أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد الخميسي - تــمــوت الـــقــضــايــا مــن غــيــر الــفــن














المزيد.....

تــمــوت الـــقــضــايــا مــن غــيــر الــفــن


أحمد الخميسي

الحوار المتمدن-العدد: 7242 - 2022 / 5 / 8 - 11:39
المحور: الادب والفن
    


منذ أكثر من عشرة أعوام لم تمتد يدي لفتح التلفزيون في بيتي. اكتفيت بالإذاعة. لكن مع الكحك وهيصة العيد في بيت أخواتي كان التلفزيون شغالا يعرض الفيلم القديم الممتع " الحموات الفاتنات" انتاج عام 1953، وتذكرت أن هناك فيلما آخر ظهر في نفس الاتجاه لاحقا عام 1959 هو " حماتي ملاك" بطولة اسماعيل يس وماري منيب. تناول الفيلمان شخصية " الحماة " بعد انقضاء نحو ألفي عام على طرح هذه القضية عام 140 قبل الميلاد على يد الكاتب الروماني " ترينتوس" في مسرحية له باسم " الحماة". بطبيعة الحال فإن التطور الاجتماعي قد تجاوز تلك القضية بعد أن انفكت قبضة الأسرة عن حياة أبنائها ولم يعد للوالدين ذلك التأثير، لكن السبب الرئيسي في اختفاء تلك القضية وغيرها أنها لم تجد تجسيدا في الفن، وعلى سبيل المثال فإن عددا من مسرحيات شكسبير التي تناول فيها الصراع على العرش مازالت حية رغم انقضاء زمن العروش، وهكذا نجد أن القضية قد اختفت في الواقع ومع ذلك ظلت حية، لأن الفن أقدم على تجسيدها ببراعة واقتدار. في مصر كانت هناك طائفة من أصحاب الحنطور وصناع تلك المركبة وكانت هناك ورشة لتلك الصناعة عام 1850، وظل الحنظور منتشرا حتى عام 1905 عندما بلغ عدد السيارات في مصر مئة وعشرة وراحت تنتشر إلى أن اختفى أصحاب الحنطور، وكان اختفاؤهم مأساة انسانية. تجاوز التطور قضية أولئك البشر والحنطور، وكان من الممكن أن تظل صورهم وشخصياتهم وآلامهم لو أن كاتبا أو فنانا كبيرا جسد شيئا من أولئك البشر في أعمال فنيه، لكن ذلك لم يحدث ومن ثم ماتت القضية من غير الفن. لم يرصد أحد لنا مأساة المغني الشعبي وقد نفاه بعيدا التطور ودخول الراديو، سوى نجيب محفوظ في مشهد عابر في مطلع روايته " زقاق المدق " حين يضع المعلم " كرشة " الراديو – وكان اختراعا حديثا – في المقهى ويطرد المغني الشعبي صاحب الربابة. كان ذلك المشهد تسجيلا لمأساة عدد كبير من الرواة الشعبيين الفنانين، أزاحهم التطور إلى الخلف، لكنهم اختفوا ليس بفعل التطور فحسب، بل لأن أحدا لم يجسد شخصياتهم، ولم يكتبها، ولم يعيد خلق مآسيهم، فاختفت القضية من غير الفن. وكان من الممكن أن تختفي قضية سطوة الرجل العائلية مع التطور لولا شخصية " سي السيد " التي خلقها نجيب محفوظ في " الثلاثية "، وبالفن عاشت القضية، وظل السؤال يتردد. الواضح أن كثيرا من القضايا تذبل وتموت إذا لم يوليها الفن اهتمامه، ولم يمر عليها بلمسته السحرية التي تطيل في أعمارها، وتمد في حياتها. وحده الفن يمنح القضية حياة أخرى، وإذا لم يوليها اهتمامه اختفت تحت عجلات التطور الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، ولكي تظل القضية، أي قضية، حية، لابد أن تتجسد في " شخصية " نحس أنفاسها ونقاسمها آمالها وأحزانها، لذلك نحن نقف بانبهار أمام التماثيل الفرعونية، لكن يطل في داخلنا السؤال : " من أنتم؟ "، لأن فن الكلمة لم يقدم لنا شخصية حية من قدماء المصريين، نشعر بعذابها وطموحها ، وبقوتها وضعفها. يبقى الفن الاختراع الأعظم ضد النسيان، والاختراع الأعظم الذي يقف في مجرى الزمن، يلتقط لحظاته، ثم يرفعها عاليا عبر العصور.

د. أحمد الخميسي. قاص وكاتب صحفي مصري



#أحمد_الخميسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الــبــشــر .. أجــمــل هــدايـــا الــعــيــد
- المترجم السوفيتي العجوز يكشف أسرار الزعماء
- جدتي الطيبة .. أجاثا كريستي
- عـبـد الـحـلــيــم حــافــظ .. حــكــأيــة مــصــريــــة
- الكاهن أرسانيوس .. مساء الخميس 7 أبريل
- الـعـنـصـريــة بــيــن الــمــعــرفــة والـــتــكـــويــ،ن
- روسيا أوكرانيا .. حرب صغيرة أم كبيرة ؟
- المفكر التنويري
- ريـــان والــمــغــرب .. الــطـفــولــة تــخــطــف الــقــلـ ...
- أمل جديد في غرف قديمة
- شـبـح الـحـرب بــيــن روســيــا وأكــرانــيــا
- محمود السعدني .. الساخر الحزين
- طه حسين .. صور متجددة
- زهور الإسفلت قصة قصيرة
- نوبل بين محفوظ وأيتماتوف
- اللغة والحب هذه الأيام
- نساء من العطر والبارود
- الديانة بين البطاقة والعلاقة
- الخيال والحرية والفلسطينيون الستة
- المرأة والأغاني والحب


المزيد.....




- قيامة عثمان الحلقة 160 مترجمة باللغة العربية وتردد قناة الصع ...
- قمصان بلمسة مغربية تنزيلا لاتفاق بين شركة المانية ووزارة الث ...
- “ألحقوا اجهزوا” جدول امتحانات الثانوية العامة 2024 للشعبتين ...
- الأبعاد التاريخية والتحولات الجيوستراتيجية.. كتاب -القضية ال ...
- مهرجان كان السينمائي: آراء متباينة حول فيلم كوبولا الجديد وم ...
- قال إن وجودها أمر صحي ومهم الناقد محمد عبيدو يعدد فوائد مهرج ...
- ركلها وأسقطها أرضًا وجرها.. شاهد مغني الراب شون كومز يعتدي ج ...
- مهرجان كان: الكشف عن قائمة الـ101 الأكثر تأثيرا في صناعة الس ...
- مسلسل طائر الرفراف الحلقة 70 مترجمة باللغة العربية بجودة HD ...
- السحر والإغراء..أجمل الأزياء في مهرجان كان السينمائي


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد الخميسي - تــمــوت الـــقــضــايــا مــن غــيــر الــفــن