أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - بهاء الدين الصالحي - القصيدة السياسية















المزيد.....


القصيدة السياسية


بهاء الدين الصالحي

الحوار المتمدن-العدد: 7236 - 2022 / 5 / 2 - 19:39
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


يأتي الولع بالقصيدة السياسية كهم عربي مشترك بحكم تقلبات الدول ودموية الصراع في العالم العربي بمكوناته العقدية المختلفة عبر تاريخه مع الاعتبار لفكرة الاختلاف ما بين الأقطار بفعل النزوع القومي الذي تكونت لبناته عبر دوائر الصراع الخاصة ،خاصة مع طبيعة البناء الانثروبولجي شبه المشترك مع تمايز مصر وتونس انثروبولوجيا عن باقي المجتمعات العربية الاخري وكذلك دولة الصومال وجزر القمر بحكم الجغرافيا التي حكمت ظروف الحياة هناك وبالتالي جاءت التركيبة السكانية متمايزة مع تركيبة الحراك الاجتماعي التاريخي ،وهو أمر له عودة في صفحات الكتاب أن شاء الله ،ويأتي الولع الحديث بالقصيدة السياسية ناتج خيبات الدولة الوطنية والتي تكونت بعد التخلص من الاستعمار المباشر من أوروبا، وذلك بعد الحرب العالمية الثانية ،ولكن مع فشل الدولة الوطنية في إحلال نموذج سلمي للتغيير وكذلك إضعاف قوة الرأي العام القادر في النهاية علي تكوين حائط صد جماعي تجاه خلق نموذج مشوه للدولة الوطنية ولعل الشاهد الأكبر علي ذلك الانهيارات الحادثة في العراق وسوريا ولبنان وتراجع مساحة الحياة المدنية كما في مصر والجزائر علي سبيل المثال لا الحصر ، وكذلك كون الشعراء أداة تعبير رئيسية عن ظروف المجتمع العربي بحكم طبيعة ذلك الجنس الأدبي من استخدام مكثف للغة الموحية ذات الدلالة ، علاوة علي ملاءمة ذلك الجنس الأدبي علي مواءمة فن الخطابة مع مهارة استخدام المحسنات الإبداعية، وبالتالي يستخدم الشعر كمعطي دعائي قابل للاستخدام خاصة مع الخبرة التاريخية للعرب كونهم اهل لغة وأهل ذاكرة ، علاوة علي الممارسات التاريخية من خلال سوق عكاظ حيث كان التفاخر من خلال تباري الشعراء قائم علي فكرة الصراع علي الماء والكلأ ،وانتقل ذلك الآخر لفكرة توظيف قادة الدولة الإسلامية المركزية في دمشق وبغداد المسماة تجاوزا بالخلافة لأنه لفظ أريد به تديين منصب سياسى ولو جاء اللفظ بسياقه الفقهي الصحيح لكانت الدماء التي اريقت كثيرا قد تم حقنها ،وذلك البعد قد جاء من مدح الشعراء لقادة تلك الدول الإسلامية المركزية والمدح لشخص معناه زم لأخر خاصة مع الصراعات التي صاحبت فترة ٤٠ هجرية وما قبلها .
ونضم في سياق بحثنا عن القصيدة السياسية عبر التاريخ الشعر الصعاليك وهو مبحث يتماس مع فكرة السياسة كمصطلح وعلاقته بالخلل الاجتماعي في بني مجتمع مر بما يؤدي لخلق طبقات فقيرة تسعي للتعبير عن ذاتها من خلال حركات اجتماعية وكذلك استخدام لسانيات خاصة بها مع مفردات تعبير عن أزمة المجتمع التاريخي وقتذاك وبالتالي فإن تحليل المفردة الشعرية يعكس من خلال مفهوم علم الاجتماع الأدبي كمنهج رئيسي للدراسة ،حيث يؤسس علي أن الإبداع لا يأتي من فراغ ولا يلقي لفراغ وليس بابا للتسلية بل بابا لتحقيق الدور الاجتماعي ،وفق تقييم المبدع لذاته ،ومن تأتي أهمية السياق الزمني والنمط التفاعلي والذي تحدد أبعاده ،البعد الاجتماعي لكينونة الشاعر ،وهنا حيثية استدعاء نموذج الصعاليك كشعر سياسي وهو امر سيرد في بابه .
وبناء علي الدور التنويري للشعر وذلك من خلال التأكيد علي نماذج شعرية أدت دورا مثاليا عبر التاريخ ،مثل قصيدة أبي إسحاق الاليبيرى وهو فقيه أندلسي من القرن الحادي عشر الميلادي وعاش في إمارة غرناطة التي تكونت بعد سقوط الدولة الأموية التي أسسها عبدالرحمن الداخل هناك وقد كان ضحية السيطرة اليهودية علي عقل الأمراء الغرناطيين ،وأشهر قصائده في ذلك المضمار قصيدته التي توجه بها الي بربر غرناطة يحرضهم علي اليهودي يوسف بن النغرله ،وزير الملك بن باديس وكأن من نتائج هذه القصيدة حدوث مذبحة اليهود في غرناطة الشهيرة ،وجرت في ٩من صفر ٤٥٩هجرية = ٣٠ديسمبر عام ١٠٦٦ ميلادية ،ويعود ذلك التدقيق التاريخي كما ساقه اميليو غرسيه غومث في كتابه مع شعراء الأندلس والمتنبي : سير ودراسات ،والذي عربه د الطاهر أحمد مكي ،وجاء ذلك خلال دراسته عن أبي إسحاق الاليبيرى الفقيه الشاعر ،وهو أمر له عودة في الباب الخاص بذلك .
ويندرج تحت تصنيف القصيدة السياسية أيضا عدة عناوين :
١شعر الصراع الطبقي وهو الشعر الذي يعبر عن فكرة التهميش الاجتماعي وذلك كنوع من التوثيق الاجتماعي للتاريخ ويظهر ذلك في شعر الصعاليك في عصر ما قبل الإسلام والذي أطلق عليه تجاوزا اسم الجاهلي وتلك التسمية قد جاءت تأسيسا علي أن الإسلام يجب مقابلة أي يلقيه في غيابة الجب وهي فكرة تجب مناقشتها من خلال إعادة النظر في مسألة تحقيب التاريخ تلك الفكرة التي أراد مؤسسوها التنمط بالنمط الأوروبي، خاصة مع تناقض التسجيل التاريخي الحديث مع مدرسة الحوليات التي تمحورت حول تاريخ الحكام والتي تجاوزها المقريزي في كتابه الرائع إغاثة الأمة بكشف الغمة والذي رصد فيه تاريخ الكوارث والزلازل التي مرت بمصر خلال حياته وقبلها ،مع التحليل الاجتماعي والسياسي لأسباب الأزمة ومظاهرها .
٢ شعر العيارين والشطار في عهد الدولة العباسية والاموية ولكن هؤلاء تم تهميشهم علي مستوي الواقع بوصمهم بصفة غير أخلاقية فلم يذكرهم مؤرخوا الشعر العربي لكونهم في مصنفين قبليا وذلك من خلال التحليل الاجتماعي لبنية القوي الاجتماعية التي حكمت الدولة الإسلامية المركزية في نسختيها الاوليتين هما من صلب قبيلة قريش ،ولكن الدور التاريخي الذي قام به كتاب الاغاني لابي الفرج الأصبهاني ذلك العملاق الذي أراد بتسجيله كل حكايه العيارين والشطار الذين ملئوا بغداد ،يؤكد حرصه علي مناقضة الصورة الذهنية التي أراد شعراء الحكام ترويجها وقتذاك ،ولعل ذلك المعني التنويري الذي أراد الأصبهاني القيام به كونه كان علوي الهوي وكانت تلك الكلمة سبة عند وقتذاك وجريمة سياسية ،ولعل كتابه مقتل الطالبين هو الدليل الأبرز علي ذلك ،وذلك ماتأتي إليه في بابه .
٣ شعر المهجر للمنفيين سياسيا وبالتالي يتم توصيفه في شعر الوطن البديل ،هنا تصبح اللغة الفنية هي الفيصل في تقييم ذلك الشعر واستحقاقه لفظة شعر الثورة أو المعارضة ،وهنا تصبح صورة الوطن قائمة من خلال ذاتية الشاعر وما تبقي داخل عقله وقلبه من صورة الوطن، وهنا يصبح لزاما علي القارئ لذلك النوع من النصوص البحث عن معني الوطن داخل تلك الكلمات من خلال آلية التأويل أو توظيف البديع ،ويتبدى هذا في شعر البياتي ونزار قباني ومظفر النواب، وتاريخيا في شعر ابن عباد الذي فقد ملكه وملك ابيه في حومة الصراع ،وهو امر سنعود اليه في بابه لكل شاعر علي حده .
٤شعر المقاومة الفلسطينية ،وهنا يصبح الشعر هوية حيث طبيعة الصراع القائم علي كون الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين استيطانيا لطمس هوية الآخر ولعل الجميع يعرف ذلك من خلال كم الأدبيات التي تناولت الظاهرة الصهيونية منذ بدءها، ولعل ذلك الجدل الذي ثار في مارس ١٩٧٠ وفقا لما نشر بجريدة المساء القاهرية ،حيث صرح الناقد الكبير غالي شكري بتصريح مفاده (الشعر المقاوم هو الذي يوجز معني المقاومة أي أنه من ناحية البندقية، ولايتبدي هذا في اللفظ المفرد ،وإنما يتبدي في الروح العامة للقصيدة ، شعر المعارضة هو الذي يجسد إمكانية الحوار بين نقيضين عن طريق سلمي ،مهما استخدم أحد النقيضين ألفاظ مسلحة ) الي هنا انتهي تعريف أو رؤية د غالي شكري وهو من هو وبالتالي قامت ثورة ضد ذلك الرأئ ساقها ا خليل كلفت( وهو ناقد يساري تنويري رحمة الله عليه ( في كتابه خطوات في النقد الأدبي الصادر عن المجلس الأعلي للثقافة عام٢٠٠٥،ذلك قائم علي اعتبار محمود درويش وسميح القاسم وتوفيق زياد وسالم جبران وراشد حسين ،شعراء معارضة بينما معين بسيسو وفدوي طوقان شعراء مقاومة ،مع مراعاة توقيت ذلك الجدال وهو عام ١٩٧٠وهي فترة استعار الصراع العربي الإسرائيلي واحتلال سيناء ،وقامت حملة ضارية علي ذلك الرأي، وهو امر سنعود اليه في بابه .
٥ شعر الأقليات السياسية حيث يصبح الطن شعرا والشعر وطن قياسا علي قصيدة محمود درويش ( سجل انا عربي )وهنا يكون الشعر مقاوم لفكرة الانسحاق التاريخي وبالتالي تتدرج فكرة الثورية من حفظ الاسم / الكينونة والنوع حتي فكرة خلق المقاومة من خلال اللغة وإعادة تكثيف الصورة الذهنية عن الذات تجاه العالم ،ويدخل في ذلك شعر الأرمن حاليا وكذلك شعر اليهود في المجتمعات العربية قديما وحديثا ، حتي ١٩٤٨ تاريخ تكريس الاحتلال الإسرائيلى كدولة .

الفصل الأول
اليهود ودورهم كمثير اجتماعي وكونهم مادة ثرية للقصيدة السياسية وذلك نابع من الدور الاجتماعي المثير للجدل عبر احتكاكهم مع المجتمعات العربية والإسلامية وبالتالي يقتصر حديثنا هنا عن القصائد اليهودية التي تناولت رؤيتهم للحياة العربية وكذلك تقييمهم للتاريخ العربي من واقع تحليل مدلولات اللغة الفنية التي وردت في أشعارهم بعيدا عن فكرة التوصيفات والتصنيفات التي يستدل بها بداية من النص القرأني بعدم رضا اليهود والنصارى عن محمد صلى الله عليه وسلم حتي يتبع ملتهم وكأن الأمر في النهاية مرتبط بفكرة صراع الوجود القدري ومن احسن من الله قولا ،وبالتالي يأتي اليهود كمادة الإسقاط التاريخي علي كثير من الادران التي أصابت جسد الحياة الاجتماعية والسياسية العربية عبر التاريخ وكما يقولون ( شماعة نعلق عليها أخطائنا التاريخية ،وامراضنا الاجتماعية ) ومبعث خطورة ذلك أن الصورة الذهنية التي تتكون لدي القادم بعدنا تخلق ابعادا وهمية لكائن عجزنا أن نراه بصورته الاعتيادية ،لأننا افتقدنا لمفاهيم وأدوات الرؤية الحقيقية للواقع .
ونحن في النهاية لا يهمنا سوي اليهود كمادة للشعر وكمنتج للشعر وبالتالي نستطيع القول بأن الشعر في هذه الحالة سيكون مؤشرا اجتماعيا ومادة تحليل اثنولوجي ،كما صارت اشعار هوميروس من المضاهاة مع بعض الاثار الاركيولوجية ،أساسا لدراسة التاريخ اليوناني القديم ...وهكذا ، ولعل أبرز الاثار التي توفرت لنا في عصر الدولة الأندلسية ولعل البعض من المستعربين يطلقون عليها اسبانيا المسلمة جمعني قومي خاص بهم وهو مايتناقض مع الأندلس في كون الإسلام مركب اجتماعي واحد المسيطر ام مقياس وتفاعل تاريخي مع ذلك الواقع الإسباني آنذاك، خاصة وأن الإسلام دخل اسبانيا علي جناحين هما البربر (الأمازيغ) والعرب ،ثم سرعان ماتنازع النجاحات فسقط الطائر المحلق .
والنموذج الأبرز في تلك الحالة قصيدة أبي إسحاق الالبيري الفقيه الشاعر وهو ابراهيم بن مسعود بن سعيد التجيبي القهر الالبيري وكنيته أبي إسحاق وقد ترجم له اربع ،أبرزهم القاضي عياض المتوفي ٥٤٤هجرية =١١٤٩م في نهاية كتابه ترتيب المدارك المجلد السادس ،وكذلك خصه الضبي في كتابه( بغية الملتمس ، في تاريخ رجال اهل الأندلس) وترجم له ابن الآبار المتوفي ٦٥٨هجرية = ١٢٦٠م في كتابه ( تكملة الصلة ) ،وقد ذكره ابن الخطيب المتوفي ٧٧٦هجرية = ١٣٧٤م ،وذلك في كتابه (الإحاطة بأخبار غرناطة )وبذلك تحققها من التأصيل التاريخي لوجود الشاعر أما كونه عربيا من قبيلة تجيب التي جابت الأندلس ولها أخبار تزخر بها كتب الأندلس مثل ابن حزم وغيره ،والبعد المعرفي الأهم هنا اننا بصدد شاعر عربي لقبيلته تراث سياسي عبر تاريخ الأندلس الذي صنعه ابوه وجده السادس بما يعني كون هذا التاريخ مادة يومية للحديث في منازلهم وبالتالي تصبح القضية معادل ثقافي يثقل الروح في حركتها اليومية ،وبذلك يسعي الشاعر الذي يتصارع فقهه المؤدي من خلال بناءه العقلي ،وكذلك تراثه الروحي المسا ي لاحتياجاته المادية من اهل واسرة وقبيلة ، ذلك القلق الوجودي متمثلا أيضا في علاقته بباديس بن محبوس حاكم غرناطة وهو بربري حكم غرناطة ٤٢٩هجرية = ١٠٣٨ م ،وذلك في ظل التنافر الخفي بين مكونات اسبانيا المسلمة وقت ذاك ،وقد زاد الأمر تعقيدا نفي باديس بن محبوس له لما يسمي رابطة العقاب في البيرة التي خربت وتحولت من عاصمة قديمة ،وذلك وقت خلافة الوزير اليهودي يوسف بن نجيد بن نغرله ،المأزق عندنا اننا خمس مسا خفيفا تلك الخلفية التاريخية للمبدع لتلك القصيدة كي نتمثل الدافع الإبداعي لها ولكننا مطالبين بالمطابقة الموضوعية مع العنوان الرئيسي وهو القصيدة السياسية لنخرج بتوصيف لذات الشاعر : عربي تشرب حسرة المجد الضائع في ظل واقع يتعامل معه بعقلية هي أقرب للتقية النفسية ،والتقية كمصطلح فقهي تناول فترة الإسلام المكي والمسلمين الذين ظلوا في مكة بعد هجرة الرسول صلي الله عليه وسلم ،والأمر هنا مصطلحيا بعد إجرائي في التاريخ وينتهي بفتح مكة ،ولكن فكرة الصراعات التي اكتست بكساء الدين وهو منها براء ،ولعل تلك الكارثة الاشتقاقية هي بداية فكرة المؤامرة التي ورثها المسلمون والعرب وصناعة منها كهوفا نفسية شيدوها وورثوها لأبنائهم واحفادهم ، ولعل شاعرنا قد مارس ذلك الشعور بالتقية في علاقته مع بن نغرله ذلك الوزير اليهودي الذي ساس هو وأبناءه تلك الدولة لأكثر من عقد ، هذا بالنسبة للشاعر ،ويبقي السؤال كيف صاغ الشاعر ذاته من خلال القصيدة ؟ وما هو المعادل الموضوعي الذي صاغ من خلاله تلك الأسئلة الوجودية التي صاحبت نهاية تجربة الإسلام الإسباني مع ١٤٩٢ بفارق قرنين فقط عن تاريخ إنتاج تلك القصيدة .
نأتي للبعد الثاني في العملية الشعرية وهو متن القصيدة ،حيث جمع عدة اغراض شعرية منها الهجاء لليهود وكذلك الحماسة من خلال استنهاض قومه وهنا مهارة الشاعر في المقابلة بين اليهود والمكانة الاجتماعية التي حازوها في ظل حكم باديس بن حبوس ،وكذلك عدم ملاءمة الواقع الاجتماعي الحالي لما تربي عليه هو وجيله ومن سبقهم وكذلك الذين لازالوا يجترون حكايات المجد في سهراتهم القمرية ، أما اللغة الشعرية فقد جاءت ملاءمة لذلك الغرض التحفيزي وهو تثوير الواقع ونقض مفردات الرضا اليومية بما يتوافق مع سياق إنساني يصلح كوسادة أخلاقية اذا جاز التعبير في حال الرغبة في إسقاط ذلك الإحباط العام تجاه عدو مشترك متحقق وهم اليهود ، وهنا يثور الجدل حول الوظيفة السياسية للشعر من خلال المواءمة ما بين الغرض الرئيسي للشاعر كحالة معرفية ،وكأننا هنا بصدد مقولة جارودي (أن العمل الفني ليس محصلة لقوي مختلفة ،أنه إجابة علي مجموع الأسئلة التي يطرحها علي الفنان كل من عصره ووسطه العائلي والاجتماعي والديني والثقافي وايضا وضعه الشخصي ومهنته وغرامياته ،اي كل مايخص حياته ،وتكون اجابة الفنان شيئا اخر ،ليس مجرد انعكاس للظروف التي اثارت السؤال ) ونحن هنا بصدد فقيه يفكر بطريقة اقرب للقومية منها للدين فيأتي العرض الانسحابي مع شعر الزهد وكذلك الهجاء السياسي الأعمق المتوافق مع للاشعور متوارث مع نمط فقهي محدد يعلي فكر المؤامرة.
ولعل التأكيد علي اهمية تلك القصيدة وآثار بسببها من آثار اجتماعية ،وذلك الاستشهاد المرجعي بتلك القصيدة في مذبحة اليهود بغرناطة والتي تمت في ٩من صفر عام ٤٥٩هجرية = ٣٠من ديسمبر عام ١٠٦٦م ، ولعل رواية ابن الخطيب في الإحاطة تؤكد أن تلك القصيدة كانت احدي الأسباب الرئيسية التي أدت لتلك المذبحة التي قتل فيها يوسف بن نجيد بن نغرله وثلاثة آلاف يهودي ،والشاعر نفسه مات بعد فترة قليلة من المذبحة حيث توفي سنة ٤٥٩هجرية = ١٠٦٧م .
الأدوات البيانية في القصيدة :
صلاحية الأجزاء لتصبح في حكم المقولة العابرة مع عدم الإخلال بالمعني فلو اجتزئنا البيتين الاوليين مع البيت الأخير في القصيدة لتحقق الغرض الرئيسي للقصيدة المكونة من سبع وأربعون بيتا :
أولا قل لصنهاجة اجمعين بدور الندي وأسد العرين
لقد زل سيدكم زلة تقر بها اعين الشامتين
وراقب إلاهك في حزبه فحزب الإلاه هم الغالبون
يحدد الشاعر وهو العربي الذي أدرك ضعف خلفيته القبلية عن تحقيق مبتغاه فقرر استنهاض القوي الاقدر علي تحقيق هدفه وهم الصنهاجية تلك القبيلة الأمازيغية التي زل سيدها باديس بن حبوس وهنا الإشارة لثلاثية العلاقة الاجتماعية ،حيث انت سادة أخطأ سيدكم لتقر عينز الشامتين وهم المضمر ذكرهم من خلال التضمين الوارد في نهاية القصيدة بأن حزب الله هم الغالبون ،وهنا يبدو التركيبة الفقهية في ثقافة الشاعر وبالتالي هل يجوز اعتبار الوظيفة المعرفية التي يبتغيها الشاعر مؤشرا بلاغيا حيث تتم المواءمة مابين توافق المعاني الدلالية للألفاظ مع الحالة الشعورية للمتلقي ،مع الحرص علي تتابع الصور وعدم الاغراق في فنيات القصيدة القديمة حيث تلائم واقع التلاقح الحضاري الذي تم في تلك المنطقة بظرفيتها التاريخية حيث شكل العرب فقط طليعة القادمين لإسبانيا حيث كان جيش طارق بن زياد اثني عشر ألفا من البربر لم يكن بينهم سوي ستمائة فارس عربي فقط وبالتالي سهل التقارب السكاني بحكم العلاقات التاريخية ما بين البربر والاسبان وقد تزاوروا من خلال أعمدة هرقل الاسم القديم لجبل طارق ولعل عدالة الله أمام نكران العرب لجميل طارق بن زياد أن تداولت الألسنة اسم طارق مع عبوره ليقرر التاريخ مكره الذي لايدركه الا العقلاء .
ذاتية التجربة مع استغلال وضعيته الدينية كفقيه من خلال قوله : واني أحتللت بغرناطة * فكنت أراهم بها عابثين .
الجانب البراجماتي كجزء تحفيزي في اجتذاب ردود أفعال أكثر قسوة حيث يؤكد علي فكرة التوظف في خدمة الحكام وعلاقة ذلك بالحظوة والحراك الاجتماعي ،وكذلك استغلال فكرة تحقير اليهود من خلال توظيف معرفي لقصة اصحاب السبت والخلط بين الحادث التاريخي وخصوصيته وكذلك الاستناد علي الحادث التاريخي لخدمة فرضية الاستبعاد التاريخي المؤدي لكونه سلاح اجتماعي :
تخير كاتبه كافرا * ولو شاء كان من المسلمين
فكم مسلم فاضل قانت * لأرذل قرد من المشركين .
الذكاء الاجتماعي عند الشاعر يؤكد علي غرض المدح المبطن بالتقريع وكأنه لازال في طقس التقية الذي مارسه عندما كان كاتبا عند ابن توبة القاضي بينما كان نجيد بن نغرله كاتبا ووزيرا براديس بن حبوس :
أباديس انت امرؤ حاذق * تصيب بظنك نفس اليقين
فكيف اختفت عنك اعيانهم*وفي الأرض تضرب منها القرون
وكيف تحب فراخ الزنا * وهم بغضوك الي العالمين.
إذن تلك القصيدة هي عمدة في فن الهجاء واللغة هنا هي البطل الذي احتوي الظرف التاريخي ومع خصوصية المتلقي جاء دهاء الشاعر من خلال التوزيع البنائي من حيث تناوب الهجاء لليهود من استعطاف المتلقي من المسلمين ذوي البعد القومي من خلال مخاطبة القومية الأمازيغية متمثلة في صنهاجة التي ينتمي لها باديس بن حبوس حاكم غرناطة وقتذاك ،فلم يرد ذكر اليهود صراحة الا في البيت الرابع في إطار تحفيزي :
تخير (باديس )كاتبه كافرا * ولو شاء كان من المسلمين
فعز اليهود به وأنتخوا * وتاهوا وكانوا من الارذلين
هنا استخدم الشاعر آلية التضمين بأن يشرح بيتا شعريا بيت سابق له ليشرحه دون الوقوع في فخ الوصف النثري المباشر ليكون حرف الهاء رابطا مشتركا ما بين كاتبه وبه بعد كلمة عز اليهود ليكون الحديث ضمنا ليربط المتلقي بحكم معاصرة الحالة محل الوصف في القصيدة قادرا علي استنباط اسم يوسف بن نجيد بن نغرله ،ثم يأتي ذكر اليهود بعد ذلك اضمارا من خلال جمل تقريرية تبدأ دوما بحرف العطف وقد جاء ذلك لاستغلال فرضية الإلحاح علي معني واحد من خلال اطنابات تخلق صورة مستوعبة لأكثر من تفصيلة قادرة علي خلق حالة من التواصل الشعوري للجمهور المستهدف وهم قبيلة صنهاجة الإطار الاشمل لباديس حاكم غرناطة وقتذاك .
الجانب الدعوي والارشادي في القصيدة ،من خلال عدد من التناصات مع معاني قرأنية وكذلك استعمال حرف النون كحرف له قداسته من خلال قسم الله به واشتماله علي فضيلة وهبة التدوين المتمثلة في فضيلة تنزيل الذكر وحفظ الله له ،وذلك من أجل خلق إيقاع نفسي واحد وتعد القافية الواحدة عيب في شعر العرب ولكن نسبة القصدية في تلك القصيدة التي تصلح تأريخا لعصر معين خاصة مع ذلك التأثير الاجتماعي الذي تحقق بمذبحة اليهود في غرناطة وبذلك تعد تلك القصيدة مانفيستو لعصرها وبذلك يردنا الأمر لقصائد البحتري وهل يمكن اعتبارها قصائد سياسية خاصة قصيدته في وصف مقتل المتوكل في قصره في سر من رأي ( سامراء ) ،ربما وهو امر له عودة ،هنا البعد الأيديولوجي في الشعر وبذلك يتحقق ذلك النموذج عند مسلمي الأندلس.
وسنورد نص القصيدة كما أوردها الدكتور الطاهر أحمد مكي خلال تعريبه لكتاب مع شعراء الأندلس والمتنبي سير ودراسات للمستعرب اميليو غرسيه غومث.



#بهاء_الدين_الصالحي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الشعر بين التجربة والتوظيف
- يونس القاضي
- الشعر المصري الحديث : دراسة حالة
- أدب المرأة في مصر : دراسة حالة
- الرواية والواقع : دراسة حالة
- الصالونات الثقافية - مراكز تفكير
- وهم الحرية
- كارم عزيز وعرق الجدران
- لبنان العلماني يعود


المزيد.....




- نقل الغنائم العسكرية الغربية إلى موسكو لإظهارها أثناء المعرض ...
- أمنستي: إسرائيل تنتهك القانون الدولي
- الضفة الغربية.. مزيد من القتل والاقتحام
- غالانت يتحدث عن نجاحات -مثيرة- للجيش الإسرائيلي في مواجهة حز ...
- -حزب الله- يعلن تنفيذ 5 عمليات نوعية ضد الجيش الإسرائيلي
- قطاع غزة.. مئات الجثث تحت الأنقاض
- ألاسكا.. طيار يبلغ عن حريق على متن طائرة كانت تحمل وقودا قب ...
- حزب الله: قصفنا مواقع بالمنطقة الحدودية
- إعلام كرواتي: يجب على أوكرانيا أن تستعد للأسوأ
- سوريا.. مرسوم بإحداث وزارة إعلام جديدة


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - بهاء الدين الصالحي - القصيدة السياسية