|
ذكريات -2 مذكرات أندريه غروميكو
هاني عبيد
الحوار المتمدن-العدد: 7107 - 2021 / 12 / 15 - 00:25
المحور:
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
كتاب "ذكريات -2 " المؤلف: اندريه غروميكو العلاقات السوفياتية – الامريكية يعتبر غروميكو احد المختصين القلائل في الاتحاد السوفياتي السابق في الشؤون الامريكية (بالاضافة إلى السفير السابق دوبرنين)، ولا عجب في ذلك حيث أنه ابتدأ حياته العملية في واشنطن (هذا إذا استثنينا فترة قصيرة عمل فيها باحثاً في المعهد الاقتصادي التابع لاكاديمية العلوم السوفياتية). وقد خصص جزءاً من ذكرياته للحديث عن عمله في امريكا، وعن العلاقات السوفياتية – الامريكية، وخاصة في فترة الحرب العالمية الثانية. فقد أُقيمت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في عام 1933، وكان أول سفير امريكي في موسكو هو السيد ويليام بوليت، وتبعه بعد ذلك السفير جوزيف ديفيس. كانت مهمة السفير غروميكو في واشنطن صعبة، وخاصة اثناء الحرب العالمية الثانية. وكان عليه أن يكسب الرأي العام الامريكي إلى جانب الاتحاد السوفياتي في حربه ضد المانيا النازية، وأن يستقطب الكونغرس الامريكي ورجال السياسة والاقتصاد والفن والثقافة دعماً لبلده. ونراه في هذا المجال يمد يد الصداقة إلى الجميع، ويحفل يومه بالاجتماعات والمحادثات مع رجال من كل المستويات والمهن، ولا يستثني من ذلك أفراد الجالية الروسية الذين هاجروا بعد الثورة إلى امريكا، كل ذلك في سبيل الهدف الذي وضعه نصب عينيه، وهو دعم المجهود الحربي السوفياتي، وبناء العلاقات السوفياتية – الامريكية على أسس راسخة ومتينة. ويفرد غروميكو في كتابه صفحات مشرقة للحديث عن الرئيس الامريكي روزفلت وعائلته، ويصفه "بأعظم رجل في الولايات المتحدة الامريكية"، ثم يضيف "بأنه لم يعرف لاحقاً رئيساً لامريكا يمكن مقارنته بروزفلت". ويكسب هذا التقييم أهمية كبرى إذا عرفنا أن غروميكو تحدث مع جميع الرؤوساء الامريكيين إبتداء بروزفلت وانتهاءً بالرئيس رونالد ريغان. ويذكر أن روزفلت أخبره في إحدى المناسبات قائلا " بأن الرأس تدور من كثرة المشاكل، ويلزمني رجال أذكياء لحل هذه المشاكل بطريقة صحيحه". ويلفت النظر في كتاب غروميكو عند حديثه عن رجال السياسة أنه يذكر موجزاً عن حياة الشخص المعني ويقّييم آرائه ونظرته إنطلاقاً من موقعه الطبقي، ويذكر ايجابياته، وخاصة فيما يتعلق بالعلاقات مع بلاده. ويتحدث في المجال السياسي عن رجال بارزين في الادارة الامريكية، فهو يتحدث عن كورديل هيلي الذي شغل منصب سكرتير الدولة في الفترة ما بين 1933 وجتى عام 1944، ويصفه ببطريرك العمل الدبلوماسي الامريكي، ولا ينسى كذلك أن يتحدث عن رجال بارزين في عهد روزفلت مثل وزير البحرية الامريكي جورج فورستر ووزير الحربية هنري ستيمسون وغيرهم. ولا ينسى أن يخصص في ذكرياته شيئاً للحديث عن نلسون روكفلر باعتباره من ركائز الاقتصاد الامريكي.
ويخصص غروميكو جزءاً من ذكرياته للحديث عن نجوم الثقافة الامريكية مثل المغني المشهور بول روبنسون وشارلي شابلن وادوارد روبنسون. كذلك يتحدث بفخر وإعجاب عن الموسيقار الروسي المهاجر راحمانينوف، والذي يعتبره الروس – برغم هجرته إلى امريكا – أحد أعمدة الموسيقى الروسية الكلاسيكية في القرن العشرين. طهران – ياطا – بوتسدام تعتبر هذه المؤتمرات أهم مؤتمرات الحلفاء اثناء الحرب العالمية الثانية. فقد عقد مؤتمر طهران في عام 1943 (من 28 تشرين الثاني وحتى 1 كانون أول)، وعقد مؤتمر يالطا عام 1945 (من 4 شباط إلى 11 شباط)، وغقد مؤتمر بوتسدام عام 1945 ايضاً (من 17 تموز وحتى 2 آب). حضر المؤتمران الاولان القادة الثلاثة الكبار وهم ستالين (الاتحاد السوفياتي) وروزفلت (الولايات المتحدة الامريكية) وتشرشل (بريطانيا العظمى)، أما مؤتمر بوتسدام فقد حضره ستالين وترومان وتشرشل. كان غروميكو عضواً في الوفد السوفياتي في المؤتمرين الاخيرين. كان هدف هذه المؤتمرات مناقشة سير العمليات العسكرية وكيفية تحطيم النازية، ثم مناقشة وضع اوروبا بعد الحرب وكيفية المحافظة على السلم والأمن العالميين. كان أهم ما ناقشه مؤتمر طهران هو فتح الجبهة الثانية في اوروبا من قبل الحلفاء لمساعدة الجيش السوفياتي المتقدم والمشكلة البولندية. وناقش مؤتمر يالطا تقدم الجيوش على الجبهات المختلفة ثم مشكلة التعويضات الالمانية للدول المتضررة وخاصة الاتحاد السوفياتي، الذي طالب بتعويض قدره (20 -30) بليون دولار، ورغم عدم الاتفاق حول هذا الموضوع الا أن المؤتمر انتهى بنجاح. ويذكر غروميكو أن الخسائر المباشرة للحرب والتي تكبدها الاتحاد السوفياتي قدرت لاحقاً ب (2600) بليون دولار. عقد مؤتمر بوتسدام بين الثلاثة الكبار بعد تحطيم النظام النازي في المانيا. إن أهم حدث في هذا المؤتمر كان الاسلوب الذي ستخبر فيه امريكا الاتحاد السوفياتي حول امتلاكها القنبلة النووية. ويذكر غروميكو بان ما حدث كان كالتالي: بعد انتهاء جلسة المباحثات يوم 24 تموز وعند توجه ستالين إلى خارج القاعة استوقفه ترومان وقال له: أريد أن أخبرك ببلاغ سري. توقف ستالين واستمع إلى ترومان يقول له: اخترعت امريكا سلاحاً جديداً ذا قوة تدميرية كبيرة، ونحن عازمون على استخدامه ضد اليابان. استقبل ستالين الخبر بهدؤ ولم يعلق شيئاً، وكان تشرشل ينتظر نتيجة هذا الحديث القصير، حيث أخبره ترومان أن ستالين شكره على تلك المعلومات السرية. كان تعليق تشرسل بأن ستالين غبي لم يفهم الرسالة. وبعد هذه الحادثة أصدر ستالين أمراً إلى العالم الفيزيائي السوفياتي كورتشاتوف للاسراع في إنجاز القنبلة النووية السوفياتية برغم أن كورتشاتوف أبلغ ستالين بالتكلفة المرتفعة للقنبلة والتي تعادل ما تكبده الاتحاد السوفياتي من تكاليف في الحرب، الا أن ستالين أبلغه بالمضي قدماً قائلاً نحن انتصرنا في الحرب والتكاليف لا تهم. ويذكر الصحفي الامريكي ويليام لورنس في كتابه "الناس والذرة" بأن ترومان علل عدم قلق ستالين عندما أخبره عن السلاح ذي القوة التدميرية، بأن ستالين كان يجهل الابحاث المتعلقة بالذرة، ولكن الاحداث اللاحقة اثبتت أن عدم قلق ستالين كان لعلمه بأمكانية امتلاك الاتحاد السوفياتي قريباً لهذا السلاح، وبأن التوازن العسكري والاستراتيجي مع الولايات المتحدة أصبح حقيقة في السياسة المعاصرة. كانت المسألة الالمانية من أهم المسائل التي ناقشها المؤتمر، وتوصل المؤتمرون إلى قرارات بنزع سلاح المانيا، وحل الحزب النازي والأسس الديمقراطية التي ستقوم عليها الدولة الالمانية.
هيئة الأمم المتحدة يستعرض غروميكو في ذكرياته الاجتماعات والمؤتمرات التي عقدت لمناقشة تأسيس هيئة الأمم المتحدة، وكيف تم التغلب على العقبة الرئيسية وهي اصرار الاتحاد السوفياتي على مبدأ الإجماع في قرارات مجلس الأمن الدولي، وتمتع الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن بحق النقض (الفيتو) ، لقد شعر الاتحاد السوفياتي ببداية هبوب رياح الحرب الباردة، وبأن الأغلبية ستكون في جانب الولايات المتحدة لكون معظم الدول النامية كانت دولاً غير مستقلة، ولذلك نراه يصر على مبدأ النقض، وقبول جمهورية اوكرانيا وروسيا البيضاء أعضاء في هيئة الأمم المتحدة ليزيد من رصيد أصواته في الجمعية العامة. لقد دار جدل كبير حول اختيار مقر هيئة الأمم المتحدة، وكان الحديث يدور حول جنيف وباريس في اوروبا والولايات المتحدة الامريكية، وقد أدرك الجميع الفوائد الاقتصادية التي ستجنيها الدول التي ستحتضن مقر هيئة الأمم المتحدة، وخاصة في ظروف ما بعد الحرب. وحسم الاتحاد السوفياتي النقاش حول هذا الموضوع بأن ايد أن تكون الولايات المتحدة مقراً لهيئة الأمم المتحدة. لقد كانت الأعمال والمناقشات والمحادثات المتعلقة بميلاد هيئة الأمم المتحدة وإقرار ميثاقها ضخمة وانجازات كبيرة على الصعيد العالمي، وما أن انتهت هذه الأعمال حتى ابتدأت دوامة أخرى تتعلق بانتخاب السكرتير العام وتحديد مهماته، وأنتخب النرويجي تروجفه لي سكرتيراً عاماً. قمة جنيف وحلف شمال الاطلسي انتهت الحرب الكورية مع بداية رئاسة ايزنهاور للولايات المتحدة الامريكية، وتوقع العالم تخفيف حدة التوتر، وأصبح الجو مهيئاً لاجتماع قمة بين الدول الأربعة العظمى: الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة وبريطاني وفرنسا. ففي عام 1955 عقد اجتماع ضم ايزنهاور وايدن وفور وخروشوف، واحتدم النقاش اثناء الاجتماعات حول المانيا الديمقراطية وحلف شمال الاطلسي. حاولت الدول الغربية – كما يذكر غروميكو – اثبات أهمية حلف شمال الاطلسي كعامل مهم في حفظ السلام العالمي وخاصة في اوروبا. وعند هذه النقطة أتخذ الوفد السوفياتي (وكان يضم بالاضافة إلى خروشوف كلاً من جوكوف وبولغانين ومولوتوف وغروميكو) قراراً بتقديم طلب للانضمام إلى حلف شمال الاطلسي، لأن الاتحاد السوفياتي يريد المساهمة في حفظ السلام العالمي عن طريق ذلك الحلف. ووقع الخبر وقوع الصاعقة على الدول الغربية، حيث أصبحت في موقف حرج للغاية، وران الصمت على أعضاء الوفود، واختفت الابتسامة المعهودة من وجه ايزنهاور. وبعد الاجتماع استوقف دالاس غروميكو وسأله: هل من المعقول أن يكون الاتحاد السوفياتي جاداً في طلبه؟ وكان جواب غروميكو كما يذكر هو: إن الاتحاد السوفياتي لا يتقدم بطلبات غير جدية وخاصة على هذا المستوى. أما الرئيس ايزنهاور فتوجه إلى غروميكو قائلاً: نخبرك يا سيد غروميكو بأن الطلب السوفياتي سيدرس من جانبنا بتعمق، لانه مسألة جادة. ويذكر غروميكو أنه في كثير من الاجتماعات واللقاءات عندما كانت تثار مواضيع متعلقة بحلف شمال الاطلسي كان غروميكو يذكر طلب الاتحاد السوفياتي السابق بالانضمام إلى الحلف، ولكن الرجال تغيروا وتغيرت مواقعهم، وقليل من يذكر من السياسيين هذه الحادثة.
#هاني_عبيد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عرض كتاب -ذكريات- مذكرات أندريه غروميكو
-
ما اختزنته الذاكرة عن فلسطينيي الداخل -2
-
ما خزنته الذاكرة عن فلسطيني الداخل-1
-
قراءة جديدة لوعد بلفور
-
البحث العلمي
-
التفكير العقلاني في حل المشاكل
المزيد.....
-
بعد 80 عامًا على فرارهما من النازيين.. شاهد كيف استعاد زوجان
...
-
مصدر لـCNN: إيران تبلغ موقفها لأمريكا ودول بالمنطقة بشأن الر
...
-
قصف إسرائيل قاعدة لقوات حفظ السلام في لبنان يثير ردود فعل دو
...
-
-اليونيفيل- ترفض طلب إسرائيل مغادرة مواقعها على الحدود مع لب
...
-
أردوغان يدعو روسيا وسوريا وإيران لاتّخاذ إجراءات فعالة لحماي
...
-
الاتحاد الأوروبي يحث إسرائيل على ضمان استمرار عمل أونروا
-
غارات إسرائيلية مكثفة على لبنان و-حزب الله- يرد بالصواريخ وا
...
-
الأردن يطالب مجلس الأمن برفع الحصانة عن إسرائيل وحظر بيعها ا
...
-
النرويج تجلي دبلوماسييها من لبنان نتيجة التصعيد الإسرائيلي
-
القوات الأمريكية تش غارات جوية على معسكرات لـ-داعش- في سوريا
...
المزيد.....
-
فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا
...
/ زهير الخويلدي
-
الكونية والعدالة وسياسة الهوية
/ زهير الخويلدي
-
فصل من كتاب حرية التعبير...
/ عبدالرزاق دحنون
-
الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية
...
/ محمود الصباغ
-
تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد
/ غازي الصوراني
-
قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل
/ كاظم حبيب
-
قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن
/ محمد الأزرقي
-
آليات توجيه الرأي العام
/ زهير الخويلدي
-
قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج
...
/ محمد الأزرقي
-
فريديريك لوردون مع ثوماس بيكيتي وكتابه -رأس المال والآيديولو
...
/ طلال الربيعي
المزيد.....
|