أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الله خطوري - عْمَارَةْ لَبْلَادْ














المزيد.....

عْمَارَةْ لَبْلَادْ


عبد الله خطوري

الحوار المتمدن-العدد: 7428 - 2022 / 11 / 10 - 21:44
المحور: الادب والفن
    


صمتْتُ.صمَتَتْ دواخلي.خرج السمهري بالسرعة الحازمة التي عَنَّ بها من الباب الخارجي لغرفة المضيفة المديدة مخلفا وراء حفيف ثيابه الواسعة طنينَ نشاز طقطقة باب عريض طفق يترنح بدفتيْهِ السميكتيْن لحظة من الزمن حتى هدأ وآستكان.اِنكفأتُ..لا زالتْ فراخ الدجاج تسرح في ساحة الدار الخالية تتسابق هنا هناك بمعية أم راعية تصِيتُ تَقيقُ تقيق..قِ.. قِ..قي..قــي..وجوم عميق يرين على الداخل والخارج.دلفتُ إلى آلباحة مندفعا بإحساس متناقض.اِستقبلتني الردهةُ والأعمدة والجدران الخاوية وآلضحى وآلزوال وآلفراغ.صعدتُ بضع درجات تودي إلى بيت الضيوف(الغورفتْ).فتحتُ أحدَ مصراعايْ الباب الخشبي المنمق بألوان فاقعة. دخلتُ.. لا أحد..مجرد صرير باب يتهادى صداه المتثاقل حتى يَخبوَ في الخواء، وأفرشة مصفوفة بعناية في أماكنها تشهد على لحظات خَلَتْ كانت فيها اللمات والاجتماعات واللقاءات العائلية للبلدة وغير البلدة تتوالى تباعا بلغطها ولجبها ومناقشاتها في أمور الدنيا والدين...
على الحائط الترابي السميك الذي كان يتكئ على نمارقه كبار القبيلة(تاقبيلت) غُرِسَتْ مسامير ثخينة تحمل خيوطها آلرفيعة ألواحا من آي القرآن مكتوبة بصمغ فاحم يتعرج خطه اليدوي المغربي مشكلا تقاسيم ترتاح لرؤيتها المُقلُ، وصحونا من خزف عتيق موشاة بمربعات زليج دقيقة آلحِساب، ومنمنمات ملصقة قديمة لزليخا آلمغناج تراود فتاها آلمُمانع والفارس الهُمام يبطش يفتك برأس الغول المدمى ويصرخ..هَااا..والكبش الذبيح ينقذ الفتى آلصبور يُبلسم قُليبَ آلأب الجريح وغيلانا تطير وأباليس بقرون ملتوية منتصبة ومردة بأنوف طويلة معقوفة وصور مطربي الشرق بطقاطيقهم المألوفة..تبسمُ السلطانة منيرة المهدية تشدو كما آلهزار..أنا جُوَّا البستان غنى لي الكروان..والغصن أتمايل والفل يخايل والورد أهُو فَتَّحْ والياسمين صَبَّحْ..والزهر مْنَوَّرْ على بختي بْدُورْ..والشيخ زكريا أحمد، والقصبجي بوجه مجدور وعدستيْن ثخينتيْن، وصاحب"الجندول"ماسكا عود خشب لا ليجذف في آلأنهر كما آلسنورات في آلبحار، بل ليدندن نغمات تسمعها آلعين قبل تلقطها آلآذان، وفاطمة إبراهيم وسيد درويش فَتَيَان يضحكان و..أشياء أخرى تُذكر بجولات كان يقوم بها صاحب الدار (باب وخام) إلى المدن القريبة والقصية سواء للسِبابة أو للتجارة أو التجوال ورؤية الأحباب بعد سنين قليلة قضاها متطوعا (آڭُومي) في عسكر الفرنسيس ثم مجندا في جيش البلاد بعد آلجلاء..في تلك السفريات، كان يحرص دائما على آستقدام تذكارات يخلد بها حركاته وسكناته..إنه رجل نشط حيوي.أشغاله متنوعة لا تنتهي..مرفوع الهمة، أبيٌّ، جواد، مناور من الطراز النادر.مفاوض مقنع في حججه.محبٌّ للمال والنساء والأولاد والخيول ومتع الحياة.فقيه حافظ لكلام الله.كثير الدعابة.يضحك فتبرز رباعية أسنانه الفضية والمذهبة في فكه العلوي.جاد وقت الجِد.مسموع الكلام.صارم.له وقاره الخاص تظهر فعالية هيبته خصوصا في التجمعات واللامات والمناسبات..ينسق.ينظم.يُـشْرِفُ..بكلمة واحدة يأمر فيُطاعُ...إنه قائد من طراز آلعتاقة شغل بآمتياز مهام المشيخة والقيادة وطمع أن يزيدا، وكانت رغبته المُلحة في آستمرار سلالة عقبه من وراء تعدد زيجاته يُطَلِّقَ كيف يشاء بإيعاز من "الأشراف"و"كبار"العائلة، دون يعبأَ أو يحرصَ أو يعتنيَ بما تحت يديه من قوامة تستوجب الاهتمام والعناية.من هذه الناحية، يمكن القول إنه لم يكن يفكر إلا في نفسه ضاربا عُرْضَ الفراغ مشاعر الآخرين من أقرب الأقربين لديه..فراح مغامرا يجوب الآفاق يبذر بذاره في آلعالمين أينما حط الرحال غير آبه أو مكترث أو مبال...
صورته الفوتغرافية المكبرة تجاور صورة فناني الشرق بجلبابه الورايني المنمق بمساحات أشكال عمودية يتعالق فيها البياض بالسواد في آنسجام هادئ، وعمامته آستوت بعناية بلفات دارت وآستدارت حتى طوقتِ آلرأس وجنبات الصُّدْغَيْنِ تاركة مجالا مناسبا لبقية الوجه تبرز تقاسيمه بشكل جلي وقد خَطَّتْ معالمَها لحيةٌ مدببة دقيقة قصيرة سوداء مخروطة الشكل مرسومة بإتقان ونظام مَنْ يولي آهتماما كبيرا لمظهره الخارجي...ذلك ديدنه،تلك عادته، ذلك طبعه في جميع حالاته، في حله في ترحاله، في بيته وبيوتات الآخرين، في القرية والمدينة..لا يهم..هُـوَ هُـوَ بمناسبة وغير مناسبة..إنه بكلمة واحدة وبإجماع آلجميع آنئذ:كبير كبار القبيلة وعْمَارة لَبْلادْ...



#عبد_الله_خطوري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اَلْقَمَرُ آلدَّامِي
- طَيْفُهَا
- مُجَرَّدُ غَفْوَةٍ لَا غَيْر
- رَبيعُ آلْهَفَوَاتِ
- غُولِيك
- صَوْلَجَان
- مَصَائر
- اَلْمَكَانُ الْمُعَيَّنُ
- سَتَجْأَرُ آلذئابُ ذاتَ نهار
- كَطَائر-طَابَ-
- صَدَى أَزِيزِ آلْجَنَادِبِ طُوفَان
- رُحْمَاكَ
- في عُمْقِ آلشَّهْقَةِ بَابٌ
- جَنَازَةُ آلْأَحْدَاقِ
- سَلَامٌ لِلشَّبِيبَةِ وَآلتَّصَابِي،مقاربة لِ:داليةٍ للشاعر ...
- بُويَبْلَانْ
- ضِرْسُ آلفرزدقِ
- الصعاليكُ الثلاثة
- أُورْفيُوس نَايْتْ وَرَايَنْ
- الطِّفْلُ آلْأَهْوَكُ


المزيد.....




- شغال مجاني.. رابط موقع ايجي بست EgyBest الأصلي 2024 لتحميل و ...
- في وداعها الأخير
- ماريو فارغاس يوسا وفردوسهُ الإيروسيُّ المفقود
- عوالم -جامع الفنا- في -إحدى عشرة حكاية من مراكش- للمغربي أني ...
- شعراء أرادوا أن يغيروا العالم
- صحوة أم صدمة ثقافية؟.. -طوفان الأقصى- وتحولات الفكر الغربي
- غَيْرُ المَأسُوْفِ عَلَيْهِم -
- وفاة الفنان العراقي عامر جهاد
- غَيْرُ المَأسُوْفِ عَلَيْهِم
- غَيْرُ المَأسُوْفِ عَلَيْهِم .


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الله خطوري - عْمَارَةْ لَبْلَادْ