أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بيان بدل - مَشهد من مشاهد الطفولة














المزيد.....

مَشهد من مشاهد الطفولة


بيان بدل

الحوار المتمدن-العدد: 7172 - 2022 / 2 / 24 - 13:49
المحور: الادب والفن
    


نافذة مستطيلة الشكل تفصلني عن العالم الخارجي، والزجاج مغطى بغبار الطريق أكاد أميّز الأشياء التي تتحرك خارج اطار تلك النافذة الزجاجية، كنّا محشورين في مركبة تويوتا كوستر (واحد وعشرين راكبا) ، أمي جالسة إلى جابني ملتحفةٌ بعباءة سوداء وتحمل بين ذراعيها أخي الصغير الذي لم يكمل ربيعه الثاني كان في بداية تعلمه الخطوة الاولى في الحياة، نائما كالملاك، ملامحه نقية، لامستُ شعر رأسه ذا اللون البني الفاتح كأني المس الحرير . انا لا اكبره كثير حيث كنت لازلتُ أعدُ اعوامي على اصابع يديّ ..
إلى جانب أمي جلس أخي الأكبر، ذو الملامح الصارمة، خائف، هو مثلي لا يعرف وجهتنا.
كانت المركبة مليئة باناس ذوي وجوه حزينة ومتعبة لا تقوى على الكلام ولا تختلف كثيرا عن وجه أمي وأخي..
هربتُ من تلك الوجوه إلى خلف النافذة، إلى العالم الخارجي الذي لا يختلف بدوره عن ما حولي، لامستُ زجاج النافذة بجبيني، سرحتُ في ذاك العالم، بيوت متفرقة محاطة باشجار النخيل، نمر من قرى صغيرة، رجال تعمل وأبقار ترعى، النسوة متشحات بالسواد، أطفال يلعبون بكرة مركبة من الأقمشة بالوان مختلفة، يرقص الأطفال فرحاً بتلك الكرة، رغم انه من الصعب التعرف على ملامحهم لكثرة العرق المختلط بالتراب.
المركبة تسير بسرعة وكأن سائق المركبة لا يرغب أن أتعرف أكثر، على العالم الذي هو خارج اطار مركبته.
انتشلتُ روحي بصعوبة من تلك المشاهد المتفرقة، ركّزت النظر في أمي التي لازالت ممسكة وبقوة بأخي الصغير وكمية الحزن لم تتغير، بادرت الى السؤال:"
أمي إلى أين نحن متوجهون" ؟
"لزيارة والدك"، قالت بدون أن تكلّف نفسها عناء النظر إليّ، أضفتُ سؤالا آخر:" أمي وأين أبي ؟"، أجابتْ :"إنّه في سجن (أبو غريب)، ..فقلتُ:"ما يعني سجن (أبو غريب) أمي ؟"
قالت:"يعني يقيم في مكان لا يستطيع الخروج منه، ومحاصر بأسلاك شائكة يعني محكوم عليه بعشر سنين من قبل جهة، انا نفسي آجهلها، يعني لا يستطيع أن يعود ويقيم معنا، تركني وحيدة مسؤولة عن عشرة أولاد أصغرهم كان يحارب من أجل الخروج ليتنفس، تركنا ولم يكن لي الخيار سوى أن أسانده، أو بالأحرى لم يترك لي الخيار، لم أعد أقوى على تحمل الأعباء الملقاة على أكتافي، لا استوعب مقدار الفراغ الذي تركه في البيت،، تعبتُ ولا أمتلك الطاقة لللل.....
كانت تتكلم بصوت منخفض ومنفعل، بالكاد كنت اسمعها.
كانت وكأنها بحاجة إلى هذه السؤال بالتحديد لتنفجر وبهدوء، تقول ما كان مكتوما في دواخلها لسنين، كان صوتها يرتجف وضجيج دقات قلبها أعلى من حديثها.. لم يكن أمامي سوى أن أمسك بيديها واضغط عليهما دلادلة على انني أسمعك وأنا هنا.
توقفتْ أمي عن الكلام مع توقف محرك السيارة، "يبدو إننا وصلنا" قال أخي، كان مكان توقفنا ساحة كبيرة مليئة بمركبات باحجام مختلفة، آناس كثر ينزلون من تلك المركبات ويتوجهون إلى بوابة كبيرة لسور عملاق تعتليه أسلاك شائكة ..!!
عند وصولنا لتلك البوابة تم تفتشينا وبدقة، كنتُ ممسكة وبكلّ قوة بطرف عباءة أمي، خائفة، مذعورة، وكل جسمي يرتعش وكأني خرجتُ لتوي من بركة ماء مثلجة في فصل الشتاء.
في باحة السجن، وبعد مرورنا من التفتيش ومن الممر الرطب المظلم رأيت السجناء جالسين على مسافة مترين بعدينَ عن بعضهم البعض، على فرشة غامقة غير واضحة المعالم والتطريزات من كثرة الأوساخ وكأنها تورثُ من سجين لآخر.
السجناء جالسون في انتظار ذويهم، فيما تتدفق العوائل وترتمي في أحضانهم، فتختلط الدموع والابتسامات فرحا باللقاء.
لمحتُ أبي، بشعره الأبيض من بعيد جالس بدوره على فرش لا يقل اتساخا عن فرش الآخرين، نهض عندما رآنا، كان راغباً في التقدم نحونا، لكن يبدو أن الأوامر لم تسمح بذلك، لذلك تراجع وبقى متسمراً في مكانه بانتظارنا. أبي كان منهكاً، شاحبَ الوجه، خانه النطق عند اقترابنا حل محل الكلام ابتسامة تعبر عن شوقه لنا، ولبيته الدافىء، دمعت فرت من عينه ، جلست على ركبته اليمنى ووضع أخي على اليسرى، كان لا ينزل نظره من على أمي ولسان حاله يقول ، أعلم بكل الذي ترغبين في قوله لي، أحس بالحزن الذي يشع من عينيك، سامحيني ،لم يكن أمامي سوى أن اُلبي نداء الحرية ، لم يكن أمامي الان أن أحارب من اجل الحفاظ على كرامتنا، من أجل دَفع الظلم عن شعب لطالما عانى الإضطهاد والحرمان، أعدك أن كل هذا سينتهي وستشرق شمس الحرية قريباً.. مضى الوقت مسرعاً ولم يتسنى لي الفرصة لاقول كلمة واحدة، فقط كان أبي يمسد على شعري طوال الوقت ..

في طريق العودة إلى المركبة تركت عباءة أمي واستبدلته بسوار أبيض من النمنم، صنعه أبي لي في السجن، يزينه الحرف الأول من أسمي ( حرف الباء)مكتوب باللون الأحمر، ظل معي لسنوات وسنوات ..



#بيان_بدل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الوطن حيث الحب والحرية
- جرائم بحق الطفولة في دول اوربا
- (رحلتي) سيرة ذاتية
- زواج القاصرات في عاصفة رملية
- الحدّ
- تسرب الروح عَبر الأبواب الموصدة
- الرحيل إلى المجهول
- هديل الوقت
- الشريط الأبيض
- عودة الروح
- ملاكُ الليل
- حفلة إعدام حلم
- صرخة مؤدة ذاقت الموت بأوجه عدة
- إلى متى يمارس العنف الجسدي ضد الطفل في مجتمعاتنا ؟
- عندما تحض الامثال الشعبية على الحط من قيمة المرأة كأنسانة
- حلم الطفولة الضائع...
- كلمات متساقطة
- مشاهد من الذاكرة ( الحنين إلى الأمّ)
- مشاهد من الذاكرة


المزيد.....




- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...
- رسميًا.. جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 لجميع التخصصات ...
- بعد إصابتها بمرض عصبي نادر.. سيلين ديون: لا أعرف متى سأعود إ ...
- مصر.. الفنان أحمد عبد العزيز يفاجئ شابا بعد فيديو مثير للجدل ...
- الأطفال هتستمتع.. تردد قناة تنة ورنة 2024 على نايل سات وتابع ...
- ثبتها الآن تردد قناة تنة ورنة الفضائية للأطفال وشاهدوا أروع ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بيان بدل - مَشهد من مشاهد الطفولة