أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - تشويهُ حائطٍ … بكلماتٍ عظيمة!














المزيد.....

تشويهُ حائطٍ … بكلماتٍ عظيمة!


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 7221 - 2022 / 4 / 17 - 11:26
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    



كان بحرُ الإسكندرية شاهدًا على استشهاد رجل مسالم يقول: "أحبّوا أعداءَكم، باركوا لاَعنِيكم، أحسِنوا إلى مُبغضيكم، وصلُّوا لأَجْلِ الذين يُسيئون إليكم ويطردونكم.” كان الأبُ الكاهنُ "أرسانيوس وديد" جالسًا على ضفاف البحر مع تلاميذه يعلّمهم درسَ المحبة. وكان البحرُ يُنصت معهم. ولما انفضَّ الجمعُ وذهب التلاميذُ كلٌّ في طريق، تاركين أباهم الروحي جالسًا إلى البحر يُناجيه وحيدًا، جاء مأفونٌ متطرفٌ مريضُ القلب وذبح القسَّ المسالمَ! وفي التحقيقات ادّعى المجرمُ الجنونَ والخللَ العقلي! لكن النيابة العامة أثبتت كذبَه وأكدت سلامة قواه العقلية التي دبّرت ونفذت جريمة القتل العمد. لجأ الإرهابيُّ المجرمُ إلى التبرير "المحفوظ المُعلَّب" الذي تعفن من طول حفظه في علبته الصدئة: “القاتلُ مختلٌّ عقليًّا!” لكنه أغفل أن العقل الجمعي فضلا عن جلال القانون والسادة المحققين العدول، لم يعودوا يعتمدون تلك الحُجّة المستهلكة البلهاء. لأن أي طفلٍ سوف يتساءل: “كيف للمختلّ عقلا أن يميّز المسيحيًّ ليستهدفه دون غيره؟!” وكيف للمختلّ أن يشتري سكينًا ويُحسنَ إخفاءها عن العيون حتى يتمكن من طريدته فيُجهِزَ عليها، ثم يحاولُ الفرار؟! الجريمةُ، أيةُ جريمة فضلا عن أبشع الجرائم وهي القتل مع سبق الإصرار والترصّد، تتطلّب عقلا يقظًا ودُربةً حركية وتوافق بصري عضلي، لا يمتلكها مختلٌّ عقليّ.” رحم اللهُ الشهيدَ الأب "أرسانيوس وديد” وننتظرُ القصاصَ من قاتله.
على واجهة عمارة قديمة في حي عريق، قرأتُ العبارةُ التالية: (لا أعرف خطيئة أعظم من اضطهاد بريء باسم الله.) واضح أن كاتبَ العبارة رفيعُ الثقافة، ليس فقط بسبب الفلسفة العميقة في الجدارية، بل كذلك في انعدام الأخطاء اللغوية فيها. فلم يخلط الكاتبُ بين همزات الوصل وهمزات القطع كما يفعل كثيرون من الناطقين بالعربية، ولم يضعِ الهمزةَ في كلمة "بريء" على الياء كما يفعل كثيرون خطأً، ولا وضع همزة تحت حرف الألف في كلمتي "باسم، اضطهاد" كما يخطئُ كثيرون. ولم ينسَ النقطتين فوق التاء المربوطة في "خطيئة" ولا تحت الياء في "بريء". حتى الشدّة على اللام الوسطى في لفظة الجلالة كتبها رغم استخدامه فرشاة غليظة للكتابة المتعجلة على حائط، كما يفعل الثوارُ حين يرسمون الجداريات على واجهات العمارات في الشوارع والميادين. نادرًا ما تصادفني عبارةٌ عابرة كتبها شخصٌ بخط عشوائي بهذا الانضباط اللغوي الجميل. صادفتني الصورةُ فنشرتُها على صفحتي مع هذا التعليق: (تشويه حائط … بكلمات عظيمة!!! الحائطُ يُغسل ويُرمَّم ويُعاد طلاؤه، لكن الروحَ إن تشوّهت ماتت، ولا يُجدي معها ترميم أو طلاء.) تلطّخ الحائطُ بالطلاء، لكنه تحول من جدار صامت إلى صوتٍ يصرخ في البرية.
ليتني أعثر على كاتب العبارة لأقفَ على التجربة الصعبة التي ألهمته هذه الكلمات التي لخّصت مأساة الجنس البشري منذ بدء الخليقة وحتى تستنيرَ الإنسانيةُ بأسرها ونخرج من كهف ظلم الإنسان للإنسان باسم الدين، والتحدث نيابة عن الله حاشاه، من أجل التكبّر والتجبّر على الناس. لا شكَّ أن كاتب الجدارية قد مرّ بمحنة هائلة جعلته يخطُّ وجعَه على جدار بيت صادفه في طريق الألم.
صدقتِ العبارةُ وصدق قائلُها. ليس من خطيئة أبشع من اضطهاد إنسان وظلمه. وتصير البشاعةُ في منتهاها حين تُمارس باسم الله الرحمن الرحيم، حاشاه وتعالى علّوًا كبيرًا، هو المنزّه عن الظلم. يقول اللهُ تعالى في حديثه القُدسي: “يا عبادي إنّي حرمتُ الظلمَ على نفسي وجعلتُه بينكم محرمًا فلا تظالموا. يا عبادي، كلكم ضالٌّ إلا من هديته، فاستهدوني أُهدِكم. يا عبادي كلكم جائعٌ إلا من أطعمته، فاستطعموني أطعمكم. يا عبادي كلكم عارٍ إلا من كسوته، فاستكسوني أكسكم. يا عبادي، إنكم تخطئون بالليل والنهار، وأنا أغفرُ الذنوبَ جميعا، فاستغفروني أغفر لكم. يا عبادي، إنكم لن تبلغوا ضُرّي فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني. يا عبادي، لو أن أولَّكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم؛ ما زاد ذلك في مُلكي شيئا. يا عبادي لو أن أولَّكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد؛ ما نقُص ذلك من مُلكي شيئا. يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيتُ كلَّ إنسانٍ مسألتَه؛ ما نقُص ذلك مما عندي إلا كما ينقُصُ المخيط إذا أدخل البحر. يا عبادي إنما هي أعمالُكم أُحصيها لكم ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيرًا فليحمد الله. ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه.” صدق الُله العظيم.
اللهم ندعوكَ أن نرتقيَ ونعلوَ ونتحضّرَ، ونحبَّ بعضُنا بعضًا. “الدينُ لله والوطن لجميع أبناء الوطن.”

***



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإفطارُ الرمضاني على المائدة الإنجيلية
- الأُسطى إسلام … عظمةُ امرأة مصرية
- رمضان كريم … والهدرُ غيرُ كريم
- رمضان كريم … في بلادي الجميلة
- الرئيس السيسي: المرأةُ المصرية … مفتاحُ حياة
- في حضرة الطيبات والطيبين ... المنسيين!
- ما هديتُك في عيد الأم؟
- الستّ نعيمة … مبسوطة جديدة ...تحسبُهم أغنياءَ!
- الشيخ طنطاوي … البابا شنودة … ذكرى طيبة
- ماعت المصرية … على منصّة القضاء
- جائزة صموئيل حبيب … سمفونية العطاء
- خرافةٌ اسمُها: قبولُ الآخر!
- معجزاتُ أجدادي
- نسورٌ كثيرةٌ … وفريسة!
- محمود أمين العالم… أمي خائفةٌ منك!
- أكاذيبُ زجاج الشرفة
- هابي فالنتين
- ياسر رزق … وسنوات الخماسين
- إصبعُك والثعبان … أصحاب ولا أعز
- العالمُ المخبَأ في ورقةٍ صفراءَ صغيرة


المزيد.....




- حرس الثورة الإسلامية يعتقل 5 جواسيس للموساد في لرستان
- آية الله مكارم شيرازي: الشعب الايراني يقف خلف سماحة قائد الث ...
- الدلالات الرمزية والدينية لتسميات العمليات العسكرية الإسرائي ...
- في انتظار نهاية العالم.. السيرة الدينية لسفير أميركا في إسرا ...
- أحلى قناة لطفلك.. تردد قناة طيور الجنة الجديد على النايل سات ...
- معارك -آخر الزمان-: كيف تؤثر العقائد الدينية في المواجهة بين ...
- سياسي يهودي من حزب مانديلا: بريطانيا مسؤولة عن فوضى الشرق ال ...
- ماما جابت بيبي.. استقبال تردد قناة طيور الجنة بيبي على نايل ...
- الاحتلال يواصل إغلاق المسجد الأقصى وكنيسة القيامة لليوم السا ...
- سياسي يهودي من حزب مانديلا: شعب إيران لا يستحق الهجوم عليه م ...


المزيد.....

- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - تشويهُ حائطٍ … بكلماتٍ عظيمة!