القصة وكتابة الشخصية التي تتفوق عليك ولا تشبهك. هوامش وأفكار

جاكلين سلام
كاتبة صحفية، شاعرة، مترجمة سورية-كندية
(Jacqueline Salam)

الحوار المتمدن-العدد: 7258 - 2022 / 5 / 24 - 01:06
المحور: الادب والفن
    

هوامش حول شخصيات القصة والرواية:
1
حين نقرأ قصة مشوقة ينشأ بيننا وبين الكلمات رفقة ودية أو عدوانية، قد تصل إلى الكراهية وقد تصل إلى الشغف. وحين نكتب نقع أسرى بعض الشخصيات التي تملي علينا ما لا نحب من صفات وأفعال. هذه العلاقة المتواترة بين الكتابة والشخصيات والقراء تخضع لعامل الزمن
والإيمان والمعتقدات ومعايير قيمية مختلفة قد تلهينا عن الغاية من الكتاب والتي هي بنظري، المتعة والمعرفة والإطلاع على واقع مختلف، يقربنا أو يبعدنا من طريقة عيشنا، أو ينفرنا منها. الكتاب أيضا وسيلة للهروب من المكان والزمان الفيزيقي الذي قد يكون عسيراً أو مملاً.
والكتاب الذي لا يخلق تلك الحالات الشعورية، يكون ميتاً رغم ولادته في كتاب أو منشور على موقع الكتروني.
الكتابة والقراءة فعل يقوم به فقط الإنسان، دونا عن كائنات الطبيعة الأخرى لذلك يعتبر خلقا من نوع خاص.
الكتابة فن يتوازى مع قصص الخلق الأولى والأساطير، إذ كانت الحكاية وما تزال هي الوثيقة والدليل على وجودنا في هذا الكون، وأثرنا الذي قد يبقى أو يضمحل.
*
2
في القصة القصيرة، نختلق عراكاً بين شخصيات القصة لأن القارئ يحب ان ينغمس في حالة تبعده عن بيته وذاته قليلاً.
القصة المسطحة دون معارك روحية ونفسية وجسدية، تصبح مملة.
أما في الحياة العادية، فما أن يبدأ العراك بين اثنين او جماعات حتى يبدأ فصل الفراق. وتكون الأحداث غير مترابطة وتفتقر إلى المنطق.
في القصة يجب ان نتفنن في اقناع القارىء للبقاء معنا حتى آخر السطر.
الكاتب، يجب أن يعيد الأشخاص الذين افترقوا الى ساحة العراك، التي هي مخيلته. أو يدعوهم للحرب وللمصالحة، يخطط لهم موتهم وحياتهم، ثم يرسلهم إلى مصيرهم لينام بسلام.
وأحيانا، يرسلهم الى عالم اخر، الجنة، أو السجن ، أو إلى كندا، أو سيبيريا ويتركهم لمصيرهم المعلق بعيداً عن خيالاته.
*
3
سعيد وناجح في مهنته من يستطيع ان يكتب شخصية في قصة تصبح عبرة، وقدوة حسنة، أو رمزا للبغض والجشع( مثال شخصية "سكروج" في كتاب شارلز ديكنز.
الكتابة حضور وإقناع ودينانيكية بين المتلقي والمرسل.
كتب مارك توين، الكاتب الأمريكي الساخر ما معناه: لا تقل لي أن هذه المرأة حزينة وتصرخ، بل أحضرها هنا وأجعلها تصرخ أمامي.
التفاصيل مهمة أكثر من الصفات.
*
4
قصصي القصيرة طويلة على أي حال وسوف تذهب إلى الناشر بعد عراك وشد وجذب لم ينته حتى اللحظة. أحاول أن أستمع إلى شخوصها وأترك لهم مساحة من الحرية تتجاوز مقدرتي على كبحهم وقتلهم.
حين تترك مساحة من الحرية لشخصياتك الوهمية المتخيلة، قد تصل إلى ما هو أبعد من ذاتك وحقيقتك التي لا تهم القارئ على أي حال. أو ربما تهم القارئ الفضولي الذي يحاول أن يعرف أين يكم التقاطع بين الكتابة والكاتبة.
والقراءة أيضا مساحة حرة ولكل كاتب أن يجرب طريقته في التعبير إلى أن يصل إلى شيئ، أو قد لا يستطيع الوصول بل ويفشل في كل سطر من الكتاب.

أجمل ما في قراءة القصص والروايات أنني أستطيع أن أضعها جانبا إذا كانت مملة، ولا أخبر أحدا، إلا إذا أردت اختلاق ضجيج ومعركة صحفية على صفحات سوشيال ميديا لمجرد لفت الانتباه والتنكيل بأحد ما لا أرتاح لشخصه و لقلمه.
وبناء عليه، هناك مساحة وحشية غير مأهولة وغير معرفة تماما حين نأتي على أبجديات القراءة والكتابة. أو لأنها مساحة حرة وليست معادلة علمية ولها أطراف ثابتة ومقادير محددة.
ثانيا: هذه المساحات التي نألفها اليوم في الكتاب، قد تكون غريبة وغير محببة عند جيل آخر، يعيش الظرف والواقع خاصته بقناعات ووسائل مختلفة تماما عن عيشنا الحالي.
*
5
الكتابة الحرة التي لا يقتلها الرقيب الديني والديكتاتور، هي المساحة الدالة على مستقبل فيه مساحات النور أوسع، وعتبات الأمل أعلى.
أي أمل؟
الأمل في أن نرتقي درجات في سلم الإنسانية والعلوم الاجتماعية، لكي نعيش في محيط سلمي يتقبل الاختلاف ويرى في الكتابة أطروحة جمالية حتى وإن اختلف مع كاتبها.
القارئ يقول في ذاته: ولكن هذه القصص لا تشبه الكاتب؟ أو هذه القصص هي سيرة خقيقية للكاتب.... ويبقى الشك، ويبقى السر سراً.
جاكلين سلام، كندا
مايو 2022

#جاكلين_سلام (هاشتاغ)       Jacqueline_Salam#          

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل