أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - هاني عبيد - التاريخ المنسي - قرار التقسيم وإنشاء دولة لإسرائيل















المزيد.....


التاريخ المنسي - قرار التقسيم وإنشاء دولة لإسرائيل


هاني عبيد

الحوار المتمدن-العدد: 7165 - 2022 / 2 / 17 - 19:45
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


التاريخ المنسي - قرار التقسيم وإنشاء دولة إسرائيل
أعد دراسة بعنوان "التاريخ المنسي..قرار التقسيم وإنشاء دولة لإسرائيل"، حيث سأستعرض مواقف الدول التي خرجت منتصرة بعد الحرب العالمية الثانية وهي: الاتحاد السوفياتي وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية. وسأنشر تباعاً فصول من هذه الدراسة، ويسعدني أن يشاركني القراء بملاحظاتهم وتعليقاتهم حول هذا الموضوع الهام.
موقف الولايات المتحدة الأمريكية -9
هاري ترومان ولإسرائيل
وكمثال على الضغوط التي كانت تمارس، فقد ذكر الرئيس الأمريكي هاري ترومان في مذكراته الضغط الذي مارسته الصهيونية بشأن قرار تقسيم فلسطين، حيث يذكر "الحقائق هي أن عمليات الضغط في دوائر الأمم المتحدة لم تكن فقط بصورة لم يعرف لها مثيل هناك من قبل، بل أن البيت الأبيض أيضاً كان عرضة لضغط مستمر. ولا اعتقد أنني قد تعرضت قط لضغط ودعاية وجها إلى البيت الأبيض مثل الذي تعرضت له في هذه الحالة. إن الحاح عدد من قادة الحركة الصهيونية المتطرفين مدفوعين بدوافع سياسية ولاجئين إلى التهديدات السياسية قد أقلقني وأزعجني. ولقد كان البعض يقترح أن نضغط على دول ذات سيادة لحملها على التصويت لصالحهم في الجمعية العامة".
كان الرئيس هاري ترومان كغيره من الأمريكيين متأثراً بالأخبار التي كانت ترد من أوروبة حول معاناة اليهود في معسكرات الإعتقال والمجازر التي أرتكبت بحقهم (عانت كل الشعوب الأوروبية من مجازر وفظائع النظام النازي وليس اليهود فقط ولكن لسيطرة اليهود على وسائل الإعلام فإنها ركّزت بشكل خاص على اليهود). تركت هذه الأخبار تأثيرها عليه بحيث أنه صرح في أحد الإجتماعات الجماهيرية في شيكاغو عام 1943م بضرورة اتخاذ كل إجراء إنساني ممكن لتقديم جنة لليهود الناجيين من النازية. وكعضو في الكونغرس فقد أكد مراراً لزعماء الصهيونية بأنه سيناضل من أجل إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، وكذلك، كرئيس فقد تأثر بالتقرير الذي قدمه له ايرل هاريسون Earl G. Harrison عميد كلية الحقوق في جامعة بنسلفانيا والمفوض السابق للهجرة مرفقاً بوثائق حول الحالة المُزرية لليهود في أوروبا، بحيث أصبحت لدى نرومان قناعة بأن فلسطين هي الخيار الأمثل لليهود الناجيين في أوروبة.
بعد إنتهاء الحرب العالمية الثانية كانت القوى المنتصرة في الحرب مشغولة بإعادة ترتيب مناطق النفوذ في أوروبا، ويحاول كل فريق أن يُعظّم مكاسبه. فالإتحاد السوفياتي بدأ يهيمن على دول أوروبة الشرقية ويعتبرها مناطق نفوذ له، بينما هيمنت الولايات المتحدة على دول أوروبة الغربية واستمالتها بواسطة مشروع مارشال للإعمار، وخاصة أن إيطالية وفرنسة شكلتا قلقاً للولايات المتحدة بسبب نفوذ الحزب الشيوعي في كل منهما. كانت ألمانية منطقة الصراع، فهي مقسمة وخاضعة لنفوذ الدول الكبرى الأربعة المنتصرة في الحرب.
في ظل هذه الأجواء أصبحت قضية فلسطين ومطالبة اليهود بوطن قومي فيها على الطاولة في الولايات المتحدة، ولم يكن هناك إتفاق حول السياسة التي يجب على الولايات المتحدة تبنيها حيث ظهر الإنقسام بين وزارة الخارجية التي تراسها مارشال ووزارة الدفاع التي ترأسها فوريستال من جهة وبين البيت الأبيض من جهة أخرى. كانت تقديرات رؤوساء الأركان بأن حماية اليهود في فلسطين تتطلب أن تُرسل الولايات المتحدة قوات عددها لا يقل عن مائة ألف جندي وهذه عملية مكلفة وغير عملية. ونذكر في هذا الصدد أن ترومان سُئل في مؤتمر صحفي بتاريخ 16 آب حول موقف أمريكا من قضية فلسطين وإذا كان هذا الأمر قد بُحث في مؤتمر بوتسدام فأجاب ترومان أنه بحث هذا الموضوع مع تشرشل أولاً ثم مع خليفته الذي انتصر في الانتخابات اتلي ولم يبحثه مع ستالين. أما موقف أمريكا فيتلخص بالسماح بهجرة أكبر عدد من اليهود إلى فلسطين مع ضرورة الحفاظ على الأمن والسلم الاجتماعي، وأضاف بأن لديه فكرة لم تتبلور حول ارسال 500 ألف جندي إلى فلسطين لحفظ الأمن والسلام. وفي مؤتمر صحفي آخر بتاريخ 18 أكتوبر سُئل ترومان هل هناك مراسلات بينه وبين اتلي رئيس الوزراء البريطاني، فأجاب حديثاً لا، ولكن هناك مراسلات عديدة حيث طلب فيها ترومان من اتلي السماح بهجرة مائة ألف يهودي إلى فلسطين.
لعب الثنائي كلارك كليفورد Clark Clifford(كلارك كليفورد (1906-1988)م – محامي أمريكي خدم كمستشار سياسي للرؤوساء الديموقراطيين ترومان وكيندي وجونسون وكارتر. أما المناصب التي تقلدها فكانت: مستشار قانوني للبيت الأبيض (1946-1950)، رئيس المجلس الإستشاري للإستخبارات للرئيس (1963-1968)، وزير دفاع (1968-1969). كان مهندس الإنتصار المفاجئ والمُذهل لترومان في إنتخابات 1948م ضد الجمهوري توماس ديوي Thomas Dewey) وديفيد نيلس David K. Niles (ديفيد نيلس (1888-1952)م – سياسي أمريكي ولد في بوسطن وعمل في البيت الأبيض من عام 1942 وغاية عام 1951 في إدارة فرانكلين روزفلت وهاري ترومان وكان أحد أثنين استبقاهم ترومان في البيت الأبيض من إدارة روزفلت. ولد لأبوين مهاجرين من ألمبراطورية الروسية) من موظفي البيت الأبيض دوراً رئيسياً في توجيه سياسة البيت الأبيض تجاه فلسطين. كان نيلس من موظفي البيت الأبيض في عهد الرئيس روزفلت وتم الأحتفاظ به في البيت الأبيض في عهد ترومان، وهو يهودي، وشعر منذ البداية تعاطف ترومان مع اليهود بعكس روزفلت. وعن طريق هذا الثنائي كان يتم تزويد المنظمة الصهيونية بالمعلومات حول ما يجري في البيت الأبيض.
كان مارشال يُقيّم الأمور من وجهة نظر عسكرية كونه جندياً محترفاً، فقد كان يشعر بالخطر الذي يشكله الإتحاد السوفياتي وخاصة في أوروبا، وبالتالي فقد أدرك أهمية بترول الشرق الأوسط (وخاصة البترول السعودي) في أية مواجهة عسكرية في أوروبا، حيث كانت أوروبا تستورد 80% من احتياجاتها النفطية من منطقة الشرق الأوسط.
كان لوي هاندرسونLoy Henderson ( لوي هندرسون Loy Henderson (1892-1986)م – ولِد في أركنساس ودرس في كلية في بلدة صغيرة في الولاية قبل أن ينتقل إلى جامعة نورثويسترن. وبسبب إصابة في يده لم يخدم أثناء الحرب العالمية الأولى في الجيش وإنما أصبح متطوعاً في الصليب الأحمر في عام 1922م أصبح موظفاً في الخدمات الخارجية للولايات المتحدة، وبعدها أصبح خبيراً في الشؤون السوفيتية وتخصص في علاقة الكومنترن بالمنظمات اليسارية في أمريكا. اعترفت إدارة روزفلت في عام 1933م بالإتحاد السوفياتي وعُيّن هندرسون في السفارة الأمريكية في موسكو. خدم كسفير في الهند وإيران وفي عام 1945م عاد إلى واشنطن كمدير لشؤون الشرق الأدنى في الخارجية الأمريكية. تقاعد من الخدمة في عام 957م) يعمل في وزارة الخارجية وكان متهماً بأنه يميل للعرب ومعادياً للصهيونية، ولذلك نجد قيام حملة منظمة ضده تمثلت بالآف الرسائل التي إنهالت على وزارة الخارجية تُطالب بفصله. تم استدعائه من قبل الرئيس بوجود كليفورد ونيلس لإجتماع لمناقشة آرائه، وبيّن أن هذه آراء كل البعثات الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط. ويذكر هاندرسون أن ملامح وجه الرئيس كانت تُشير إلى أن الكونغرس والماكنة الإعلامية والحزب الديموقراطي والرأي العام سيقف ضده أن هو تخلى عن فكرة دعم إنشاء وطن لليهود في فلسطين.
من الرجال الذين لعبوا دوراً كبيراً في إقناع ترومان بتأييد فكرة إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين كان رجل الأعمال الأمريكي وأحد أقرب أصدقاء ترومان وهو إدوارد جاكبسون ( إدوارد جاكبسون Idward Jacobson (1891-1955)م – رجل اعمال أمريكي وأحد أقرب أصدقاء الرئيس هاري ترومان. ولِد لأبوين يهوديين مهاجرين من ليتوانيا. قابل جاكبسون ترومان في عام 1905م وعملا معاً في مدينة كينساس. لعِب دوراً كبيراً في نصرة يهود أوروبة ودعم المنظمات الصهيونية. زار إسرائيل في عام 1949م وقابل رئسها وايزمن ورئيس وزرائها بن غوريون. أبدى رغبته الشديدة في مرافقة الرئيس ترومان لزيارة إسرائيل بعد تقاعد الرئيس في عام 1953م، ولكن رغبته لم تتحقق إذ مات الرئيس في عام 1955م إثر نوبة قلبية) فقد اقنع الرئيس بمقابلة وايزمن. وكان ترومان قد رفض مقابلة وايزمن في شباط 1947م حيث ليس لديه أي شيء ليخبره وإن الوضع حالياً غير قابل للحل. لكن جاكبسون لم يستسلم وفي 13 آذار وكان يوم سبت حيث دخل إلى البيت الأبيض بدون موعد لمقابلة ترومان في مكتبه، وقد حذره مات كونيللي (مات كونيللي Mathew Connelly (1907-1976)م – موظف حكومي في إدارة الرئيس ترومان. تخرج من جامعة فوردهام وابتدأ حياته العملية في بورصة نيويوك، وفي عام 1939م ابتدأ العمل في الإدارة الحكومية وأصبح السكرتير التنفيذي لنائب الريس ومن ثم سكرتيراً للرئيس. اتهم بتلقي رشوة في عام 1955م وحُكِم في عام 1956م زأمضى ستة شهور في السجن في عام 1960م. منحه الرئيس كنيدي عفواً في عام 1962م) بعدم ذكر فلسطين أمام الرئيس. وأمام إصرار جاكبسون وافق ترومان على مقابلة حاييم وايزمن. وهكذا، في 18 آذار وبشكل سري اجتمع ترومان مع وايزمن حيث أخبره الرئيس بأنه يرغب في سيادة العدل وعدم إراقة الدماء وإن الولايات المتحدة ستصوت مع قرار التقسيم.
أرسل جاكبسون بتاريخ 3/10/1947م رسالة إلى الرئيس ترومان فيما يلي نصها:
فخامة هاري س. ترومان
رئيس الولايات المتحدة
البيت الأبيض
واشنطن دي سي
عزيزي السيد الرئيس
ثانية أناشدك نيابة عن شعبي.
إن مستقبل مليون ونصف من يهود أوروبا يعتمد على الاجتماع الحالي في هيئة الأمم. ومع قدوم الشتاء وما يرافقه من مصاعب، فإن الوقت قصير لاتخاذ إجراء في هذا الاجتماع لرفع المعاناة عن الناس الذين لا حول ولا قوة لهم.
كيف يمكن لهم أن يتحملوا شتاء آخراً في معسكرات الاعتقال والحفر الجهنمية التي يعيشون فيها، إن ذلك يفوق تخيلاتي. في كل هذا العالم، هناك مكان وحيد يمكن أن يذهبوا إليه وهوفلسطين. أنت وأنا نعلم جيداً أن هذا هو الجواب الوحيد.
لقد قرأت أحدث تصريح لوزير الخارجية مارشال حيث يقول أن الولايات المتحدة ستعطي أهمية كبيرة لتوصيات لجنة يونسوب UNSOP، وهو يستحق الشكر على هذا التصريح. والآن إذا بامكانك كقائد وناطق باسم بلدنا للتعبير عن دعمك لهذه العملية فأعتقد بأننا سننجز أهدانا قبل اجتماع الجمعية العمومية.
أعتقد أنني واحد من قلة تعرف الحمل الثقيل والمزعج الملقى على عاتقك خلال هذه الأيام العصيبة. ولذلك، فأنا آخر من يُضيف إلى هذا الحمل، ولكني أشعر بأنك ستغفر لي هذا العمل لأن عشرات الآلآف من الأرواح تعتمد على كلمة تخرج من فمك وقلبك.
هاري شعبي يريد المساعدة وأنا أرجوك أن تُساعدهم.
كل واحد في بيتي بخير وعملي يسير بشكل جيد، فقط كبّرت المخزن وأنا فخور بذلك.
أتمنى لك ولعائلتك الأحسن من كل شيء.
بإخلاص، صديقك

وقد أجابه ترومان برسالة بتاريخ 8 اكتوبر فيما يلي نصها:

8 أكتوبر 1947م
صديقي إيدي
أثمن كثيراً رسالتك في الثالث (من أكتوبر) بخصوص الحالة اليهودية.
المسألة الآن منظورة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة ولا أظن من الصواب لي أن أتدخل في هذه المرحلة، وخاصة أنها تتطلب ثلثي الأصوات لتحقيق الغرض المطلوب.
الجنرال مارشال يُعالج هذا الشيئ وأظن وآمل أن تكون معالجته صائبة.
لا أرغب بأن أكون متورطاً في هذا الموضوع على الإطلاق وعندما أراك أخبرك بالمصاعب.
صديقك المُخلص
هاري
لم يعلم أحد في الكونغرس أو الإدارة بزيارة وايزمان، ولذلك جاءت تصريحات المندوب الأمريكي أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 19 آذار كضربة للأحلام الصهيونية، فقد صرح السناتور السابق وارن أوستن المندوب الأمريكي بأن الولايات المتحدة توصي بمنع خطة التقسيم ووضع فلسطين مؤقتاً تحت وصاية الأمم المتحدة. كان لهذا التصريح دوياً هائلاً لأن اليهود أعتبروه تخلياً عن دعمهم في إنشاء وطن قومي لهم في فلسطين وتعالت الصيحات التي تتهم الإدارة بخيانة الشعب اليهودي، واعتبر جاكبسون يوم الجمعة التي أعلن فيها مندوب أمريكا هذا الموقف باليوم الأسود. وكان جاكبسون قد تلقى يوم الأثنين رسالة من حاييم وايزمن يخبره فيها أن صديقه هاري ترومان هو وحده أقوى رجل في العالم وإن جاكبسون هو القادر على إبقاء أبواب البيت الأبيض مفتوحة. وزاد الطين بلة أن مارشال عقد مؤتمراً صحفياً في لوس أنجلوس مساء نفس اليوم الذي أعلن فيه مندوب أمريكا موقفها من التقسيم حيث أكد أن الوصاية على فلسطين هي الأسلوب الحصيف، وقد نسّب هذا الموقف للرئيس والذي وافق عليه. كان هذا التصريح صاعقاً بالنسبة لترومان. وعاد وايزمن في رسالة لترومان في 9 نيسان ليخبره " بأن خيار شعبنا، السيد الرئيس، هو بين وطن أو الإبادة. لقد وضع التاريخ والعناية الألهية هذا الأمر بين يديك وأنا واثق بأن قرارك سيكون بروح العدالة الأخلاقية".
كانت هذه الفترة عصيبة على الرئيس، حيث كانت شعبيته قبل الإنتخابات في تراجع وبلغت 36%، وهذا ما أسعد الجمهوريون، وخاصة أن مجلة نيو ريبابلكNew Republic كان عنوانها الرئيسي "لا يمتلك هاري ترومان أية صفات تتطلبها الرئاسة". ترومان يجب أن يُغادر.
وفي بداية شهر ايار طلب الرئيس من كليفورد أن يُعد خطاب الأعتراف بالدولة اليهودية الجديدة. وبعد ظهر يوم 12 ايار عُقِد اجتماع في البيت الأبيض ضم الرئيس ومارشال وروبرت لوفيت Robert Lovett وروبرت مك كلينتوك Robert Mcclintok وفراسر ويلكنس Fraser Wilkins من وزارة الخارجية، إضافة إلى كليفورد ونيلس ومات كونيللي. في هذا الإجتماع بيّن كليفورد في مداخلته ضرورة الأعتراف بالدولة اليهودية قبل إعلانها حتى لا يسبقنا الإتحاد السوفياتي في هذا الأمر. كان رأي وزارة الخاجية متحفظاً حول الأعتراف بدولة غير معروف حدودها، كما أن عدداً كبيراً من اليهود المهاجرين إلى فلسطين هم شيوعيون وعملاء للسوفيات. كانت تُخيم على الإجتماع الإنتخابات التي ستجري في نوفمبر، وهذا ما دفع مارشال للقول بأن المسائل الداخلية يجب أن لا تُحدد السياسة الخارجية، وإذا ساند الرئيس وجهة نظر كليفورد فإنه سيصوت ضد الرئيس في الإنتخابات القادمة.
تم إعلان قيام دولة إسرائيل في منتصف ليلة 15 ايار وبعد 11 دقيقة إعترفت الولايات المتحدة بهذه الدولة وكان إعترافها بها كأمر واقع De factoo (اعترافاً واقعياً) ولكن دون تصديق، بينما جاء إعتراف الإتحاد السوفياتي كثاني دولة وكان إعترافها بحكم القانون De Jure (اعترافاً قانونياً). اعترفت الولايات المتحدة باسرائيل اعترافاً قانونياً في 31 يناير 1949م. وتذكر غولدا مائير في مذكراتها أن غواتيمالا كانت الدولة الثانية التي تعترف بلإسرائيل.

وفي هذا الصدد ذكر ترومان في مذكراته "...أما الآن وقد كان اليهود مستعدين لاعلان قيام دولة اسرائيل، فقد قررت أن أبادر فوراً وأعلن اعتراف امريكا بالدولة الجديدة. وأوعزت إلى أحد موظفيّ أن يبلغ قراري إلى وزارة الخارجية لايصاله إلى السفير أوستن في الأمم المتحدة بنيويورك. وبعد ذلك بثلاثين دقيقة، وبعد مرور احدى عشرة دقيقة بالضبط على اعلان قيام اسرائيل كدولة، سلم جارلي روس، سكرتيري الصحفي، إلى رجال الصحافة بياناً باعتراف الولايات المتحدة بحكومة اسرائيل المؤقتة اعترافاً واقعياً".
لقد حفظ اليهود لترومان جهوده في دعم إنشاء دولة إسرائيل، ففي عام 1953 قدّم جاكبسون ترومان إلى الجمهور اليهودي قائلاً: هذا الرجل الذي ساعد على خلق دولة إسرائيل، ولكن ترومان أجابه قائلاً: ماذا تعني ساعدَ، أنا كورش، وكان يُشير بذلك إلى الأمبراطور الفارسي كورش الذي أعاد اليهود من السبي البابلي إلى فلسطين. أما أليس ورونالد رادوش Allis & Ronald Radosh فقد ذكرا في كتابهما عن ترومان وإسرائيل "لم تكن لتعيش دولة لإسرائيل الجديدة في السنوات الأولى الصعبة وتنجح لاحقاً بدون ترومان".
وهكذا نجد أنه في الوقت الذي كانت فيه المنظمات الصهيونية واليهود المتنفذين في كل أنحاء العالم لا يُغمض لهم جفن ويقيمون العلاقات ويمارسون الضغوط كان العرب يغطون في سبات عميق ولم يستخدموا عناصر القوة لديهم والمتمثلة في النفط، كانوا غائبين عن المسرح الدولي وغيرهم كان حاضراً.
دور عائلة دالاس في قرار التقسيم
تُشير الوثائق التاريخية إلى علاقات تجارية بين عائلة روكفلر والنظام النازي، وقد ابتدأت هذه العلاقات مع المانيا قبل استلام الحزب الاشتراكي الحُكم. فبين أعوام 1933م و 1945م إقامت مؤسسة روكفلر Rockfeller Foundation علاقات مع النظام النازي في مجال تمويل البحوث المتعلقة بعلم تحسين النسل انطلاقاً من هدف المؤسسة المُعلن بدعم كل ما يتعلق بتحسين معيشة الإنسان في العالم وخاصة في مجال تحديد النسل. رئس المؤسسة منذ عام 1897م جون روكفلر جونيور John D. Rockfeller Jr. وأصبح لاحقاً مهتماً بكل ما يتعلق بتحسين النسل متأثراً بأستاذه في جامعة بروان.
أقامت مؤسسة روكفلر علاقات علمية مع معهد القيصر ولهلم The Kaiser Wilhelm Institute وقدمت له تمويلاً مالياُ. فمثلاً، قدمت في عام 1929م دعماً مالياً لعالمة ألمانية هي أجنس بلولم Agnes Blulm والتي كانت أحد علماء الصحة والوفيات ومهتمة بالأعراق والإنحرافات العقلية بين الناس. وتطورت هذه العلاقات لاحقاً مع أرنست رودين Ernst Rudin رئيس المعهد والذي كان يقوم ببحوث في مجال الدماغ ويعتبر حضوره مهماً عند حدوث عمليات التطير العرقي.
في كانون الثاني من عام 1932م عرّف المستشار الألماني فون بابن هتلر ببورمان وبالأخوين آلن وجون فوستر دالاس (وهم أبناء عم للأخوة الخمسة من عائلة روكفلر). وخلال سنة أدخل فون بابن هتلر في الدوائر المالية والصناعية الألمانية، وبعد ذلك باسبوعين أصبح هتلر مستشاراً لألمانيا. قام هتلر عندما أصبح مستشاراً بتعيين شاخت مديراً لبنك الرايخستاغ وكان هذا الشخص محسوباً على نورمان وكان الأثنان من ضمن دائرة عائلة روتشيلد المالية.
إضافة للتعاون في المجال العلمي، فقد أسس آلن دالاس وجون فوستر دلاس سلسلة من الشركات الوهمية Front companies للتمويه على الأعمال التي كان يقوم بها نلسون روكفلر لتمويل المجمع الصناعي الألماني والذي كان يزود هتلر بالنفط من دول أمريكا اللاتينية. وقد تم تعيين بريسكوت بوش Prescott Bush والد الرئيس الأمريكي جورج بوش كرئيس لمجلس إدارة العديد من هذه الشركات التي كانت تقوم بمهمة تصدير النفط. وقد أطمأن بوش لهذا العمل لأن الأخوين دالاس كانا من أبرع المحامين العالميين في إخفاء حقيقة الإستثمارات غير القانونية.
لقد بدأ حون فوستر دالاس الاتصالات مع المانيا في عام 1936م، وبعد ذلك بثلاث سنوات حاز على حصة كبيرة في بنك تشيز ناشونال بنك وفتح على أثرها حساباً لجهات نازية بقيمة 25 مليون دولار، وأصبحت الشركات النفطية التي يمتلكها روكفلر تزود الألمان بالنفط من امريكا اللاتينية عن طريق اسبانيا التي أصبح يحكمها الجنرال فرانكو. أما نيلسون روكفلر فكان يمتلك حصة كبيرة من اسهم شركة فاربن اندستري Farben Industry والتي كانت تنتج غاز زيكلون بي Zyklon B وهو غاز قاتل كان يُستخجم في معسكرات الأعتقال الألمانية.
لقد تم كشف العديد من الوثائق المتعلقة بها النشاط عن طريق اليانور أخت الأخوين دالاس. فقد تزوجت اليانور من برفيسور يهودي وبذلك سببت فضيحة لعائلة دلاس حيث أن جذورها ألمانية. أنتحر زوج أليانور واتهمت أخويها بدفع زوجها للإنتحار، ولذلك، وكنوع من الأنتقام ابتدأت بالحصول على نسخ من وثائق غسيل الأموال والكود السري المستخدم في هذه الأعمال. استطاعت الصهيونية من الحصول على هذه الوثائق عن طريق روفن شيلواح Reuven Shiloah مؤسس الموساد.
ما أن عرف بن غوريون عن أهمية المعلومات التي تم الحصول عليها والمتعلقة بنشاطات روكفلر مع الألمان حتى أوعز باستخدامها لصالح التصويت في الجمعية العامة. فروكفلر له علاقات اقتصادية متينة مع دول أمريكا الجنوبية ويتمتع بنفوذ كبير فيها، لذلك لا بد ابتزازه باستخدام نفوذه في تغيير موقف دول أمريكا اللاتينية بالتصويت لصالح قرار التقسيم، علماً أن هذه الدول تمتلك 12 صوتاً وموقفها حازم وكانت متعاطفة مع الموقف العربي وحكامها عرفوا بعدائهم للصهيونية وكانوا يتهمون بمعاداة السامية، إضافة إلى أن الخارجية الأمريكية كانت سراً تدعو هذه الدول للتصويت ضد قرار التقسيم.
وفجأة ظهر في مكتب روكفلر رجلان حيث وضعا أمامة ملفاً كبيراً للاطلاع عليه. كانت المعلومات الموجودة في الملف تشكل حبل مشنقة سيلتف حول عنقه. فقد كان الملف يحتوي على صور للحسابات المالية لفرع بنكه في سويسرا حيث تُبين حجم المعاملات المالية لروكفلر مع النازيين وكذلك صور لمراسلاته مع الشركات الألمانية والتي لها فروع في أمريكا الجنوبية وايضاً تسجيل لمحادثاتهمع مسؤولين في الرايخ الثالث. كما احتوى الملف اثباتات بحق شقيقه آلن والمتعلقة باشتراكه في عمليات تهريب غير قانوني لمجرمي الحرب الألمان إلى دول أمريكا اللاتينية.
ومن المعلومات التي احتواها الملف كذلك، اثباتات بحق رئيس الأرجنتين خوان بيرون والذي ساعد في نقل النازيين الألمان الهاربين إلى أمريكا الجنوبية مع أموالهم من البنوك الأوروبية.
بعد الاطلاع على الملف سأل روكفلر ماذا تريدزن؟ وكان الجواب ببساطة أصوات دول أمريكا اللاتينية للتصويت مع قرار التقسيم في الجمعية العامة. أجابهم لكم أصواتهم لتأسيس دولتكم وشرطي أن لا يتم مطلقاً نشر المعلومات التي يحتويها الملف، وثانياً أن تغلقوا عيونكم عن هروب النازيين إلى دول أمريكا الجنوبية وأن لا تتم ملاحقة رجال البنوك الألمان. تم تمرير هذه الشروط لبن غوريون والتي وافق عليها ضارباً بعرض الحائط حياة اليهود الذي قتلوا في المحرقة والتي يتباكون عليها. ولم تقم اسرائيل بعد إعلانها بملاحقة أي ضابط أو مجرم حرب ألماني طيلة حياة بن غوريون، وبعدها كانت الحالة الوحيدة هي القبض ومحاكمة أيخمان.
ونتيجة لهذه الصفقة تغير موقف دول أمريكا اللاتينية بين ليلو وضحاها. فقد تغير موقف البرازيل ونيكاراغوا وبوليفيا والاكوادور من ضد قرار التقسيم إلى النصويت مع. أما الأرجنتين وكولومبيا والسلفادور فقد امتنعت عن التصويت، وحسب نظام التصويت في الجمعية العامة فلا يتم حساب الممتنعين عن التصويت في النتيجة النهائية.



#هاني_عبيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التاريخ المنسي - الولايات المتحدة الأمريكية - 8
- التاريخ المنسي - دور بريطانيا - 7
- تاريخ المنسي - قرار التقسيم وإنشاء دولة إسرائيل. صفقات الأسل ...
- التاريخ المنسي - قرار التقسيم وإنشاء دولة إسرائيل، ستالين وف ...
- التاريخ المنسي. قرار التقسيم وإنشاء دولة إسرائيل. موقف الاتح ...
- التاريخ المنسي قرار التقسيم وإنشاء دولة لإسرائيل- موقف الاتح ...
- التاريخ المنسي- قرار التقسيم وإنشاء دولة إسرائيل، موقف الاتح ...
- التاريخ المنسي-قرار التقسيم وإنشاء إسرائيل. موقف الاتحاد الس ...
- نظرات في علم الهندسة عند الأغريق
- ذكريات - 3 مذكرات أندريه غروميكو
- ذكريات -2 مذكرات أندريه غروميكو
- عرض كتاب -ذكريات- مذكرات أندريه غروميكو
- ما اختزنته الذاكرة عن فلسطينيي الداخل -2
- ما خزنته الذاكرة عن فلسطيني الداخل-1
- قراءة جديدة لوعد بلفور
- البحث العلمي
- التفكير العقلاني في حل المشاكل


المزيد.....




- شرطة لندن: عشرات البلاغات المتعلقة باتهامات في حق الفايد منذ ...
- لبنان.. شاهد اللحظات الأولى بعد قصف إسرائيلي استهدف وسط بيرو ...
- حياة الحيوانات في لبنان بخطر: فرق الإنقاذ تكافح لإنقاذ المتض ...
- مقتل 4 أشخاص بانفجار في محطة للوقود في عاصمة الشيشان غروزني ...
- اللواء الصمادي: عملية القسام أكدت أن الأنفاق سر من أسرار حرب ...
- مصدر بالجيش اللبناني: لن نسمح باقتحام الجيش الإسرائيلي مراكز ...
- لفقدان الوزن أم للأداء الرياضي؟ دليلك لاختار الكربوهيدرات ال ...
- جنود إسرائيليون يتحدثون عن الفروق في قتالهم بين غزة وجنوب لب ...
- دبلوماسية أميركية: دعم إسرائيل وصمة عار ستطارد واشنطن لأجيال ...
- بعد عام على اندلاعها.. تبعات الحرب على لبنان


المزيد.....

- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .
- الخطاب السياسي في مسرحية "بوابةالميناء" للسيد حافظ / ليندة زهير
- لا تُعارضْ / ياسر يونس
- التجربة المغربية في بناء الحزب الثوري / عبد السلام أديب
- فكرة تدخل الدولة في السوق عند (جون رولز) و(روبرت نوزيك) (درا ... / نجم الدين فارس
- The Unseen Flames: How World War III Has Already Begun / سامي القسيمي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - هاني عبيد - التاريخ المنسي - قرار التقسيم وإنشاء دولة لإسرائيل