أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رائد الحواري - أمي مريم الفلسطينية رائد محمد السعدي















المزيد.....

أمي مريم الفلسطينية رائد محمد السعدي


رائد الحواري

الحوار المتمدن-العدد: 7152 - 2022 / 2 / 2 - 23:50
المحور: الادب والفن
    


أمي مريم الفلسطينية
رائد محمد السعدي
النص الجيد لا يحتاج لتصنيف بجنس أدبي بعينه، بقدر إحداث المتعة في المتلقي، فالبساطة والسلاسة واللغة التي تفيض مشاعر إنسانية، أهم وأفضل من الالتزام بالجنس/بالشكل، إن كان رواية أو سيرة وغيرهما، في هذا الكتاب الذي يتمرد على الشكل الأدبي الرائج، الرواية، يمكن أن يبنى عليه ليكون هذا النوع من الأدب خاص بالأسرى الفلسطينيين دون سواهم، فالكتاب يقرأ على مرة واحدة، وهذا يعود إلى قدرة الكاتب على إقناع القارئ بأنه يتحدث ببديهية، بصدق، بحميمية، ودون تكلف أو تجميل، فتخرج الكلمات من قلمه كما يخرج رغيف خبز الطازج من بين يد الأمهات.
بما أن العنوان "أمي مريم الفلسطينية" فإن الكاتب سيركز على هذا الأمر أكثر من سواه، فكل الأمهات وصفهن بهذه الصفة، مريم الفلسطينية: "...وكانت على رأسهم الحاجة أم قاسم أو أم صابر جريدات، هذه الحاجة هي مريم الفلسطينية التي لم تكتف بتشجيع الشباب على الصمود والمواجهة، بل كانت تشاركنا بإلقاء الحجارة، بالإضافة إلى أنها كانت تجمع لنا الحجارة في طرف ثوبها وترفعها لنا على جسر البوابة" ص26، إذا ما توقفنا عند هذه المقطع، سنجده (خالي) من أي تصوير أدبي، فهناك تكرار للفظ "الحاجة" وأيضا عدم دقة الاسم "أم قاسم أو أم صابر" حيث يمكن أن يقال أحدهم لماذا لم يستخدم في المرة الثانية هذه الفقرة: (هذا المرأة هي مريم الفلسطينية)، جمالية/متعة النص تكمن في بساطته وفي انسيابته وفي الحميمية التي جاءت به وليس في التكلف، ضمن هذا السياق يمكننا إيجاد ميزة كتاب "أمي مريم الفلسطينية، الذي بدا فيه المتحدث/الكاتب وكأنه يتحدث لأصدقاء/لأحباب له، فكانت طريقة تقديم المقطع قريبة من المتلقي.
هذه الشكل في التقديم نجده حتى عندما يتحدث عن الاحتلال: "وبعد أن عدت إلى المنزل وجدت أنهم قد عاثوا فسادا وتفتيشا في المنزل، وبدأت معاناة والدي والأهل من المداهمات المتكررة للمنزل، حتى وصل بهم الأمر لاعتقال والدي، ولم يسلم من أذاهم أحد، والدي اعتقل وضرب وعذب في التحقيق في الفارعة وبقى عدة أشهر حتى أفرج عنه، أخي الأكبر لقى من الضرب والإهانة في المنزل ما لقى حتى وصل بهم الأمر إلى محاولة إلقائه من فوق السطح، وبدأ الصراخ مما دفع والدي ووالدتي للخروج لحمايته والدفاع عنه، وهذا الحديث دفع أخي أن يترك المنزل ويغادر هو وزوجته وطفلهما الصغير إلى منزل عمي" ص29، نجد أيضا البساطة في تقديم المعلومة، والتي نجدها من خلال تكرار لفظ "المنزل" فكان يمكنه في المرة الثانية أن يستخدم "فيه" بل المنزل، وفي الثالثة "البيت" (بيتنا/منزلنا)، لكن بساطة المتحدث تجعله يلتزم بخطه هو، وليس بخط الآخرين، من هنا عندما تحدث عن الأخ الأكبر كان أيضا ينقل الصورة/الحدث ببساطة ودون أي تزويق، فكان صادقا مقنعا بما يقدمه من مشاهد.
يحدثنا عنه أمه قُبيل اعتقاله والحسرة التي أصابتهما معا: "خرجت من بيت صديقي باكرا وحتى لا يتم رؤيتي وأنا أخرج من هذا البيت ذهبت لمسجد القرية وأديت صلاة الضحى، وفي الساعة الثامنة تقريبا، دخلت للمنزل والوالدة تعد خبزها، سلكت عليها ورحبت كعادتها بين الشوق والحنين والخوف علي، يومها قالت ها انا أعد الخبز الساخن، وأخوك ذهب ليحضر صحن حمص من المطعم حتى نفطر معا، أخبرت والدتي أنني سوف أذهب لدكان ابن عمي ريثما يعود أخي، وهذا الدكان قريب من منزلنا، وذلك خوفا من إخبارية حول دخولي للمنزل، وحتى يعود أخي وتجهز وجبة الإفطار أكون قد عدت، ودعت والدتي على أمل العودة لتناول وجبة الإفطار معا، إلا أنني لم اعد منذ ذلك اليوم، وفارقت الحياة وهي تنتظر تلك العودة، وكانت دائما ما تذكرني بذلك اليوم، وهي تدعو الله أن يأتي وأفتح باب المنزل وأدخل إليها كما دخلت في ذاك اليوم، ووصل بها الأمر أنها كانت أحيانا تستيقظ ليل وتبحث عني في أرجاء المنزل وتقول لي لا أعرف يأتيني هاجس أحيانا أنك دخلت المنزل، فأنزل إلى الطابق الأرضي وأنادي باسمك وأبحث عنك في أرجاء المنزل" ص90، سنحاول التوقف قليلا عند ما جاء في هذا المشهد، فنجد تكرار للفظ المنزل ست مرات، منها اربع مرات متعلقة بالكاتب، مرتين متعلقة بوالدته، وتم تكرار "الوالدة/والدتي" ثلاث مرات، وهذ يشير إلى ما يحمله الكاتب من حنين للمكان، المنزل، ولوالدته، ونلاحظ أنها يجمع بينهما في حدثه، من خلال الخبز الذي تعده، ومن خلال بحثها عنه، وهذا ما يعطي المكان سمة اجتماعية/عائلية/أسرية، وما حديثه عن دكان ابن عمه إلا تأكيد على اجتماعية المكان والحميمية التي تجمع الأهل/العائلة به.
يقدم رحيل والدته بهذه المشهد: "... والدتي تموت، وأنا جالس لا استطيع فعل شيء، ولا حتى تقبيلها ووداعها، ولا حتى البكاء عليها، ...طلبت من أخي أن يضع جهاز الاتصال بالقرب من أذن أمي، لأودعها، ...طلبت منها مسامحتي لغيابي عنها كل هذه السنين وتقصيري بحقها، طلبت رضاها وعفوها وأن يرحمها الله ويكرمها فهو أهل العفو والكرم سبحانه" ص110، أن يحمل الاسير نفسه (ذنب) الابتعاد عن أمه، وهو المكره على الغياب/الابتعاد فهذا يشير إلى نبله وإلى سمو أخلاقه.
وإذا ما توقفنا عند هذا المشهد نجد أن هناك رفض لحالة الموت، وكسر لجدران السجن، وتمرد على السجن والسجان، من خلال وضع الهاتف على إذن أمه المتوفية، ففي هذا المشهد يعاملها "رائد لسعدي" على أنها ما زالت حية، لهذا يبلغها اعتذاره ويطلب منها مسامحته.
ويأخذنا هذا المشهد إلى إنسانية الأسير الفلسطيني، الذي يهتم بالأموات ويعاملهم باحترام وتقدير، ويكشف حقيقة الاحتلال الذي يمنع هذا الإنسان صاحب النبل والمشاعر المرهفة من توديع أمه الراحلة.
يحدثنا عن "أم محمد القنيري" وكيف تفهم السلام: "نحن نريد السلام "يما" فليعيدوا ابني الذي قتلوه، ويخرجوا أبني وكافة الأسرى، سيحل السلام "يما" ولا مش هيك "يما"" ص173، هكذا تقدم الأم الفلسطينية مفهومها للسلام، فهي تقدم همومها وهموم بقية الأمهات بطريقة موضوعية، بعيدا عن (الفبركات) السياسية والخطب الدبلوماسية، فهي التي تعاني وتتحمل الم غياب الأبناء عنها، وهي ما زالت تنتظر عودتهم: "جلست هذه الحاجة وهي تحمل علبة لبن، لم تشربها، ونذرت على نفسها ألا تشربها حتى يعود ابنها من السجن، ويسقيها إياها بيده أو أن يسكبها على قبرها بعد مماتها وخروجه من أسره، لأنه من أحضرها لها قبل اعتقاله" ص174، نلاحظ أن الأمهات يتماثلن مع لأسرى في العطاء والوفاء، فهن مستمرات في الاحتفاظ باللحظة/بالزمن الذي توقفت فيه حياة الأبناء السوية/الطبيعية، ويرفضن الاعتراف بتقدم/بمرور الزمن، وهذا اشارة إلى أنهن ما زلن متمسكات بحقهن كأمهات، لهذا يرفضن التعامل بما هو حاصل من غياب للأبناء، فمن خلال رفضهن الاعتراف بمرور الزمن يؤكدن على أن إنسانيتهن، وعلى أنهن يمارسن دورهن كأمهات.
فتحي الشقاقي
الأخلاق/الوفاء سمة إنسانية تلازم الأنقياء، وبما أن الأسرى نذروا حياتهم لنكون أحرارا، ولتكون فلسطين حرة، فهم يحفظون لمن استشهدوا بمواقف تنم على الوفاء لعطاء هؤلاء الشهداء، يحدثنا "رائد السعدي" عن عطاء القائد "فتحي الشقاقي" وعلى سعة صدره من خلال هذا المشهد: "...لقد كان محتوى الرسالة فيه من الشدة والقساوة على شخص الشقاقي والمعاتبة له، أنه يوجد تقصير وفتور، وكان اللوم والعتاب وبعض العبارات للشقاقي، منها كما ذكرت بعض القسوة، وبعد فترة جاءنا الرد من الشقاقي برسالة طيبة ولطيفة وفيها تحبب وتقبل لكل نقد وعتاب، وخاطب الشيخ بشكل ودي،... وأن ظروفهم وإمكانياتهم محدودة جدا، وما يلاقونه من صعوبات وعقبات، ومع هذا ختمها بالقول: " إنه لن يدخر جهدا في عطائه ومسيرته وجهاده، ثم ختمها بالقول: "لا والله حتى تروا دمي على صدري" بهذه الكلمات أنهى الشقاقي رسالته وبها قولا وفعلا أنهى حياته وقد أوقى وعده" ص97، أن نجد شخص يتقبل النقد فهذا أمر لافت، وأن يرد على المُتقد بطريقة هادئة فهذا يشير إلى أننا أمام شخصية قيادية تعي وتتفهم أهمية النقد ودوره في تطوير العمل، وأن يقرن القول بالفعل فهذا ذروة الانسجام والتوحد مع الفكرة، هكذا كان القائد "فتحي الشقاقي".
الكتاب من منشورات مؤسسة مهجة القدس، غزة فلسطين، الطبعة الأولى 2021.



#رائد_الحواري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ديوان هدنة لمراقصة الملكة سلطان القيسي
- الحلول والوحدة في رواية - الصامت- شفيق التلولي
- العزيمة تربي الأمل أماني خالد حشيم
- التاريخ القديم في رواية -أوراق معبد الكتبا- هاشم بديوي غرايب ...
- أنا والمحقق والزنزانة سعيد أبو غزة
- المرأة والمكان في قصيدة -أسميتها وطني- صلاح أبو لاوي
- القصة القصيرة جدا في -ظلال الوهم- حسين شاكر
- مجموعة محاولات للنجاة غسان نداف
- العهد التركي في رواية الوجع والجرأة إياد شماسنة
- وجيه مسعود وتقديم الفرح في ما اجمل ان ترسم قلبك مدينة مدينه-
- الديني والسياسي في رواية -الحانوتي- يوحنا مصلح
- مواجهة الواقع في قصيدة -سأظل أسأل- سامي البيتجالي
- سامر كحيل -أبد
- اليهودي في رواية ناغوغي الصغير حسن حميد
- استمرارية حضور المكان في رواية - القبو- فاطمة عبدالله سلامة
- شعر الأطفال في قصيدة -دمية- سمير التميمي
- القسوة عند ميسر عليوة وحسن محم حسن
- الرؤية المتقدمة في كتاب -دراسات من الأسر- للكاتب الأسير أمجد ...
- مسرحية الحياة والموت للأديب جمال بنورة
- الاسلوب والشكل في ديوان رقاع إلى صلاح الدين نظير أحمد شمالي


المزيد.....




- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رائد الحواري - أمي مريم الفلسطينية رائد محمد السعدي