أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رائد الحواري - الشكل والمضمون في رواية متاهة الأعراب في ناطحات السراب مؤنس الرزاز















المزيد.....

الشكل والمضمون في رواية متاهة الأعراب في ناطحات السراب مؤنس الرزاز


رائد الحواري

الحوار المتمدن-العدد: 7154 - 2022 / 2 / 6 - 23:08
المحور: الادب والفن
    


الشكل والمضمون في رواية
متاهة الأعراب في ناطحات السراب
مؤنس الرزاز
تعد هذه الرواية من أهم الروايات العربية، لما فيها من أحداث، ولما فيها من تشابك/تداخل/مزج للشخصيات، ولتعدد أشكال الأدبية فيها، فنجد فيها الواقعي، الرمزي، الفانتازيا، كما أن هناك أكثر من طريقة لسرد الأحدث، فنجد اللغة الفصحى، والمحكية، ونجد أشكل متعددة للغة السرد، منها ما جاء بصيغة سرد تراثي، تناص مع أكثر من ثلاثين آية قرآنية، ومنها ما جاء على وتيرة ألف ليلة وليلة، ، ومنها ما جاء على شكل حوار مسرحي، ومنها سرد روائي عصري، وإذا أخذنا مضمون الرواية وما تحمله من ألم/وجع بطلها "حسنين"، وما تحمله من ظلم "العصبة" له ولأبيه قبل ظلم النظام الرسمي، نكون أمام رواية تجمع جمالة الشكل، وفنية السرد، وتنوع التقديم، وقيمة المضمون وأهميته، وهذا ما يجعلها رواية كاملة ومطلقة.
العنوان: "متاهة الأعراب في ناطحات السراب" متعلق بالواقع العربي، إن كان حزبي/تنظيمي أو رسمي، لطنه يتم تقديمه من خلال "حسنين" الشخصية المركزية، وبما أن هناك حالة متاهة/سراب فهذا استوجب وجود (ارباك) عند السارد نفسه، فمن يروي الأحداث يعترف بأنه تائه/ضائع/مضطرب، غير قادر على التركيز، مما جعل الشخصيات/الأحداث تتداخل فيما بينها: " هذا ليس حسنين يا أستاذ، ولا هو حسن الثاني أو الأول، هذا الرجل الذي يقف أمامك الأن هو ذيب السابع ـ أحد انشطارات ذياب وتجلياته ـ... يحسب أنه اثنين، لكنه ألف ذيب وذيب واحد يا أستاذ" ص137، فالقارئ ـ أحيانا ـ يتوه بين الشخصيات كما تاه أبطالها، فهذا الانسجام بين عنوان ومضمون الرواية، وبين ما يحصل للمتلقي التي تتداخل عليه الاسماء/الشخصيات يخدم فكرة التيه التي يقدمها السارد في الرواية.
كتابة الرواية وتمرد الشخصيات/الأبطال
عندما تكون أحداث الرواية مؤلمة وقاسة، لا بد من إيجاد أشكال تخفف من حدة تلك القسوة، وهذا ما فعله السارد الذي تعمد (كسر) وتيرة السرد من خلال تدخله مباشرة، وهذا ما جعل القارئ يتوقف عن الرواية، ويستعيد فكرة أنه أمام نص (روائي) وليس (حقيقي): "ولكن الصفعة الكبرى، والصدمة الهائلة، تمثلت في تمرد أبطالي على مشيئتي، فهذا آدم يسمي نفسه "ذياب"، ثم إنه يرفض مواصلة الدور البطولي المفجع الذي أسندته له، بحجة الحمل الذي (بهظه) وأنهكه، وإذا به ينعطف نحو مسلك لم أرسمه ويهجر دور البطولة المفجعة، ليلعب دورا عاديا يوميا يلعبه آلاف الجنرالات" ص196، فالسارد يتعمد أن يخرج من أطار الأحداث والشخصيات، ليخفف شيئا من قسوة أحداث الرواية، ولترتاح (الشخصيات) ويأخذ القارئ حاجته من الراحة.
عملية الخروج عن النص الرواية تكررت أكثر من خمس عسرة مرة، وغالبا ما جاءت للتحدث عن تمرد أبطال السارد في الرواية، حتى أن المحقق، ضابط المخابرات أراد عن يعرف لماذا يتمرد أبطال الرواية عليه: "ـ نحن بحاجة إليك، نريد أن ندرسك، وندرس أبطال عالمك الذين فروا من بين أصابعك، وتمردوا عليك" ص260، وكأن السارد بهذا الطرح، يريد لأبطاله أن يمارسوا دور الثورة/التمرد، الذي فشل هو القيام به، باستعاضة/استبدل دوره بدور أبطال الرواية المتمردون، والذي نجحوا في تمردهم، وأوصلوا فكرة التمرد على ما هو موجود.
إذن فكرة التمرد/الثورة على الظلم والظلام تريح القارئ، وتجعله يتقدم من النص/الأحداث/الشخصيات، حيث أنها تعطيه دافعا لرؤية الأمل/الخلاص، وهذا ما أراده السارد في الرواية، إيجاد (بقعة ضوء) تريح القارئ، وأيضا تريحه هو كسارد، فكثرة الآلام في الرواية تجعلها منفرة، فكان لا بد من وجود عناصر/أحداث/أشياء مفرحة: "...كان ينبغي أن أقص حكاية كي لا أنتحر، أن أخترع بطلا، اخترعت بطلا، وحسبت أنني هيأته للقيام بدور بطولي مفجع، فوافق، لكنه عجز عن مواصلة القيام بهذا الدور المستحيل، فتمرد علي، وخرج على النص، وانفلتت الأمور من بين أصابعي" ص 272، هذا اعتراف صريح من السارد لماذا كتب الرواية، ويعترف لماذا تمرد ابطاله عليه: "عجز عن مواصلة القيام بهذا الدور المستحيل" فهو يجد لهم مبرر للتمرد، وكأنه يعطيهم الضوء الأخضر لمواصلة ما يقومون به، فهو لا يريدهم أن يكون مثله، بل أحرار، ثوار، يتمردون على ما هو غير من غير صحيح/سليم، فالقبول بالقليل/بما هو سائد نوع من البلادة، والموت البطيء، يؤكد السارد على أهمية التمرد/الثورة من خلال تكرار تكسير النص الروائي، وجعل هذا التكسير متعلق ببطل الرواية المتمرد: "...حياة لذياب، لم تمنحه نصا ناضجا كاملا، لم تعطيه فرصة للتدريب، التدريب نفسه كان حياته، فارتبك، أحس بأنه يقوم بدور لا يتقنه، دور غامض، ونص غير مكتمل، مجرد مسودة، فثار على النص، وثار على الدور، ووجد فيه عبثا حتميا، وقدرا غاشما، فخرج عليه وصاغ نفسه الإنساني الخاص، وهنا تكمن بطولته المفجعة الحقة" ص282و283، بهذا يكون "ذياب" بطل الرواية قد تجاوز الصورة التي قدمها السارد للبطل، حيث ربط البطولة بالفاجعة.
اللغة التراثية
أهمية اللغة التراثية، أنها تخدم فكرة الرواية المتعلقة بالأعراب، فهي تستخدم (تراثهم الأدبي)، وأيضا اللغة التراثية تضفي لمسة جمالية على الرواية، لما لها من أثر جميل على القارئ، وهذا يخفف من قسوة الأحداث عليه، مما جاء في الرواية نأخذ هذا المقطع: "...واختلطت الخيل، وقدحت حوافرها الأرض فتطاير الشرر، وتعاظم الضرر، وارتفعت في الفضاء أعمدة الغبار فحجبت المتقاتلين عن الأبصار، واختلطت الركائب بالرحال، والشيوخ بالأفيال، والفرسان بالأغفال، والعلماء بالجهال، حتى باتت هذه المعركة مضرب الأمثال، فكأنها الجنون في احتفال، وكأن أهل الصحراء يكافحون في سبيل الانقراض والزوال، وكأنهم يرغبون في الانصراف عن هذه الدنيا والارتحال" ص352، وإذا أخذنا ان هناك أحداث جاءت على نمط الحكايات الشعبية التراثية، حيث يتم (تضخيم) الحدث، والمغلاة فيه، نصل إلى نتيجة أن السارد استخدم لغة/نهج/طريقة تقديم يفهمها القارئ العربي ويعرفها، وهذا ما جعل الرواية قريبة منه.
الحوار المسرحي
تكمن أهمية الحوار في الرواية، أنه يعطي الشخصيات حريتها في التعبير عما تريد قوله وما تعتقد أنه صواب، فعندما تتحدث الشخصيات بلغتها، تجعل القارئ يشعر أنه أمام أفكار محايدة، وله أن يأخذ منها ما يريد، هناك أكثر من سرد جاء على شكل حوار مسرحي، وأبرز ما جاء في الرواية بدأ من صفحة 360 حتى صفحة389، في هذا الحوار نجد الفانتازيا بكل تجليات: "بغتة تكلم الجهاز، فانتفضت مروعا مأخوذا، ثم تمالكت نفسي وأصغيت، قال (كان أشبه بوثن)
ـ هل تعبر نفسك، أستاذ حسنين مسؤولا عن المشروع الذي بدأت في صياغته ثن أقلت من بين يديك؟
ـ نعم
ـ هل تعترف أن أبطالك الذين صغتهم أفلتوا من بين أصابعك؟
ـ نعم
ـ هل تستنكر أعمالهم بعد أن تمردوا على نصك؟
ـ لا
ـ هل تعتقد أن مشروعك كان يعكس واقعا متحققا أم واقعا مأمول التحقيق؟
أجاب شخص آخر في ركن آخر من أركان الغرفة المتعددة الأركان
ـ بل مشروع لم يكتمل بعد حتى على صعيد التصور الذهني" ص360و361، بكل تأكيد ليس من المنطق أن يتم استجواب الكاتب من قبل صوت إلكتروني، لكنه اراد به أن يوصل فكرة (رمزية آلية) المحقق، وأيضا خروج الحوار عن المنطق/العقل، لكي يعطي المتلقي مساحة من التفكير والتوقف عند ما جاء في الحوار.
من خلال هذا الحوار نلاحظ أن السارد يريد (إيضاح) عما جاء في الرواية، وقد أكد على فكرة أنه يستعيض عن عدم نجاحه هو في التمرد/الثورة على الواقع، من خلال اعطاء هذا الدور لشخصيات الرواية، فهم لم يستنكر أعمالهم بعد أن تمردوا عليه وعلى نصه، ونلاحظ أنه ترك الإجابة عن طبيعة مشروعه، لشخص آخر غيره، وكأنه لا يريد أن يكشف ما يفكر به، وأراد من القارئ أن يكتشف بنفسه طبيعة هذا المشروع.

التناص مع القرآن الكريم
الثقافة الدينية سائد في المجتمع العربي، وغالبية الأفراد المجتمع يستخدمون اللغة/الثقافة الدينية في حديثهم، لهذا كن لا بد من استخدام لغة مقبولة من الجمهور، فجاء التناص مع القرآن الكريم في أكثر من ثلاثين موضع، من هذا التناص: "ـ عهدناك يا آدم ثاقب الفكر، مصيب الرأي، كنا ندخرك للمات الدهر تضيء ظلماتها بنور عقلك، ولكنك الآن تنطق عجبا، وتأتي منكرا، إننا لفي شك مما تدعونا إليه مريب" ص248، بهذا الشكل تم الرد على دعوة "آدم"، وكأن السارد يؤكد على أن الجمهور/الناس ترفض ما هو جديد، وتريد/تنحاز للمحافظة على ما هو سائد بينها، من هنا نجدهم يضعون المستحيل أمام كل من يدعو للتغيير والخروج على ما هو مألوف/سائد: "ـ سألتك أن تفجر لنا في هذا اليباب عيون ماء عذب، وأنهار تجري فيها مياه الحياة، عند ذاك سوف نتبعك إلى آخر الأرض لنكتشف مجاهل هذه الصحراء الداخلية...فإذا بأبواب السماء تتفتح بالماء، وعيون الأرض تتفجر، وتنبثق الأنهار وتدفق حتى بلغ سيلها الزبى، ثم جاوز القيعان والربى، وانخلعت قلوب القوم وانخطفت، وزاغت الأبصار وانطلقت أصوات الدهشة" ص248، نلاحظ أن السارد يستخدم عين ما قاله الكفار للنبي، جاء في سورة الإسراء الآية 90: "وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوع" وبما أنه اختار قول كفار قريش، العرب للنبي تحديدا، أراد أن يؤكد على أن الأعراب أشد كفرا، وعلى أنهم يستخدمون القول نفسه، رغم تباعد الزمن.
واللافت في المقطع السابق أنه جاءت ايضا ضمن الشكل التراثي، وهذا ما يجعل الرواية موجهة بأحداثها وشخصياتها ولغتها للقارئ العربي.
الرمز
قسوة أحداث الرواية، تستوجب وجود عدة أشكال أدبية، حيث يسهم في تخفيف من أحداثها ومضمونها القاسي، فرغم أن هناك وجع (واقعي/حقيقي) عاشه السارد، إلا أنه استخدم الرمز كأحد أشكال التجميل، لأن الطرح المباشر غالبا ما يكون مزعجا لمتلقي، فعندما يتم اعتقاله يقدم وجوده في الزنزانة بهذا الشكل: " وحانت مني التفاتة إلى النافذة فإذا النهار قد انطوى، والليل قد أقبل، ليل مظلم الوجه يطل من نافذتي" ص279، هنا جمع السارد بين حقيقة الليل وحقيقة وجوده في الزنزانة، فكان المشهد لطيف أدبيا، لكنه قاسي المضمون.
وعندما تحدث عن "شعلان" الانتهازي، الذي خان مبادئه وعصبته وقائده، يقدمه بهذه الصورة: "ولاحظت أن ربطة عنق شعلان تميل نحو اليمن كلما تلفت، سواء التفت إلى اليسار أم التفت إلى اليمين، وتساءلت كيف كنت أنا وهذا الشخص أعضاء عصبة واحدة في يوم من الأيام؟" ص395، إذن السارد يعمل حرفية، لكي يكون ما يقدمه جميل أدبيا، بحيث يخفف به على القارئ قدر المستطاع، فيقدم فكرة سوداء عن شخص سيء بلغة/بصورة/بشكل أدبي جميل، وهذا ما يجعل المتلقي يحب/ينحاز للأدب، ويمتعض/يبتعد عن السيء/القبيح.

الفانتازيا
أفضل طريقة لمواجهة الواقع البائس وعدم منطقية ما يجري فيه، هي الفانتازيا/الجنون/التخيل، ما يحسب لهذا الشكل لأدبي أنه يحرر الأديب/السارد من ثقل الواقع، وأيضا يتيح للقارئ الابتعاد عن قسوة الأحداث، ويخرجه إلى فضاء آخر رحب، هناك أكثر من حدث قدم بصورة الفانتازيا، من هذه المشاهد: "وإذا نزل القوم حول البحيرة، اكتشفوا أمرا غريبا لا يكاد العقل يصدقه، المياه موجودة، أكفهم تطفح بها تلمسها، أفواههم تحتسيها.. ألسنتهم تحس طعم الماء ونكهته، لكن الظمأ لا يرتوي. ...اكتشفوا ن سراب هذه الصحراء يختلف تماما عن أي سراب آخر عهدوه" ص239، نلاحظ أن المشهد متعلق بفكرة التيه/السرب التي تركز عليها الرواية، وهذا يشير إلى أن السارد أراد بهذه الفانتازيا (التخفيف) قدر الإمكان من شدة الواقع. كما أن فكرة الماء الذي لا يروي الظمأ، تجعل القارئ يذهب في التفكير والتأمل، بعيدا عن العدف/الرمز الكامن في المكان/الصحراء التي يتواجد فيها "آدم".
ومن مشاهد الواقع غير المنطقي هذا مشهد: "في البداية فرح الحفاة العراة، بل فرح جميع الناس بالأحذية الجديدة المجانية، والثياب لأنيقة الغريبة، والقبعات المضحكة العجيبة.
لكنهم كانوا يمضون إلى تلك المناجم فيحفروف ويحفرون ويحفرون، ولا يعودون إلى منازلهم حتى تغلبهم الشمس على الظلال، فإذا عادوا أحسوا بسعير الأرض يحرق أقدامهم على الرغم من الأحذية، ويصهر رؤوسهم على الرغم من القبعات الواقية.
وإذا دخل أحدهم بيته، ظن أهله أن لوثة أصابت عقله، فهو عار مثلما خلقه الباري، لا يستره لباس ولا ورقة توت، فإذا نظر إلى أهله بعينين ذاهلتين رآهم عراة لا يجللهم غطاء ولا قماش.
وإذا جلسوا حول مائدة الطعام واجمين وأكلوا من معلبات المصانع فلم يشبعوا، فيهرعون إلى علب أخرى يفتحونها ويأكلون ويأكلون ولا يشبعون"ص312، فكرة عدم اعطاء اللباس غاية ستر الجسد/العورة، وعدم اعطاء الطعام غاية الشبع، وقبلهما الماء الظمأ، يخدم سرمدية الضياع/التيه، وعندما يفقد الهدف/الغاية من الطعام واللباس والشراب، فهذا يعني عدم وجود حياة للناس، فهم لا يحيون حياة عادية/طبيعية، بل حياة أقرب إلى سرمدية العذاب، فبدا المشهد وكأنه صورة عن جحيم يوم القيامة " ليس لهم طعام إلا من غسلين لا يسمن ولا يغني من جوع،", وما يؤكد أن السارد أراد تقديم سرمدية العبث/التيه تكراره لأفعال "فيحفرون، يعودون/عادوا، يأكلون، يشبعوا/يشبعون" وكأنه يقول ـ من خلال هذا التكرار، ومن خلال مضمون عدم الشبع/الظمأ/الستر أن الواقع يتماثل مع الجحيم، وهذا يجعل المتلقي يبحث عن بديل، عن واقع آخر، وأرض أخرى فلا حياة تطاق بهذا الجحيم.
في المشاهد السابقة نلاحظ أن الفانتازيا متعلقة بالحالة العامة، ولكن، أليس الخروج على النص الروائي وتكسير وتيرة النص، وجعل شخصيات الرواية تتمرد على (خالقها/موجدها) فانتازيا؟، اعتقد أن الهم الشخصي والهم العام يتداخلان في الرواية ويتشبكان، وهذا ما جعل السارد يتجه إلى هذا الجنون في الطرح.
الحكم
استخدم السراد مجموعة أقول، تصل إلى الحكم، فعندما يتحدث عن التنظيم، الفكرة يقول: "... الأحلام الكبيرة تربط بين أفرادها، لا الدماء والنسب" ص13.
يقول "أبو التوت" عن دور المفكر/السياسي المبدئي: "ـ أنا ورقة التوت الأخيرة، إذا سقطت لم يبق سوى العراء" ص 22.
وعن واقع المجتمع العربي يقول: "هؤلاء الأعراب إذا لمسوا الضعف الإنساني في بطل من أبطالهم طمع فيه سفهاؤهم وهزئ منه حلماؤهم" ص244.

الواقع
قد يسأل سائل: ما هي دواعي لاستخدام كل هذا الأشكال والأنواع الأدبية في الرواية؟، إلا كان يكفي السارد استخدم شكل واحد ليوصل فكرته؟، وهل هذه الأشكال خدمت مضمون الرواية وحسنت من فنيتها؟، وهل هناك علاقة بين مضمون الرواية وهذا التعدد في الأشكال الأدبية ولغة السرد؟.
للإجابة على ما سابق، أنوه إلى أن الكاتب الجيد هو الذي يهتم بمشاعر القارئ، بحيث لا يزعجه بالمشاهد القاسية والمؤلمة، وبما أن الرواية تتحدث عن واقع بائس/قاسي/ظالم، فكان لا بد من إيجاد مخففات أدبية تسهم في تخفيف قسوة الأحداث، وما تعرضت له الشخصيات من ألم.
"حسنين" تعرض لاضطهاد من النظام الرسمي، ومن العصبة/الحزب الذي ينتمي له، أول ذلك الاضطهاد كان حرمانه من والده الذي اقتيد إلى سجن (الجفر)، يقول البقال اسكندر عن هذا الاعتقال: "ـ مين رح يعالج الفقرا ببلاش بعد ما أخذوه، إحنا بدنا ياه في عيادته.. بيخدمنا أكثر.
وقالت أمي فيما بعد أنه اقتيد إلى منفاه الصحراوي لأنه حبيب الفقراء" ص21و22، وهذه أول نكسة تقع على السارد عندما كان طفلا، وعند شب (حسنين) وجدناه يعاني: "ـ ما زلت بلا عمل ولا إذن سفر" ص63، هذا حال كل من تعاطى السياسية في الأردن، وهذا المنع هو أقل الاجراءات بحق من يرى فيهم النظام خطر عليه.
يحدثنا عن طريقة تعامل النظام والمجتمع مع والده بعد خروجه من سجن الجفر الصحراوي، وإلى أين أمسى الحال به: "...قال وهو يتفحصني بنظرة مسنريبة أنه رأى جنازة كبرى لرجل قضى نصف عمره الأخير في الاقامة الجبرية، وكان الناس ممنوعين من زيارته أو رؤيته، فعاش في عزلة تامة، وحين تحرر ومات، خرج الناس بالألوف في جنازته" ص93، هكذا يعامل النظام المفكرين، الذي يريدون استنهاض الأمة/الشعب، لرفع مكانة الوطن.
وهناك طريقة أخرى ينتهجها النظام لتنغيص على الموطن: "ـ ...قال أن رجال التعقيب ما زالوا يراقبون العمارة للقبض على حسن الثاني" ص115، وهذا ما يجعل حية المواطن أقرب إلى الجحيم.
محاصرة المواطن ومنعه من العمل في أي مؤسسة عامة أم خاصة، يمثل ذروة القمع، وكأن النظام يقول له موت وأنت حي، هذا حال "حسنين": "...الدوائر لا تعترف بأني حي، لا تعترف بوجودي... لا ..ولا الشركات. ولا المؤسسات. فكيف أعمل؟" ص129.
وهذا ما يجعل اثر منع العمل والسفر على السارد كبير وقاسي، حتى أنه أصبح يعاني نفسيا: "...ذياب يرصدني بالأقمار الصناعية، أعرف
ذلك، بلقيس نفسها عميلة له، وإلا، لماذا تكثر من الأسئلة عن أصلي وفصلي" ص133، وهذا ما جعل السرد يرى في النظام غول/وحش يبتلع كل شيء: " ـ إذا استوى فسكين، وإن اعوج فمنجل.
ـ شعاره!، من تكلم قتلناه، ومن سكت مات بدائه غما" ص135.
هذا الواقع استوجب وجود عدة أشكال أدبية، كي يستمتع بها المتلقي، ومن ثم تبعده ـ قدر المستطاع ـ عن هذا الواقع البائس.
الرواية من منشورات المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، لبنان الطبعة الأولى 1986.



#رائد_الحواري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحلول في المكان/حوارة عند وجيه مسعود
- أمي مريم الفلسطينية رائد محمد السعدي
- ديوان هدنة لمراقصة الملكة سلطان القيسي
- الحلول والوحدة في رواية - الصامت- شفيق التلولي
- العزيمة تربي الأمل أماني خالد حشيم
- التاريخ القديم في رواية -أوراق معبد الكتبا- هاشم بديوي غرايب ...
- أنا والمحقق والزنزانة سعيد أبو غزة
- المرأة والمكان في قصيدة -أسميتها وطني- صلاح أبو لاوي
- القصة القصيرة جدا في -ظلال الوهم- حسين شاكر
- مجموعة محاولات للنجاة غسان نداف
- العهد التركي في رواية الوجع والجرأة إياد شماسنة
- وجيه مسعود وتقديم الفرح في ما اجمل ان ترسم قلبك مدينة مدينه-
- الديني والسياسي في رواية -الحانوتي- يوحنا مصلح
- مواجهة الواقع في قصيدة -سأظل أسأل- سامي البيتجالي
- سامر كحيل -أبد
- اليهودي في رواية ناغوغي الصغير حسن حميد
- استمرارية حضور المكان في رواية - القبو- فاطمة عبدالله سلامة
- شعر الأطفال في قصيدة -دمية- سمير التميمي
- القسوة عند ميسر عليوة وحسن محم حسن
- الرؤية المتقدمة في كتاب -دراسات من الأسر- للكاتب الأسير أمجد ...


المزيد.....




- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رائد الحواري - الشكل والمضمون في رواية متاهة الأعراب في ناطحات السراب مؤنس الرزاز