الامتياز الوظيفي، أمّا بخصوص البقيّة المصنّفة أعداء فلها الحنظل والزّقوم والسجن والتشريد، تلفّق لهم التهم بشتّى الطرق وتوضع تحت أرجلهم الأشواك وتعرقل جهودهم وترقياتهم حتّى إن كانوا أصحاب دراية وخبرة. هل تفهمني؟“
ويهزّ عبد النور رأسه للحظات، ثمّ يعلّق محاولا الرجوع بالحديث إلى بادرة اللقاء، ولكن بأسلوب لبق: ”سيكون من المثير للحزن أن نحكي عن أسباب خراب السّاميّة وتدميرها، نحن الآن نقف على حافة الهاوية مجرّدين من الحلم العظيم الذي عشنا من أجله.“
”إذن أنت تهتم حقًا بما نعتقده، سيّد عبد النّور؟“، استفهم الرجل بنبرة أبويّة، وهو يتوقّف فجأة عن المشي ممّا حدا بعبد النّور لأن يحذو حذوه ويتوقّف هو أيضا. يستدير ويرمقه بنظرات مستفسرة: ”في أيّ شيء نعتقد؟“.
مدّ الرجل يده وشدّه من ذراعه في حركة فيها الكثير من الألفة. ”في إمكانيّة استعادة الحلم الضائع، ورسم خطط مستقبلية لإعادة إعمار المدينة.“
من العبث أن يستفهم منه عن كيفيّة تحقيق ذلك، وهذه الأرواح المكسورة والأجساد الخاوية، التي لا تلتقي إلَّا وتتحدث عن آلام الحرب وموبقاتها، ماتزال تجرّ اقدامها على جمرات الايديولوجيا المتوقدة. وحتّى إن تجرّأ واستفهم فهو لم يكن واثقا من أنّ الرجل سيمدّه بالتفاصيل الدقيقة وقوفا على رصيف طريق مهمل في السّاميّة، أبقى عينيه مسمّرتين في وجهه ولم يعلّق، فأضاف الرجل بعد أن حلّ الصمت: ”نخطّط لإنجاز مشروع كبير، واتّخذنا جميع الترتيبات ونأمل أن تكون أحد الفاعلين فيه.“
ودّ لو يستفسر عن طبيعة المشروع، لكنّه لم يفعل ذلك قال فقط دون أن يُشيحَ بعينَيه عن عينَي الرجل اللامعتين: ”يهدّمها المجانين ويبنيها العقلاء، ولكن لا أظنّ أنّني نافع لإزالة هذا الركام، فاختصاصي بعيد عن هذا المجال.“
”يهدّها الخاملون المتكلّمون كثيرا، أصحاب الألسنة طويلة، ويبنيها الفاعلون في صمت، أصحاب السواعد والعقول المضيئة، لقد جئتنا على قدر، سيّد عبد النور، العناية الإلهية أرسلتك إلينا، من حظّنا الطيّب أنّ تأثير هذه المدينة قوي عليك وإلاّ ما كنّا سنلقاك هنا، وثبة إلى المستقبل هذا هو التحدّي الحقيقي، ونحن لن نطالبك إلا بما هو في اختصاصك.“
وبينما كان الرجل يتحدث بنبرة هادئة جدّا وواثقة لإقناعه بالعرض، كان عبد النّور يستمع إليه بانتباه وقد بدا يتكثّف على ملامحه إحساس جميل بالزهو والفخر.
”تلك كانت اللحظة التي سمعتُ فيها لأول مرّة بمشروع CBS. كنت فخورا بنفسي، رجوعي إلى السّاميّة كان على قدر، كما أخبر بذلك الرجل ذات صباح قبل عامين وأشهر، قال لي: اعتن بنفسك سيّد عبد النّور البلد يحتاجك، وتذكّر أنّ هذه المدينة كانت أضواؤها تشتعل ليلا نهارا، وكانت الحركة في طرقاتها تعيق تقدم السّالكين فيها فلا يصلون إلى وجهتهم إلا بعد مضي الكثير من الوقت، لم يعطني أيّ تفسير جليّ، وفي صباح اليوم التالي، انطلقت إلى مقر الشركة للرد على العرض الذي قُدِّم لي، وبعد أيّام كنت قد غادرت العائلة وقد تركت لهم مبلغا كافيا لاحتياجاتهم، كافيا للحفاظ على مستوى لائق من المعيشة لسنوات.“
”هل كان الرجل هو نفسه الدكتور الباروني؟“ سألته نوّارة ونظراتها ماتزال معلّقة بالطيّار الذي يمشي بصورة غريبة في الممرّ الخاص الموصل إلى المنصّة الثّابتة لهبوط وإقلاع المروحيات. ”لا .. إنه شريكه الدكتور سعد الله، مدير التخطيط والتطوير.“
”أمّا أنّا فقد اتّصل بي الدكتور الباروني في وقت كنت فيه عائدة للتوّ من رحلة. كنت قد وصلت مرهقة إلى مطار السّاميّة وكانت الإجراءات التي اتّخذت لمعاينة الوافدين معقّدة جدّا ومهينة حين رنّ هاتفي، سحبته من حقيبة يدي ونظرت إلى شاشته وجدت رقما غير مسجّل عندي، فضغطت على زر لكتم الرنين بإغلاقه فورا. بعد دقائق وصلني طلب صداقة من شخص في حسابي بفيسبوك، ثمّ رسالة من الدكتور الباروني المشرف على المشروع يرغب في رؤيتي لأمر أكيد، لم أصدّقه أوّل الأمر ظننته من أولئك العابثين، لكنّه أعلمني أنّ عميد الكلّية التي درست فيها هو من سلّمه المعطيات عنّي مقترحا اسمي لقيادة فريق بحثيّ في هذا المشروع، وسألني إن كنت أقبل المهمّة، فقلت له أمهلني أيّاما لأفكّر في عرضك، كان لفقد العائلة التي حاصرها الوباء من قبل وفتك بها الدور الحاسم في قبولي من أجل النسيان. أعتبر أنّ المشروع كان الفرصة الأكثر أهميّة في سجلّنا المهني كسبنا بها خبرة وافرة في مجال اختصاصاتنا.“
”هذا مؤكّد، وما أخشاه أن يكون ذلك آخر تحصيلنا، قريبا سنُجازى جزاء سِنِمِّار.“
وضحك حتّى ارتجّت كتفاه وهو يراها تفزع وتتلفّت إليه مستنفرة، ”ماذا تقول؟“
كان خدها ممتلئًا ومتوردًا، وفي عينيها اللامعتين يشتعل استياء متصنّع، وكانت الجموع بالقرب منهما منشغلة بمتابعة عرض الاحتفاء بنهاية أشغال المشروع. وعلى الرغم من انّها اتّخذت هيئة غاضبة إلا أنّه يعرف أنّها تفهم جانب المزاح في ما يقوله.
”من حسن حظّ سنمّار أنّ عطيّته كانت القذف به من أعلى القصر الذي صمّمه وبناه للنعمان، أمّا مكافأتنا نحن فهي أن نلقى من جوف الحوّامة في مكان لم نخطط له مطلقا!“
___________________________
(1)Climate Balance Station



#فتحي_البوكاري (هاشتاغ)       Boukari_Fethi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الغموض في شعر فتحي ساسي النثرية، من خلال ديوانيه: -كنت أعلّق ...
- يا أنت
- حيـــن يخضّـــر الإسفلت
- حوار مع الأديب أحمد ممّو:
- غرف في الجنة .. غرف في النار
- يوم تبدّلت الْأرض
- الشَّــرِكَـــــة
- جذور القصة القصيرة بين صدى الاقتداء ورجع التراث.
- الحلاّج يموت مرّتين (*)
- وللمهمّشين نصيبهم من الحياة
- تعدّد الأصوات في رواية -آخر الموريسيكيات- لخديجة التومي (*)
- معاني الغربة في النسيج السردي لأبي بكر العيّادي (*)
- زهرة ماي (Mayflower)
- الأساليب الفنية في نصوص عبد القادر الطويهري السردية(*)


المزيد.....




- -المخبأ 42-.. متحف ستالين حيث يمكنك تجربة الهجوم النووي على ...
- البعض رأى فيه رسالة مبطنة.. نجم إماراتي يثير جدلا بفيديو من ...
- البحث عن الهوية في روايات القائمة القصيرة لجائزة الكتاب الأل ...
- -لا تلمسيني-.. تفاعل كبير مع فيديو نيكول كيدمان وهي تدفع سلم ...
- بالمجان.. موسكو تفتح متاحفها ومعارضها أمام الزائرين لمدة أسب ...
- إسرائيل تخالف الرواية الأممية بشأن اقتحام قاعدة لليونيفيل
- فنان مصري مشهور يستغيث بالأزهر
- -حكي القرايا- لرمضان الرواشدة.. تاريخ الأردنيين والروايات ال ...
- أفلام كرتون مميزة طول اليوم.. حدثها الآن تردد قناة ميكي الجد ...
- انطلاق فعاليات الدورة العاشرة لمهرجان كتارا للرواية العربية ...


المزيد.....

- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / أحمد محمود أحمد سعيد
- إيقاعات متفردة على هامش روايات الكاتب السيد حافظ / منى عارف
- الخلاص - يا زمن الكلمة... الخوف الكلمة... الموت يا زمن ال ... / السيد حافظ
- والله زمان يامصر من المسرح السياسي تأليف السيد حافظ / السيد حافظ
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل مسرحية "سندريلا و ال ... / مفيدةبودهوس - ريما بلفريطس
- المهاجـــر إلــى الــغــد السيد حافظ خمسون عاما من التجر ... / أحمد محمد الشريف
- مختارات أنخيل غونزاليس مونييز الشعرية / أكد الجبوري


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فتحي البوكاري - الأبراج