أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بهاء الدين الصالحي - القصيدة السياسية عند فتحي البريشي















المزيد.....

القصيدة السياسية عند فتحي البريشي


بهاء الدين الصالحي

الحوار المتمدن-العدد: 7434 - 2022 / 11 / 16 - 20:32
المحور: الادب والفن
    


بهاء الصالحي - ناقد أدبي
تمر الأيام بكل حوادثها ثم تطمرهاحوادث أخري أشد قسوة منها ولا تبقي الاحداث إلا في ذاكرة معاصريها والجيل الذي يليه بحكم الذاكرة الجمعية ،وان ضاعت ملامح الاحداث مع ضعف الذاكرة وقدرة الاجيال التالية علي قراءة الاحداث في بعدها التاريخي ، أو يقوم مؤرخ بربط الحدث الأني بسلسلة من الاحداث السابقة والتوقع بشكل الحدث التالي ، وهنا يكتسب الحدث بعده السببي في حركة التاريخ .
ولكن التاريخ الإجتماعي والنفسي لايحيا إلا في قلوب الشعراء التي تكتوي بقسوه الحدث فتجترح من روحها صياغات تبحث عن كلمات مع ترويض العقل لصناعة جمل في سياقات محددة مرتبطة بإطار تنظيمي هو أدبيات وقواعد الفن الشعري والقصصي ، كي تكتسب تلك النصوص القدرة علي الحياة في اطار ذلك الفن الابداعي من خلال شرعنته كنص إبداعي وكذلك خلوده في إطار العقل الجمعي .في هذا الأطار يكون مدخلنا لقراءة شعر فتحي البريشي ، الذي يتجاوز ذاتية الحدث ليحقق من خلال إبداعه مفهوم الإلتزام وفق ماجاء في موسوعة لاروس " المشاركة في القضايا السياسية والإجتماعية ، أي أن الملتزم هو الذي يتخذ موقفا في النزاعات السياسية والاجتماعية معبرا عن أيديولوجية طبقة ما أو حزب أو نزعة "
وذلك يتبدي في ديوان حروف ونقط دم ، ولعل العنوان متوافق مع الأهداء إلي أطفال الحجارة ،ولعل الديدن الرئيسي للقصيدة السياسية التي يشتبك معناها مع القصيدة الوطنية وكلاهما وجهان لعملة واحدة فالقصيدة الوطنية والسياسية كلاهما نابعان من فكرة الإنتماء لقضية إجتماعية مقلقة للعقل الجمعي ولكن طبيعة التطور الاجتماعي ومساحة التحرر من الاستعمار هما الفارق في تحديد طبيعة المصطلح فبالنسبة للقصيدة التي تعالج شئون القضية الفلسطينية فهي بإمتياز مصنفة كقصيدة سياسية ، أما القصيدة التي تتعرض لشأن داخلي متعلق بالبعد الإجتماعي أو إقتصاديات وعدالة توزيع وما شابه فهي داخلة في باب القصيدة الوطنية ، مع اتساع المساحة الدلالية لمفهوم القصيدة الوطنية فهي تشمل وتتسع حتي لأغاني تمدح توجه سياسي قائم بحكم كونه أيديولوجية بحكم التعريف الحقيقي لعلم الايديولوجية وهو علم الأفكار ولادة وتفعيلا ونتائجا ومستقبلا .
كل ذلك أبدعه فتحي البريشي في ديوانه حروف ونقط دم ، سائرا علي درب الرمزية خاصة مع طبيعة المرحلة التي ابدع فيها البريشي ذلك الديوان ، ولعل تلك الأجواء تم استشفافها من قصيدة الديك ، بكل دلالات الديك في العقل الجمعي المصري فهو القادر علي إعلان الصيحة وإشارة البدء بسعي جديد وكذلك كونه صاحب ريادة في فصيله النوعي فنتوقع منه النموذج الريادة وإلا تكون هنا علامات إستفهام ، ولكن كيف عبر البريشي عن الديك من خلال خلق خريطة للفعل المتخاذل :
لحظة ماصاح الديك / وقفت أستني فجرك .
هنا العلاقة الطردية وفق ما أستقر عليه الوعي في العقل الجمعي ، وهنا قوة الاستهلالية مع قدرة الايحاء الحركي للفظ ،صياح الديك = فجر نابض ، القصدية من خلال تحري تنوع دلالات البناء اللفظي الواحد مع تعدد سياقات الفعل من النهوض حتي الركون والموت ، ولكن استعارة الصور المتوالية لإتجاه حركة الفجر تتضح مساحة الإدانة لسلوك الديك الذي أصبح عاجزا عن إكساب الفجر رونقه ، وذلك لأن الديك فقد قدرته علي الصياح بمعني وصوله لمرحلة عدم التحقق ، وتأملات الوصف المصاحب لكلمة الفجر :
اولا الفجر كتابع لفعل يقوم به الديك ولكن الجديد هنا ذلك الكامن خلف حجب الإنتظار كي يبلج فجر يتنفس فيه الحركة المواءة لفعل الكائن الحي : ملني الشارع وكل الأرصفة / لاالديك سكت / ولافجرك المأمول نطق .
ثانيا استحالة تحقق الفجر من دون صياح الديك : الديك سكت / والفجر لو سكتت ديوك الليل / ينام من غير قلق . الملاحظ هنا تنامي عدد الفاعلين من ديك إلي ديوك ومع حالة الجمع المقترنة تبدو حالة العجز ، هنا تكثيف الدلالات المتعمد وذلك بحكم القصيدة في هذه القصائد بحكم طبيعة البعد التنويري المبتغي من وراء هذه القصائد .
التكثيف الدلالي لأفعال الحيوانات المتوافق علي استعارة صفاتها كبعد إجرائي في تاريخ البلاغة العربية :
والليل المقرفص / والكلاب / عمالة تنهش في الديابة القانزة ترصد / في الكلاب .
دلالة الفعل فالنهش فعل متعدي ، أما القنز فهو لفظ من دهاليز العامية المصرية الرائعة بمعني التقوقع داخل الذات وهو أمر يعكس مساحة الخوف القادر علي عدم إدراك مناطق القوة داخل الذات .
هنا تباين الصورة الذي يستدعي حالة الصرخة الكامنة المستدعية بحكم عدم منطقية الصورة ، هنا توظيف رئيسي للعقل الجمعي حيث تستخدم كلمة الكلاب متجاوزة فكرة المصطلح الخاص بالجنس كحيوان إلي نوع من الادانة لسلوك بعض المستغلين في الواقع حتي أصبحوا عنصرا من عناصر تدمير الوجود ذاته ، يأتي التوظيف هنا من باب الحرص علي عدم المباشرة حتي يستطيع المتلقي علي تعدد خلفياته الثقافيةأن يكون قادرا علي التعامل مع النص بحكم حرص اي مبدع علي علي ان يقدم رأيه كي يتحقق دوره الإجتماعي .
العلاقة البنائية في هذه القصيدة قائمة علي أربعة أطراف : الديك = صانع النداء الذي تصطف خلفه الذئاب التي لاتدرك موطن قوتها ، الفجر = النتيجة المتحققة ناتج فعل الصياح والفجر هنا مرادف لمعني النور أو وضوح الرؤية بدلا من ضبابيتها ، الوطن = المخاطب بأنت : صحصحي / قومي إمسحي السكك البعيدة ..و.. ، المغترب داخل وطنه = عدم التحقق في مقابل مشهد التحقق هناك كلاب تضخمت فنهشت ذئاب هنا مقابلة الفعل المدان بذوبان المحب وهو المواطن البسيط الراغب في التحقق بحبيبه :
فتشي عني ف سواد ليلك / لاقيني وأدفي بي / وأحبلي مني أنا في أنا / - هل تقدري تلغيني منك ..؟/ بس إيه يلغيك مني .
هنا تكثف الفعل في الأنا الصادرة من رحم وطن وبذلك تأتي فكرة الانحياز للوطن كقضية رئيسية يطرحها الشاعر من خلال صور متتابعة حريصا علي تنوع الجمل من استفهامية، الي أفعال أمر ، إلي حروف مقطعة كتقنية مستخدمة في الغناء الشعبي : ألف غنوة صبر / تحليها الأرامل في الشتا / .. آ..ا..ا..ه..ياتابوت ..، توظيف النقاط في تلك القصيدة وعبر الديوان لإعطاء إحساس بطول الفعل وإستمراريته .
الرائع في تلك القصيدة بداية بفعل مركب قائم علي شرطية في العلاقة ُ نهاية من كلمة واحدة هي قوم، كنسق فكري قائم علي مقولة النفري الخالدة كلما اتسع المعني ضاقت العبارة .
التجريد كنسق من أنساق القصيدة السياسية
حيث جاءت شيماء تلك الطفلة التي سقطت شهيدة علي باب مدرستها حيث كان يمر رئيس الوزراء الأسبق عاطف صدقي رئيس الوزراء الاسبق في تسعينيات القرن الماضي ، وحاولوا إغتياله ولكنه نجا وقتلت شيماء ، ولكن روعة الشعر هنا انه تجاوز ذاتية الحدث وتاريخه مع وجاهة ذلك الاستدعاء فتلك طفولة بكل دلالاتها مع سهولة تيمة إدانة الارهاب ، ولكنه خلق نموذج في المطلق لعلاقة مواجهة مع " ولاد الكلب " ونعود لأريحية العامية في رمزيتها وقدرتها علي توظيف مدلولات مستقرة ، وذلك من خلال عدة معادلات تقرر حالة تدين الارهاب دون ذكر لهم ، الانا المتعالية عما يريد أن يصبغ به الارهاب واقعنا من خلال :
يامطيبين الجراح / جرحي براح يشتال / في ركن حضنه السبع سماوات / ويمشي يختال / كما الخيال أصيل الخال / وأنا غير ولاد الكلاب .
السياق مع حالة الغضب يسمحان بإستخدام ذلك اللفظ حتي وإن اعتبره البعض خارجا وأن الشعر يجب أن يسمو عنه ولكن السياق خلق لو وظيفة في إطار اللغة الفنية المتسقة مع أريحية العامية وإتساع مدلولاتها .
الإفتتاحية الرائعة لتلك القصيدة تبع من تجريد المشترك الذي استدعي تلك الحالة وهو النازف من شيماء حال إغتيالها ،وهو الدم : لو كل نقطة دم ياوطني / هيمصها ترابك / رفعت علي ولاد الكلاب تمنك / ح أفتح عليك شراييني ع البحري / وأغمر ترابك دم .
هنا يصبح الدم معادل موضوعي للعطاء وبالتالي تكتسب القصيدة تطور دلالي وبالتالي يسمو دم شيماء تلك المهدرة علي سبيل الخطأ ليصبح حلقة في سلسال طاهر صاعد عبر السماء ليتصل بروح الله ليكتسب ذلك الوطن قداسته في روحنا ليصبح دمنا ترياقا لوجوده .
تصبح شيماء تجريد للأنثي التي استباح الديابة الانثي التي تتسم بالحياء والتأنيث مقرون بإسم الاوطان لأن الأنثي هي أصل الحياة من مصر إلي أثينا إلي تونس وهكذا : و رضعت من صدرك سكوت بنت البنوت / لحظة ماتنهشها الديابة في الصحاري .
هنا مغزي العنوان حالة ، فقد جسدت شيماءحال القهر والصمت المحير تجاه الذئاب التي تنهش أحلامها وأحلام جنسها وكأنه تنويه برؤية ذلك النمط الفكري الذي قام بقتل شيماء والذي يئد احلامها وقضيتها في أدبياته التي تعتبرها مادة متعة وكأنها برضائها بإسعبادها الجسدي عسي أن يكون ذلك ممرا للحلم الطوبوي وهو الجنة ، وبذلك يصبح المشترك اللفظي القادم في سياق الخضوع أو الثورة قادر من خلال الألفاظ المفاتيح قادر علي إستدعاء ذلك المكنون تحت جبل الثلج وهو لاشعور المتلقي .
توظيف مفردات المشهد حيث اليوم الدراسي في طوابير ولكن مع استدعاء الطوابير الاكبر ليتحول ذلك المشهد : الكل غني / والنشيد وطني / واللحن علقم / والإيقاع دقات طبول متمعشقة في صدر التراب .
تجاوز المشهد الراهن ليصنع حلم يتجاوز مأساوية المشهد القاتم هو نوع من البطولة والقدرة علي التجاوزمع نوع التأكيد والإصرار علي مباينة المشهد الذي أراد قاتلوا شيماء زرعه في قلوبنا كي نصبح مثل الذئاب التي تخاف الكلاب : وأنا غير ولاد الكلاب لما " أندبح " أبكي / وطينتي بنت التراب .
والصورة البلاغية هنا تجرد الدم ليصبح مادة للخلق من جديد وبالتالي يصبح الموت رؤية لخلق حياة جديدة بناء علي تفاصيل الخلق الأول وهنا يتحقق مفهوم الشهادة علي الارض .
القيمة الباقية للديوان
اولا المواءمة الشعرية المستمدة من الصدق النفسي وملاءمة اللغة الفنية القادرة علي العطاء لرحابة العامية كسياق لغوي استخدمه الشاعر التي ايستحدثها الشار للتعبير عن تلك المرحلة التي فقد فيها العربي التائه الارض التي يسير عليها فطاشت سهامه ، ومن هنا جاء الشعراء كصناع للحظة التاريخية ، وهنا المواءمة الاجتماعية للشاعر كمثقف عضوي سلاحه الكلمة قادر علي صناعة ذائقة الواقع وخلق أرضية مشركة وفق قواعد العقل الجمعي الذي تستوعبه مفردات اللغة الحية التي يتداولها الناس .
تحية الي فتحي البريشي الذي لم يحتمل عقله قبح الواقع فقرر التوقف عن العمل فمات ، وهكذا مارس فتحي البريشي حريته حتي في مشهد مماته .



#بهاء_الدين_الصالحي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الشعر والتاريخ
- نداء طارق
- الجبرتي مثقف عضوي
- القصيدة السياسية
- الشعر بين التجربة والتوظيف
- يونس القاضي
- الشعر المصري الحديث : دراسة حالة
- أدب المرأة في مصر : دراسة حالة
- الرواية والواقع : دراسة حالة
- الصالونات الثقافية - مراكز تفكير
- وهم الحرية
- كارم عزيز وعرق الجدران
- لبنان العلماني يعود


المزيد.....




- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بهاء الدين الصالحي - القصيدة السياسية عند فتحي البريشي