أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسام جاسم - عربة الكتب الخشبية














المزيد.....

عربة الكتب الخشبية


حسام جاسم

الحوار المتمدن-العدد: 7404 - 2022 / 10 / 17 - 18:44
المحور: الادب والفن
    


تدور عربة الكتب في الأزقة المكعبة الغارقة برفاهية المياه القذرة.
تشحذ أقدامها الخشبية خلال اشعة الشمس المريضة الكارهة للثقافة والجمال والدار.
لا شيء يوقف حرارتها العالية سوى لمسة يدٌ من ابنة ذو الثامنة، يرافقه في أسفاره يشق معه الضمير لبيع الكتب في عربة الخشب المصنوعة من أجل الطحين.
لم تكن وسائط النقل المعدنية مكتشُفة بعد.
تصدح حناجرهما اثناء الطواف حول البيوت بحثاً عن شراء وبيع الكتب وتبادل الثقافة في البيوت الطينية التي لا تحتوي على باب، مجرد ستارة خضراء تثبت بالطابوق أمام المداخل في كل مغارة.
يكاد الهواء النقي ينقطع ويهب الصدر بالزمهرير لنقطة ماء بارده في الثلج الميكروبي.
يتعرض الجميع للفيروسات والميكروبات جميعها، وشدة التعرض خلقت ألفه بينها وبين أبناء هذه المدينة فلا يشعروا بالمرض عندما تدخل أجسامهم، تعرفوا عليها وعرفت هي قهرهم واصابها اليأس منهم فلا افتعال الامراض ينفع معهم ولا يهمهم شيء، يمضون للبحث عن القوت منذ الفجر ولا شيء يخصصوا له وقتًا الا دخول الحمام والجنس والأكل، هذه المقدسات الثلاث عرفتها البشرية قبل اكتشاف الكتابة وعندما أكُتشفت الكتابة تغيرت البشرية وتغيرت شهواتها ومخططاتها للحياة ولكن أبناء هذه المدينة لا زالوا في طور البدائية من شهوة العقل.
تدور وتدور ويضجر الطفل ذو الثامنة ويصرخ باكيًا أريدُ ان أرى مجلات الازياء، اين هي وسط هذه الاكوام داخل العربة؟!!!!
يهرب خيال الطفل مع صور الأزياء للأطفال والنساء والرجال ليؤسس نمط مختلف لحياة أخرى جديدة لم يكتشفها أحد سواه من ابناء هذه المدينة المكتئبة المتلحفة بالسواد والعويل.
تتعثر العربة في نمط سلوكها وتعبيرات حمولتها كي تصل مبتغاها ووجهتها.
لا أحد يعلم ما يدور في عقل هذا الرجل صاحب العربة الا شيطانه، لماذا يبيع الكتب داخل الأزقة الفقيرة والجاهلة؟!!! لماذا ينشر لذة التفكير في ربوعها؟!!!
ما الذي يبتغيه منهم؟!!!
تثبت العربة الخشبية في مكانها لرؤية الحمار القادم فهو يحمل عربة شبيهٌ بها الا ان الفارق هو مساواة الرجل صاحب العربة الخشبية بالحمار.
يتساوى البشر مع الحمير أحيانًا بل يتعلم البشر من الحمير الصبر والقدرة على التكيف ولكن دون ثورة.
لا تثور الحمير على صاحبها وربما تثور الا ان البشر في هذه المدينة لا يثوروا مطلقًا.
ينظر الحمار إلى الرجل بازدراء وتتساوى نظرته مع نظرة صاحبة إلى العربة الخشبية فيرمقها بالاستهزاء والضحك من حال ما تحمله من أكوام الكتب المنسية.
يصرخ الرجل: كتب.....كتب ..... ارخص الأسعار.
وينهق على نفس النغمة الحمار.
ويتعاكس اتجاههما ويتسع الطريق لكل منهما.
تتعب أقدام الرجل ويغفو ابنه ذو الثامنة وسط العربة داخل الأوراق المتأكلة من سطوع الشمس.
ولا أحد يخرج من هذه البيوت لطلب الشراء!!!
توقفه احداهن تحمل بيدها كتابًا وتعطيه للرجل.
- اريده ب خمسة.

- ولكنهُ كتابٌ ركيك متوفر في كل بيت ويوزع مجانًا.

- أنه بركة ولك الاجر والثواب.

- لا أريده.

- إذن سآخذ بدلاً منه كتابًا من العربة الخشبية.

تدنو لتلتقط صورة عارية لغلاف مجلة ما، تتموضع فيها سيقان احداهن حتى تصل الى كتف أحدهم، ترتجف يداها من المنظر، تلتقطها بأصابعها المدببة وتغدو مسرعة.
يكاد يُسمع همسها .... يا لها من امرأة محظوظة لماذا لا اجد كتفًا ارفع لها ساقي.
يكاد اليأس يقول كلمته لولا اللمعان الصادح القادم من بعيد
هل هناك املاً في هذه المدينة؟!!!
نعم انه قادم!!
يوقظ الرجل ابنة ويرفعه على راسة ويقوم القادم الغريب بتصفح الكتب المنسية يأخذ منها العديد وبصمت مهوُوس لا يجادل في السعر يمد يديه، يُخرج النقود ويضعها على العربة ويمضي.
في فخذ الظلام يعود الرجل صاحب العربة الى بيته مملوءاً بالتعب والقهر والسعادة في آن واحد.
تعترضه مجاميع اللثام.
- ما تلك الأكياس؟!!!

- من أنتم؟!!!

- احباب الأمة.

- وماذا يريدون احباب الأمة؟

- هذه الأكياس.

- أتركها لا تلمسها أنها ملكي.

- لا شيء يملكه أحد بعد احباب الأمة فنحن الحماة والقادة والقواد هنا.
تخربش أظافرهم العفنة اكياس الكتب المتبقية وما هي الا لحظة حتى يعلو الضحك وينفجر الصوت من اسنانهم الصفراء المهشمة
كتب ...... كتب ......هههههههههه
هل هناك عاقلاً في مدينتنا يبيع الكتب؟
ترمى من ايديهم ويُركض ذو الثامنة نحوها ليجمع شتاتها
ويمسك أحدهم يده ويضع الأوراق المتبقية فيها وهو يقول أنتم على حق ونحن نعتذر عما بدر منا.
- أتركهم يا سحروت فهم أبناء الثقافة.

- لا شأن لي بهم.

ويختفون كما ظهروا في فخذ الظلام.



#حسام_جاسم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خصية الفداء ترفع راية النصر
- هربرت سبنسر/ ٥
- هربرت سبنسر/ ٤
- هربرت سبنسر/٣
- هربرت سبنسر/ ٢
- هربرت سبنسر / ١
- المثلية الجنسية ( نظرية الكوير والبناء الاجتماعي للجنسانية)
- المثلية الجنسية في تاريخ الفلسفة
- سماح ادريس ... شجاعة استكمال المسيرة
- سهد التهجير /15
- اكوام من الرماد في قدر الدم
- ردا على غادة السمان
- الاستشراق السياسي و الطبقة المتوسطة و المهمشة / 1 !!! 1
- قيمة الدم و البيوت ؟
- و هل يمتلئ الخيال ؟!!!
- سهد التهجير /14
- سهد التهجير /13
- بغداد ام بيروت ..... الهم واحد
- سهد التهجير /12
- سهد التهجير /11


المزيد.....




- فنانة مصرية شهيرة: سعاد حسني لم تنتحر (فيديو)
- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسام جاسم - عربة الكتب الخشبية