أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بيان بدل - (رحلتي) سيرة ذاتية















المزيد.....

(رحلتي) سيرة ذاتية


بيان بدل

الحوار المتمدن-العدد: 6226 - 2019 / 5 / 11 - 23:02
المحور: الادب والفن
    


(رحلتي) سيرة ذاتية
الوقت قبل ظهيرة يومٍ صيفي، وحرارة الشمس تتسلل بسرعة لا يمكن تصديقه، لهيب يتطاير من أرضية باحة البيت ، المكان بيتٍ حديث البناء، على طرازٍ غربي، لون جدرانه الخارجية صفراء، في أطراف مدينة النجف- منطقة صناعية- خُصصت تلك البيوت لمهندسين يسكنون مع عوائلهم ..
طُرق الباب الخارجي طرقاً عنيفاً، كي يُسمع من الداخل كون الحرارة قائضة، لذا أغلقنا كل نوافذ البيت منعاً لوصول تلك الحرارة إلينا والاحتفاض ببرودة التبريد، كنتُ جالسة مع طفلتي نشاهد إحدى برامج الأطفال المعروضة على التلفاز، -توشيبا ملونة 21 بوصة موضوعة في صندق خشبيي بني اللون لحمايتة من الغبار- ، سمعت الطرقات، خرجتْ جملةٌ من فمي وأنا التفت إلى "أبو ريما":- ..
إنه هو لقد أتى ...
قبل أن أكمل قفزتْ طفلتي من حضني ووقفت وقالت:
_بابو
والفرحة تشع من عينيها كمن ربح كل كنوز الأرض ، لابد أن يكون هو ، أملنا في الحياة والنجاة إلى بر الحياة ، لابدّ أن يكون هو الزوج والحبيب الذي آمنت معه بقضية تنصف كل المظلومين؛ كل امراة تعاني من ظلم مجتمعٍ قاسٍ، لابد أن يكون هو الأب الذي تنتظره طفلتي
تحرك "أبو ريما" من مكانه ببطىء وتردد وخوف، متوجهاً للباب كي يفتحه وفي رأسه ألف سؤال وسؤال ، ترى من الطارق ؟هل أتوا لأخذنا إلى المجهول والضياع؟
اقترب بخطى حذرة من الباب قال وصوته بالكاد يسمع
_ من الطارق؟!!
_انا بختيار افتح "أبو ريما" ..
بختيار !! كيف ومتى ؟ من أين له أن يعلم بالحالة التي نحن فيها؟ لا يهم كل هذا ، المهم أن يكون لمجيئه ومجازفته لكل هذه المخاطر خلاصُ لنا ..
_ اين حسن؟، قال
_ ذهب يوم أمس إلى قرية الأهل كي يجلب لنا بعضا من المال
_ كيف يخاطر بحياته ويذهب إلى هناك بقدميه؟
• لقد عرف كل شي من "دلير الذي تعرض أيضاً إلى التفتيش الدقيق في سيطرة مع "نايف" ..!!
_جلبت لكم معي هويات أحوال مدنية بأسماء أخرى، كي تستطيعون الهرب والوصول إلى أربيل ، الوقت ليس في صالحنا يجب أن نتحرك الآن !! أضاف بختيار.
الوقت يا لثقله القاتل ، ليس لصالحنا ! سأتوسل للوقت أن يكون لصالحنا فقط هذه المرة ، سأركع ساجدة للزمن أن يكون منصفأ معناَ ،سأقدم للزمن كل القرابين ،كي يكون في صالحنا فقط هذه المرة ! الساعة اصبحت عمراَ واليوم دهراَ
_ بختيار هل لنا ان ننتظر فقط هذه الليلة، عله يأتي؟ لا استطيع الرحيل بدونه ، لا مكان لي بعده انا وكما تعلم اصبحت حياتي مرهونة بحياته ، فقط ليلة واحدة ..
_قد يداهمون البيت في أي لحظة إذا كان "حسن" في قبضتهم الآن، قد لا يستطيع أن يقاوم ويدلي بكل شي ، أردف "أبو ريما"
أه ايها القلب الملتاع ، أيها القلب المحمّل بكل شوق لحبيب قد لا أراه ثانية والمحمل بجبل من الهم ، ألم يحن الوقت لتهدأ..
لم يكن أمامي سوى الرضوخ لفكرة عدم الانتظار ، فنشد الرحال الآن، الوقت بعد منتصف النهار بقليل ، تلكأت قليلا في تحضير ما تحتاجة طفلتي في الساعات القادمة !!
_حسنا سوف ننتظر إلى الغد، علّه يأتي والوقت تأخر أيضاً وأمامنا رحلة طويلة، قال "بختيار" وجلس على الأريكة ..
تنفستُ الصعداء ورميت بثقل جسدي المنهك على أرضية الصالة قبالة الأريكة التي جلس عليها بختيار..
بعد حديث مطوّل عن مواضيع شتى تركتُ "بختيار" و"أبو ريما" يكملون سهرتهم وذهبت لأستلقي بجانب طفلتي في غرفة "أم ريما" التي تركتْ البيت مع أطفالها خوفا من عواقب ما قد سيحدث من مكروه ..
خاصمتني الغفوة طوال الليل ، عقلي وتفكيري لم يتوقفا للحظة ، غداً سيكون الفرج أم النهاية ؟!!
لم يأتِ كما تمنيتُ
الوقت ضحى الساعات الأولى من النهار ، أرتدي ثوبا بلون أوراق الخريف المتساقطة، علقتُ على كتفي حقيبة فيها لوازم نحتاجها، بين ذراعيَّ طفلتي التي لم تكمل ربيعها الثاني، أتشبث بها وكأنها آخر ما بقت لي في هذا العالم، شعرُ قصيرُ أشقر، عينان بلون بني فاتح، ترتدي ثوب صيفي وردي اللون..
قال "أبو ريما":
_ساوصلكم إلى كراج النجف وأترككم دون سلام أو كلمة، وكأني لا أعرفكم .
بماذا أرد عليك أيها الصديق الوفي، لك ما تشاء!!
لم تمضِ سوى نصف ساعة وكنا في وسط مرآب فيه شتى أنواع السيارات ، حاولتُ بجهد أن أتجنب النظر إلى عيني "أبو ريما" ، إذ لم أكن متأكدة من ردة فعلي، حبستُ دموعي وأسرعتُ مطأطأة الرأس خلف "بختيار" ، بعد فترة وجيزة وجدنا أنفسنا محشورين في سيارة متوجه إلى بغداد، رأسي محمل بكم هائل من الألم، وأمامي لوحة سوداء ، لا أمل لا حياة سوى القلب الصغير الذي ينبض بين ذراعيَّ..
مضتْ ساعة ونصف تجاوزنا خلالها مسافة 140 كم وجدت نفسي في كراج أكبر ضاج بآناس من شتى المدن والقوميات.. غاب "بخيار" ليأتي بعد دقائق وفي يده كيس أبيض بقنينة ماء وشطيرة فلافل بصلصة العنبة ..
_طريقك طويل وتحتاجين إلى بعض من الطعام، لدي موعد بديل مع "حسن" في "الموصل" ،إذا كان بخير فسوف ياتي، أما أنتم فستأخذون طريق آخر إلى مدينة "كركوك"!
لا يتوقف بختيار عن الكلام ولاعن السير، لا مجال للتفكير ، لا مجال للرفض أو القبول ،أنا مسيّرة ولستُ مخيرة !! ثم أضاف:
_بعد وصولك إلى كركوك ستذهبين إلى منطقة "رحيماوه"، إلى بيت أهل زوجتي، هم لا يعملون شي ولا تخبريهم شي فقط أذكري إنك صديقة "برشنك" زوجتي وتحتاجين إلى المبيت ليلة واحدة ، تذكّري "رحيماوة" الفرع الثاني ......
قال كمّاً هائلا من معلومات لم أستوعب ولم أتذكر سوى "رحيماوة الفرع الثاني" ، بعد أن ودّعني وذهب بأتجاه الحافلات التي تذهب إلى الموصل..
يا إلهي وجدت نفسي بعد فترة وجيزة محشورة في سيارة تاكسي محملة بركاب ، أنا المرأة الوحيدة بينهم ، جلستُ في الأمام وطفلتي في حضني، وفي الخلف ثلاثة رجال.. شاب و الآخرينِ في عمر الخمسين حيث غزا الشيب رأسيهما !! مضت بنا التكسي مسافة ، خارجة من أطراف مدينة بغداد وإذا بي أتحسس يد سائق التاكسي تمتد إلي ، أنفاسه متسارعة يكلمني بطريقة بذيئة ، تجمدتُ في مقعدي فقدتُ النطق وانكمشتُ على نفسي حتى صرتُ كتلة صغيرة ،شادتاً بكلتا ذراعيَّ على طفلتي ألتي كانت نائمة ضممتها بكل قوة إلى صدري، كم كنتُ بحاجة إلى الصراخ والبصق في وجهه، لكن حركتي شُلّتْ بالكامل..
سمعت صوتاَ صادرا من الشاب الجالس في الخلف، قال:
_ توقف عمّا تفعله واصمت عما تقوله ، كنَّ لنا ولهذه السيدة القليل من الاحترام، ثم صمتَ.
توقف كل شي إلا محرك السيارة التي كانت تسير بنا بأقصى سرعتها، استغرقتْ الرحلة ما يقارب ثلاث ساعات ، ثلاث سنين .. أردف الشاب قائلاَ بعد أن تجاوزنا سيطرة المدينة
_توقف هنا ، سأترجل ، ووجه الكلام لي وأنت ايضا أختي أرجوا منك أن تترجلي ، لا أثق بهذا الرجل لا أستطيع تركك معهم.
نجدةٌ هبطتْ لي من السموات السبع، رجل شهم وقف معي قال
_ أين هدفك؟
_رحيماوة.. قلت
_ أين في رحيماوة؟ هي منطقة كبيرة يسكنها الكثير ! ما إسم الشارع ؟ عند أي عائلة تذهبين؟
_ لا اعلم ولا استطييع أن أخبرك ! كل الذي أقدر اخبارك به هو أنني في محنة وأنني متوجة إلى بيت يقع في الفرع الثاني لمنطقة رحيماوة ، يجب أن أجد هذا البيت وهذه العائلة لأن حياتي ومصيري متوقف على ذلك.. قلتها وانفجرتْ دموعي كشلال لا ينقطع
_لا بأس يا اختي سأستأجر تكسي ونبحث عن الدار ، لا تقلقي سنجدهم بالتأكيد.
طافتْ بنا السيارة في أزقة وطرق المنطقة، لا أعلم كم من الوقت مضى، صرختُ في حالة هسترية
_توقف توقف إنها تلك المرأة الواقفة أمام باب دارها أظن أنني أعرفها ! يا إلهي أو ربما تشبه صديقة لي! توقف .
ذهبت إلى تلك السيدة وأنا منهارة بالكاد أقوى على تحريك جسدي الخاوي.
_ مرحباَ سيدتي هل أنت والدة برشنك؟
_ نعم قالت السيدة.
أدخلتني الدار دون حتى أن تسأل من أنا ، أشفقتْ عليّ ورثتْ حالي وطفلتي، نحن كنا أشباه بشر نتنفس بالكاد لم أذق طعم الطعام لليوم الثاني ، رحبتْ هي وعائلتها بي وقدّمتْ لنا ما كان متوفراَ لديها أنه الحصار اللعين..
الوقت السابعة مساءً ، أفراد العائلة مجتمعين حول إبريق واستكانات الشاي يتسامرون ويتحدثون ، وأنا في عالم وحال آخر، يحاولون معي كي أشاركهم الحديث دون جدوى ، هو لم يأتي بعد!!
فُتح الباب ودخل "بختيار" حزينا، نظر اليّ نظرة يأس ، لم يقل شيئاً ، لم يأتِ وربما لن يأتي أبداً
أحسستُ بسائل ينزل على خديي بصمت، وماذا بعد ؟ ما ينتظرني الهرب من مدينة إلى أخرى ؟ مصير مجهول، أفكار سوداء تجول في خاطري لا أسمع ما يقال حولي ولا آراء من هم حولي،
بدء النعاس والتعب ظاهراً على عيونهم، أما أنا فالنعاس بعيداً عني لا يجرؤ على الاقتراب مني ، بدء الواحد تلو الآخر يخلد إلى فراشه وانا لا مأوى لي وفراشي بارد كالصقيع، ذهب كل واحد إلى عالم الأحلام الوردية وأنا أحلامي داكنة ولا مفر من الضياع بدونه ، أين أنت مني؟ ، ما الذي منعك من المجيء الي لتحميني ؟!!
الوقت منتصف الليل الجو حار ليس من أحد يستطيع أن ينام في داخل الغرف الكونكريتية، أنا مستلقية أتحدث بصمت مع النجوم ، أناجيهم ..
طُرق الباب طرقاً خفيفاً، قفز معه قلبي الملتاع، يا ترى مَنْ الطارق ؟ هل حان الوقت كي نُأخذ إلى سراديب التعذيب؟
قفز "بختيار" من مكانه واقفاً، توجه نحوا الباب قال بصوت خافت
_من الطارق
أتاه صوت من الطرف الآخر عجزتُ عن سماعه، وإذا ب "بختيار" يفتح الباب على مصراعية وبخفة وفرح..
إنه هو!! لقد أتى.



#بيان_بدل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- زواج القاصرات في عاصفة رملية
- الحدّ
- تسرب الروح عَبر الأبواب الموصدة
- الرحيل إلى المجهول
- هديل الوقت
- الشريط الأبيض
- عودة الروح
- ملاكُ الليل
- حفلة إعدام حلم
- صرخة مؤدة ذاقت الموت بأوجه عدة
- إلى متى يمارس العنف الجسدي ضد الطفل في مجتمعاتنا ؟
- عندما تحض الامثال الشعبية على الحط من قيمة المرأة كأنسانة
- حلم الطفولة الضائع...
- كلمات متساقطة
- مشاهد من الذاكرة ( الحنين إلى الأمّ)
- مشاهد من الذاكرة


المزيد.....




- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
- روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا
- “بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا ...
- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...
- الإعلان الثاني جديد.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 الموسم ا ...
- الرئيس الايراني يصل إلي العاصمة الثقافية الباكستانية -لاهور- ...
- الإسكندرية تستعيد مجدها التليد
- على الهواء.. فنانة مصرية شهيرة توجه نداء استغاثة لرئاسة مجلس ...
- الشاعر ومترجمه.. من يعبر عن ذات الآخر؟
- “جميع ترددات قنوات النايل سات 2024” أفلام ومسلسلات وبرامج ور ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بيان بدل - (رحلتي) سيرة ذاتية