أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هدى توفيق - عن رواية - رقصة الحرية -















المزيد.....


عن رواية - رقصة الحرية -


هدى توفيق

الحوار المتمدن-العدد: 7284 - 2022 / 6 / 19 - 07:38
المحور: الادب والفن
    


س1: من صعيد مصر نبدأ وتحديدًا من محافظة بني سويف، حيث النشأة والبدايات الأولى للإنطلاق في عالم الإبداع، ماذا يمثل المكان في حياة الأديبة هدى توفيق ؟
ج: في الحقيقة يمثل المكان بالنسبة لي شئ هام جدًا سواء في حياتي الواقعية أو الأدبية، رغم أني تركت مدينة بني سويف منذ فترة زمنية، وعشت في محافظة القاهرة أولا، ثم محافظة الجيزة، لكن كل ما عشته وتعودت عليه جاء معي في كل مكان أنتقل إليه داخل المحافظة الكبرى القاهرة، ولا زال محفور في ذاكرتي وسلوكياتي وتصرفاتي إلى حد كبير، وكأن البيئة أحاطتني بنسيج لا ينفصل عني مهما ذهبت إلى مكان آخر، هذا على مستوى الحياة الشخصية، أما على مستوى الإبداع هي جسدت لي الكثير من الطرح الإبداعي سواء قصصيًا أو روائيًا، حتى أن الرواية الأخيرة رقصة الحرية بطلها الأساسي هو البحث عن جذور المكان داخل جغرافيا وتاريخ الريف المصري؛ فبلدتي هجين من الصعايدة والفلاحين بين التنقلات على طول طريق الوجه القبلي من بدايته إلى الصعيد الجواني.
س2: مارست وما زلت الصحافة الأدبية من خلال إدارة تحرير كتابات جديدة في (الهيئة العامة للكتاب)، والكتابة في عدد من الصحف والمجلات المصرية والعربية المتخصصة منها، وغير المتخصصة، بعد تلك التجارب كيف ترين حاضر ومستقبل الصحافة الأدبية ؟
ج: فعلا أنا أحب عالم الصحافة كثيرًا، وكان من أحلامي الكبيرة أن أعمل صحفية ، لكن الظروف لم تسمح لي بذلك، وتفتت حلمي فجاة الذي ظللت لسنوات أتمنى تحقيقه، فقررت أن أدخلها من خلال الإبداع والمقالات كل على حد سواء، واجتهدت في عمل ذلك لفترة طويلة منذ أن كنت في الجامعة، وكنت أضطر لفعل ذلك عن طريق الرسائل الورقية القديمة، أو بالسفر إلى القاهرة لتسليم المواد الأدبية ، وانتظار الرد والنشر من عدمه، فلم تكن تتوفر لدينا كل هذه التقنيات الحديثة المذهلة الآن التي بها نستطيع أن نصل لأقصى البقاع دون جهد أو مشقة السفر، وعناء ضبط المواعيد ووو.. الأمور أصبحت إلى حد كبير ميسرة، وكل ما مطلوب منك الآن التفكير مليًا فيما تكتبه وتريد نشره، وهذا هوالهدف من أجل طموح أكبر، عن مما كنا نعانيه في الزمن السابق من أجل توصيل إبداعنا. هذه التجارب في الصحافة أفادتني وأمتعتني جدًا، واكتشفت بعد ذلك أن عملي في الصحافة الذي كان حلم مهم في حياتي الماضية، لا شئ أمام مشروع الإبداع الذي يحتاج لجهد ثقافي ومعرفي ضخم من أجل التركيز والاستمرار، فهو المشروع الأهم والأعظم ، بينما الصحافة جزء منه ، وعندما اقتحمت عالمها بمجهودي ازدات خبرتي في ممارسة الكتابة ، من أجل الهدف الأروع وهو الإبداع. أما كيف أرى حاضر ومستقبل الصحافة الأدبية ؟ في الحقيقة رغم العناء الشديد الذي كنا نعيشه في الزمن الماضي من أجل النشر، لكن بصراحة رغم المشقة والتعب. كانت الأمور أكثر سلامة، وأكثر مصداقية عن الوقت الحاضر. كان يوجد قدر عال من التروي والشفافية من أجل تفحص وتبين المواهب جيدًا بين المراجعة الأدبية والذائقة وحتى الإملائية ، عن الوقت الحاضر بسبب انتشار المواقع وأشكال عديدة من عوالم التواصل الاجتماعي ، التي أفرزت أصوات هشة وضعيفة ؛ وهذا لأن ليس خلفها قدوة و نموذج ووعي وثقافة حقيقية ، و ليس ثقافة الاستهلاك التي تستمد منابعها فقط من الصورة والقراءة السريعة ، أنا أتذكر مثلًا أننا كنا نجلس بالشهور لنقرأ مرجعيات الرواد بدأب ومثابرة ؛ من أجل أن نتعرف على الثقافة بمختلف أنواعها ما يسمى الآن بالأدب الثقيل ، بينما في الوقت الحاضر يختلط بالواقع السريع والمتطلع للقفز سريعاً دون إجادة الشروط الضرورية للكتابة ، مما أنتج أشكال أدبية على قدر كبير من التشويه إلى حد ما، لكن أيضا يوجد الموهوب والكاتب الحقيقي المخلص ؛ لأن هناك أهم معيار وهو الزمن الذي يُسجل عزيمة واصرار الفنان على الاستمرار والعطاء بقوة، ولن يستمر أو يبقى غير الصوت الحقيقي ، رغم كل هذه الفرقعات . وأرى أن مستقبل الصحافة الورقية : أصبح أصعب مما كان ؛ لأن الصحافة الإلكترونية والرقمية والمدونات ووسائل التواصل الاجتماعي تخطت الجميع ، والنشر بات متاح بكل سهولة. لكن المنافسة أصبحت شديدة وقوية لمن سيحرز النجاح الكبير ، وأن يصبح الأجود والأبقى . أظن أن الصحافة الآن في معترك شديد يحتاج لجهد ومتابعة وتميز. ليس من السهل الحصول عليه في الوقت الحالي أمام هذه المتغيرات الحديثة.
س3: الرواية عالم مواز والروائي الحقيقي هو ذلك القادر على خلق هذا العالم واختزاله بين دفتي كتاب.... لكن في الآونه الأخيرة بدأ الكثيرون .. والشباب تحديدًا إلى الاتجاه لكتابة الرواية باعتبارها اللون الأدبي الأسهل ، رأيك في هذه الظاهرة وأسبابها ؟
ج: الرواية عالم واسع من الأحداث والتفاصيل والتكوين السردي الذي يطرح كل إشكاليات الوجود، كالقماش الحرير الذي ينزلق وينسج عليه ما نريد من حيل فنية وموهبة وثقافة من قدرة المبدع، بمختلف الهويات والثقافات والطقوس والأجواء التاريخية والجغرافية والاقتصادية والفنية بما يعني الكثير والكثير .. إننا في النهاية ممكن أن نطلق عليه أنه واقعنا وخيالنا وطموحنا أن نجعل من المنسي والمهمش والعادي والمالوف لتحفة إبداعية ثرية بالفن والواقع والتداخل بصدق فني بين ضفاف الحكايات، والخيال والسرد الإبداعي ، ربما هذا منتهى طموح الكاتب والفنان ، وعاشق الكتابة. وهذا ما أوحى للكثير من الشباب الآن بسهولة الكتابة ، فربما الحكي تيمة سهلة بالنسبة لهم ولهن ماذا في ذلك ! لكن في الواقع تظهر المعضلة الحقيقية أن : كيف يتم هذا ؟ وعن ماذا سوف نحكي ؟ و لما نريد أن نكتب ؟! هذا هو بؤرة التفكير الذي يحتاج لتأمل وتفكير بعمق ، وهذا من وجهة تظري يحتاج لسنوات، وليس كما ينهج هؤلاء الكتاب الشباب، وبالتاكيد ما يعزز هذا التأهيل هو حجم التطور المذهل لعوالم الاتصال والتواصل مع جميع البشر في أقصى بقاع الدنيا، وظهور العديد من الجوائز التي تقدم استحقاق مادي ومعنوي يستحق المجازفة. ربما حرض الشباب بدخول المغامرة. فهم يرون ويعتقدون أنها ليست بالتجربة الصعبة المستعصية على دخول سباق الكتابة. فيقل لنفسه ماذا في هذا ؟ سأكتب وربما أفوز ! لكن الحقيقة غير ذلك تمامًا فكتابة رواية شئ صعب للغاية، ويحتاج إلى تفاعلات كثيرة بجانب الموهبة والمخيلة ، والتجربة الحياتية ، والثقافة الواسعة والشاملة.
س4: بعد كتابة القصة والرواية تخللها عدد من القراءات الإبداعية الأدبية والفكرية للكثير من الكتاب .. كيف ترين إشكالية التغير السريع في أشكال الكتابة الأدبية ، ومحاولات النقاد الحثيثة للحاق بتلك التغيرات .. أو بمعنى آخر .. هل لدينا نموذج نقدي عربي خالص يستطيع تطوير أدواته للتعامل مع القضايا الأدبية ومنها على سبيل المثال : قضية تداخل الأجناس الأدبية ؟
ج: في الحقيقة إشكالية التغير الواضح في أشكال الكتابة الأدبية بوجه عام تبدو طفرة للمتابع ومتذوق الأدب، وإن كنا هنا بالتحديد نقصد تداخل الأجناس الأدبية بمعنى أننا نقرأ داخل العمل القصصي أو الروائي الآن : المقال ، الأشعار، الرسومات ، الاقتباسات ، أو كتابة نثرية ،أو حتى بالعامية . يعني أي شكل ينتسب لأي سرد ويخدمه على المستوى الفني القصصي والروائي كل سواء، وقد قرأت هذا بالفعل في نماذج تثبت تلك الحقائق كمدلول واضح على تداخل الأجناس الأدبية ، وهذا أصبح موجود بقوة في الثقافة العربية بالأكمل والأشمل دون الثقافة المصرية فقط . وأقصد بشكل خاص الإبداع في مختلف الأشكال الأدبية تحت توجه مصطلح التجريب والحداثة. إذا أحببنا أن نطلق عليه تسمية. هذا بالنسبة للإجابة عن توضيح مدى تغير وتطور الأشكال الأدبية بوجه عام . وإن كان هذا الحديث مجرد إشارة دون الخوض في التفاصيل ؛ التي تستعرض وتقدم قدر كبير من الدهشة أمام ما بدأت تقدمه الثقافة العربية ، وتداخل الثقافات ، وتنوعها مما أثرى المشهد الإبداعي ، ولغة البحث عن الثمين والمغاير. إنها رحلة طويلة وليست بالسهلة، ليس كما كان يحدث في الماضي عن متابعة حركة الرواد والكتاب الكبار. لقد طرح عالم التطور المذهل للتكنولوجيا والاتصالات وتحول العالم إلى القرية الذكية، التي تقفز كل دقيقة وليس كل يوم بنا إلى الأمام والمستقبل، ومهام أصعب ، وعلينا أن ندخل الدائرة حتى لا يُطلق علينا الأحياء الأموات ، بمعنى أن نحيا دون علم ، دون ثقافة رقمية ، دون تجدد وتطور مستمر، وإلا ستموت دون أن تدرك ذلك ، وأنت على قيد الحياة. بعد أن خرجت من ناموس الدائرة التي تدور بكل ضراوة، فعليك أن تضع هدفك نصب رأسك، لتلاحظ وتلتقط كل جديد وتغيير، حتى لا يفوتك القطار والوقت، فلم يعد هناك من وقت للتلهي أو التخلف عن الركب أي الحاضر والمستقبل، حتى لا تخرج من الدائرة وتعيش ميتًا.
أما بالنسبة للإجابة على الشق الثاني من السؤال. هل لدينا نموذج نقدي عربي خالص يستطيع تطوير أدواته للتعامل مع القضايا الأدبية ؟ ومنها على سبيل المثال قضية تداخل الأجناس ، والقصة الومضة ، والرواية التفاعلية التي بدأت تظهر. وتعني ببساطة أن يقوم عدد من المبدعين بعمل روائي أو قصصي معاً ؟! كما ذكرت من قبل ؟! حسب متابعتي على قدر استطاعتي للحركة النقدية في مصر وخارجها ، بالتاكيد نقرأ رؤى نقدية ومقالات ودراسات نقدية متعددة عن هذه التجارب الأدبية بمختلف أشكالها، لكنها تبدو قليلة وضعيفة أمام هذا الهدير من المواد الإبداعية المقدمة، والكثيرة خاصة بين الشباب الجديد الذي اندفع إلى الفن السردي وخاصة الرواية، لما تجلبه من شهرة وجوائز وترجمة ؛ وخاصة الجوائز التي فتحت شهية الجميع دون تمعن أو تدقيق وتفحص جيد للتجربة الإبداعية السردية، بدون أن يجد هذا الشاب النموذج والقدوة التي تقف بجانبه ؛ لتخبره بتأويلات هذا الطرح سواء جيد أو غير. كما نوهت من قبل .
من وجهة نظري ليس هذا المهم أن الكتابة جيدة من عدمه، بل المهم أن تُنير له الطريق فالنقد يفتح مسام العمل الإبداعي كمشرط الجراح ليخرجه إلى النور والتبصر. أنا أرى رغم وجوده إلا أنه مشروع هش وليس منظم ، ومرتبط أكثره بالشللية والمحسوبيات، دون أمانة أدبية كبيرة ، رغم أن الجميع في أمس الحاجة إليها ، وخاصة في قضية تداخل الأجناس والطرح المختلف.
س5: مع انتشار الصالونات الأدبية والمنتديات التي يقوم عليها الكثير من غير المؤهلين للتقييم ، واكتشاف المواهب الجديدة ، والمجموعات المسماه (أدبية) على مواقع التواصل الاجتماعي .... ماذا تقولين عن تلك الظاهرة خاصة بعد سيطرة الكثير من الأصوات الباهتة "أدبيا" إن جاز التعبير على المشهد في مصر .. وما دور الدولة ممثلة في وزارة الثقافة وقطاعاتها، وعدم قدرتها على جذب قطاعات عريضة من الشباب المبدعين ؟
ج: في الحقيقة لو عدنا إلى الوراء لعقود زمنية سابقة حيث انتشرت هذه الظاهرة المفيدة على يد الرواد والكتاب الكبار، وكانت من أهم المآثر التي حفلت بها فترة الأربعينيات والخمسينيات والستينيات من هذا القرن ، التي كان يقودها الرواد العظماء ، وأخرجت العديد من الأدباء ، وأدت إلى ازدهار وتنافس ومعارك صحية ؛ لإستخراج أفضل ما في حقيبة الإبداع والفكر الإنساني مما أدى لخلق مناخ واسع ومختلف ومتعدد من الأصوات الأدبية ، واستمرت ، وإن كان تمركزها اشتهر في محافظة القاهرة ؛ من خلال اكتشاف مبدعين من شتى أنحاء الجمهورية. لكن ما يحدث الآن في هذه الصالونات لا أحبذه لكل من هب ودب، وهذا ليس للتقليل من شأنهم معاذ الله. لكن ليس هناك أقوال صادقة وطبعا أنا أقصد هنا الرؤية النقدية الصادقة والتحري، إنما أشبه بصالونات تعبرعن مجرد أقاويل ، وتواصل غير أمين في النقد ، وأنا لا أقصد النقد بمعنى التجريح.. أبدًا، إنما النقد الهادف، من غير ظهور المصالح والحسابات واالنفاق الاجتماعي والأدبي ، دون نظرة موضوعية لمن يقود هذه الحلقة والآخرين ، وصراحة لا أعرف بالضبط كيف تدار الأمور ؟ وقد خلقت ظواهرغير مفيدة على مستوى الإبداع والحركة الأدبية. ليس من المهم أن نجد العدد الكثير من المبدعين ، بل الأجدر أن نلتقط الموهوب والمجتهد. وهذا لا ينفي اطلاقًا وجود مواهب عديدة ،ولا أنكر أن هناك ظواهر فردية على قدر عال من الموهبة والرغبة في الاجتهاد والنمو والتطور.أظن أن الإبداع كالجنين بالضبط يحتاج للرعاية والنظرة الثاقبة والإهتمام حتى يبقى ويستمر ويتطور.
أما عن دور الدولة الممثلة في وزارة الثقافة وقطاعاتها في جذب المبدعين : صراحة لا أجد لها دور فعال تقدمه لهؤلاء الشباب وغير الشياب، وما زالت نفس السياسة والدوائر الحكومية لها نفس الطابع البيروقراطي الركيك بين موظفين تكنوقراط يديرون الأمور بمحسوبية ودائرة الديار، وشيلني وأشيلك لأسماء محددة دون تنوع أو امتزاج القديم بالجديد، وهذا لا يعني نفي دورالوجود القديم ، لكن لا بد أن يحدث تفاعل وامتزاج ونقاش دومًا بين الطرفين، وتقبل المخالف والمختلف بموضوعية وتفتح .
س6: سؤال قديم وتقليدي لكن مع الأديبة هدى توفيق ، فالأمر مختلف ما أقرب أعمالك إلى قلبك ؟ وما أكثرها حظًا في الاحتفاء من جانب النقاد والمتخصصون من جهة والقارئ العادي من جهة أخرى، وهل جاء الاحتفاء متفقا مع رؤيتك كذائقة أدبية لأعمالك ؟
ج: دائما لا تفوتنا الذكريات الحاسمة مهما كتبنا، وهناك بالفعل عمل قريب إلى قلبي لما أحاطته من ظروف قبل نشره وبعد نشره، وهي رواية ( بيوت بيضاء ). أولا لأني استغرقت وقتًا طويلاً بل لسنوات حتى أكتب الرواية من كثرة خوفي من الفشل، وكتبت قبلها رواية كاملة ، لكن لم أنشرها ولن أعود إليها كي أنشرها. بعدما تطورت أدوات الكتابة لدي كما أظن ، واختلفت رؤيتي عن الإبداع الآن . نحن نقرأ ونكتب كثيرًا أو قل هذا من وجهة نظري، وكلما تمرسنا في الفعل الثقافي تعلو نبرة النقد الذاتي ، واستكشاف إحساس النقص والزيادة والخلل وتختلف القراءة الأولى عن الثانية عن الثالثة وهكذا، أنا حتى بعد نشر العمل أجد به عيوب من وجهة نظري. لأخر رمق يظل النقد والتبرم مما كتبت وعما نُشر. هكذا المبدع دائما في حالة قلق وصراع وخوف والمعنى لا يكتمل أبدًا، ولن يكتمل حتى نظل نكتب، ونلوم أنفسنا مثل الدائرة المفتوحة من الهواجس لا تقف ؛ لأنها لو وقفت لن نبدع ، ولن نفكر مائة مرة حتى يكتمل معنى ما نريد توصيله ، وهذا الشعور بعدم الرضا هو شعور جيد. لكن أضيف عليه الآن دون الخوف الكامل، ليكن خوف لكن خوف طيب وجرئ يدفعك إلى عجلة الكتابة ، وأنت تهتف لنفسك : سأكتب جيدًا . لن أفشل . لن يهزمني شئ لن لن... كما حدث معي قبل كتابة رواية بيوت بيضاء، لم يكن خوفًا بل رعبًا أشبه بالفوبيا من عدم القدرة ، وأيضا رواية بيوت بيضاء نالت استحسان النقاد ، وأصدرت منها ثلاث طبعات. مما يجعلني أعتبرها أكثر حظًا صراحة على كل المستويات، ووضعتني في مأذق فني. كيف اتخطاها بعمل آخر أكثر قوة ومصداقية فنية وإبداعية ؟
أما بالنسبة لبقية السؤال هل جاء هذا الاحتفاء مقنعًا لي أم لا لذائقتي الأدبية ؟!
الكاتب /ة دائمًا يسعى إلى طرح عمله ويسعد ويستفيد من التحليلات الخطابية والتأويلية النقدية ، والقرائية الانطباعية ، لا شك أن أي تأويل يقدم للفنان يعتبر وسيلة للنقد الفعال والمهم للغاية ؛ لإبداع أفضل بتنوير الطريق أمامه ، ومعرفة الأخطاء والمسالب التي لم يلتفت إليها الكاتب /ة، أثناء الكتابة وصولاً إلى النشر، وقد انتهى الأمر وأصبح العمل السردي ليس ملكًا للكاتب /ة. وتعتبر تلك المقترحات التفاعلية بين القارئ والناقد عن العمل الإبداعي من أهم ضرورات نضج العمل الفني بوجه عام .
س7: حديثنا عن رواية رقصة الحرية ، وكيف ترقص الحرية داخل النص السردي ؟
ج: رواية رقصة الحرية إلى حد ما تُجسد نموذج مصغر لرواية الأجيال. إذا كان لي أن أدعي ذلك ، وإن كنت أعتقد أنه ليس بالمفهوم الكلاسيكي القديم لما اعتدنا معرفته عن روايات الأجيال أو رواية النهر ، كما قرأتها للرواد وكتابنا الكبار، الذين تعلمنا منهم الكثير ، هي وإن جاز القول : أعتبرها مجرد نوافذ تطل على الفترة الممتدة من عام 1970م / إلى ثورة 25يناير /2011م . تقريبا . وسط بيئة جغرافية تنتمي إلى الوجه القبلي ، أي في الصعيد ، ووسط عالم الفلاحين.
تستعرض لنا تاريخ وثقافة هذا المكان بالتحديد وسط المتغيرات السياسية ، والاقتصادية والاجتماعية، التي كانت موجودة في مصر في ذاك الوقت ، وتم هذا داخل الهيكلة الروائية بقدر كبير من وجهة نظري، وليس بالكامل ؛ فأنت تعلم أن الرواية الممتدة العلاقات والمتشابكة المحاور تحتاج إلى إلمام كبير ، وألا يسقط أي رابط وشخصية في سهو النسيان. إنها عملية شاقة في الحقيقة من عدة الجوانب : (سياسية، واقتصادية، واجتماعية، وثقافية ،وفنية). وعليك أن يتم كل هذا في خلطة فنية سردية شيقة، ومثيرة للقراءة، فأنا لا أكتب بحث أو دراسة بحثية ، وكما أدرك أيضًا أن الفن كما أراه من وجهة نظري مزحة ضخمة، ربما تنجح أو لا رغم اجتهادنا وعملنا الشاق ؛ فالفن لعبة كبيرة نخوضها بكل الخوف من الفشل ، وبكل المشقة من انهاء العمل بشكل لائق ، والفنان يعيش الحالة بين النجاح والفشل ، ولا يعلم بالضبط ما الأسباب المنطقية لأية حالة منهما ؟ لأنه في النهاية إبداع يحتمل كل التأويلات. أما كيف ترقص الحرية ؟! بالمناسبة ذكرني هذا التساؤل عن تعليق جاءني من أكثر من أحد سعدت بقراءته للرواية ، وأوقر لهم كل الاحترام مهما اختلفنا. أن اسم الرواية كلاسيكي وقديم، و كان يحتاج لتفكير أعمق في استبداله. بصراحة في البدء كان اسمها ( أشباح التيوليب ) وصولاً إلى المطبعة، وقبل المراجعة الأخيرة قررت فجأة أن أغير اسمها إلى رقصة الحرية، وكنت أدرك أنه مباشر وكلاسيكي ، وكل ما سيقال وقيل فعلا من الأصدقاء الذين قرأوا. وقلت داخل نفسي : ليس كل ما يكتب غير مباشر مستحب والعكس وهذا طبعا من وجهة نظري فقط ، أنا أرى أحيانا أن المباشرة هي ما نحتاجة في هذا العمل بالذات، وهذا هو العنوان المناسب فقط .هذا ما أردت قوله لاغير.
س8: ختامًا حديثنا عن مشاريعك الإبداعية القادمة ؟
ج: هو الاستعداد لإصدار مجموعة قصصية بعنوان ( بارقات قصصية ) ، وهي مختلفة عن السابق من المجموعات القصصية التي نشرتها، لأنها قصص قصيرة، ولكن ليست قصص طويلة أو قصيرة جدًا أو ما يُسمى الومضة القصصية. هي بين القص الطويل والقصير، فالقصة في الأغلب تأخذ صفحة أو صفحتان على الأكثر، وإن كانت تحمل نفس مغزى القصة القصيرة جدًا أو الومضة القصصية، بالتقاط لقطات مؤثرة بسيطة سواء من الواقع الحياتي و المخيلة، أتمنى أن تصدر في معرض القاهرة للكتاب القادم.
انظر المصدر : رواية (رقصة الحرية )،عن دار نشر يسطرون للطباعة والنشر ـ مصر ـ الجيزة ـ ط1 : 2019م
15/ 8/ 2019م



#هدى_توفيق (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التحليل النفسي في العمل الإبداعي
- مداخلة حول العام الثقافي في مصر عام 2021م
- الثقافة عن بعد
- رؤى ثقافية عن الإبداع
- مشكلة المثقف في مصر
- فقط لأسمع حبيبة بابا
- كتاب ( اقتحام الخلوة ) ـ إعداد ـ هدى توفيق
- حوار عن المجموعة القصصية - حذاء سيلفانا -
- عن الكتابة أتحدث!
- عن رواية المريض العربي
- النشر الإلكتروني
- عن فن القصة القصيرة
- استطلاع رأي
- ذكريات العيد ..
- عن قراءات الصيف
- ذكريات عن الحرب
- ذكريات عن شهر رمضان
- ناصية القراءة - هاجر-
- ناصية القراءة - وطن بكف المنفى -
- مونتي وثقافة الفساد في مصر


المزيد.....




- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هدى توفيق - عن رواية - رقصة الحرية -