|
|
التربية بين الدعاية والتدريب على التفكير النقدي
الطاهر المعز
الحوار المتمدن-العدد: 7347 - 2022 / 8 / 21 - 16:23
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تُشكّل الولايات المتحدة، بصفتها أعْتى قُوّة امبريالية عالمية، خطرا على البشرية جمعاء على المستوى العسكري، وكذلك على المستوى الإيديولوجي والإعلامي والتعليمي، فقد فرض النظام التعليمي الأمريكي نفسه في أوروبا ثم في جميع القارات، بمساعدة وسائل الإعلام والدعاية، ما يُشكّل خَطَرًا على الديمقراطية وعلى التّنَوُّع الثقافي، خصوصًا منذ حوالي أربعة عُقُود، حيث تجلّت بوادر الانزلاق نحو الاستبداد والفاشية من خلال الخطاب السّائد والسياسات التعليمية القمعية التي تدعم الرقابة الاجتماعية، وسيادة الإيديولوجا الفاشية، خصوصًا تلك التي يدعو لها وينفّذها الجناح الأكثر يمينِيّةً وتطرُّفًا داخل الحزب الجمهوري، الذي حَوَّلَ التعليم إلى أداة دعاية لإنتاج وإضفاء الشرعية على النظريات والممارسات العنصرية الدّاعية إلى إقصاء وتهميش الفُقراء والسّود والسّكّان الأصْلِيِّين وأبناء الكادحين، وأصبحت منظومة التّعليم مُجَرّد ثكنة تُعلِّم الإكراه والامتثال وتُرسِّخُ الأصولية الدينية والسياسية والاقتصادية، ما يُهدّد التعليم والبحث العلمي الذي يتطلب هامشًا واسعا من الحرية، وأصبحت المؤسسات التعليمية، في العديد من الولايات الأمريكية، مختبرات لنَشْر الفكر الفاشي، ولِإعادة إنتاج الأساليب التّربوية القمعية التي كانت سائدة في ألمانيا، خلال ثلاثينيات القرن العشرين، وتَمثّلت مظاهر السياسات التعليمية الرجعية في خَلْقِ شَرْخ بين طاقم التّدْرِيس من جهة والطلاب وأولياء الأمور، من جهة أخرى، من خلال السماح للطلبة بتصوير محاضرات المعلمين دون موافقتهم، مع احتمال العبث بمحتواها لتوريط المُدَرِّسِين، فيما حَظَرَتْ بعض الولايات الكتب التّقدّمية في مؤسسات التعليم وكذلك في المكتبات العمومية، ومطالبة المعلمين بتوقيع قسم الولاء للمُؤسّسة، وإجبارهم على نشر محتوى دُرُوسِهم عبر الشبكة الإلكترونية، وما هذه الممارسات سوى جزء من حرب أكبر ضد التفكير الحُرّ والنقد، بهدف رَدْعِ أي مُحاولة للمقاومة، أو حتى التشكيك في جَدْوى النظام القائم ... إنها مناهج تربوية قمعية تحول المدارس إلى مصانع لإنتاج الدعاية وإلى مؤسسات مراقبة أمنية، ما يُشكّل نمطًا خطيرًا من الإستبداد الذي يُترجَمُ إلى هجوم على حرية التعبير وعلى الحريات الأكاديمية، وصَحِبَ سياسة التعليم القمعية هذه خطاب كراهية عنصري وسياسات قمعية تجاه الشباب السود وأبناء الفُقراء أو المهمشين، قبل توسيع نطاق هذه الهجمات إلى المُدَرِّسِين وأولياء الأمور والشباب والمجموعات التي ترفض وتُقاوم خصخصة التعليم العام، ضمن سياسات خصخصة المرافق الحَيَوِيّة، كما تُشكّل هذه السياسات الرسمية استمرارًا (وإن اختلفت الأشكال) للعنف الهستيري المناهض للشيوعية خلال الحقبة المكارثية في الخمسينيات من القرن الماضي، عندما تم تسريح الآلاف من وظائفهم بسبب الإشتباه في تبنِّهم أفكارًا يسارية، وسُجن العديد منهم، وغادر آخرون الولايات المتحدة نحو أوروبا، كما أن هذا النموذج من السياسة التعليمية الرجعية مستوحى بشكل مباشر من البرامج التعليمية لألمانيا النازية التي حوّلت التعليم إلى آلة دعاية، تَفْرِضُ الطاعة العمياء للقائد، من خلال فرض الرقابة على كتب التاريخ والفلسفة أو كتب علوم التربية التي تحث المُتَعَلِّمين على التفكير والتّمْحِيص والمُناقشة وطرح الأسئلة... انتشرت نظرية "استبدال البيض" ( أي أن البيض مُهدّدون بغزو الأجناس الأخرى لأوروبا وأمريكا الشمالية) في الولايات المتحدة وأوروبا، بالتوازي مع انتشار أفكار اليمين المتطرف، وترويجها من قِبَلِ وسائل الإعلام والهيئات المنتخبة وجهاز الدولة، وتؤيدُ الأحزاب السياسية اليمينية المتطرفة الأمريكية والأوروبية شرعية، بل ضرورة سيادة البيض على أرجاء العالم "لِنَشْر الحضارة والقضاء على الهمجية"، عبر "حُجَج" وتعليلات تذكرنا بتمجيد "العرق الآري" في ألمانيا النازية، وصاحَبَ هذا التوجه الأيديولوجي والسياسي لليمين المتطرف، تبرير الإستعمار في الماضي والحاضر (تبرير احتلال فلسطين، على سبيل الذّكر) وشَرْعَنَةِ استغلال ونهب ثروات شعوب إفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية، ضمن حملة لإدراج تمجيد الإستعمار في كُتُب تعليم التاريخ التي تميّزت منذ القرن التاسع عشر بتزوير تاريخ الأمم والشعوب ... يمكننا الوقوف على عواقب غسيل الأدمغة الذي قام به النظام التعليمي الأمريكي والأوروبي والدعاية الإعلامية في غياب رؤية نقدية للحروب العدوانية التي يَشُنُّها حلف شمال الأطلسي أو الإمبرياليات الأمريكية والأوروبية، وفي تمجيد السياسات الاستعمارية والعنصرية، وحَجْبِ تاريخ السكّان الأصليين بأمريكا، شمالها وجنوبها، وفي الدعم غير المشروط للكيان الصهيوني، وفي الدعاية الكاذبة التي تشوه الحقائق التاريخية، والتي تُشَيْطِنُ أي معارضة للنظام الرأسمالي، خُصوصًا من قِبَلِ حركة التحرر الوطني والشعوب المستعمَرة والمضطَهَدة ... لا تختلف منظمات الإسلام السياسي في انتهاج أُسْلوب الدّعاية الفاشية، فهم (خلافًا لليسار في البلدان ذات الأغلبية المسلمة) يتمتعون بمحلاّت مجانية (المساجد) ليعقدوا بها اجتماعات دورية (خمس مرات في اليوم) لنشر دعايتهم، بالإضافة إلى تجمُّع كبير كل جمعة، وأيام الأعياد الدّينية، فيما يُحْرَمُ التقدميون والشيوعيون في بلدان العرب والمسلمين من مثل هذه الوسائل "القانونية"، ما يفرض علينا كتقدّميين واشتراكيين إيلاء اهتمام خاص بالتربية والتعليم، سواء في البرامج المُستقبلية أو في المُمارسة اليومية، بدءًا بنقد الأيديولوجية السائدة والسياسات التعليمية، كخطوة للتفكير في إنتاج الأدوات التعليمية والأنشطة الترفيهية وألعاب فيديو، وإنشاء مجموعات نقاش وأدوات أخرى لمكافحة الجهل وتعزيز الانفتاح والمعرفة والتفكير النقدي والعقلاني وتعزيز الأفكار والقيم التقدمية المتعلقة بالفرد والمجتمع، ويمكن للمدرسين والطلاب التقدميين المشاركة بنشاط في تطوير التفكير التحليلي والتنويري، في كافة مراحل التعليم، خاصة بالجامعة (وكذلك خارج مؤسسات التعليم)، لتزويد الطلاب بالمعرفة الأساسية والمهارات والقيم والشعور بالمسؤولية الاجتماعية التي تمكنهم من أن يكونوا مواطنين مطلعين وناقدين ومشاركين مع العمال و الكادحين والفُقراء في عملية بناء مجتمع يعزز العدالة الاجتماعية والمساواة. يجب علينا تعزيز الثقافة الجماهيرية (على عكس الثقافة النخبوية)، في إطار برنامج سياسي واقتصادي وثقافي واجتماعي يلبي احتياجات الناس، ونحن (كتقدّميين أو اشتراكيين) لدينا الإمكانيات والقدرات لإنشاء المؤسسات الأهلية (بدون تمويل أجنبي، أو حتى حكومي محلي) التي تحاول خلق شكل من أشكال "الهيمنة الثقافية" (على رأي أنطونيو غرامشي 1891 – 1937) في إطار مع الإجابات على سؤال "في أي نوع من المجتمعات نريد أن نعيش" وفي إطار التفكير في أدوات ووسائل تحقيق أهدافنا..
#الطاهر_المعز (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مساهمة في تبسيط مفاهيم الإقتصاد السياسي
-
تونس- الولايات المتحدة، علاقات هيمنة
-
تونس غداة الإستفتاء
-
استثمار الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي في حرب أوكرانيا
-
أمريكا- جرائم بلا عقاب
-
العلاقة بين ارتفاع الأسعار وأرباح الأثرياء
-
من تُراثنا - أساتا شاكور، كاتبة ومناضلة أُمَمِيّة
-
رحيل -بيل راسل-، البطل الرياضي والمناضل سياسي
-
أزمة الغذاء سابقة لحرب أوكرانيا
-
عرض كتاب أجنبي
-
ما القواسم المشتركة بين سريلانكا وتونس ومصر؟ على هامش الدّست
...
-
من أهداف زيارة بايدن للخليج
-
تونس السابقة وسريلانكا اللاّحقة
-
السياحة، انعكاس العلاقات غير المتكافئة
-
كوبا - رغم الحصار
-
الجزائر - على هامش الذّكرى الستين للإستقلال
-
خمسة عُقود على اغتيال غسّان كنفاني
-
في ذكرى السّتّين لاستقلال الجزائر
-
قَطَر، مُنْتِجَة الرّوائح الكريهة
-
السّعودية- مُبرّرات مُقاطعة الحج والعُمرة
المزيد.....
-
-اتركوا السودانيين يقررون مصيرهم-.. مقتدى الصدر يهاجم -التدخ
...
-
وثائق مسربة تكشف تعاون فنزويلا مع الصين وروسيا ضد الولايات ا
...
-
المشاهير يتألقون بإطلالات تنكرية في حفل -الهالوين- السنوي ال
...
-
أطباء بلاد حدود تحذر من استمرار القتل الجماعي والفظائع في ال
...
-
غزة على حافة التجربة.. دروس الإدارة الأجنبية من كوسوفو إلى ا
...
-
الحرب مستمرة في الأذهان.. بتزايد محاولات انتحار الجنود الإسر
...
-
هل زيادة الوزن في منتصف العمر قدر محتوم؟
-
إعصار ميليسا يتبدد مخلفا 50 قتيلا وأضرارا فادحة بالكاريبي
-
بالأرقام.. -الفرانشايز- ينهض ويعيد الحياة إلى بيروت
-
تعرف على كنز المتحف المصري الكبير.. وسبب غياب -توت عنخ آمون-
...
المزيد.....
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان
...
/ غيفارا معو
-
حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش
/ د. خالد زغريت
-
التاريخ يكتبنا بسبابته
/ د. خالد زغريت
-
التاريخ يكتبنا بسبابته
/ د. خالد زغريت
-
جسد الطوائف
/ رانية مرجية
-
الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025
/ كمال الموسوي
-
الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة
/ د. خالد زغريت
-
المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد
/ علي عبد الواحد محمد
-
شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية
/ علي الخطيب
المزيد.....
|