أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عباس علي العلي - الدين خيار بشري فطري ح1















المزيد.....

الدين خيار بشري فطري ح1


عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 7209 - 2022 / 4 / 3 - 22:37
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


ولد الإنسان عاقلا متحسسا لوجوده وشروط الوجود متسلحا بمجموعة من القواعد الفطرية والغريزية التي ستقوده نحو عالم المعرفة والوجود من خلال ملاحظة التجربة وتكرارها وتثبيت النتائج على أنها محصلته التي ستتراكم لتكون صورة أولية قد تنجح في الإجابة على تساؤلاته المتطورة والمستحدثة مع تقادم الزمن , كيف ولماذا وإلى أين ومتى , هذه المجموعة من التساؤلات الكونية هي التي تبلورت مشروع فكري قاده إلى البحث عن إجابات من التجربة ومن التأمل والحدس حتى نضجت لديه فكرة أولية شبه متيقن منها أن وجوده مرتبط بعوالم خارج الإدراك الحسي وأحيانا ساهم الوعي الذاتي لديه بأن ينسب الأشياء لمسميات فائقة البعد والتغييب ليقنع نفسه ويعذرها من التقصير في البحث عن كل الأسئلة التي تتوالى عليه كلما تأمل وجوده وهذا الكون الواسع .
في الشق الأول لماذا لإنسان ولد عاقلا متحسسا للوجود وقد أثبت العلم أن السلالات القديمة مما يعتبر سلف الإنسان العالي لم تكن عاقة بالمعنى الذي يجعلها ناطقة معرفية ذات وعي متطور قادر أن يقودها لابتكار الحرف والنغمة الصوتية التي تماثل الحرف المكتوب في الدالة وتعبر عنه ,الحقيقة أن كل السلالات التي سبقت الإنسان الحاضر برغم التشابه الجيني بينها وبين سلالات من حيوانات أقل رقيا في التطور وقياسا مع الإنسان تكاد تكون الصلة الجينية لا تشير قطعا ويقينا إلى إنحدار هذا الكائن الناطق المتعقل الحساس بتلك السلالات لا المتطورة ولا المتحولة لحقيقة جدا بسيطة أن تأريخ هذا الكائن العاقل الإنسان على وجه الكرة الأرضية في أحسن الأحوال لا يتجاوز الأربعين ألف سنة إن لم يكن أقل من ذلك بكثير , ومع هذه الفترة الزمنية القصيرة جدا أنتج ما لم يستطيع مجموع تلك السلالات جميعا بخمسين مليون سنه أو أكثر أو أقل من أنتاج جزء بسيط منه أوليات ما أنتجه هذا الكائن من النار للعجلة للمسكن للكتابة للقانون للنار للعلاقات الأسرية المنظمة .
أدرك الإنسان المسمى بني آدم أنه من أحد أطراف ثلاثية محكومة بالترابط والتشارك ولا يمكن الفصل فيما بينها أو عزل أحد أطرافها لا بناء على افتراض ولا حتى بناء على برهان جاد , العلاقة الثلاثية تجمعه مع الوجود الحولي وما يثيره من أسئلة وملاحظات وحاجات وتغيرات وحتى قوانين , وبالتالي لكي يربط وجوده هذا مع الوجود الكلي لا بد من فكرة أو رؤية تبرر وتفسر وتعلل وتجيب على كل شيء , بدأ جادا في بناءها من تجربته وما أثرت عليه قيم الوجود وقوانين الحضور والغياب والمعرفة والجهل أن أبتكر صيغة ما من شبكة من التصورات وأمن بها وخضع لها ولمنطقها وحاول أن ينشر هذه الرؤية متمسكا بتجربته ومستمتعا بانجازه فدان لها , فصار الدين الذي أبتكره جوابا وتعليلا وتفسيرا وحضورا إيمانا هو الركن الثالث من هذه الحقيقة التي كلما أراد أن يتجاوزها وجد نفسه مشدودا لشيء ما يذكره أن الوجود منظومة قوانين مرتبطة بقواعد منها ما هو محسوس ومنها ما هو ليس بالإمكان تفسيره أو تعليله لأنه لم يتوصل بعد لا بالبرهان ولا بالفرض المتسق مع منطق الوجود إلى حل .
هل قاد الإنسان وجوده العام والخاص لاكتشاف الدين أم أن العقل هو من أستدل على مفاهيم العقيدة والارتباط بعوالم خفية وغيبية صارت مع قوانين الوجود جسم الدين وشكله الخارجي ليعطي إيمانه بهذا الوجود المتبلور فكريا وحسيا روح التدين ,الحقيقة قد يكون كلاهما مسئول عن حدوث ما جرى ,وقد يكون وجود ظاهرة الغيب والخفاء والتكيف التكويني للإنسان ذاته علاقة ما , ولكن من المؤكد أستحالة حدوث وبلورة فكرة الدين بعيدا عن العقل في النمذجة والتسويق فضلا عن الإيمان والتصور ,لولا وجود العقل المفكر المحلل الذي تعود على التفسير بعد السؤال والتعليل والفرز والخزن والاستحضار في كل مرة لم يكن هناك لا معرفة ولا وجود لنتاج علمي أو حتى ما يسمى بالتراتيب الدنية التي صنعها بوجوده العقلي .
لا ينكر أحد من دارسي علم اجتماع الإنسان ولا الباحثين في المعرفة العامة ولا من مختص علم الديان أن ارتباط الإنسان بالدين هو قديم قدم وجوده على الكوكب الأرضي , كما أن لا أحد منهم يستطيع أن يبرر كيف أكتشف الإنسان ضرورة الدين أو الإحساس به على وجه اليقين الذي لا يرتقي له شك , الديني والذي يؤمن بأن الله الخالق البعيد المتخفي وراء الغيب العظيم هو من أوجد الدين وقبل ذلك زرعه في ذات الإنسان الأولى (بذرة التكوين ) وبالتالي فالدين جزء فطري وأصيل من وجود الإنسان ككائن مكيف ومبرمج على الإيمان به , لذلك من الصعب عليه أن يتصور عالما بلا أديان أو وجودا خارج مفاهيم الدين ,العقلي وأصحاب المدرسة المنطقية التجريبية يعزون ويفسرون ذلك على أن نشاط العقل في حالة تصادم مع الواقع يجنح أحيانا لإقناع ذاته بوجود قوى خفية غيبية تحرك الوجود من بعد غير محدود ولا يمكن قياسه أو تصوره , ومن شدة خشيته منها واتقاء لما يمكن أن تسببه من تأثيرات سلبية على الإنسان قادته للإيمان بالغيب وقواه التي عبر عنها بفكرة الدين .
الفلاسفة وبعض الماديين وإن لم ينكر الوجه الأخر من حقيقة الوجود لكنه لا يربطه بالمحتم كعلاقة مع الدين بل يعود في كل مرة إلى أن العقل في تعامله مع أشياء يصعب عليه تفسيرها وتبريرها أو حتى تبرير وجودها ينسبها في كل مرة إلى عجزه هو في أن يفك أسرار أكبر من قدرته على اكتشافها , فينسبها لقوى عاقلة متحكمة ولكنها تفعل كل ذلك من خلال فكرة دفع الإنسان لأن يخضع ذاتيا للمجهول كحقيقة موجودة ولكنها غير محددة بأنتظار أن يمنحه الزمن المقدرة العلمية والوقت المناسب لاكتشاف حقيقة هذه القوى وكيفية عملها وتأثيرها على الإنسان .
كثيرون حاولوا الفصل بين الوجود الملموس والغيب ومنهم من حاول أن ينكر وجود الغيب أصلا بتعبير أنه مجهول لا بد أن تصل له دلالات العلم وينكشف وبالتالي فتوهم وجود عالم غيبي هو توهم غير واقعي مستند أساسه من قصور التجربة أو قصور في الوصف , الغيب عند منكريه هو ما لا ندركه أما لنقص توصيفي أو لنقص في بيان حدود ما هو الوجود ذاته , وبالتالي أنتساب الدين في جزء منه للغيب هو خداع للعقل قبل أن يكون جزء من الواقع , مقولة أن الشريعة هي قانون الدين المفروض بقوة الغيب متأت من فرض أن القانون هو شريعة الإنسان التي رتبها بعد أن أصبح ذا سلطة وقوة فرض ,وبالتالي فكلاهما بشكل أو بأخر اختراع للضرورة قام به البشر على أمل تحسين الواقع , الأول في غياب تنظيم يمارس السلطة وقادر على ذلك أوجد مفهوم الدين المرتبط بالقوة المنتقمة التي ترى كل شيء وتسمع كل شيء , ولكن عندما تمكن الإنسان من الانتظام بمجتمع ذو سلطة وقادر على فرض القانون علينا أن ننحي الدين جانبا لوجود البديل الناجع والفعال .
السؤال الآن هل حقا يمكننا أن نستبدل الدين بالقانون أو من الأفضل الجمع بين الاثنين على أن تكون هناك مرحلة انتقالية يتداخل فيها الديني مع القانوني ليشكل عبور من مفردات الدين الحاكمة بروحانيتها وتلقائيتها والطوعية التي تتميز بها إلى أحكام القانون الذي يحتاج في كل مرة إلى الرقابة والتشريع المستجد المتطور وإلى آليات التنفيذ التي يفتقدها في وجود ميل فطري عند الإنسان بالتقييد الذاتي بأحكام الدين ,البعض يرى في المسالة نوع من الاحتكاك الذي يتولد منه التناقض بين المؤدى الحكمي للقانون وبين الثواب والعقاب المرتبط بالدين وبالتالي نفسد مسيرة الاثنين مها ,الحل عند الكثير أن يبقى الدين محدودا في العلاقات الروحية والبينية التي تعتمد الأخلاق والفضيلة والخير وليفسح المجال للقانون للتحكم بالعلاقات القائمة على معاملات الإنسان وعلاقاته اليومية التي تتطلب التنظيم الدقيق والسريع والمحدد والذي لا يحتمل تدخل الضمير والأخلاق والمثل .
فئة قليلة وإن كان لها حضور قوي ونشطة في دفاعها عن الإنسان العاقل الذي خلق الدين وعليه أن يتخلص من أثار ما خلق ببناء قديما بإبداله برؤية أكثر قربا من العقل المجرد وأشد التصاقا بإشكالاته الوجودية ,هؤلاء الذين ينكرون أي ضرورة اليوم لبقاء الدوافع الأولى التي شدتنا إلى عالم مخيف وغيبي وخفي بعد أن اكتشفنا الكثير من الأجوبة على الأسئلة الأولى , والتي تبين منها أن سذاجة العقل الطفولي هي من قادتنا للأيمان بحقيقة وجود عالم مواز تختفي فيه قوى فاعلة أكتشف العلم الواقعي أنها لا تعود بالضرورة لقوى خارجية وإنما لقوانين المادة وحركتها الجوهرية .
الملحد واللا ديني مفهومان يقومان على إنكار موضوعي ويتبنيان بديل أخر محدد بموضوعية المفهوم لكنهما لا يؤمنان بالكفر , أي أنهما لا يعدان أنفسهما كافرين بالموضوع لأن أصل الكفر مبني على مخالفة قاعدة الإيمان أصلا , الملحد ينكر كما قلنا وجود غيب ووجود قوى خفيه لأنه يؤمن بخفاء جزء من حركة المادة لأسباب طبيعية , مثلا حركة الذرة الواحدة داخل كيانها الذاتي هذا غيب نسبي لصعوبة الملاحظة والإحساس بها , أما ننسبها للغيب الطبيعي بمعنى خلاف الحضور الطبيعي فهذا نوع من تجاوز الحقيقة المادية التي تؤكد أحادية الوجود منسوبا للمادة فقط ثم للمكان وأخيرا للزمن , المادة ووجودها الذي يمثل عنصر المكان وما ينتج من هذه الحركة مقاسا بمعيار القوة على المسافة هو الزمن ,وبالتالي القول بوجود قوى خفية هو تجاوز على وجود المادة وقوانينها واستغراق حقيقي في إنكار الواقع كما هو .



#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الدين خيار بشري فطري ح2
- رغبة الله ورغبة البشر ح1
- رغبة الله ورغبة البشر ح2
- هل من بديل روحي للدين؟
- المسافة بين الدين والتدين والاعتقاد التسليمي ح13
- وجدانيات
- المسافة بين الدين والتدين والاعتقاد التسليمي ح1
- المسافة بين الدين والتدين والاعتقاد التسليمي ح2
- الدين بين الحد الإنساني والمسلم الأخلاقي
- في أصل الصراع الوجودي من وجهة نظر الدين ح1
- في أصل الصراع الوجودي من وجهة نظر الدين ح2
- نظرية المزاحمة والإزاحة في الفكر المعرفي الإسلامي
- الدين أتباع النص قالبا أو تغليب التأويل في المعنى
- حدود الدين وحدود مفهوم الدنيا
- القضية المختارة
- ماذا لو أن الإسلام لم يخرج من مكة؟ ح1
- التاريخية العقلانية وتصادمها مع العقلانية التاريخانية
- الدينية البرغماتية
- المثالية الإسلامية وأثرها على الفلسفة والفكر الغربي
- دور الفلسفة في التفريق العنصري بين الوجود الإنساني والماهية ...


المزيد.....




- الإحتلال يغلق الحرم الابراهيمي بوجه الفلسطينيين بمناسبة عيد ...
- لبنان: المقاومة الإسلامية تستهدف ثكنة ‏زبدين في مزارع شبعا ...
- تزامنًا مع اقتحامات باحات المسجد الأقصى.. آلاف اليهود يؤدون ...
- “عيد مجيد سعيد” .. موعد عيد القيامة 2024 ومظاهر احتفال المسي ...
- شاهد..المستوطنين يقتحمون الأقصى في ثالث أيام عيد -الفصح اليه ...
- الأردن يدين سماح شرطة الاحتلال الإسرائيلي للمستوطنين باقتحام ...
- طلاب يهود بجامعة كولومبيا: مظاهرات دعم فلسطين ليست معادية لل ...
- مصادر فلسطينية: أكثر من 900 مستعمر اقتحموا المسجد الأقصى في ...
- مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى تحت حراسة إسرائيلية مش ...
- سيبدأ تطبيقه اليوم.. الإفتاء المصرية تحسم الجدل حول التوقيت ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عباس علي العلي - الدين خيار بشري فطري ح1