أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - شوقية عروق منصور - امرأة داخل علية من الزجاج














المزيد.....

امرأة داخل علية من الزجاج


شوقية عروق منصور

الحوار المتمدن-العدد: 7163 - 2022 / 2 / 15 - 19:39
المحور: الادب والفن
    


امرأة داخل علبة من الزجاج
قصة قصيرة
هل تصدقون أنني أعيش داخل علبة زجاج شفافة ملصقاً عليها تنبيهاً وانذاراً يدعى " العمر " !! هل تصدقون أنني حبيسة السنوات والأيام، أحاول الخروج أو تحطيم تلك الجدران الصامتة، البراقة فلا أستطيع، أغرق في شبر من المشاعر .. أحبو فوق أرض الأحاسيس طفلة، لكن تأبى التجاعيد إلا أن تتسلل وتحفر فوق وجهي حفراً وأخاديداً من القهر الصامت .
العمر يزحف كأفعى ملساء، تلدغني بسم الشيخوخة، احتفلت بعيد ميلادي الأربعين احتفالاً خاصاً لم يحضره سوى شبحي الذي ارتسم فوق المرآة المعلقة على جدار غرفتي، أقول شبحي لأن وزني قد نقص، وتهدلت جفوني وخدودي أصبحت كهوفاً تقف وجهاً لوجه مع الزمن .
أربعون عاماً أحملها فوق ظهري، عبئاً مرعباً .. لماذا ؟ لا أدري ؟ ولكن في قرارة نفسي ، في قاع روحي هناك الخوف من الآتي ، خوفاً من الأيام القادمة.
أرى السخرية في عيونهم ، في حركاتهم ، في أسئلتهم السخيفة التي يحاولون بها طعني ، لماذا لم تتزوجي حتى الآن ؟ وبين المكابرة والغرور أزرع في أرض الثقة والعزيمة ضحكاتي .. أقهقه .. وأجيب بحماس .. هل المتزوجة أسعد مني !! ثم حتى الآن لم أجد الرجل المناسب !! الرجل الذي أره يليق بي !! وهل كل متزوجة هي سعيدة وحققت أحلامها ؟ لا أريد الزواج الاجتماعي .. لكي يرضى عني فلان وعلان وأدخل خانة المتزوجات، ثم في النهاية أجد نفسي الضحية ، وكبش الفداء لزوج لا يهمه في الحياة سوى كرشه ومعدته وتحضير قمصانه المكوية أو استقبال أهله والترحيب بإخوانه .. إلى هنا كانت تنتهي سخريتي وضحكاتي ، ومنهم من كان يقول لي " معك حق " ويؤيد ويشد على قضبان قفص العزوبية الذي أعيش فيه ، ومنهم من يضحك علي لأنني لا أستطيع إتقان مهنة التمثيل .. فكلامي كذب مغطى بطبقة من لمعان الكبرياء.
إحدى الجارات تهمس في أذن أمي، أمي تضحك فرحة، أشعر بعلامات الانبساط على وجهها ، تهمس في اذن أبي، تنير ملامح وجه أبي ، تشرق تقاسيمه ، أشعر بأشعتها تخترق قلبي، " اللهم أجعله خيراً " زوجة أخي جريئة ، قالتها وهي تحاول إخفاء ابتسامتها " أجاكي عريس " سقط قلبي – عريس بعد أن فقدت الأمل – لم اجب .. رفعت صوتها .. " سألتها بلا مبالاة – تصنعت اللامبالاة – من أين هذا " الفدائي " الذي يريد أن يقدم روحه في ميدان أنوثتي المهترئة !!
قالت وهي تضحك : شاب من إحدى القرى المجاورة.. أخلاقه ممتازة، يعمل مزارعاً فهو يملك عدة دونمات .. حالته المادية جيدة .. سألتها وأنا كلي أذاناً صاغية للجواب .. وهل عرف كم عمري؟ أجابت وقد امتزجت كلماتها برحيق البلبلة .. لقد كذبت والدتك وأكلت من عمرك عدة سنوات .
انتفضت !! لماذا تريد والدتي أن تسقطني في شباك الزيف والخداع قبل اللقاء والمصارحة والتفاهم .. إلى هذه الدرجة تريد إذلالي ...!!
بكيت من شدة غضبي الذي ركد في داخلي ولم أستطع إخراجه .
في الموعد المحدد لزيارته ،ارتديت أجمل الثياب ، وكنت قد ذهبت إلى صالون الحلاقة وزينت رأسي بأجمل تسريحة تليق بعروس تريد أن تلتقي بشريك العمر، وتسطر معه أول سطر في قاموس حياتهما .
جلس إلى جانب والدته، وأنا كنت أجلس إلى جانب أمي ، ووالده جلس إلى جانب والدي، نظر إلي العريس بطرف خفي، وأنا كذلك نظرت إليه وتمعنت في ملامحه يا للسعادة التي تتجلى أمامي وهو تعرج، تقف على قدم واحدة، ملامحه تدل على أنه أصغر مني ، هذا الإحساس الحارق أخذ يحتل مساماتي، حاولت طرده وأفرش مكانه الابتسامة وأنا أحمل صينية فناجين القهوة واتوجه الى والدته ، تناولت والدته الفنجان وهي تتفحصني ، تقدمت منه .. أحاسيسي صادقة لا يمكن أن تكذب .. أنا أكبر منه .. وجهي و تجاعيده الخفية تقول ذلك .. هو أصغر مني ، جسمه ، ملامحه ، نظراته .. جميعها تصرخ في وجهي .
غادر البيت برفقة والدته ووالده، اتفق والده مع والدي على اللقاء مرة ثانية، أمي تبارك لي ، والدي يكاد يطير من الفرح ، أخوتي يباركون ويرسمون على ملامحهم دهشة المعجزات، وأنا ينبت فوق شفتاي صمت الحيرة، اعتقدوا أنني خجولة ، مبهورة غير مصدقة، لم يفتشوا في أعماقي ويمسكوا هذا الخوف النابع من عدم قناعتي .
لا أستطيع التكلم ، فالكلام الآن هدم ذلك المعبد المليء بالأمنيات، في الصباح قررت أن أتكلم وأصارح أمي بحقيقة مشاعري، اعترفت أنني لا أستطيع الزواج من رجل أصغر مني .. أنا أكبر منه وهذا واضح من النظرة الأولى .. صعقت أمي ، ماذا يهم اذا كان هو راض وموافق ؟؟!! ماذا تريدين .. !! لقد قالوا له إنك أكبر منه بعدة سنوات ولم يهتم ، بل بقي مصمماً .. هذه فرصة لا تعوض ، ولن تتكرر !!
أتكلم .. لا أحد يسمعني .. خائفة من هذه السنوات التي تفصل بيننا ، أخاف من الغد .. من عدم صدقه حين يسقط جدار الواقع !! أخاف من أهله ، من الذين حوله .. !!
الآن أنا داخل العلبة الزجاجية ، أشعر بعمري كأنه الحبل الذي يلتف حول عنقي ، أرى من خلال العلبة الأعاصير والزوابع ، أرى نفسي زوجة فاشلة ، العجوز التي تحتضن زوجاً شاباً صغير السن ، أنا أظلمه وهو يظلمني .. أنا أظلمه بوجدي إلى جانبه وهو يظلمني بقبوله الزواج مني .
أدق جدران العلبة .. لا أحد يسمعني .. !! وعمري يلوح لي مسافراً في المجهول، قطاراً يسير على سكته بسرعة في نفق الأيام ، أسمع لهاثه وضجيجه وصفيره كلما رأيت العريس قادماً لزيارة بيتنا .
شوقية عروق منصور –



#شوقية_عروق_منصور (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عودة باجس أبو عطوان
- الاديبة والانتحار من فرجينيا الامريكية إلى عنايات المصرية
- البومة فوق السطح وأنابيب الغاز لم تستطع حماية البيت
- عربي 2020
- بابا نويل الفلسطيني
- أنا عالقة في المرآة
- القرد في أعماقنا يلعب في نشارة خشب
- ماذا يعني أن يموت زوج الكاتبة
- بين شلهفيت اليهودية وعائشة الفلسطينية
- حكايتي مع الدموع السياسية
- نصري حجاج الفلسطيني الذي لم يعرف مقبرته
- مرور ست سنوات على موت سواق الأتوبيس
- حين تم طرد النساء اليهوديات
- وداع بالحبر السري
- ويعود حزيران
- المذاق الذي أصبح رخيصاً
- اغتصاب الرحم ومخالب المستوطنين
- العشماوي وجارتنا أم اسحاق
- امرأة شهر آذار
- ابن الحارة الذي اصبح مخرجا سينمائيا في هوليود


المزيد.....




- “القط بيجري ورا الفأر”.. استقبل Now تردد قناة توم وجيري الجد ...
- الان Hd متابعة مسلسل صلاح الدين الايوبي الحلقة 23 مترجمة عبر ...
- تابع حلقات Sponge BoB تردد قناة سبونج الجديد 2024 لمتابعة أق ...
- من هو الشاعر والأمير السعودي بدر بن عبد المحسن؟
- وفاة الشاعر الأمير بدر بن عبد المحسن
- بتهمة -الغناء-.. الحوثيون يعتقلون 3 فنانين شعبيين
- دراسة تحدد طبيعة استجابة أدمغة كبار السن للموسيقى
- “أنا سبونج بوب سفنجة وده لوني“ تردد قناة سبونج بوب للاستمتاع ...
- علي بن تميم: لجنة جائزة -البوكر- مستقلة...وللذكاء الاصطناعي ...
- استقبل الآن بجودة عالية HD.. تردد روتانا سينما 2024 على الأق ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - شوقية عروق منصور - امرأة داخل علية من الزجاج