ثامر عباس
الحوار المتمدن-العدد: 7406 - 2022 / 10 / 19 - 09:59
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
(الحلقة الحادية والعشرون) ما هو الغضب ؟!
في الوقت الذي نستعرض فيه ومن خلاله أنماط العنف الاجتماعي الشائعة ضمن البحوث والدراسات السوسيولوجية والسيكولوجية ، لعل سؤال يطرح نفسه هنا ؛ هل يمكن عدّ مشاعر (الغضب) التي تنتاب الإنسان في بعض الحالات التي تتسم بالطابع الطارئ والاستثنائي ، بمثابة تعبير عن نزوع (ذاتي) عدواني مضمر يحاول من خلاله الشخص المعني تخفيف حدة التوتر النفسي وامتصاص فائض العدوانية المتفاقم لديه ، سعيا"منه لكبح تلك النوازع والحيلولة دون انفلاتها بصورة (عنيفة) لا يمكن لجمها أو السيطرة عليها ، أم أن هناك دوافع (موضوعية) أخرى تتسبب بتأجيج تلك المشاعر الغاضبة وشحنها بالمزيد من الانفعالات السلبية ؟! .
وللإجابة على الشق الأول ضمن السؤال المذكور ، فقد انبرى بعض علماء النفس للقول إن مشاعر (الغضب) التي تظهر لدى الأفراد أو الجماعات على حدّ سواء ، يمكن اعتبارها بمثابة مصدر لا يستهان به من مصادر سيكولوجيا العنف والتدمير التي تتميز بها طبيعة الإنسان . ولهذا فقد أشار العالم النفسي (ألفريد أدلر) إلى إن (( الغضب ما هو إلاّ شعور يجسد سعي الفرد للوصول إلى المزيد من القوة والسيطرة ، وغرض هذا الشعور هو ؛ التدمير القوي والسريع لكل العوائق التي تعترض طريق الفرد الغاضب ))(1) . وذلك بصرف النظر عن طبيعة تلك العوائق والموانع التي قد تتسبب بتأجيج مشاعر الحنق والغضب ؛ سواء أكانت سياسية أو إيديولوجية أو دينية أو قومية أو مذهبية أو قبلية أو لغوية أو جندرية ، الخ .
أما بالنسبة للشق الثاني من السؤال المتعلق بالعوامل الموضوعية (الخارجية) ، فقد وجد أحد الباحثين (نوفاكو) أنه (( من السهل تحوّل الغضب إلى عدوان مدمّر عندما يؤنّب أو يوبّخ أو ينتقد أو يكرر له النصح والموعظة كدرس أو محاضرة ، وفي بعض الأحيان يغالي المراهق في استخدام العدوان في علاقاته مع الآخرين وهو يصبح بذلك عدوانيا"بشكل ظاهر ويميل إلى الانتقام لنفسه من هؤلاء الذين ينبذونه . وعلاوة على ذلك الأطفال والمراهقون الذين يظهرون الغضب وأنماط السلوك العدواني محتمل كبالغين أن يظهروا العدوان بصورة أكثر تكرارا"أو أكثر شدة ))(2) .
والحال انه إذا ما نظرنا إلى هذه الظاهرة الاجتماعية بمنظار الواقع المعيش والممارسة الحياتية ، سنكتشف إن كلا الإجابتين السابقتين تبدوان قاصرتين عن بلوغ طبيعة تلك الظاهرة وإماطة اللثام عن كنهها ، طالما أن كل منهما تستبعد ركنا"أساسيا"من أركان تشكّلها وتبلورها على النحو الذي يمنحها حق الوصف ب (الغضب) . إذ إن كل ظاهرة اجتماعية هي حصيلة تفاعل وتكامل جملة من العوامل والعناصر ، قسم منها يتشكل في رحم المجتمع وينمو بين ظهرانيه ، والقسم الآخر يتكون داخل بنية الفرد ويتطور أو يتقهقر على إيقاع تدرج نضوج شخصيته . وعلى هذا الأساس يمكننا تتبع ليس فقط مراحل صيرورة الظاهرة المعنية وبلوغها مستوى الظهور السافر فحسب ، وإنما توقع شدة ما يصاحبها وينجم عنها من انفعالات وتوترات لدى الفرد / الجماعة ، هذا بالإضافة إلى احتمالات تحولها إلى ضرب من ضروب (العنف) الجسدي .
الهوامش
1. ألفريد أدلر ؛ الطبيعة البشرية ، ترجمة عادل نجيب بشري ، ( القاهرة ، المركز القومي للترجمة ، 2009 ) ، ط2 ، ص262 .
2. يحياوي حسينة ؛ علاقة الغضب بظهور السلوك العدواني لدى المراهقين ، بحث منشور ضمن مجلة العلوم الإنسانية والاجتماعية المغربية ، العدد (12) ، سبتمبر 2012 .
#ثامر_عباس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟