أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق مثليي الجنس - حسام جاسم - المثلية الجنسية في تاريخ الفلسفة















المزيد.....


المثلية الجنسية في تاريخ الفلسفة


حسام جاسم

الحوار المتمدن-العدد: 7217 - 2022 / 4 / 13 - 17:28
المحور: حقوق مثليي الجنس
    


تم صياغة مصطلح (المثلية الجنسية) (homosexuality) في أواخر القرن التاسع عشر من قبل عالم النفس المجري-نمساوي المولد، كارولي ماريا بنكيرت (Karoly Maria Benkert). وعلى الرغم من أن هذا المصطلح جديد، فإن المناقشات المتعلقة بالجنسانية (sexuality) بشكل عام، والإنجذاب لنفس الجنس بشكل خاص، قد أثارت نقاش فلسفي يمتد من ندوة أفلاطون (Plato’s Symposium) إلى نظرية الكوير المعاصرة (contemporary queer theory).
نظرًا لأن تاريخ الفهم الثقافي للإنجذاب من نفس الجنس وثيق الصلة بالقضايا الفلسفية التي إثارتها تلك المفاهيم، فمن الضروري مراجعة بعض التاريخ الاجتماعي للمثلية الجنسية بإيجاز.

وكما لوحظ مراراً وتكراراً، فإن الإغريق القدماء لم يكن لديهم مصطلحات أو مفاهيم تتوافق مع الانقسام المعاصر بين (مغاير الجنس) (heterosexual) و (مثلي الجنس) (homosexual). (على سبيل المثال راجع،Foucault, 1980).
هناك ثروة من المواد من اليونان القديمة ذات الصلة بقضايا الجنسانية (sexuality)، بدءًا من محاورات أفلاطون (dialogues of Plato)، مثل الندوة، إلى مسرحيات أريستوفان (Aristophanes)، والأعمال الفنية والمزهريات اليونانية. فيما يلي وصف موجز للاتجاهات اليونانية القديمة، ولكن من المهم إدراك وجود تباين إقليمي. على سبيل المثال، في أجزاء من مدينة إيونيا (Ionia) كانت هناك قيود عامة ضد الشهوة لنفس الجنس (same-sex eros)، بينما في إيلس (Elis) ومقاطعة بيوتيا (Boiotia) (على سبيل المثال، مدينة ثيفا (طيبة) Thebes)، تمت الموافقة عليها وحتى الاحتفال بها (راجع Dover ، 1989؛ Halperin ،1990 ).
ربما كان الافتراض الأكثر شيوعًا حول التوجه الجنسي (sexual orientation)، على الأقل من قبل المؤلفين اليونانيين القدماء، هو أن الأشخاص يمكن أن يستجيبوا جنسيًا للجمال في أي من الجنسين. كتب ديوجانس اللايرتي (Diogenes Laeurtius)، على سبيل المثال، عن السيبايديز (Alcibiades)، الجنرال الأثيني والسياسي في القرن الخامس قبل الميلاد، "في فترة مراهقته أبعد الأزواج عن زوجاتهم، وفي شبابة أبعد الزوجات عن أزواجهم".
(راجع Quoted in Greenberg, 1988, 144)
تمت ملاحظة بعض الأشخاص بسبب اهتماماتهم الحصرية بأشخاص من جندر واحد. على سبيل المثال، كان الإسكندر الأكبر (Alexander the Great) ومؤسس الرُّواقيَّة (Stoicism)، زينون الرواقي (Zeno of Citium)، معروفين باهتمامهما الحصري بالفتيان وغيرهم من الرجال. ومع ذلك، يتم تصوير هؤلاء الأشخاص عمومًا على أنهم استثناء. علاوة على ذلك، يُنظر إلى مسألة الجنس البيولوجي الذي ينجذب إليه المرء على أنه قضية ذوق أو تفضيل، وليس قضية أخلاقية. تجادل إحدى الشخصيات في إروتيكوس لبلوتارخ (Plutarch’s Erotikos) (حوار عن الحب) ( Dialogue on Love) بأن "العاشق النبيل للجمال ينخرط في الحب أينما يرى التميز والهبات الطبيعية الرائعة دون اعتبار لأي اختلاف في التفاصيل الفسيولوجية" (راجعibid., 146).
يصبح الجندر (Gender) مجرد "تفاصيل" غير ذات صلة، وبدلاً من ذلك يكون التميز في الشخصية والجمال هو الأهم.
على الرغم من أن الجندر الذي ينجذب إليه المرء جنسيًا (في أي وقت محدد، نظرًا لافتراض أن الأشخاص من المرجح أن ينجذبوا إلى أشخاص من كلا الجنسين) لم يكن مهمًا، إلا أن القضايا الأخرى كانت بارزة، مثل ما إذا كان الشخص يمارس الاعتدال. كانت المخاوف المتعلقة بالمكانة (المركز) هي أيضا ذات أهمية قصوى. بالنظر إلى أن الرجال الأحرار فقط هم من يتمتعون بوضع كامل، فإن النساء والرجال العبيد لم يكونوا شركاء جنسيين إشكاليين. فالجنس بين الأحرار، ومع ذلك، كان مشكلة بالنسبة للمكانة. كان التمييز المركزي في العلاقات الجنسية اليونانية القديمة بين القيام بالدور الإيجابي النشط (active) أو الذي قام بالإيلاج، مقابل الدور السلبي (passive) أو الذي تم اختراقه .
كان الدور السلبي مقبولًا فقط لمن هم دون المستوى (أدنى منزلة)، مثل النساء أو العبيد أو الشباب الذكور الذين لم يصبحوا مواطنين بعد. ومن هنا كان المثل الثقافي للعلاقة المثلية بين رجل أكبر سنًا، ربما في العشرينات أو الثلاثينيات من عمره، والمعروف باسم (إيراستيس) (erastes)، وصبي لم تبدأ لحيته في النمو بعد، (إيرومينوس) (eromenos) أو (بايديكا) (paidika). في هذه العلاقة كان هناك طقوس للمغازلة، والتي تنطوي على الهدايا (مثل الديك)، ومعايير أخرى. كان على (إيراستيس) أن يُظهر أن لديه اهتمامات أنبل بالصبي، بدلاً من الاهتمام الجنسي البحت. لم يكن على الصبي الخضوع بسهولة، وإذا طارده أكثر من رجل، كان يجب أن يتحلى بالتمسك (اظهار التقدير) ويختار الشخص الأكثر نبلاً. هناك أيضًا أدلة على أن الإيلاج كان يتم تجنبه في كثير من الأحيان عن طريق جعل (إيراستيس) يواجه محبوبه ويضع قضيبه بين فخذي (الإيرومينوس)، وهو ما يعرف بالمفاخذة (intercrural sex).
كانت العلاقة مؤقتة ويجب أن تنتهي عند بلوغ الصبي سن الرشد (راجع Dover, 1989).
واعتُبر الاستمرار في دور الخضوع حتى عندما يكون المرء مواطناً متساوياً أمراً مزعجاً، على الرغم من وجود العديد من العلاقات الجنسية المثلية بين الذكور البالغين والتي لوحظت ولم يتم وصمها بشدة. في حين أن الدور السلبي كان يُنظر إليه على أنه إشكالية، فإن الانجذاب إلى الرجال غالبًا ما كان يُنظر إليه على أنه علامة على الذكورة. كان للآلهة اليونانية، مثل زيوس (Zeus)، قصصًا عن مآثر من نفس الجنس تُنسب إليهم، كما فعلت شخصيات رئيسية أخرى في الأساطير والأدب اليوناني، مثل آخيل (Achilles) وهرقل (Hercules). يناقش أفلاطون (Plato) في الندوة أن يتألف الجيش من عشاق من نفس الجنس. شكلت مدينة طيبة مثل هذا الفوج، فرقة طيبة المقدسة، المكونة من 500 جندي. كانوا مشهورين في العالم القديم لشجاعتهم في المعركة .
كان لروما القديمة العديد من أوجه التشابه مع اليونان القديمة في فهمها للانجذاب الى نفس الجنس، والقضايا الجنسية بشكل عام. هذا صحيح بشكل خاص في ظل الجمهورية. ومع ذلك، في ظل الإمبراطورية، أصبح المجتمع الروماني ببطء أكثر سلبية في وجهات نظره تجاه الجنسانية، ربما بسبب الاضطرابات الاجتماعية والاقتصادية، حتى قبل أن تصبح المسيحية مؤثرة.
إن الموقف الدقيق للعهد الجديد تجاه الجنسانية بشكل عام، والانجذاب من نفس الجنس على وجه الخصوص، هو موضوع جدل حاد.
يجادل جون بوسويل (John Boswell)، في كتابه الرائع (المسيحية، والتسامح الاجتماعي، والمثلية الجنسية)
(Christianity, Social Tolerance, and Homosexuality)
بأن العديد من المقاطع المأخوذة اليوم على أنها إدانات للمثلية الجنسية تهتم أكثر بالبغاء، أو عندما توصف الأفعال المثلية بأنها (غير طبيعية)، فإن المعنى أقرب إلى (خارج عن المألوف) وليس باعتباره (غير أخلاقي) (راجعBoswell, 1980, ch.4 see also Boswell, 1994).
ومع ذلك فقد انتقد آخرون، على نحو مقنع في بعض الأحيان، معرفة واطلاع بوسويل، زاعمين أن القراءة المعاصرة التقليدية أكثر معقولية (راجعGreenberg, 1988, ch.5).
ولكن من الواضح أنه على الرغم من أن إدانة الانجذاب لنفس الجنس هامشية بالنسبة للإنجيل ومجرد تركيز متقطع في بقية العهد الجديد، فإن آباء الكنيسة المسيحية الأوائل كانوا أكثر صراحة. في كتاباتهم هناك رعب من أي نوع من أنواع الجنس، ولكن في غضون أجيال قليلة خفت هذه الآراء، ويرجع ذلك جزئيا إلى المخاوف العملية من تجنيد المرتدين (المتحولين عن دينهم او عقيدتهم). بحلول القرنين الرابع والخامس كان الرأي المسيحي السائد يسمح فقط للجنس الإنجابي (procreative sex).
وجهة النظر هذه، أن الجنس الإنجابي مسموح به في إطار الزواج، في حين أن كل تعبير آخر عن الجنس هو خطيئة، يمكن العثور عليها، على سبيل المثال،في القديس أوغسطين (St. Augustin). يؤدي فهم العلاقات الجنسية المسموح بها إلى القلق بشأن جندر الشريك الذي لم يتم العثور عليه في الآراء اليونانية أو الرومانية السابقة، ومن الواضح أنها تحظر الممارسات الجنسية المثلية. سرعان ما ظهر هذا الموقف، خاصة تجاه الجنس المثلي، في القانون الروماني. في قانون جستنيان (Justinian’s Code)، الصادر عام 529، تم إعدام الأشخاص الذين يمارسون الجنس المثلي، على الرغم من أنه يمكن انقاذ التائبين. يتفق المؤرخون على أن الإمبراطورية الرومانية المتأخرة شهدت ارتفاعًا في التعصب وعدم التسامح تجاه المثلية الجنسية، على الرغم من وجود اختلافات إقليمية مهمة مرة أخرى.
مع انهيار الإمبراطورية الرومانية، واستبدالها بممالك بربرية مختلفة، ساد التسامح العام (باستثناء إسبانيا القوط الغربيين) للأفعال الجنسية المثلية. على حد تعبير أحد العلماء البارزين، "احتوى القانون العلماني الأوروبي على إجراءات قليلة ضد المثلية الجنسية حتى منتصف القرن الثالث عشر" ( راجع Greenberg, 1988, 260). على الرغم من أن بعض اللاهوتيين المسيحيين استمروا في استنكار النشاط الجنسي غير المبرر، بما في ذلك الأفعال الجنسية المثلية، فإن نوعًا من الأدب المحب للمثليين، خاصة بين رجال الدين، تطور في القرنين الحادي عشر والثاني عشر. (راجعBoswell, 1980, chapters 8 and 9).
ومع ذلك، شهد الجزء الأخير من القرن الثاني عشر حتى القرن الرابع عشر ارتفاعًا حادًا في التعصب تجاه الجنس المثلي، إلى جانب اضطهاد اليهود والمسلمين والزنادقة وغيرهم. في حين أن أسباب ذلك غير واضحة إلى حد ما، فمن المرجح أن الصراع الطبقي المتزايد جنبًا إلى جنب مع حركة الإصلاح الغريغورية (the Gregorian reform movement) في الكنيسة الكاثوليكية كانا عاملين مهمين. بدأت الكنيسة نفسها في الاستعانة بمفهوم (الطبيعة) (nature) كمعيار للأخلاق، ورسمته بطريقة تمنع ممارسة الجنس المثلي (وكذلك الجنس خارج نطاق الزواج، والجنس غير المبرر في إطار الزواج، وغالبًا ما يكون الاستمناء). على سبيل المثال، صرح المجمع المسكوني الأول (مجمع نيقية الأول) (The first ecumenical council) لإدانة الجنس المثلي، ومجمع لاتران الثالث (Lateran III) لعام 1179، أن "أي شخص يثبت أنه ارتكب هذا الفجور (الغُلمَة) المخالف للطبيعة" يجب أن يعاقب، وتتوقف شدته على ما إذا كان المعتدي رجل دين أو شخص عادي (راجعquoted in Boswell, 1980, 277).
أصبح هذا النداء إلى القانون الطبيعي (natural law) (الذي نناقشه أدناه) مؤثرًا جدًا في التقاليد الغربية. مع ذلك، هناك نقطة مهمة يجب ملاحظتها وهي أن الفئة الرئيسية هنا هي (اللوطي) (السدومي) (sodomite) ، والتي تختلف عن الفكرة المعاصرة (مثلي الجنس). تم فهم اللوطي على أنه محدد الفعل، وليس كنوع من الأشخاص. والشخص الذي لديه رغبات في الانخراط في اللواط، ولكن لم يعمل بها، لم يكن لوطيًا. أيضًا، الأشخاص المغايرين الذين شاركوا في اللواط بين الجنسين كانوا أيضًا من اللوطيين. هناك تقارير عن أشخاص تم حرقهم حتى الموت أو قطعت رؤوسهم بتهمة اللواط مع رفقائهم (راجع Greenberg, 1988, 277).
أخيرًا، الشخص الذي ينخرط في اللواط، ولكن يتوب عن خطيئته ويتعهد بعدم القيام بذلك مرة أخرى، لم يعد لوطي. ومرة أخرى، لا يعد جندر الشريك ذا أهمية حاسمة، على الرغم من أن بعض علماء الدين في العصور الوسطى يعتبرون اللواط من نفس الجنس أسوأ أنواع الجرائم الجنسية (راجع Crompton, 2003, ch.6).
على مدى القرون العديدة التالية في أوروبا، كانت القوانين المناهضة للجنس المثلي قاسية في عقوباتها. ومع ذلك، كان التنفيذ عرضيًا. وفي بعض المناطق، تمر عقود دون أي ملاحقات قضائية. ورغم ذلك، شن الهولنديون، في ثلاثينيات القرن الثامن عشر، حملة قاسية ضد اللواط (جنبًا إلى جنب مع مذبحة ضد الغجر)، حتى أنهم استخدموا التعذيب لانتزاع الاعترافات. تم إعدام ما يصل إلى مائة رجل وصبي وحُرموا من الدفن (راجعGreenberg, 1988, 313–4).
أيضًا، درجة قبول اللواط والانجذاب لنفس الجنس تختلف باختلاف الطبقة، حيث اتخذت الطبقة الوسطى وجهة نظر أكثر تقييدًا، في حين أن الأرستقراطية والنبلاء غالبًا ما قبلوا التعبيرات العامة عن الجنس البديل. في بعض الأحيان، حتى مع وجود خطر التعرض لعقوبات شديدة، تزدهر الثقافات الفرعية الموجهة من نفس الجنس في المدن، وأحيانًا يتم قمعها فقط من قبل السلطات. في القرن التاسع عشر كان هناك انخفاض كبير في العقوبات القانونية على اللواط. ألغى قانون نابليون (The Napoleonic code) تجريم اللواط، وانتشر هذا القانون مع فتوحات نابليون. علاوة على ذلك، في العديد من البلدان التي ظل فيها الجنس المثلي جريمة، فإن الحركة العامة في هذا الوقت بعيدًا عن عقوبة الإعدام تعني عادةً إزالة اللواط من قائمة الجرائم التي يُعاقب عليها بالإعدام.
في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، لم يعد الإطار اللاهوتي الصريح يهيمن على الخطاب حول الانجذاب لنفس الجنس. بدلاً من ذلك، أصبحت الحجج والتفسيرات العلمانية شائعة بشكل متزايد. ربما كان المجال العلماني الأكثر أهمية لمناقشة المثلية الجنسية هو الطب، بما في ذلك علم النفس. ارتبط هذا الخطاب، بدوره، باعتبارات تتعلق بالدولة وحاجتها إلى عدد متزايد من السكان، وجنود جيدين، وأسر سليمة تتميز بأدوار جندرية محددة بوضوح. تم استدعاء الأطباء من قبل المحاكم لفحص المتهمين بجرائم الجنس (راجع Foucault، 1980؛ Greenberg،1988 ).
في الوقت نفسه، أدت الزيادة الهائلة في معدلات الالتحاق بالمدارس ومتوسط الوقت الذي يقضيه الطلاب في المدرسة إلى تقليل الاتصال عبر الأجيال، وبالتالي أيضًا تواتر ممارسة الجنس عبر الأجيال. أصبحت العلاقات المثلية بين الأشخاص من نفس العمر تقريبًا هي القاعدة.
من الواضح أن الارتفاع في هيبة الطب نتج جزئيًا عن زيادة قدرة العلم على تفسير الظواهر الطبيعية على أساس السببية الميكانيكية. أدى تطبيق وجهة النظر هذه على البشر إلى تفسيرات للجنس على أنه فطري أو مدفوع بيولوجيًا. إن الإرادية (voluntarism) في القرون الوسطى لفهم اللواط، بأن اللواطيين اختاروا الخطيئة، أفسح المجال للمفهوم الحديث السائد على الرغم من الجدل حول المثلية الجنسية كخاصية عميقة وغير مختارة للأشخاص ، بغض النظر عما إذا كانوا يتصرفون وفقًا لهذا التوجه. لم تكن فكرة (اللوطي الكامن) (latent sodomite) منطقية، ولكن في ظل هذه الرؤية الجديدة، من المنطقي التحدث عن شخص على أنه "مثلي جنسي كامن". بدلاً من أفعال محددة تحدد الشخص، كما في وجهة نظر العصور الوسطى، يُنسب التركيب الجسدي والعقلي بأكمله، الذي يتم تصويره عادةً على أنه معيب أو مرضي إلى حد ما، إلى الفئة الحديثة من "المثليين جنسياً". على الرغم من وجود سلائف تاريخية لهذه الأفكار (على سبيل المثال ، قدم أرسطو (Aristotle) تفسيرًا فسيولوجيًا للمثلية الجنسية السلبية)، إلا أن الطب أعطاها قدرًا أكبر من الظهور العام والمصداقية (راجع Greenberg, 1988, ch.15).
تتقاطع آثار هذه الأفكار بطرق متضاربة. نظرًا لأن المثلية الجنسية، وفقًا لهذا الرأي، لم يتم اختيارها، فمن غير المنطقي تجريمها. الناس لا يختارون الأفعال الشريرة. ومع ذلك، قد يعبر الأشخاص عن مرض او حالة نفسية مرضية، وبالتالي فإن التدخل الطبي من أجل العلاج مناسب. ومن ثم قام الأطباء، وخاصة الأطباء النفسيين، بحملة لإلغاء أو تخفيف العقوبات الجنائية المفروضة على اللواط المثلي بالتراضي، لكنهم تدخلوا (لإعادة تأهيل) (rehabilitate) المثليين جنسياً. كما سعوا إلى تطوير تقنيات لمنع الأطفال من أن يصبحوا مثليين جنسياً، على سبيل المثال من خلال القول بأن العادة السرية في مرحلة الطفولة تسبب المثلية الجنسية، وبالتالي يجب توخي الحذر الشديد ضدها.
في القرن العشرين تم إعادة تعريف الأدوار الجنسية مرة أخرى. لعدة أسباب، أصبح الاتصال الجنسي قبل الزواج أكثر شيوعًا وقبولًا في النهاية. مع تراجع الحظر المفروض على ممارسة الجنس من أجل المتعة حتى خارج نطاق الزواج، أصبح من الصعب الاحتجاج ضد ممارسة الجنس المثلي. كانت هذه الاتجاهات قوية بشكل خاص في الستينيات، وفي هذا السياق انطلقت حركة تحرير المثليين. على الرغم من أن مجموعات حقوق المثليين والمثليات (gay and lesbian) كانت موجودة منذ عقود، إلا أن النهج المنخفض المستوى لجمعية ماتاشين (Mattachine Society) (التي سميت على اسم جمعية سرية في العصور الوسطى) وبنات بيليتس (Daughters of Bilitis) لم يكتسب الكثير من الشعبية.
تغير هذا في الساعات الأولى من صباح يوم 28 يونيو 1969، عندما قام زبائن حانه ستونوول (Stonewall)، وهي حانة للمثليين في قرية غرينتش(Greenwich Village)، بأعمال شغب بعد مداهمة للشرطة.
في أعقاب ذلك الحدث، بدأت مجموعات المثليين والمثليات في التنظيم في جميع أنحاء البلاد.
تم إنشاء النوادي الديمقراطية للمثليين في كل مدينة رئيسية، وكانت نسبة الربع من كل الكليات تضم مجموعات المثليين و المثليات (راجع Shilts, 1993, ch.28).
أصبحت المجتمعات الحضرية الكبيرة للمثليين في المدن من الساحل إلى الساحل هي القاعدة. أزالت الجمعية الأمريكية للطب النفسي المثلية الجنسية من قائمتها الرسمية للاضطرابات العقلية. أصبح الظهور المتزايد للمثليين والمثليات سمة دائمة للحياة الأمريكية على الرغم من النكستين الخطيرتين لوباء الإيدز ورد الفعل العنيف ضد المثليين (راجع Berman, 1993, for a good survey)
شهدت حقبة ما بعد ستونوول (post-Stonewall) أيضًا تغييرات ملحوظة في أوروبا الغربية، حيث أصبح إلغاء قوانين مكافحة اللواط والمساواة القانونية للمثليين والمثليات أمرًا شائعًا. في القرن الحادي والعشرين، انتشر الاعتراف القانوني بزواج المثليين على نطاق واسع.
أدى القبول المتزايد للعلاقات المثلية إلى إثارة نقاشات نظرية جديدة، مثل ما إذا كانت ثقافة (ما بعد مثلي الجنس) (post-gay) ستظهر بسبب الاستيعاب الواسع للمثليين والمثليات (راجع Anderson, 2016). بشكل عام، ما يعنيه مصطلح (ما بعد مثلي الجنس) هو أنه إذا كان لدى أفراد مجتمع الميم (LGBTQ) مساواة قانونية واجتماعية كاملة، فإن هذا المستوى من القبول يجعل التوجه الجنسي لم يعد جانبًا محددًا لهوية الفرد أو وضعه الاجتماعي. في حين أنه من غير المحتمل أن يحقق المثليون أو المثليات أو الأشخاص ذوو البشرة الملونة، أو الذين يعيشون في المناطق الريفية، أو بطريقة أخرى في وضع مهمش، مثل هذا الاستيعاب في المستقبل المنظور، إلا أن النقاش لا يزال ذا أهمية نظرية. على سبيل المثال، يمكن تصور ما بعد مثلي الجنس على أنه إما نظام سياسي محدد، يتميز بالمساواة عبر الميول الجنسية، أو يمكن اعتباره نوعًا محددًا من الهوية، حيث يفهم الأشخاص ويقبلون أنفسهم على أنهم متجهين لنفس الجنس ولكن لا يحددهم ذلك بأي شكل من الأشكال. يمكن أن يكون ما بعد مثلي الجنس أيضًا وقتًا، حقبة تتميز باستيعاب واسع النطاق، أو مساحة، حيث يتم معاملة الأشخاص بشكل كامل على قدم المساواة. يعتبر البعض تنوع المعاني المعطاة للمصطلح دليلاً على الارتباك (راجعKampler and Connell, 2018).
ومع ذلك، فإن الفهم الأفضل هو أن المصطلح يستخدم لغايات متناحرة. بالنسبة للبعض، تمثل علامات ما بعد مثلي الجنس تتويجا لحركة حقوق المثليين، والتي يزعمون أنها كانت طوال الوقت محاولة للتعامل معها على قدم المساواة. بالنسبة للآخرين، فإنه يفتح مساحة حيث يمكن مقاومة العلامات الجنسية وإعادة التفاوض عليها وجعلها سلسة وغير ثنائية ( راجع Coleman-Fountain, 2014).


* النص مترجم عن ( (Fall 2020 Edition)."Brent Pickett , "Homosexuality) بعد اخذ الموافقة الرسمية من المؤلف بنشر الترجمة حصرا للمترجم.



#حسام_جاسم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سماح ادريس ... شجاعة استكمال المسيرة
- سهد التهجير /15
- اكوام من الرماد في قدر الدم
- ردا على غادة السمان
- الاستشراق السياسي و الطبقة المتوسطة و المهمشة / 1 !!! 1
- قيمة الدم و البيوت ؟
- و هل يمتلئ الخيال ؟!!!
- سهد التهجير /14
- سهد التهجير /13
- بغداد ام بيروت ..... الهم واحد
- سهد التهجير /12
- سهد التهجير /11
- سهد التهجير / 10
- سهد التهجير /9
- العنصرية و العقلانية في فلسفة هيغل / 3
- العنصرية و العقلانية في فلسفة هيغل / 2
- العنصرية و العقلانية في فلسفة هيغل / 1
- سهد التهجير /8
- سهد التهجير /7
- سهد التهجير /6


المزيد.....




- احتجاجات أمام سجن محلي في تكساس للإفراج عن طلبة تظاهروا دعما ...
- بالصور..اعتقال عشرات الطلاب في تكساس بسبب مشاركتهم في مظاهرا ...
- تأييدًا لغزة.. طلاب وأساتذة يتظاهرون في جامعة سيدني
- شبح المجاعة لا يغيب.. غزيون يشتكون شح السلع وغلاءها
- الحكم على مغنٍ إيراني بالإعدام على خلفية احتجاجات مهسا
- الإعدام لـ11 شخصا في العراق أدينوا -بجرائم إرهابية-
- تخوف إسرائيلي من صدور أوامر اعتقال بحق نتنياهو وغالانت ورئيس ...
-  البيت الأبيض: بايدن يدعم حرية التعبير في الجامعات الأميركية ...
- احتجاجات أمام مقر إقامة نتنياهو.. وبن غفير يهرب من سخط المطا ...
- الخارجية الروسية: واشنطن ترفض منح تأشيرات دخول لمقر الأمم ال ...


المزيد.....

- الجنسانية والتضامن: مثليات ومثليون دعماً لعمال المناجم / ديارمايد كيليهير
- مجتمع الميم-عين في الأردن: -حبيبي… إحنا شعب ما بيسكُت!- / خالد عبد الهادي
- هوموفوبيا / نبيل نوري لكَزار موحان
- المثلية الجنسية تاريخيا لدى مجموعة من المدنيات الثقافية. / صفوان قسام
- تكنولوجيات المعلومات والاتصالات كحلبة مصارعة: دراسة حالة علم ... / لارا منصور
- المثلية الجنسية بين التاريخ و الديانات الإبراهيمية / أحمد محمود سعيد
- المثلية الجنسية قدر أم اختيار؟ / ياسمين عزيز عزت
- المثلية الجنسية في اتحاد السوفيتي / مازن كم الماز
- المثليون والثورة على السائد / بونوا بريفيل
- المثليّة الجنسيّة عند النساء في الشرق الأوسط: تاريخها وتصوير ... / سمر حبيب


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - حقوق مثليي الجنس - حسام جاسم - المثلية الجنسية في تاريخ الفلسفة