أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - رسلان جادالله عامر - الديكتاتورية.. تقزيم الشعب وتأليه الزعيم














المزيد.....

الديكتاتورية.. تقزيم الشعب وتأليه الزعيم


رسلان جادالله عامر

الحوار المتمدن-العدد: 7405 - 2022 / 10 / 18 - 12:01
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


في عالمنا المعاصر، أصبحت الديمقراطية غاية عالمية تسعى إليها وتقتدي بها معظم الشعوب، وهذا ما يجعل كل ديكتاتور معاصر يشعر دوما بأنه مهدد بخطر كبير من قبل شعبه الذي يستبد به ويتسلط عليه، ولذلك يلجأ هذا الديكتاتور إلى أساليب مختلفة لتوطيد سلطانه، ودرء خطر شعبه عليه، ومن هذه الأساليب مثلا تصنيم الزعيم أو تأليه الزعيم، والتأليه يحمل هنا بالطبع معنى مجازيا وليس حرفيا، ولكن مجازيته على أرض الواقع تقترب كثيرا من حرفيته، فالزعيم الديكتاتور يتم نفخ وتضخيم وتهويل وتبهير صورته إلى حد يصبح فيه في سوية فوق مستوى البشر!
ومع هذا التعظيم التهويلي للزعيم الذي تسبغ عليه أرفع صفات العبقرية والحكمة والمعرفة والشجاعة والنزاهة وما شابه، يتم ترسيخ مفهوم دوره المصيري في حياة شعبه، والأصح رعيته، بل والأصح قطيعه، الذي يتم غرس وتنمية وعملقة فكرة استحالة العيش بدونه كزعيم معظم متعالي، بل ورفض العيش بدونه لما يتحلى به من غفير الصفات المتسامية التي يندر وجودها في البشر سواه!
بهذا الشكل يعتقد الديكتاتور أنه يصنع قطيعا من الموالين المقتنعين تماما بعظمته النادرة، الذين يرفضون استبداله، ويعتقدون بأنه لا بديل له ولا يمكن لهم العيش بدونه؛ وبهذا الشكل يظن أيضا أن محكوميه هؤلاء لن يثوروا عليه، بل وسيقفون معه ضد من يثور عليه.
ولترسيخ هذه الصورة المعظمة للديكتاتور، يعمد الديكتاتور إلى تجهيل شعبه، ومنع الحريات، والقضاء على كافة أشكال المنافسة والمنافسين، وهذا ما يقتضي وحدنة الخطاب الثقافي والسياسي وحصره في خطاب السلطة، الذي يتمركز حول الزعيم، ويتحول إلى دعاية موسعة ومكثفة لتمجيد وتجليل الزعيم، وتخوين كل من يفكر بمعارضته أو منافسته أو نقده، أو حتى من يقصّر في تعظيمه وتبجيله، فتعظيم الزعيم يصبح فرضا أساسيا من فروض الطاعة الواجب تقديمها بشكل دائم وواضح وكثيف على الأتباع المحكومين لسيدهم وسلطانهم ومولاهم المعظم الذي يحكمهم!
في هذا النوع من السلطة يتحول الحاكم إلى معبود، وتصبح دولته أشبه ما تكون بكنيسة قروسطية، وتتحول أجهزتها إلى ما يشبه سلك كهنوتي مهتمه نشر وتكريس عبادة الزعيم وترسيخ سلطته على الأتباع، والدور الأخطر في هذه العملية تلعبه الأجهزة القمعية لدى هذا الزعيم، التي تأخذ دور محاكم التفتيش في كنيسته، التي تصبح فيها فروض الطاعة المقدمة للزعيم من قبل أتباعه طقوسا تعبدية يحصلون من خلالها على شهادة حسن العبودية للزعيم المؤله المعبود، وإلا وصموا بالكفر والمروق!
وبالطبع في مثل هذا النمط الاستعبادي المحدّث من الحكم يتم اختصار الوطن في دولة الزعيم، واختصار دولته في شخصه، وفي الولاء له، الذي يختصر بدوره إلى الخضوع والرضوخ له، ولا عجب بعد كل هذا أن تشهر سيوف التخوين بوجه المعارضين وأن يوصموا بوصمة الخيانة.
وفي مثل هذا النمط من العبودية المحدثة، تصبح دولة الزعيم مقلوبة رأسا على عقب وكأنها هرم مقلوب رأسه إلى أسفل، وفي رأس هذا الهرم المقلوب يتموضع الزعيم ليس كرأس لهذا الهرم وحسب، بل وكقاعدة له، وتصبح دولة الزعيم قائمة على زعيمها، ومصيرها مرهون بمصيره، فإن سقط الزعيم، انهارت معه دولة الزعيم!
وهكذا، ولذا، تكون مثل هذه الدولة، أو السلطنة، محدودة الأجل، فمثل هذا الوضع الهمجي لا يمكنه قطعا أن يؤمن لها التوازن والاستقرار اللازمين لبقاء واستمرارية الدول.
بالطبع زعيم طاغية كهذا لا يمكنه أن يطغى إلا في قوم ما تزال تهيمن عليهم ذهنية عبادة الفرد وتعظيم الزعيم، وهذا ما يستغله الدكتاتور إلى الحد الأقصى، ويعمل على تنميته وترسيخه، وعلى تجسيده وحصره في نفسه!
لكن بالطبع في عالمنا المعاصر، الذي باتت الثقافة الحديث فيه، رغم كل عيوبه الكثيرة والخطيرة، قادرة على طرق أبواب أعتى الطغاة وقض مضاجعهم، لا يستطيع أي طاغية أن يعتمد على صنميته وحدها، ولذا لترسيخ حكمه يعتمد على جملة من الأساليب المتكاملة، فإضافة إلى تصنيم نفسه كزعيم، فهو أيضا يعتمد على البطش والتجهيل والتضليل والتخويف والإفساد والإفقار وما يشبهها، فهذه هي أركان دولته الباطلة الظالمة الفاسدة، التي لا مكان فيها للحكمة والعدل والحرية والتسامح والقيم الإنسانية، وهي من كل هذا في موقع الضد والنفيض!



#رسلان_جادالله_عامر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مشكلة الزي بين المرأة العصرية والمؤسسة الدينية التقليدية
- مزامير على إيقاع فلسطيني
- هل للدين أهمية في العالم الحديث؟
- يا روح لا تتوقفي.. هيا انزفي
- الصداقة بين الرجل والمرأة .. هل هي حقيقية؟
- على أطلال مورتستان
- الحب والتعالي
- قطر السنى
- هل تعادي الدولة الفرنسية الإسلام والمسلمين؟
- تعريف الحب في البوذية
- الوحي التقدمي في البهائية
- أنتِ ذي...
- لا أحد..لكننا الأحد
- بحثا عن إله ووطن
- خطوة إلى طريق السماء
- بعد الكأس العاشرة
- على أبواب غد لن يأتي
- ترتيلة من سفر اللعنة
- فتاوى التكفير الموروثة وصناعة الإرهاب
- كأس العالم بين جمال الرياضة وهيمنة السوق


المزيد.....




- هارفارد تنضم للجامعات الأميركية وطلابها ينصبون مخيما احتجاجي ...
- خليل الحية: بحر غزة وبرها فلسطيني خالص ونتنياهو سيلاقي في رف ...
- خبراء: سوريا قد تصبح ساحة مواجهة مباشرة بين إسرائيل وإيران
- الحرب في قطاع غزة عبأت الجهاديين في الغرب
- قصة انكسار -مخلب النسر- الأمريكي في إيران!
- بلينكن يخوض سباق حواجز في الصين
- خبيرة تغذية تحدد الطعام المثالي لإنقاص الوزن
- أكثر هروب منحوس على الإطلاق.. مفاجأة بانتظار سجناء فروا عبر ...
- وسائل إعلام: تركيا ستستخدم الذكاء الاصطناعي في مكافحة التجسس ...
- قتلى وجرحى بقصف إسرائيلي على مناطق متفرقة في غزة (فيديو)


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - رسلان جادالله عامر - الديكتاتورية.. تقزيم الشعب وتأليه الزعيم