أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسين علوان حسين - قبقاب طفلة ترشيحا المفقودة














المزيد.....

قبقاب طفلة ترشيحا المفقودة


حسين علوان حسين
أديب و أستاذ جامعي

(Hussain Alwan Hussain)


الحوار المتمدن-العدد: 7206 - 2022 / 3 / 30 - 00:36
المحور: الادب والفن
    


ما أن انغمس أسامة – الولوع بجمع التحفيات من كل نوع – بتفقد معروضات متجر الأنتيكات في عكّا ، حتى انتابته الرعشة لمشهد قبقاب عكّاوي شبري . إنه بعينه القبقاب الذي خرجت ابنته نضال تطقطق مزهوة به في ذلك اليوم المشؤوم الذي قامت فيه الطائرات و المدافع الصهيونية بالقصف العشوائي للأهالي العزل لمدينته ترشيحا الباسلة يوم 28/10/ 1948 ، فدمرت بيوت المدينة و احتلتها ، وقتلت ألفين من سكانها ، بضمنهم أمه و زوجته الحامل و عمه و طفلته نضال التي لم تكن قد أكملت الأحد عشر ربيعاً من عمرها . أما هو ، فقد تكفلت شظية مدفع صهيوني ببتر عضد يده اليسرى قبل احتلال العصابات الصهيونية للمدينة ، فنقله الثوار الفلسطينيين على عجل إلى عكا خلسة – و أدخلوه مستشفى البعثة التبشيرية الأنغليكانية هناك بذريعة اصابته بحادث سير ، حيث رقد طويلاً حتى اندمل جرحه الرهيب . و مع أن من تبقى من أهالي البلدة قد عثروا تحت جدران بيتهم المهدم على الجثث الممزقة لأمه و زوجته و عمه ، و دفونها بما يليق من مراسيم الشهادة في مقبرة المدينة - مثلما أعلموه بعدئذ - إلا أن جثة طفلته نضال لم يظهر لها أدني أثر قط . بعد خروجه من المستشفى ، و عودته لمدينته المدمَّرة ، بحث أسامة طويلاً عن أي أثر لطفلته نضال ، و لكن دونما نتيجة . سأل كل من تبقى من أهالي البلدة عنها ، و راسل من يعرف من المهجَّرين منهم المقيمين في برج البراجنة بلبنان ، و في مخيم النيرب في سوريّة ، فلم يفز بطائل . كما و فتش شبراً شبراً خربة جدين ، وخربة جعتون ، وخربة عليا ، وخربة شغبا القريبة من ترشيحا دون أن يعثر على ضالته . و أخيراً ، فقد جمع ما تبقى من ملابس طفلته الممزقة من داره المهدم ، و حفر قبراً عميقاً ، و دفن صرة ملابسها تلك في مقبرة المدينة ـ جنبا إلى جنب قبر أبيه - الذي استشهد في ثورة المدينة ضد عساكر الانجليز في 9 أيلول ، عام 1936 - و قبور أمه و زوجته و عمه . و بعد أن نصب الشاهد الصخري – الذي نحته بنفسه بخط الثلث الجميل باسم فقيدته - على ما أقنع نفسه أنه قبرها ، قرأ على أرواح ذويه الشهداء الأبرار سورة الفاتحة ، و ترك الدموع تنهمر مدرارة دون أن يكفكفها .
و طوال خمسين سنة متواصلة ، حرص أسامة على المسارعة في صبيحة اليوم الأول من كل عيد أضحى - بعد أدائه لصلاة العيد - إلى الذهاب لزيارة قبور ذويه ، ترافقه مجموعات من أهالي بلدة ترشيحا - خصوصا النساء - حاملاُ معه الحلوى والتمر و كعك العيد ليوزعها على الأطفال هناك . فتتكرر مشاهد قراءة سورة الفاتحة و سقي القبر و مجاري الدموع غير المكفكفة ، وسط تفقده لسلامة بنيان كل قبر و شاهده .

بحّر أسامة طويلاً بالقبقاب العكّاوي المعروض أمامه . و تذكّر كيف أن المرحوم أباه قد صنعه بيديه في منجرته خصيصاً لشقيقته الصغرى المغدورة ، عندما كانت بعمر عشرة سنوات ؛ فاختار بنفسه له خشب الزيتون الفاخر ، و ثبَت تحت نعل قاعدتيه شبريتان مثلثتان قاعدتيهما للأسفل ، و رصّعهما بالصدف من الجوانب الأربعة . فيما صنع جزئه العلوي من جلد رشأ الغزال المرسومة عليه خارطة فلسطين العربية . بعد أن كبرت شقيقته المرحومة ، بقي القبقاب الشبري كتحفة معلقة على الحائط في بيت العائلة ، حتى أهدته شقيقته لأبنته نضال عندما أصبح بمقاس قدميها ، ففرحت به أشد الفرح ، و دأبت على الاختيال به متطاولة بين صويحباتها ، بل و حتى لعب الحجلة به . و كانت مرتدية له يوم تدمير و احتلال العصابات الصهيونية لبلدتهم المشؤوم ذاك .
حدَّق أسامة بجلدة القبقاب ، فلاحظ أن خارطة فلسطين التي رسمها أبوه عليها قد جرى تشويهها .

- كم هو سعر هذا القبقاب ، سيد إيلي ؟
- أنه تحفة فريدة ، و هو للعرض فقط ، و ليس للبيع .
- أنني على اتم الاستعداد لدفع أي ثمن تطلب فيه .
- آسف . قلت لك أنه ليس للبيع .
- هل تستطيع اخباري باسم من باعه لك ؟
- لقد اشتريته قبل خمسين عاماً من عاموس بين غوريون ، نجل ديفيد بين غوريون ، مؤسس دولة اسرائيل ، و لقد دفعت له في حينها ثمناً باهضاً جداً ، باعتباره إرثاً صهيونياً نفيساً .



#حسين_علوان_حسين (هاشتاغ)       Hussain_Alwan_Hussain#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مذخر أدوية الكاوبوي : آثار حكم اللصوص تمتد من العراق إلى ديل ...
- النازية الجديدة في أوكرانيا
- ذبح 81 بريئاً : آخر مجازر آل سعود الطغام ، و ليست الأخيرة
- عملاق التجديد في التشكيل العربي : محمد مُهر الدين 3-4
- جيمس بوند وفارتمان يحتلان موسكو
- هروب زيلينسكي من كييف
- هل يحل علم الجينات مشكلة المنتحلين للنسب الهاشمي ؟
- بعل الذباب يشهد لبعل الزبل
- أسرة الحوار المتمدن : أنجم بددت الظلمة
- سمسار الجن العاوي : أجرب السرجيناوي
- يا ثوار العراق : توحدوا لإسقاط النظام الفاسد
- عملاق التجديد في التشكيل العربي : محمد مُهر الدين 2-4
- راعي الجرابيع
- عملاق التجديد في التشكيل العربي : محمد مُهر الدين 1-2
- نظريات طبيعة نظام الاتحاد السوفياتي في ضوء انهياره (نحو نفي ...
- ترجماتي لسعدي يوسف ، قصيدة : الشيوعيّ الأخير يُغادر عَمّان
- الحمار الذي انقلب كلباً
- لا شيوعية و لا ماركسية بدون الديمقراطية الحقيقية 5-5
- يا أحرار العالم : هبوا مع هبة القدس ضد الإرهاب الصهيوني
- لا شيوعية و لا ماركسية بدون الديمقراطية الحقيقة 4-5


المزيد.....




- سمر دويدار: أرشفة يوميات غزة فعل مقاومة يحميها من محاولات ال ...
- الفن والقضية الفلسطينية مع الفنانة ميس أبو صاع (2)
- من -الست- إلى -روكي الغلابة-.. هيمنة نسائية على بطولات أفلام ...
- دواين جونسون بشكل جديد كليًا في فيلم -The Smashing Machine-. ...
- -سماء بلا أرض-.. حكاية إنسانية تفتتح مسابقة -نظرة ما- في مهر ...
- البابا فرنسيس سيظهر في فيلم وثائقي لمخرج أمريكي شهير (صورة) ...
- تكريم ضحايا مهرجان نوفا الموسيقى في يوم الذكرى الإسرائيلي
- المقابلة الأخيرة للبابا فرنسيس في فيلم وثائقي لمارتن سكورسيز ...
- طفل يُتلف لوحة فنية تُقدر قيمتها بخمسين مليون يورو في متحف ه ...
- بوتين يمنح عازف كمان وقائد أوركسترا روسيا مشهورا لقب -بطل ال ...


المزيد.....

- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسين علوان حسين - قبقاب طفلة ترشيحا المفقودة