أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد محمد موسى - رحلة الموت وفجيعة البحر/ الجزء الثاني















المزيد.....

رحلة الموت وفجيعة البحر/ الجزء الثاني


سعد محمد موسى

الحوار المتمدن-العدد: 7205 - 2022 / 3 / 29 - 15:41
المحور: الادب والفن
    


الجزء الثاني

"الاحداث مستوحاة من نكبة غرق سفينة المهاجرين العراقيين التي تحطمت ما بين مياه اندنوسيا وسواحل استراليا"
تعالى صراخ الركاب مع الاستغاثات بعد أن بدأت السفينة تترنح وسط الأمواج بينما تدفق غزارة المياه والسيول أغرق الطابق السفلي، وأخذت تنهار وتتحطم.
سقط بعض الركاب من السفينة وآخرين القوا بانفسهم من سطحها ثم انقلب القارب الكبير الذي يبلغ طوله بحدود السبعة عشر متراً وتحطم وسط أمواج المحيط الهندي.
أغلب النسوة والاطفال الذين تحاصروا في الطابق السفلي والعنابر غرقوا بينما تشبث الباقون بحطام السفينة. أخذ الآباء المفجوعين يبحثون عن زوجاتهم وأطفالهم بين المتعلقين بحافات الحياة والبعض يشاهد غرق أطفاله وأحبته وأخوته وأصدقائه دون أن يتمكنوا من مساعدتهم.
حل الليل وسط غياهب المحيط المخيف بينما الأمواج المتوحشة ابتلعت الغرقى والمستغيثين كقربان الى أعماق البحر المظلم والى أسماك القرش الجائعة التي تحوم حول جثثهم.
من ضمن المتبقين الذين بقوا ينازعون الغرق ويصارعون الامواج، وممن استطاع التمسك ببقايا حطام السفينة كانت امرأة جاهدت بشق الأنفس بصراعها مع المستحيل من أجل الحياة، حين حاولت إنقاذ نفسها بواسطة التشبث بجثة امرأة غريقة كانت طافية فوق سطح الماء، وأثناء فجيعة البحر شاهدت الأم ولدها الذي رافقها الرحلة ثم افترقت عنه قسراً بعد تحطم السفينة وهو يتشبث بحطام خشبة متبقية من السفينة المنكوبة.
سمع الصبي صراخ أمه واستدار باتجاه الصوت وحاولوا أن يتقربوا من بعضهم ويتدافعوا مع الامواج، بينما الأم كانت تتمالكها أمنية أخيرة بتقبيل ولدها الوحيد قبل الوداع.
أقترب الصبي هلعاً ويرتجف من البرد وهو يصرخ ساعياً اللحاق بها ممسكاً بقوة وبيديه المرتعشتين لوحه الخشبي، حتى دنى من والدته التي أوشكت قواها أن تتلاشى بعد أن شعرت بعدمية التمسك بسراب أمل أو البقاء بالتشبث في جثة، لكن بعد أن شاهدت ابنها يبكي ويستنجد حاولت إعادة التعلق بالامل مرة أخرى فأصرت على إعادة التمسك بلحظات الحياة المتبقية والصراع ضد شبح الموت.
كانت السارية الكبيرة يتشبث بها مجموعة من الناجين الذين يصارعون الغرق ومجاميع أخرى متفرقة تطلق أنينها واستغاثاتها اليائسة وسط التيه وبين الظلام الدامس، بينما البعض كان يداهمه النعاس والوهن فتفقد يديه السيطرة من حافات الخشبة فيغطس ويغرق مع أحلامه في الحصول على الحرية.
بقيّ كريم الرحال يتشبث هو الآخر بمنتصف السارية ويشاهد رفاقه كيف يداهمهم النعاس والوهن واليأس قيتركوا السارية فيناموا ويغطسوا في عتمة المياه.
في لجة الظلام سمع الرحال ورفاقه المتبقين صوت محرك سفينة كان صداها يتقرب منهم ولمحوا الكشافات التي تسكب ضوئها باتجاه السفينة الغارقة تعالت استغاثات ولوحوا باياديهم الذابلة على أمل أن تدنو السفينة وتنقذ المتبقين وشعروا باشراقة النجاة تعود اليهم مع وهج أضوية السفنينة، لكنهم إحبطوا واستغربوا حين استدارت السفينة وتلاشت رويدا رويدا حتى ابتلعها الظلام.
شعر الرحال بالخذلان والانهيار بعد أن داهمته خيبة أمل ويأس من الحياة ورافقته رغبة للنوم في لحد الماء العميق واللامنتهي، والتخلي عن التشبث بالبقاء في حياته الجوفاء التي بدأت تتضائل وتفقد أهميتها، ثم حاول بسط كفيه من حافة السارية، وقبل أن ينزلق كل جسده في الماء، سمع عويل شاب يرتعد من الخوف ويصارع لحظات يأسه: لا .. لا أريد أن أموت ولا أريد أن يكون غرقي سبباً لموت أمي .. أنا الوحيد المتبقي من أخوتي الذين قتلوا في الحرب ، يقيناً ستموت أمي.. رباه أتوسل اليك أن تساعدني!!
ومن خلال الظلام لمح شبح طفل يحتضن أبيه شاكياً حرَ الظمأ: أبتاه لقد ذبحني العطش أريد ماء!!
ثم سمع الرحال نحيب امرأة تندب حظها وسط فجيعة البحر بعد أن فقدت ابنتيها وهي تناجي زوجها الذي احتضن جثة إحداهن وكان زبد البحر يسيل من طرف فمها، فيطلق صرخة يسمع البحر صداها: لقد انتهت حياتي لا داعي لبقائي وداعاً زوجتي أنا كنت السبب بتوريطكم بالمجيء معي وبغرقكم، ثم غطس في الماء واختفى صراخه، بينما عويل زوجته المنكوبة أبكى كل من سمعه لا ترحل أنت الاخر وتتركني وحيدة!!
تمسك الرحال مرةً أخرى بحافة السارية وأجل موته قليلاً ليكون شاهداً على عبثية الاقدار وفواجع الحياة وعدميتها مرةً أخرى ولكي يعلن احتجاجه الاخير في تيه البحار ويرحل الى فناء البحر مع مكابداته المريرة قريباً،
وبعد صراع البقاء مع رعب الموت وهيمنة شبح الفناء هدأت الامواج وقبيل انكشاف الفجر لم يبقى من السفينة المنكوبة سوى خمسة وأربعون ناجياً من مجزرة البحر.
مرت بمحاذاة الحقائب والامتعة مجموعة من لعب أطفال طافية فكانت شاهداً حفرت تضاريس الموت في ذاكرة البحر كي تنبأ فجيعة غرق الاطفال في تيه المحيط الهندي ضمير العالم.
وكانت هنالك أيضاً جثة امرأة غريقة طافية مع حبل السرة الذي يجر بجنينها ذو الستة أشهر بعد أن داهمها مخاض الولادة المبكرة وهي تصارع الموت، وكان الجنين يتشبث هو الاخر بحل سرته ويتبع جثة الأم أينما ترحل.
عبر طائر السنونو وهو لم يزل يحوم لعدة مرات يتوارى أحياناً ثم يعود وكأنه يطلب من الناجين أن يتبعوه، بينما المرأة تشرأب نحوه دون أن تدرك السبب لطيرانه فوق السفينة المنكوبة، ثم تذكرت بان هنالك اِعتقاد مرتبط بطائر السنونو بانه يمثل رسول الخلاص، وأعتقدت انه ربما يرسل بشارة النجاة للمتبقين الذين يصارعون الموت والقدر، متذكرةً حكايات الفأل الحسن عن هذا الطائر في جنوب العراق.
وأثناء مراقبتها لهذا الطائر وإذا بسفينة أطلت بعد لحظات مع انبلاج الفجر، لتمنح الأمل أخيراً لليائسين والعالقين في عرض البحر وهي تمخر المياه باتجاههم، حاول البعض رفع يديه المنهكتين ثم انفجروا بالصراخ والبكاء بأصواتهم المبحوحة بملح البحر وبقايا الحياة، وتمنوا أن لا تخذلهم تلك السفينة وتتخلى عن نجاتهم، مثلما حصل مع سفينة الليل الغريبة.
دنت سفينة صيد الاسماك أكثر وتوقفت بمحاذاتهم، بعد أن لمح الصيادين كائنات تتحرك وسط مجزرة البحر وأخذ الناجون يتقربون من حولها، ثم بدأ الأندنوسيين الذين كانو على متن السفينة بمساعدة المتبقين والناجين من فجيعة البحر.
وكان من ضمن الناجين الرحال والمرأة وولدها مع أثنين أربعين من ركاب السفينة المنكوبة الذين بقوا على قيد الحياة باعجوبة بعد نزاع قارب اليومين مع أهوال البحر ولعنة القدر.
وبعد أن تم انقاذ جميع الناجين رجعت سفينة الصيد نحو سواحل جاكارتا التي بدأت منها مغامرة الموت والبحث عن الحرية.



#سعد_محمد_موسى (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رحلة الموت وفجيعة البحر
- أبوذية الغناء وصوفية العشق
- إحفيظ ومملكة الاساطير والخوف/ الجزء الاول
- تجليات الالوان والرموز في مقامات السجاد
- مقامات هجرة السنونو
- تجليات سادن العرفان
- مقامات الغربة والاسفار
- فراديس الاهوار / الجزء الثالث
- فراديس الأهوار / الجزء الثاني
- فراديس الاهوار
- أوريكة
- مقامات المدن والموسيقى
- مقامات الموسيقى والمدن
- مدينة الرياح وأساطير البحر
- مراكش/ رحلة في أروقة الگناوة
- مراكش وهارمونية الاطياف الحضارية / الجزء الاول
- حكايات من جزيرة الواق واق / الجزء 5
- حكايات من جزيرة الواق واق الجزء/ 4
- حكايات من جزيرة الواق واق / الجزء / 3
- حكايات من جزيرة الواق واق/ الجزء /2


المزيد.....




- لنظام الخمس سنوات والثلاث سنوات .. أعرف الآن تنسيق الدبلومات ...
- قصص -جبل الجليد- تناقش الهوية والاغتراب في مواجهة الخسارات
- اكتشاف أقدم مستوطنة بشرية على بحيرة أوروبية في ألبانيا
- الصيف في السينما.. عندما يصبح الحر بطلا خفيا في الأحداث
- الاكشن بوضوح .. فيلم روكي الغلابة بقصة جديدة لدنيا سمير غانم ...
- رحلة عبر التشظي والخراب.. هزاع البراري يروي مأساة الشرق الأو ...
- قبل أيام من انطلاقه.. حريق هائل يدمر المسرح الرئيسي لمهرجان ...
- معرض -حنين مطبوع- في الدوحة: 99 فنانا يستشعرون الذاكرة والهو ...
- الناقد ليث الرواجفة: كيف تعيد -شعرية النسق الدميم- تشكيل الج ...
- تقنيات المستقبل تغزو صناعات السيارات والسينما واللياقة البدن ...


المزيد.....

- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد محمد موسى - رحلة الموت وفجيعة البحر/ الجزء الثاني