أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - هاني عبيد - ما خزنته الذاكرة عن فلسطيني الداخل-1















المزيد.....

ما خزنته الذاكرة عن فلسطيني الداخل-1


هاني عبيد

الحوار المتمدن-العدد: 7080 - 2021 / 11 / 18 - 19:28
المحور: سيرة ذاتية
    


ما إختزنته الذاكرة عن فلسطينيي الداخل
البريق الذي ما زال يومض -1
كانت نكسة 1967 علامة فارقة في التاريخ العربي الحديث، فكانت كالمعول الذي حطّم بقسوة الهياكل التي شيدناها لآمالنا وأحلامنا في حياة ومستقبل جميل للأجيال القادمة. في لحظة سوداء من تاريخنا فقدنا كل شيء، وتمزقت غلالات كانت تستر كل عوراتنا، وتيقّنا أننا كنا نعيش في وهم كبير، وفي هذا الظلام الدامس الذي خيّم على حياتنا بدأ البعض يتلمس طريقة لإيجاد بصيص نور يرشدنا إلى ملامح طريق افتقدنا بوصلته.
قبل عام 1967م كان فلسطينيو الداخل - الذين إنزرعوا في الأرض ولم يهاجروا – صندوقاً مقفلاً بالنسبة إلينا في العالم العربي. كان هناك تعتيم شامل على حياتهم وظروفهم وواقعهم ومعاناتهم. وفي هذا الصدد يكتب صالح قلاب "كانت نظرة العرب، ومن بينهم الفلسطينيين، إلى فلسطينيي الداخل، أهل الأرض المحتلة منذ عام 1948، في ذلك الحين تتسم بالشك والريبة، وكان الإنتساب لحزب إسرائيلي، حتى إن كان حزب راكاح الذي في الحقيقة حزب فلسطيني، إن كان تنظيماً ومنطلقات سياسية يعتبر جريمة ما بعدها جريمة، وكان أي لقاء مع أحد قادة هذا الحزب يُنظر إليه على إنه إقامة علاقة مع جهة إسرائلية". كان ممنوعاً بالنسبة إلينا الشباب في ذلك الحين – من ناحية عاطفية وسياسية – أن نُطلق أو ننطق إسرائيل على ما اغتصبته من فلسطين، فنقول الكيان الغاصب، وفلسطين السليبة.
كنا نتغنى بيافا عروس البحر وبمدينة حيفا والناصرة، وكان إيماننا بالنصر والتحرير عظيماً وإن العودة قاب قوسين (قاب قوسين وأدنى يا حبيبي وعدنا). كانت فلسطين تعيش فينا ونحن نعيش فيها، نتنسم هوائها ونقترب من مدنها السليبة ويغمرنا عبقها في مدن وقرى الضفة الغربية. نكتب اسمها على شغاف القلوب، ونسمع ذكريات من عاش فوق ترابها قبل النكبة ونردد بأننا قريباً عائدون.
كل ما اتذكره عن الناس في فلسطين السليبة هم من سُمِح لهم بالقدوم إلى الأردن في أعياد الميلاد في نهاية كل سنة عبر بوابة مندلبوم، كنا نسمع عن أن فلاناً قد استقبل بعض أقاربه من هناك، ومكثوا عنده يوماً أو اكثر ثم غادروا، ولكن في الحارة التي سكنت فيها لم أرَ أو أسمع أو اقابل احداً منهم. الحدث الوحيد الذي ما زلت أذكره إن إحدى الفتيات في الحي وكان أهلها جيراننا كانت مخطوبة لأبن عمها وتنتظر "لم الشمل" للسفر إلى الناصرة وبالفعل هذا ما تم.
أصبنا كشباب بإحباط وضياع بعد النكسة، وسرت قصص وإشاعات حول الحرب وهزيمة الجيوش واستقال عبد الناصر وأصاب الناس الذهول أثناء إلقائه لخطابه، ثم خرج الناس إلى الشوارع في مصر مطاليبين الرئيس بالبقاء، كان راديو "الترانزستور" رفيقنا في النهار والليل لأنه وسيلتنا إلى العالم الخارجي.
في هذه الفترة كتب نزار قباني قصيدته "هوامش على دفتر النكسة" والتي نشرها في مجلة الآداب ونقلتها الصحف كالأنوار كما أذكر، وفيها يقول:
أنعى لكم يا اصدقائي اللغة القديمة
والكتب القديمة
أنعى لكم
كلامنا المثقوب كالأحذية القديمة
ومفردات العهر والهجاء والشتيمة
انعى لكم ...أنعى لكم
نهاية الفكر الذي قاد إلى الهزيمة.
وبدأنا نرى الشباب في الألبسة المرقطة يظهرون على استيحاء في المدن، وصرنا نسمع كلمة "الفدائيين" وبعد كل عملية يتم توزيع منشورات النعي وصورة الشاب الشهيد.
أخذت إسرائيل تقصف المدن والقرى الأردنية، ولكن ما أن جاء يوم 21 آذار 1968 حتى حبسنا أنفاسنا ونحن نتابع الأخبار عن المعركة التي تدور رحاها في الكرامة، ومع مرور الوقت بدأت معنوياتنا بالتحليق عالياً فهذا مذاق أول نصر بعد هزيمة مرة لم يمضِ عليها شهور، لقد كانت معركة الكرامة بارقة أمل بأن هذه الأمة لم تفقد روحها وإن الشعوب قد تُهزم ولكنها لا تنكسر بل تنهض من الرماد وتعود إلى الحياة.
لقد أدى احتلال الضفة الغربية إلى إزالة الحواجز والحدود وعادت فلسطين وحدة واحدة ولكن للأسف تحت الاحتلال، وبداية ومع سقوط الحواجز بدأ تدفق الناس في الإتجاهين، بحثاً عن الأقارب وشوقاً لرؤية المنازل والبيوت التي هُجرّوا منها. وأخذنا نسمع القصص ونتداولها من إن فلاناً قد ذهب إلى بيته وإن زجاج نوافذ منزله ظل مكسوراً كما تركه وذلك بسبب إن المنزل يقع في القسم المُخصص للدولة الفلسطينية كما في قرار التقسيم وإن إسرائيل تركته على حاله، قصص كثيرة مشابهة تناقلها الناس دون أن يؤكد أحد صحتها. ومن القصص التي تداولها الناس كيف أن بعضهم ذهب إلى بيته ووجد يهوداً يعيشون فيه وأخبرهم أن هذا بيته وليدل على صحة كلامه أشار إلى منطقة في البيت كان بها شجرة وعندما حفروا وجدوا جذورها. قصص كثيرة سمعناها، وأهمها أن الناس التقت بعد فراق، ولم يكن اللقاء كما كنا نخطط ونغني عائدون، ولكن اللقاء كان نتيجة الهزيمة.
قبل نكسة حزيران كان غسان كنفاني أول من كتب عن الشاعر محمود درويش في مجلة المصور في عدد 2حزيران 1967م، وما هي الا أياماً حتى حدثت هزيمة حزيران والتي سميناها النكسة في تغطية على الهزيمة، وبدأنا بعدها نسمع عبارة "شعراء المقاومة" وبرز اسم شاعرين هما محمود درويش وسميح القاسم، ولكن أصابنا غضب شديد عندما علقت الصحف العربية على مشاركة الشاعرين في مؤتمر الشبيبة العالمي الذي انعقد في صوفيا عاصمة بلغاريا في صيف عام 1968م في الوفد الإسرائبلي وقد ساروا ضمن الوفد تحت العلم الإسرائيلي. ونعتَ الشباب هذين الشاعرين بأبشع الأوصاف وشتموهم، فكيف نسميهم شعراء مقاومة وجرحنا في الهزيمة أخضر؟ وصفقنا عندما مُنِعت أشعارهم في دمشق (ولاحقاً فصلَ حزب البعث فيصل دراج لأنه اتصل بشبيبة الحزب الشيوعي والتقى على هامش المهرجان الشاعرين محمود درويش وسميح القاسم).
هذه هي الأجواء التي كانت سائدة قبل سفري في ايلول 1968م في بعثة دراسية من قبل وزارة التربية والتعليم الأردنية للدراسة في الإتحاد السوفياتي.
في ليننغراد وفي الكلية التحضيرية التابعة لمعهد البولتكنيك تقابلنا وجهاً لوجه ولأول مرة مع فلسطينيي عام 1948م، وهم الآن زملاؤنا في الدراسة والسكن، وهم في نفس الوقت مبعوثين من قبل الحزب الشيوعي الإسرائيلي.
كانوا من قرى ومدن فلسطين المغتصبة والتي تنتظرنا لتحريرها، في البداية كان اللقاء حذراً وتكتنفه الشكوك، فهؤلاء يحملون الجنسية الإسرائلية، وبالتالي فهم لا يؤمنون بتحرير فلسطين، وزادت الشكوك والريبة أن بينهم فتاة يهودية تكبرهم سناً، تبين لاحقاً إنها المسؤولة عنهم بحكم وضعها الحزبي، حيث أن معظمهم ينتمون للحزب الشيوعي الإسرائيلي أو من المتعاطفين معه.
أدى الشك في وطنيتهم والريبة في إنتمائهم للعروبة إلى محاوت استفزاز من قبل الطلبة العرب وخاصة السوريين مبعوثي الحكومة السورية والمنضويين في عضوية الإتحاد الوطني لطلبة سورية (رسمياً هو الإتحاد الذي يُشرف عليه حزب البعث السوري) وكان هذا الإتحاد يضم أيضاً الطلبة الفلسطينيين من سوريا والذين كانوا في نفس الوقت يدّعون إنهم يمثلون اتحاد طلبة فلسطين (في ذلك الوقت لم يكن الإتحاد السوفياتي يعترف بوجود فلسطين أو أية منظمات تمثلها). كان أعظم استفزاز لهم عندما نتهمهم بانهم اسرائيليون لأنهم يحملون جواز سفرها، وإذا أرادوا أن يثبتوا العكس فعليهم تمزيق الجواز اإسرائيلي ورميه في سلة المهملات. طبعاً لم يكن في وعينا استحالة هذا المطلب وصبيانته التي أدركناها لاحقاً. كان جوابهم ببساطة أعطونا جواز سفر عربي للإنتقال بواسطته وسنمزق الجواز الإسرائيلي. كانوا يتحملون سخافتنا ويحاولون شرح وضعهم ومعاناتهم ولكن الفلسطينيين من سوريا وصعود العمل الفدائي كان يقف حاجزاً بين فلسطينيي 1948 والعرب. كنا نحس بشوقهم إلى كل ما يتعلق بالعرب، المدن العربية وملامحها وإصدارات الكتب والمجلات العربية، وأذكر عندما تأتي الرسائل للطلاب العرب كانوا يتسابقون في طلب الحصول على الطوابع الملصقة على الرسائل.
مع الزمن ابتدأ الاستفزاز يخبو بفضل وعيهم، فهم في الحقيقة كانوا أكثر وعياً سياسياً منا ويتقنون فنون النقاش، وبارعون في الوصول إلى مبتغاهم، ففي الوقت الذي كنا فيه هجوميين وغوغائيين وأصحاب صوت عالٍ، كانوا هم يتقنون فن المجادلة بصبر ويقدمون الدليل على ما يقولون، وفي رأيي أن ذلك يعود إلى كونهم حزبيين وممارسين للنشاط السياسي في وسط صهيوني معادٍ.
كان الطلبة العرب في الكلية التحضيرية غالباً ما يجتمعون معاً في الليالي الباردة والمظلمة والطويلة في محاولة لكسر أجواء الغربة والبعد عن الأهل، نتكلم في كل شيء، فقد تغيرت الأبعاد والمفاهيم واجتمعت الأضداد، فلأول مرة نتقابل أردنيون وسوريون ولبنانيون وفلسطينيون وغيرهم وجهاً لوجه، ونتعرف على عاداتهم ولهجاتهم، وفي هذا الوسط الطلابي برز فلسطينيو 1948 والذين كنّا نجهلهم تماماً.
كنت منذ الصغر أهوى الأدب وكان لي محاولات أدبية نشرتها في بعض الصحف الأردنية، كما كنت قارئاً نهماً، ولكن هنا فاللغة غريبة علي ولا توجد صحافة أو مجلات عربية، وعندما تقع إحدى المجلات في أيدينا نقرأها صفحة صفحة لأنها تُعيدنا إلى الوطن وتُطفئ الشوق في داخلنا.
ومع الوقت أصبحنا نرى صحيفة ومجلات باللغة العربية مع زملائنا فلسطينيي 1948، وعلمنا منهم أن صحيفتهم الإتحاد تصدر في حيفا وكذلك يصدر عن حزبهم مجلة أدبية هي الجديد ومجلة للشباب هي الغد. في البداية لم نتحمس لقراءة الجريدة والمجلات، ولكن مع إنتشار شعر المقاومة وخاصة أشعار محمود درويش وسميح القاسم أصبحنا نستعير منهم الصحيفة والمجلات، بداية بدافع إنها الصحيفة الوحيدة باللغة العربية، ليتطور الأمر إلى ضرورة أن نعرف كيف يفكرون.
كان عدد صحيفة الإتحاد الصادر في 1 تشرين الثاني عام 1968م مميزاً حيث لفت إنتباهي قصيدة محمود درويش "أنا آتٍ إلى ظل عينيك" فأخذت الصحيفة لأول مرة لأقرأ ما كتبه محمود درويش، وأعجبت بالقصيدة حتى أنني كتبها بخط يدي، ومطلعها الذي ما زلت أحفظه:
أنا آتٍ إلى ظل عينيكِ
من خيام الزمان البعيد..ومن لمعان السلاسل
أنتِ كل النساء اللواتي
مات أزواجهن وكل الثواكل
أنتِ
أنتِ العيون التي فرّ منها الصباحً
حين صارت أغاني البلابل
ورقاً يابساً في مهب الرياح.
ومنذ ذلك التاريخ أصبحت أتابع هذه الصحيفة وخاصة أخبار الأدب والثقافة، حيث كان درويش وسميح القاسم وسالم جبران وتوفيق زيّاد وغيرهم ينشرون إنتاجهم الأدبي. كما دأبت مجلة الآداب اللبنانية بنشر قصائد فدوى طوقان ودرويش والقاسم، وكانت بعض أعدادها تصلنا عن طريق الطلاب الذين يسافرون إلى الوطن أو عن طريق الوفود التي تزور الإتحاد السوفياتي. أذكر عدداً مميزاً أصدرته الآداب بعنوان "أدب المقاومة"، حيث نشرت قصيدة محمود درويش والمهداة إلى فدوى طوقان بعنوان "يوميات جرح فلسطيني"، حيث يقول:
نحن في حلٍ من التذكار
فالكرمل فينا
وعلى أهدابنا عشب الجليل
لا تقولي ليتنا نركض كالنهر إليها
لا تقولي
نحن في لحم بلادي وهي فينا.
لقد نالت هذه القصيدة اهتمام الكثيرين حيث علمت إنها كانت موضوع رسالة ماجستير قدمتها الطالبة حفيظة عطاالله من جامعة محمد خيضر في بسكر في الجزائر، كما قدم الطالب رولان بارت من كلية الآداب والعلوم الإنسانية في جامعة شريف هداية الله الإسلامية الحكومية في جاكرتا دراسة بعنوان "المقاومة في قصيدة يوميات جرح فلسطيني لمحمود درويش، دراسة سيميولوجية" استكمالاً لمتطلبات الحصول على الدرجة الجامعية الأولى عام 2019م، وربما هناك دراسات أخرى حول هذه القصيدة.
أصبحت صحيفة الإتحاد تُباع في كشك المجلات في المعهد الذي أدرس فيه، وكنت أحجز نسخة لأن عدد النسخ كان محدوداً، ولم يكن الإتحاد السوفياتي يسمح ببيع الصحف الأجنبية الا ما كان يصدر عن الأحزاب الشيوعية في العالم وبعض الأحزاب الإشتراكية، ولذلك كانت صحيفة الإتحاد إضافة إلى صحيفة النداء (صحيفة الحزب الشيوعي اللبناني) تُباع بشكل علني. أما مجلات الجديد والغد فكنا نستعيرها من الطلاب – فلسطينيي 1948.
كانت صحيفة الإتحاد بحق صحيفة فلسطينية بتوجه يساري، فمنها أصبحنا نعرف أسماء القرى الفلسطينية في الجليل والمثلث، وأصبحنا على تماس مع حياتهم اليومية، والعنصرية والتمييز بحقهم في كافة المجالات. لم نكن نعرف أنهم كانوا تحت الحكم العسكري لغاية عام 1965م، وإذا أرادوا أن يتنقلوا من بلدة إلى أخرى فيلزم الحصول على تصريح من الحاكم العسكري. كان هناك تمييز في الخدمات الإجتماعية والثقافية، وكان الحصول على مقعد في إحدى الجامعات الإسرائيلية يعتبر معجزة، ومن هنا كان على الحزب الشيوعي الإسرائيلي أن يستغل علاقاته مع الإتحاد السوفياتي والدول الإشتراكية في تأمين مقاعد جامعية في كل الإختصاصات من طب وهندسة وإقتصاد وفلسفة وغيرها من الإختصاصات، وبذلك قدّم خدمة لا تٌقدر بثمن لهذا الشعب الصامد.
كما أسلفت كنت أقرأ باستمرار صحيفتهم ومجلاتهم، حيث تعرفت على إنتاجهم الأدبي. فأصبحت أسماء مثل توفيق زيّاد وسالم جبران وأميل حبيبي وعلي عاشور وصليبا خميس والشاعرة ليلى علوش وعصام عباسي معروفة لدي. كانت صحيفة الإتحاد تصدر مرتين في الإسبوع يوم الثلاثاء ويوم الجمعة، وكان عدد الجمعة يحتوي على الصفحة الثقافية حيث ينشر الأدباء إنتاجهم. فمثلاً، أذكر قصيدة محمود درويش "لوحة على الجدار" والتي نشرها في صحيفة الإتحاد سنة 1970م، وقصيدة سميح القاسم "ما تيسر من سورة السلاسل" والتي مطلعها:
أقبلي من شاطئ الأعراف يا أرواح أهلي
أقبلي ليلة عرسي واشهديني
رافعاً في غبطة الموت جبيني
واشهديني ناصع الحزن أصلي
لشهيد الياسمين.
كذلك نشر سميح القاسم قصيدته الطويلة "مراثي سميح القاسم في ثلاثة أعداد من صحيفة الإتحاد، حيث يقول:
أيتها الرئة المثقوبة
برصاص القاتل والغربة
أيها الأبواب المختومة بالشمع
أيتها الأعجوبة
يا وجه حبيبي يا قمر الدمع.
وبمناسبة مرور 25 عاماً على صدور الإتحاد (صدرت في فلسطين عام 1944م)، صدرت الصحيفة في ثلاث عشرة صفحة، حيث نشر توفيق طوبي مقالاً بعنوان "سنتان على حرب حزيران – فشل سياسة الإحتلال والعدوان، ونشر سميح القاسم قصيدته "ليليانا ديمتروفا" تمجيداً للفتاة البلغارية التي قاومت النازيين، ومطلعها:
أسيجة الحنطة والزنبق
سقطت
أنهار الرايخ
موت يتدفق
كل البواب إنهارت
فولاذ الرايخ
أقوى من شجر البلقان
فلتنغل دبابات الرايخ
قمل الغزو الزاحف من ألف مكان.
كذلك، نشر محمود درويش مقاطع من قصيدته الرائعة "حبيبتي تنهض من نومها" وفيها يقول:
حبيبتي تنهض من نومها
طفولتي تأخذ في كفها
زينتها من كل شيء
ولا
تنمو مع الريح سوى الذاكرة
وبالرجوع إلى أرشيف الصحيفة نجد إن العدد الأول لها قد صدر في حيفا في 14 أيار 1944 لصاحبها ومحررها المسؤول اميل توما وهي جريدة إسبوعية جامعة، لسان حال العمال العرب في فلسطين وكانت في ثماني صفحات.
وعندما أعلن العراق عام 1970م عن حل المشكلة الكردية نشرت صحيفة الإتحاد قصيدة الجواهري التي مطلعها:
طيف تحدّر من وراء حجاب غضر الترائب مُثقل الأهداب
متفجر الينبوع يزخر بالسنا ويرشُ وجه الفجرِ بالأطيابِ
كما أصدرت الإتحاد مُلحقاً خلصاً بمناسبة مرور أربعين يوماً على وفاة الرئيس جمال عبدالناصر.
وعندما رحل محمود درويش وترك فلسطين المحتلة عام 1948م وكان رحيلاً أبدياً في حينها، نشرت الإتحاد مقالاً بعنوان "محمود درويش الذي لم يرحل" حيث بدأ المقال بأبيات لدرويش يقول فيها:
أقول للناس للأحباب نحن هنا
أسرى محبتكم في الموكب الساري
من الطبيعي أن يشعر الناس هنا، الذين ذهب محمود درويش ورفاقه إلى السجون مرات ومرات "أسرى محبتهم" بالمرارة والأسى حين فوجئوا برحيله إلى القاهرة. لقد ظل سنين طويلة بأسمهم يهتف:
يا صخرة صلى عليها والدي لتصون ثائر
أنا لن أبيعك باللآلي
انا لن أسافر
لن أسافر
لن أسافر
وأنا مع الأمطار ساهد
عبثاُ أحدّق في البعيد
سأظل فوق الصخر تحت الصخر...صامد.
وذكّره المقال بقوله:
خسرت حُلماً جميلاً
خسرت لسع الزنابق
وكان ليلي طويلا
على سياج الحدائق
وما خسرت السبيلا.
كان مقالاً عاطفياً به مرارة ولكنه مفعم بالأمل حيث خُتِم المقال بعبارة "وسنستمر نعمل من أجل ميلاد أرضنا، وحقاً هي ليست بعاقر، حتى أنها تُصدّر ابناؤها إلى الآخرين". كان كاتب المقال مجهولاً حيث وقع باسم "مراقب".
وأذكر إن سميح القاسم قد كتب رسالة لمحمود درويش بعد رحيله كانت قاسية نوعاً ما ولكني لم أستطع العثور عليها، ولم يتضمنها كتاب "الرسائل ..محمود درويش...سميح القاسم" والصادر عن دار العودة في بيروت.
كما نشر الشاعر عصام عباسي في جريدة الإتحاد قصيدة بعنوان "زدت عليهم لاجئاً" كانت قصيدة عتاب شديدة حيث بدأها قائلاً:
وجدوا في كل باق فوق شبر
من تراب أو ركام
موعداً يدنو أكيدا
وجدوا في كل تاوٍ تحت شبر
من ثرى زيتونة جذراً مديداً
ورأوا في كل طفلٍ
قد ولدناه هنا بُشرى وعيداً
ولقوا في صيحة صحنا واهنة آمالهم
تدوي رعودا
"ومضى يوم
وقالوا اقتربت عودتنا يوماً جديدا"
المبعد قد زدت عليهم
لاجئاً ... أبعدهم عن عودة تاقوا إليها
ثم يخاطب محمود درويش بعتاب أقرب إلى الإتهام والإدانة، فيقول:
قد أتتني ذات يوم تتغنى
بنشيد سمعته...ما وعت كلامه
"أنا..سجل.. عربي.. ما فيش حدا
أحسن مني..
غادر محمود درويش الوطن المصلوب في الأحداق ونسي في لحظة ضعف صرخته سابقاً
يا صخرة صلى عليها والدي لتصون ثائر
أنا لن أسافر
لن أسافر
لن أسافر...
وأنا مع الأمطار ساهد
عبثاً أحدقُ في البعيد
سأظل فوق الصخر تحت الصخر صامد.



#هاني_عبيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءة جديدة لوعد بلفور
- البحث العلمي
- التفكير العقلاني في حل المشاكل


المزيد.....




- مبنى قديم تجمّد بالزمن خلال ترميمه يكشف عن تقنية البناء الرو ...
- خبير يشرح كيف حدثت كارثة جسر بالتيمور بجهاز محاكاة من داخل س ...
- بيان من الخارجية السعودية ردا على تدابير محكمة العدل الدولية ...
- شاهد: الاحتفال بخميس العهد بموكب -الفيلق الإسباني- في ملقة ...
- فيديو: مقتل شخص على الأقل في أول قصف روسي لخاركيف منذ 2022
- شريحة بلاكويل الإلكترونية -ثورة- في الذكاء الاصطناعي
- بايدن يرد على سخرية ترامب بفيديو
- بعد أكثر من 10 سنوات من الغياب.. -سباق المقاهي- يعود إلى بار ...
- بافل دوروف يعلن حظر -تلغرام- آلاف الحسابات الداعية للإرهاب و ...
- مصر.. أنباء عن تعيين نائب أو أكثر للسيسي بعد أداء اليمين الد ...


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - هاني عبيد - ما خزنته الذاكرة عن فلسطيني الداخل-1