زيارة لتروتسكى :جيرارد روزنتال 1975

عبدالرؤوف بطيخ

الحوار المتمدن-العدد: 7193 - 2022 / 3 / 17 - 01:18
المحور: الارشيف الماركسي
    

على الجزيرة المذهبة الصغيرة ، سلمية وهادئة ، عدد قليل من الصيادين وعدد قليل من المزارعين. كان المنزل الذي يشغله ليون تروتسكي على الحافة الخارجية للقرية ، خارج المدينة تقريبًا. بدا المنزل الريفي البسيط العادي مثل المنازل التي تراها في ضواحي باريس ، غير مرغوب فيها على الإطلاق ، مع درج ومظلة. من أجل الوصول إليه كان عليك عبور حديقة غير مأمونة. أمام الفيلا نزلت من منحدر شديد إلى البحر.
أمام الفيلا نزلت من منحدر شديد إلى البحر.
بحر مرمرة هادئ وجميل ، بمياهه الزرقاء العميقة ، المتلألئة في الشمس ، حيث تلعب الدلافين ، تعبرها قوارب التجديف التي تربط الجزيرة بالقسطنطينية.

بعد شهرين من طرده من الحزب الشيوعي الروسي ، في يناير 1928 ، تم ترحيل تروتسكي بوحشية ، مع ناتاليا وابنه ليون سيدوف إلى ألما آتا ، في آسيا الوسطى جنوب بحيرة بايكال في قلب بلد القيرغيز. لمدة عام ، بمساعدة نجله ، حافظ على اتصالات سياسية مع شخصيات المعارضة الرئيسية الذين تم تجريدهم من مناصبهم أو اعتقالهم أو سجنهم في الحبس الانفرادي. في كانون الثاني (يناير) 1929 ، نفاه ستالين خارج الحدود السوفيتية بسبب "أنشطة مناهضة للسوفييت وإنشاء حزب غير شرعي مناهض للسوفييت يستعد للنضال المسلح" اعتقد ستالين أن وجوده في الغرب الرأسمالي سوف يحرمه من أهليته في نظر السوفييت ، أو على الأقل أن صوته الاتهام لن يتخطى الحدود. لم يكن يتوقع أنه سيعقد مهمة جلاده. وجد أصدقاؤه ليون تروتسكي هذا المنزل المعزول بدرجة كافية على جزيرة الأمراء.

هناك عاش "العجوز" مع زوجته وابنه ، حيث قمنا بنقل الاسم الذي كان ينسبه تبجيل ومودة الثوار إلى لينين. كنا قد ذهبنا لرؤية ليون تروتسكي في برينكيبو خلال الصيف ، مع بيير نافيل ودينيس نافيل وأنا.
أخذنا القارب من مرسيليا إلى اسطنبول. سافرنا في القسم الأدنى درجة. تم فصل دينيس عن الرجال. ندخل. نتجاوز الكوخ الصغير الذي يتحدث فيه الشرطي التركي ، اللذان يقومان بواجب الحراسة. لقد استقبلنا البستاني العجوز الملتحي اللطيف والصم قدر الإمكان.كان يلقي بنفسه دائمًا على تروتسكي لتقبيل يده التي تبتعد بفزع. ندخل المنزل. لم يحافظ التصميم الداخلي على أي من روائع الماضي ، إن كان موجودًا في أي وقت مضى. لا يوجد أثاث. لا شيء يساعد على الراحة.
نحيي زوجة تروتسكي ، ناتاليا سيدوفا ، التي تغادر بتكتم.

يأتي تروتسكي نحونا. كان يرتدي سترة بيضاء نقية. إن استقباله المباشر والودي يشع بالسلطة الطبيعية التي تنبع من شخصه. لقد تم إبلاغه بجهودنا. بدأت المناقشة حيث كانت قد توقفت قبل ذلك بعامين. منعزلًا ، وُضِع في عالم معاد منبوذًا من إبداعاته وحاشيته ، ومنفصلًا عن بيئته وأنشطته ، ومُتضررًا بأعظم المشاكل السياسية ، يظل هو نفسه. لا تزال الحقائق الموضوعية للصراع الطبقي موجودة. التاريخ والقتال مستمران.سوف نتوقع كل يوم. يستقبلنا تروتسكي في مكتبه بالطابق الثاني.
النوافذ مفتوحة على الأشجار والبحر. يشغل وسط الغرفة منضدة عمل كبيرة تفيض بالكتب والصحف وأقلام الرصاص. من وقت لآخر ، ينهض تروتسكي لضبط الستائر عندما تزعجنا الشمس.
سيقدم لنا كل يوم تحليلاً مفصلاً للمشاكل الكبرى للأزمة ، وعلاقات البروليتاريا الروسية مع الفلاحين ، وتشكيل البيروقراطية وخنق الحزب ، والانحرافات الكبيرة في سياسات الأممية ، وتقويض الأممية. نضال البروليتاريا وتوضيح عقيدة "الاشتراكية في بلد واحد" الضارة. سيقدم لنا كل يوم تحليلاً مفصلاً للمشاكل الكبرى للأزمة ، وعلاقات البروليتاريا الروسية مع الفلاحين ، وتشكيل البيروقراطية وخنق الحزب ، والانحرافات الكبيرة في سياسات الأممية ، وتقويض الأممية. نضال البروليتاريا وتوضيح عقيدة "الاشتراكية في بلد واحد" الضارة.

نجتهد في تدوين الملاحظات. لا يدخن المرء أمام تروتسكي.
راكوفسكي ، كما يقول باستنكار ، كان دائمًا يضع سيجارة في فمه وينثر الرماد في كل مكان.
بعد هذه الفصول جيدة التنظيم ، تأخذ المناقشة مسارًا أقل تنظيماً. يكشف ليون تروتسكي عن بعض سماته. عندما يأتي دينيس لإحضارنا ، يمزح معها أنه يجعلها حليفة في معركته ضد مقاومتنا. دينيس يتظاهر بالإحراج بلطف.
إن الشغل الشاغل لتروتسكي المستمر هو الصفة الإنسانية للثوار:
"يمكنك فقط أن تصنع ثورة ، ولا يمكنك الفوز بها إلا برجال صلبة ومتفانين في هذه المعركة حتى النخاع. بالنسبة للثوار الروس ، كانت الحياة الخاصة خاضعة بشكل صارم لاحتياجات النضال السياسي "خيبت آماله الاتصالات مع المسلحين الغربيين:
"لا جدوى من التفكير في قيادة ثورة مع رجال تأتي حياتهم المهنية أولاً ، ثم عائلاتهم ، وأخيراً الثورة.
وما هي التضحيات التي يستطيعون تقديمها في مسائل المال؟ عندما كنت في فيينا ، جاء مقاتل ، مناضل تمامًا من القاعدة ، يطرق بابي.

لقد وصل من القرم.
لقد حصل على ميراثه.
لقد عبر أوروبا لإحضارها إلى الحزب.
لقد احمر خجلاً لأنه اضطر إلى تحمل تكاليف الرحلة " سمعته لاحقًا ، في بداية الحرب الأهلية الإسبانية ، وهو يناقش مع زعيم جماعة شيوعية أسبانية كان يطرح الخط السياسي لتشكيلته. قاطعته فجأة:
"كم عدد رفاقك الذين سقطوا في القتال؟".
كان المحاور مرتبكًا ، وكانت إيماءاته وتعبيراته تقول بوضوح:
"حتى الآن ، لا شيء".
كان الحوار ثقيلًا فى معناه.

شدد تروتسكي على القيمة والشعور بالمسؤوليات الرئيسية والطاقة التي على الرغم من أنه من الضروري توقعها في زعيم ثوري.
"في عام 1923 ، كانت إمكانية حدوث ثورة منتصرة أقوى من أي وقت مضى في ألمانيا. أدى احتلال الرور إلى إرباك أرباب العمل والدولة. كل يوم وصلت العلامة إلى مستويات أكثر روعة. عصفت البطالة بالبروليتاريا واستولت الخراب على البرجوازية الصغيرة. كان الحزب الشيوعي أكثر قوة ونشاطا مما كان عليه في أي وقت مضى. أصبحت الإضرابات معممة. لكن براندلر ، زعيم الحزب ، بدلًا من توجيهه وقيادة الطبقة العاملة نحو التمرد ، جمع مؤتمرًا لمندوبي المصانع في كيمنتس وانتظرهم لاتخاذ قرار.بطبيعة الحال ، فإن التشاور مع كل منهم ، في ظل عرض عدم وجود قرار من الرؤساء ، أخذ كل منهم يطلق العنان لمخاوفه في مواجهة مسؤولياته. لقد انقضت لحظة انتصار الثورة.
لم تكن المناسبة هي تقديم نفسها مرة أخرى لألمانيا. رجال مثل براندلر ليس لديهم مكان على رأس منظمة شيوعية.
مع براندلر ، لن نصنع ثورة أبدًا ".

لكن بالنسبة لتروتسكي ، فإن مطلب تكريس ثوري للثورة من الرأس إلى أخمص القدمين مرتبط ارتباطًا وثيقًا بالمعرفة الجادة والتحليل الدقيق ، اللذين يصر على صدقهما وموضوعيته ، للوضع الحقيقي للبروليتاريا وعلاقة القوى الاجتماعية. لا تشمل جاذبية الرجال التلاعب بالحقائق. عندما يكون قوياً في هاتين القوتين ينخرط في العمل.
في مناقشاتنا أذكر تروتسكي ، ضد الأشكال الصارمة للتنظيم للحزب البلشفي بمذهب روزا لوكسمبورغ - المؤسسة مع كارل ليبكنخت في نهاية الحرب العالمية الأولى للحركة الشيوعية الألمانية سبارتاكوس:
عملية التنظيم التي يتم تعزيزها وتتطور مع ومن خلال الحصول على الوعي من جانب الجماهير.

: قال ,نعم، لكن سُحقت حركة سبارتاكوس واغتيلت روزا لوكسمبورغ. وأسوأ ما في الأمر أن هذه الأساليب هي التي حددت مسبقا فشل الثورة الألمانية ".
يصبح النقاش أكثر حيوية ، وغالبًا ما يكون ساخرًا وأكثر تهكمًا. نحن ننتقد أمامه سياسة الحزب الشيوعي الفرنسي في الألزاس التي اعتبرناها ضالة. دعم الحزب الحُكم الذاتي الألزاسي الذين طالبوا بالاستقلال الوطني. ليون تروتسكي غير موافق:
"إذا لم نكن في النهاية من أنصار الاستقلال عند قيام الثورة ، فيجب علينا مع ذلك - دون إخفاء موقفنا - دعم العمل العفوي للسكان في تجليات رغباتهم بقدر ما يزعزعون سلطة هيكل السلطة والنظام. "
يمسك نافيل من الكتفين:
"إذا كنت قد حافظت على نظرياتك خلال الحرب الأهلية ، لكنت قد أعدمت الرفيق
نافيل ، كنت قمت بإعدامك."قالها ، وضحك على كلماته.

أثناء عرضه لأفكاره ، كانت صوره مألوفة في بعض الأحيان ومع ذلك فهي وثيقة الصلة بالموضوع:
"المجتمع يشبه فصل المدرسة في المدرسة. في الأوقات العادية يقوم المعلم بالتدريس من منبره. يستمع له الفصل ويتبع تعاليمه. في الصفوف الأخيرة تم إهمال عدد قليل من الطلاب السيئين أو مثيري الشغب.
ولكن قد يأتي وقت يجر فيه الطلاب السيئون الفصل ويغطون المعلم بغضبهم ويعزلونه بضوضاؤهم. الأستاذ هو الدولة. هذا هو نقل السلطة الذي يجب أن تحققه الأقلية الثورية في المجتمع وفيما يتعلق بالدولة " وفي الجو المريح في وقت متأخر من الصباح ، تم استحضار أشياء أخف:
"في خريف عام 1922 ، كان الكوردون الصحي الذي عزلنا يظهر خدوشه.

جاء الرئيس المستقبلي إدوارد هيريوت إلى مدينتنا الثورية لاتخاذ الخطوات الأولى في تجديد العلاقات الدبلوماسية.
استقبلته أنا ولينين في مكتب يطل على واجهة قصر الشتاء. تحدثنا كثيرًا عن سداد القروض الروسية. تعثرت المناقشة. رأيت لينين ينظر بشكل متكرر إلى الساعة. وفجأة ، مع الظهر ، سمعنا دويًا مكتومًا بأحذية فوج النخبة الذي كان يتولى الحراسة. عندما دخلت الكتائب تحت القبو صدر فجأة ، دوي نحاس وطبول موسيقى المارسيليز ، تلعبها الفرقة المسيرة. الرئيس هنريوت كانت الدموع في عينيه. جعد لينين عينيه بشكل غير محسوس في اتجاهي ".
لقد عبرنا علانية عن مخاوفنا لتروتسكي:
لقد شهدنا انحطاط الأقسام الوطنية من قبل الأممية التي تلاعبت بالقيادة وفرضت البرامج. نخشى أن تستمر هذه الأساليب في المعارضة. هل أنت نفسك لم تعرّض المعارضة لأساليب لا تكاد تكون مختلفة؟ "ولحسن الحظ لا يمكن لهذه الأساليب التي لوثت الأممية أن تمارس في المعارضة. كانت الأممية قادرة على أن تضع في خدمتها الوسائل والموارد المادية للدولة. لا أحد في المعارضة يتصرف بهذه الوسائل.
هذا هو الضمان المادي للديمقراطية في صفوفنا ".

"لكن ألا تعتقد أنه بعد التجربة الكارثية للأحزاب الوطنية الخاضعة للقيادة الدولية للمنحرفين وتشويهها ، سيكون من الأفضل في فترة جديدة السماح لكل حزب بترجمة التطلعات الثورية للجماهير بما يتوافق مع تجربتها الخاصة ، مع الاعتراف لها بقدرة متميزة ومستقلة على التفصيل؟ ستظهر القيادة الدولية بعد ذلك بشكل طبيعي كتعبير مفصل عن هذه المظاهر والمكاسب التي يتم التوصل إليها بحرية من قبل كل طرف في حركته الفعلية ".أجابنا:
"إن أممية البروليتاريا لا يمكن مقارنتها بسقف لا يمكننا التفكير في وضعه في مكانه إلا بعد بناء الجدران. الأممية هي الإرث الأساسي للبروليتاريا الثورية.
إنه الدعم الرئيسي لهذه النضالات. إنه يتعارض مع التناقضات التي قسمت الرأسمالية والإمبريالية اللتين تشكل طبيعتهما الوطنية جوهرهما.
إن حرمان النضال الثوري لقيادة دولية بسبب خيانة الأممية الشيوعية لمهمتها سيعني تفاقم الضرر الذي سببته أخطائها ألف مرة.

في عالم تخلق فيه التناقضات وكذلك مجتمع المصالح الإمبريالية أوضاعًا سياسية واجتماعية على نطاق عالمي يجب على البروليتاريا مواجهتها ، مما يحرمها من قيادة قادرة على فهم هذه المواقف أو تحليلها ، بالاعتماد على هذا التحليل التوجيهات العامة التي تساعد في توجيه تطور النضالات ، وفقًا لتطبيقها الخاص في هذا البلد أو ذاك ، يعني الاستسلام والتعمية. التمكن من الظرف الدولي ضروري. من المؤكد أنه لا يوجد قسم وطني مقدر له بفرض صحة تحليله الخاص. بالأمس كانت موسكو. غدا قد تكون الحفلة الصغيرة في تييرا ديل فويغو.
برافو للفيجان! ليس من المهم معرفة القسم القومي الذي كان ماركس سيختاره لكن القيادة الدولية تضيء طريق البروليتاريا مثل منارة ودليل ".وصلت إقامتنا إلى نهايتها.
قال تروتسكي في ختام مناقشاتنا:
"كما تعلم ، يجب أن تكتب لي رسالة".

في الحديقة المشمسة ، وتحت نوافذ الرجل العجوز ، كتبنا الرسالة التي وقعها نافيل. أجاب تروتسكي في رسالة طويلة ظهرت في " La Lutte des Classes -الصراع الطبقي " تحت عنوان "خطوة إلى الأمام".
قاد تروتسكي مناقشاتنا إلى نتيجة ملموسة:
"كما أستطيع أن أرى من رسالة الرفيق نافيل ومناقشاتي معه ومع الرفيق جيرارد ، أنتم مستعدون للاعتراف بإلحاح وأهمية الجريدةالأسبوعية ؛ هذه هي الخطوة الأولى للأمام ، وهي مهمة جدًا ".

المصدر: جيرارد روزنتال ، محامى تروتسكي. باريس ، روبرت لافونت ، 1975 .
الترجمة للأنجليزية:ميتشل أبيدور ؛
نسخ اليسار: marxists.org 2012

#عبدالرؤوف_بطيخ (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات