أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - ورثة الملك وخبيئة الباشا














المزيد.....

ورثة الملك وخبيئة الباشا


عبد المجيد إسماعيل الشهاوي

الحوار المتمدن-العدد: 7346 - 2022 / 8 / 20 - 18:17
المحور: المجتمع المدني
    


ربما كان الباشا يطمع في إمبراطورية حديثة على الطريقة البريطانية والفرنسية والروسية آنذاك، من أنقاض خلافة عثمانية رجعية اشتهرت في ذلك الزمان بنعت ’رجل أوروبا المريض‘. كان يحلم بمصر أقوى وأكبر وأرحب من حدودها الطبيعية المرسومة، قائدة ومهيبة في محيطها الإقليمي والعالمي، ولو كان الثمن تشييع جثمان ’الرجل المريض‘ إلى مثواه الأخير!

انتهى الحلم بكابوس ربما أفقد الرجل رشده، ورجعت مصر أدراجها جريحة ومنكسرة إلى دارها- حدودها الطبيعية. ما كانت بريطانيا وفرنسا وروسيا تقبل بتأسيس امبراطورية شابة وحديثة فوق أنقاض أخرى طريحة الفراش والكل واقف ملتف حولها، متلهف لأخذ نصيبه من تقسيم التركة.

بطريقة أو بأخرى، ضَيَّعَ الباشا حلمه الإمبراطوري مرة واحدة وإلى الأبد ولم يتبقى له سوى حكم مصر كمملكة وراثية له ولأبنائه من بعده. ضاعت الإمبراطورية، لكن بقيت المملكة! وانقضت حقبة الباشا نفسه، ثم توالت حقب أبنائه.

في المحصلة، أدركت مصر بعد طول الزمن أن الباشا وإن أخفق في إنشاء إمبراطورية حديثة، إلا أنه نجح في وضع الأساس لدولة مصرية قادرة على محاكاة وتوطين المؤسسات الحديثة الفاعلة في الدول المتقدمة. وبفضل ذلك، حققت مصر نقلة حضارية عملاقة، من عصر شديد القدم والتخلف والبلادة والكسل إلى آخر متفجر بالجهد والطاقة والعمل والحيوية والتقدم. في الواقع، لم تصبح مصر عاصمة الإقليم سياسيًا وعسكريًا كما كان يحلم لها الباشا لكنها- نتيجة جهود الباشا الفاشلة ذاتها- وجدت نفسها منارة الإقليم كله وبوصلته ومركز ثقله ومحط أنظاره وفخره وكبريائه- عاصمة القلب والعقل والجمال.

بسحرها ودلالها، لا جبروتها وبطشها، وجدت مملكة الباشا نفسها ملكة القلب المتوجة على العالم بأسره وليس الإقليم فحسب. حتى الإمبراطوريتان الأعظم- بريطانيا وفرنسا- تزاحمتا لخطب ودها وطلب يدها. نزل فيها واستعمرها المغامرون والمستثمرون والباحثون عن الثراء والحلم والشهرة والمتعة من كل مكان. خلية تغلي بالطاقة والحيوية والنشاط المسعور على الصعد كافة، وفي اتجاهات متناقضة. ربما هناك خبيئة ما أخفاها الباشا في بر مصره التي أعاد بنائها على أنقاض دولة المماليك جعلت العالم أجمع يهرول إليها بحثًا ورائها؟!

مرة أخرى، يعجز المكان عن استيعاب وتصريف كل هذه الطاقة والحيوية والنشاط المتضارب، لينفجر في حريق ضخم التهم القاهرة- إحدى أنشط مدن العالم وأكثرها حيوية وفاعلية في ذلك الزمان. وقعت القاهرة ضحية لحيويتها وأنوثتها وفتنتها الزائدة عن الحد- وربما لخبيئة الباشا. وكان الحريق نذيرًا بأفول عصر وولادة جديدة!

ورث رجال يوليو مملكة الباشا، وغيروا اسمها إلى ’جمهورية‘. في الحقيقة، هم غيروا الكثير من مصر وليس الاسم فقط، لدرجة نقلتها من عصر لآخر مختلف كليًا، تمامًا كما نقلها الباشا من المملوكي إلى الحديث. ومع توالي رجال يوليو الواحد تلو الآخر، أخذت مصر تتغير شيئًا فشيئًا لينتهي بها الحال على طرف النقيض مما كانت عليه في زمن الباشا وأبنائه.

أطفأ رجال يوليو نيران الحرائق، وفرضوا الأمن والنظام، واستأصلوا شأفة الفوضى التي عمت القاهرة في ذلك الوقت. لكن مع الفوضى، ذهب أيضًا الابداع والجمال والفكر والنشاط والحيوية على جميع الصعد.

تحولت مصر من مكان جاذب للأشخاص والأموال من كل أنحاء العالم إلى مكان طارد- حتى لأبنائها أنفسهم. وبعدما كانت مصر تشتكي من ازدحام وتنافس الأجانب والأغراب عليها، أصبحت تتسولهم- وهم يتمنعون. أصبحت مصر دولة مستقلة، ذات سيادة، تملك جيشًا قويًا وحكومة ضخمة، تتمتع بالأمن والاستقرار. رغم ذلك لا يجد فيها العالم ما يغريه للمجيء إليها- ولو مؤقتًا- لغرض السياحة أو الاستثمار أو أي شيء آخر. ماذا فقدت مصر في عصر رجال يوليو وجعلها تنتكس إلى ما كانت عليه في عصر المماليك- بلد مهجور ليس فيه ما يثير لعاب أحد في العالم؟! هل خسرت مصر خبيئة الباشا حقًا؟!



#عبد_المجيد_إسماعيل_الشهاوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مَكْؤُونات مصطنعة
- الأزمة السورية: خطة تركيا الكبرى
- معضلة فلاديمير بوتين الفكرية.
- معضلة فلاديمير بوتين الفكرية
- كيسنجر مقابل سوروس بشأن روسيا وأوكرانيا
- الغرب منقسم حيال مآل الحرب في أوكرانيا
- بوتين يحكم روسيا كمصحة نفسية
- لعبة الشياطين والملائكة
- يهوه-إله بني إسرائيل
- ثورة ذوات المحركات
- تفجير الثقافة العربية الإسلامية من الداخل
- بداية الإصلاح الديني في إنجلترا-2
- بداية الإصلاح الديني في إنجلترا-1
- بداية الإصلاح الديني في إنجلترا
- ولاد الحرام
- التحول من الفلسفة إلى الدين: مقتل هيباتيا
- كائنات جبارة من صنع البشر
- الكائن المفكر الأوحد
- مع إبليس- الوجود الإدراكي التطوري
- لقاء مع إبليس- المساواة في الوجود


المزيد.....




- مؤسسة خيرية بريطانية تحذر من خطر ترحيل أطفال اللاجئين إلى رو ...
- حجم الدمار في غزة أكبر من أوكرانيا وفق الأمم المتحدة
- ما العواقب التي قد تترتب على صدور مذكرة اعتقال دولية بحق نتن ...
- منظمات إنسانية دولية والأمم المتحدة تحذر من عواقب اجتياح رفح ...
- منظمة الهجرة تعلل سبب مغادرة اللاجئين السوريين للبنان بوتيرة ...
- الجيش الإسرائيلي يحول عددا من مدارس غزة إلى مراكز اعتقال وتع ...
- هكذا تعتمد إسرائيل على المقاتلين الأجانب في ارتكاب جرائم حرب ...
- إعدام -قاتل البحيرة- في مصر..كيف يرى القانون جرائم رد الفعل؟ ...
- الأونروا تتحدث عن -شاحنات تنقل جثثا من إسرائيل إلى غزة-
- مسؤول بالأمم المتحدة: هجوم رفح يلوح -في الأفق القريب- 


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - ورثة الملك وخبيئة الباشا