أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد أبو قمر - السبهلله (20|)














المزيد.....

السبهلله (20|)


محمد أبو قمر

الحوار المتمدن-العدد: 7285 - 2022 / 6 / 20 - 07:33
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


المفارقة المستحيلة هي أن من اتخذ قرار حرب اكتوبر العظيمة وتحمل وحده مسئولية نتائجها في موقف بطولي وتاريخي هو نفسه من اتخذ قرار الانقلاب علي الشعب ووضعه أمام مصير مظلم ليس له فيه اختيار.
كان الرجل جريئا وشجاعا وفارسا وهو يتخذ أشرف قرار في التاريخ المصري لتحرير الأرض واسترداد كرامة أمة كاملة ، لكنه هو نفسه من وضع بنفسه كل شروط الهزيمة الحضارية التي ألمت بالشعب الذي أحبه ووثق فيه ومنحه التفويض الكامل ليصنع السلام وحمله علي الأكتاف حين ناصبه العالم العربي كله العداء.
في عام 1967 كنّا قد تلقينا هزيمة قاسية ، 80% من معدات وأسلحة جيشنا تم تدميرها ، ومن كل بيت كان شهيد لا يعرف أهله هل تم دفنه أم مازالت جثته في العراء تنهشها الكلاب ، عشرات الآلاف من الشباب المصري راحوا ، واحتل العدو سيناء بالكامل ووقف علي حافة قناة السويس التي تعطلت فيها الملاحة ، كان الأمر أشبه بأننا كشعب قد تلقينا طعنة نافذة في كرامته.
كان الشعب حزينا ومجروحا ولديه إحساس جارف بالمهانة ، لكنه لم يفقد عقله ، لم يستطع العدو النيل من وعيه ، كان العدو قد تمكن من الاستيلاء علي جزء من أرضه ، لكنه لم يتمكن من المساس بإرادته ، وفي الوقت الذي كان العالم كله بمراقبيه وساساته ومحلليه ينتظرون انهيار هذا الشعب وانقسامه وانقلابه علي نفسه وتمزق وحدته ، في الوقت الذي انتظر العالم كله شيوع الفوضي في ربوع مصر وسقوط هذا الوطن بحيث لا تقوم له قائمه بعد هذه الهزيمة ، في هذا الوقت كان كل بيت أُستشهد فيه جندي يقدم جندي آخر ويوصيه بأن ينتقم لوطنه المجروح ولأخيه الذي أستشهد وألا يعود من الجبهة إلا بعد استعادة الأرض التي تمثل العرض والشرف لكل مصري ومصرية.
كان الفرق هائلا بين أن تنكسر في معركة حربية وأنت مازلت تملك إرادتك ووعيك وقدرتك العقلية التي تمكنك من استيعاب ما حدث لك ثم ترد الصاع صاعين ، وبين أن تتعرض لهجمة دينية يستخدم الأوباش المهاجمون فيها سلاح الخرافة وأكثر ما في التراث الاسلامي من خطاب بائد ميت فتتحطم إرادتك ويغيب عقلك ويذوب وعيك فلا تعود قادرا حتي علي فهم ما حدث لك .
بعد الانكسار في يونيو لم يكن الذين توقعوا نهاية الوجود المصري لم يكونوا يعرفون ما الذي يدور بين المصريين في ذلك الوقت ، كانت موارد مصر تكاد تكون معدومة ، ومع الحزن والانكسار كنّا نحصل علي رغيف الخبز بالكاد لكن أحدا منّا لم يكن يشكو أو يتذمر ، كنت طفلا حينذاك ، ورأيت في حارتنا عم جورج بائع الحبوب وهو يعطي لأم محمود بائعة الخضار في الحارة بعض الأرغفة وهو يقول لها : دول زيادة عن حاجة عيالي لفيهم في حتة قماش لغاية ما ينزل ابنك سالم أجازه من وحدته ، وكانت أمي ترتق أفرول الجيش لأخي لأنه تمزق في التدريبات وهي تقول له : ما تطلبش منهم أفرول تاني سيبهم يشترولك بتمنه رصاص للبندقية .
لم يكن أبي يتعامل مع عم سمعان الحلاق علي أنه رجل مسيحي ، ولم تكن عائلة عم رمزي تتعامل معنا علي أننا عائلة مسلمة ، أنا نفسي لم أكن أعرف معني أن يكون الشخص مسلما أو مسيحيا ، كنّا في الأعياد نتبادل الكحك والحلوي ، كان عيد القيامة في حارتنا مثل عيد الفطر ، وكان عيد الميلاد مثل عيد الأضحي ، وفي أمسيات شهر رمضان كانت عوائل الحارة كلها تتجمع لنسمع حكايات أحمد وميخائيل وابراهيم ومحمود عن عمليات عبورهم للقناة ليلا وعودتهم بأسير أو أسيرين من جنود العدو.
في صباح يوم 20 سبتمبر 1969 دخلت حارتنا عربة عسكرية محملة بالجنود ، ومن بين زحام أهل الحارة الذين تجمعوا حول العربة شاهدت الجنود وهم يحملون تابوتين كل منهما ملفوف بالعلم المصري ، وسمعت الضابط وهو يقول لأبي أن محمود ابن بائعة الخضار وميخائيل ابن عم جورج قد استشهدا في إحدي العمليات علي الضفة الشرقية للقناة ، لكنني لم أستطع معرفة أي التابوتين يحمل محمود وايهما يحمل ميخائيل .
تسلم أهل حارتنا التابوتين في صمت ، وأطلق الجنود النار عدة مرات متتالية في الهواء ، ثم أدي الضابط التحية العسكرية لأهل حارتنا ، وكانت العربة تزمجر وهي تنطلق خارجة من الحارة.
يتبع



#محمد_أبو_قمر (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السبهلله (19)
- السبهلله (18)
- السبهلله (17)
- السبهلله (16)
- السبهلله (15)
- السبهلله (14)
- السبهلله (13)
- السبهلله (12)
- السبهلله (11)
- السبهلله (10)
- السبهلله (9)
- السبهلله (8)
- السبهلله (7)
- السبهلله (6)
- السبهلله (5)
- السبهلله (4)
- السبهلله (3)
- السبهلله (2)
- السبهلله ( 1 )
- عمي جورج


المزيد.....




- تشيرنوبل جديدة.. هل يمكن أن تؤدي الضربات الإسرائيلية على إير ...
- خلال بث مباشر.. فيديو يظهر ما يبدو أنها غارة إسرائيلية على ا ...
- مسؤول أمريكي لـCNN: حاملة الطائرات -نيميتز- تتحرك إلى الشرق ...
- إعلام: مسؤولو القناتين 12 و14 الإسرائيليتين يصدرون تعليمات ل ...
- معجزة الكونكيستا أو كيف استطاع زهاء 10 آلاف مقاتل استعمار أم ...
- مشاهد جوية توثق أضرارا جسيمة في تل أبيب بعد الضربة الإيرانية ...
- بعد فيديو الاعتداء على بائع -المحاجب- في الجزائر.. الدرك الو ...
- القبض على خلية للموساد ومطاردة لعناصره في إيران
- مواطنون يوثقون معركة الصواريخ الإسرائيلية والإيرانية في سماء ...
- لحظة ضرب مبنى التلفزيون الإيراني


المزيد.....

- كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف / اكرم طربوش
- كذبة الناسخ والمنسوخ / اكرم طربوش
- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد أبو قمر - السبهلله (20|)