عبدالوهاب حميد رشيد
الحوار المتمدن-العدد: 1662 - 2006 / 9 / 3 - 06:02
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
ترجمة: عبدالوهاب حميد رشيد 2
"الأكاذيب أقحمتنا في هذه الحرب.
الحقيقة وحدها يمكن أن تخرجنا منها"
(مقابلة مع: شيلدون رامبتون أجراها كيفن زيس)
شيلدون رامبتون: كاتب مشارك- مع جون ستوبر- لكتاب "أفضل الحروب أبداً "أكاذيب، أكاذيب ملعونة، والفوضى في العراق". يفحص الكتاب ويحلل كيف أننا تورطنا في حرب العراق، وكيف نُفِّذتْ، وكيف يمكن للولايات المتحدة الخروج منها.
كيفن: صدرت كتب كثيرة بشأن الحرب واحتلال العراق، بماذا يختلف هذا الكتاب؟ ولماذا كُتب؟
شيلدون: سبق وأصدرنا كتابنا الأول: أسلحة الدمار الشامل/ 2003، يتضمن نقداً منهجياً لإدارة بوش بخصوص الحرب. وهذا الكتاب يحلل المعلومات الدعائية propaganda التي أحاطت بالحرب، وكيف أن الحرب قامت على ترويج دعائي، وهي صناعة قولبة/ تشكيل الرأي العام. لكن هذه الصناعة يمكن أن تكون أكثر نجاحاً في قولبة أفكار مروجيها أنفسهم من قولبة أفكار الناس المستهدفين منها. وهذا بالضبط ما حصل بالعلاقة مع حرب العراق. إن سذاجة أحاديث إدارة بوش يمكن رسمها على شكل سلسلة من دوائر موحدة المركز، انطلقت من: صانعي الرأي العام في واشنطن، مجموعات اللوبي، والبيروقراطيين، وهم مَنْ اعتقدوا بأفكارهم والترويج لها. وتُشكل بقية الولايات المتحدة الدائرة الثانية لقبول هذه السذاجة. تم إقناع الكثيرين خارج واشنطن لتأييد الحرب. لكن هذه القناعة اتجهت باستمرار نحو التآكل. وهذا الاتجاه اخترق حدود الولايات المتحدة نحو كندا والمكسيك وغيرها مُجسِّداً نمو رأي عام عالمي معارض بقوة وثبات لهذه الحرب منذ بدايتها.
وهكذا تزداد الشكوك على نحو أبعد وتزداد معارضة الرأي العام، وبالنسبة للحرب على العراق بلغت هذه المعارضة في: أسبانيا 85%، ألمانيا 86%، روسيا 91%، بينما واجهت رسالة البيت الأبيض بشأن الحرب على العراق معارضة أكثر 90% في منطقة "الشرق الأوسط". ماذا تقول هذه الأرقام؟ أنها تعني، باختصار، أن الجزء الأكبر من مهمة الترويج الدعائي هي تمكين إدارة بوش، وإلى حدود عالية، الرأي العام الأمريكي، خداع أنفسهم.
كيفن: يظهر لي أن الولايات المتحدة ذهبت إلى الحرب دون سابق تحضير، هل تتفق معي؟ لماذا؟ هل كانوا يعتقدون حقاً أنهم سيُستقبلون من الشعب العراقي بالترحيب باعتبارهم محررين؟
شيلدون: ما يظهر وكأنه نقص في التحضير هو في الواقع نتيجة الوهم/ خداع النفس. إن "مشروع مستقبل العراق" الذي أُعدَّ بصورة مشتركة من 17 فريقاً وبمشاركة 240 عراقياً وبواقع ألفي صفحة، تضمن، علاوة على الخدمات العامة، التحذير من احتمالات حصول أعمال سلب ونهب واسعة بمجرد سقوط النظام العراقي. لكن المشروع بتوصياته وضع على الرف، وأُبعد- قبل الحرب مباشرة- كل من شارك في المشروع، وجُلب فريق جديد تماماً. وكان الخوف من أن الفريق الجديد سيعرض سيناريوهات متفائلة تحط من تأييد الرأي العام للحرب، وهو ما حصل فعلاً.
السبب في إبعادهم لخطط المشروع ارتبط بخطتهم التسويقية: إخبار الرأي العام أن الحرب ستنتهي بسرعة نسبياً، بدون خسائر، وغير مكلِّفة. عندما قدَّم رئيس أركان الجيش أريك شينسيكي شهادته أمام لجنة الشؤون العسكرية في مجلس الشيوخ، قال أن الحاجة إلى بضع مئات آلاف من الجنود ستكون مطلوبة لحفظ النظام بعد الحرب في العراق. أغضب هذا القول البيت الأبيض بشدة، لأنهم كانوا ينوون إخبار الرأي العام أن الولايات المتحدة تحتاج فقط إلى 90 يوماً لدخول العراق والخروج منه. وكانت النتيجة إنهاء خدماته العسكرية وبسرعة.
السبب الذي جعل المحافظين الجدد في البيت الأبيض عاقدين العزم على إخبار الرأي العام أن الحرب ستكون سريعة ورخيصة (قليلة التكلفة) لأنهم أدركوا أن الرأي العام سيتوجس الريبة من حرب مكلِّفة والخوف من السقوط في مستنقع لا نهاية له. أن حصيلة هذه الأفكار المتناقضة هي هذه الفوضى في العراق التي تشكل عاقبة للحملة التسويقية لإدارة بوش بغية تقديم الحرب للشعب الأمريكي في هذه الصورة الملفقة. وهذه النتيجة مرتبطة بدورها بالأوهام التي أصبحت عقيدة لدى مخططيها.
كيفن: أشرتم إلى مسألة بالغة الأهمية في هذا الكتاب وهي أن إدارة بوش كذبت على نفسها.. كيف يمكن أن يحدث هذا في إدارة تضم مختلف الخبرات في كافة المجالات وممن لهم تجارب لسنوات طويلة. كيف يمكن تفسير أن هؤلاء الناس يصلون إلى أفكار وقرارات خاطئة؟ ماذا وراء ذلك؟ لماذا ينشأ مثل هذا الخطأ؟
شيلدون: الخبرة والذكاء والتجارب لا تُحصِّن الإنسان من الوقوع في الخطأ. كلنا يمكن أن نقع في الخطأ والخداع الذاتي. تتجسَّد المشكلة مع إدارة بوش أن دراساتهم ومناقشاتهم الستراتيجية خلقت بيئة تعزز التفكير الجمعي (التفكير على مستوى الفريق) وخداع الذات. أن أي شخص ينحرف (يُعارض) في قوله عما هو مرسوم ومقرر مسبقاً يصبح محل شك.. حتى المطلعين على بواطن الأمور مثل رئيس الأركان أريك.. بل أن هذا الموقف يمتد إلى خارج الفريق. فعندما قال هانس بلكس أنه لم يعثر على أسلحة دمار شامل في العراق، كان رد الفعل المباشر للبيت الأبيض محاولة إيجاد وسائل لنزع الثقة عنه. بل حتى صدام حسين إذا قال أنه يمتلك أسلحة دمار شامل، فهو محل تصديق وتهديد، أما إذا قال أن العراق خالٍ من هذه الأسلحة فهو عندئذ أستاذ الكذب والمخادعة. وهذا يعزز القول أن المحافظين الجدد في البيت الأبيض خلقوا بيئة معلوماتية تتجه كل الأمور من خلالها نحو تعزيز فرضياتهم التي تحولت إلى أوهام وخداع الذات.
كيفن: ما هي التكهنات بخصوص هذه الحرب؟ هل خسرنا؟ ما هي الكلفة البشرية لهذه الحرب من عراقيين وأمريكيين؟
شيلدون: الفصل الأول من الكتاب يخص هذا الموضوع وهو بعنوان "لا تحسبوا عدد القتلى"! وهذا الفصل هو أكثر ما يغضبنا. لم تقتصر الحواجز المفروضة على حساب عدد الإصابات (القتلى والجرحى) من الأمريكيين فحسب، بل كان هنا موقف عدائي أيضاً تجاه كل من يحاول حصر عدد الإصابات من العراقيين.
أفضل دراسة عن عدد القتلى العراقيين نُشرت في لانسيت وتمت من قبل ليس روبرتسون- جامعة هوبكنز عام 2004 ووفق منهجية علمية على أساس العينة وانتهت الدراسة إلى أن عدد القتلى العراقيين بلغ بحدود مائة ألف. تعرضت هذه الدراسة لهجوم شديد من قبل مؤيدي الحرب كونهم يعارضون أي جهد لإحصاء عدد القتلى. ويرتبط بذلك أن كشف هذه الأرقام يتعارض مع مزاعمهم السابقة بأن الحرب سينقذ العراقيين.
مرَّت سنتان على دراسة لانسيت ، وخلال هذه الفترة تصاعد العنف في العراق على نحو مثير. وحسب أرقام حكومة (الاحتلال) العراقية أن هذا العنف يتسبب بقتل ثلاثة آلاف شخص شهرياً. ولكن لسوء الحظ أن أرقام القتلى العراقيين ليست كاملة. أن الحصول على أرقام واقعية يتطلب كذلك إضافة عدد القتلى غير المسجلين والموت لأسباب ثانوية للحرب: نقص الغذاء، الماء، الكهرباء، الرعاية الصحية، (انتشار الأوبئة والأمراض الخطيرة- تلوث البيئة- اليورانيوم المنضب)..
أما السؤال المتعلق فيما "إذا خسرنا الحرب"، المطلوب أولاً تحديد معنى كسب الحرب. إذا كان يعني مجرد إسقاط صدام حسين، نعم، لقد سبق وكسبنا.. إذن لماذا لا زلنا هناك؟ أما إذا كان يعني إيقاف "الإرهاب" فإن الحرب ترافقت مع تصاعد مثير لـ "الإرهاب"على نطاق العالم.. وإذا كان يعني خلق حياة أفضل للعراقيين، فالحرب في الحقيقة حوَّلت حياتهم جحيماً، وليس هناك من سبب يدعو إلى القول بأن الاستمرار في الاحتلال سوف يحسن الأمور. افترضْ أنك جئت بسمكري لإصلاح أنبوب ماء مكسور في منزلك مما سبب في تغطية أرضية المنزل بالماء المتدفق.. وبعد ثلاث سنوات لا زال السمكري موجوداً في منزلك، ولا زال الماء المتدفق من الأنبوب على حاله بحيث أغرق المنزل، بل وحتى مياه المجاري تدفقت وتحول حطام المنزل إلى مستنقع كريه.. ومهما كانت الأمور سيئة قبل مجيء السمكري، فإنك في الواقع تواجه وضعاً جديداً أكثر سوءاً بكثير.. ألا تشعر أنك بحاجة إلى أن تحرق السمكري!؟ هنا تتجسّد علاقتنا مع شعب تستمر الولايات المتحدة في احتلاله لـ "إصلاحه!"
كيفن: لماذا نُقاتل في هذه الحرب؟
شيلدون: لأن بوش قال أن العراق يُشكل تهديداً للولايات المتحدة.. وحالياً يقول أن الحرب من أجل حرية الشعب العراقي. يقول اليسار أنه بسبب النفط. وحتى العديد من جنودنا أخذوا يفكرون أن الحرب كانت من أجل النفط.
شخصياً، لا أرى أن الحرب ارتبطت (كلياً) بالنفط، كما يرى بعض الناس، رغم أنه من المؤكد أن النفط شكَّل الحافز المحرك لدفع الولايات المتحدة ودولاً غربية أخرى للتدخل في الشرق الأوسط في القرن الماضي. كان من الممكن أن نحصل على نفط أكثر من العراق إذا ما تركنا صدام في مكانه. أتصور أنه (أيضاً) الخداع الذاتي والعجرفة الإمبريالية والشعور بالمهانة من أحداث 11 أيلول/ سبتمبر التي دفعتنا بقوة نحو الحرب. أن القوى غير العقلانية تُفسر أحياناً لما تفعل الشعوب هكذا.. عندما أقحمت الشعوب الأوربية نفسها في الحرب العالمية الأولى تصوَّر بعضهم بإمكانية تحقيق مكاسب. لكن حصيلة الحرب جاءت في الواقع تدميراً متبادلاً لكلا الطرفين. وبعدئذ سئل أحدهم صحفياً: لماذا نُقاتل؟ أجاب الصحفي: "الساسة يكذبون وبعد ذلك يُصدقون أكاذيبهم عندما يجدونها مطبوعة"!
كيفن: كيف نخرج من هذه الحرب؟
شيلدون: الأكاذيب أوصلتنا لهذه الحرب، والحقيقة وحدها تخرجنا منها.. أولاً يحتاج الشعب الأمريكي أن يواجه الحقيقة، ونعترف بأن ما فعلناه لم يكن عملاً نبيلاً، بل ولم يكن بدافع الرحمة بالشعب العراقي أو القلق عليه. ثمَّ أنهم بحاجة إلى التحرك أبعد من ذلك بالتخلص من اللامبالاة والسخرية وأن يضغطوا بشدة على حكومتهم للخروج من الحرب في العراق.
مممممممممممممممممممممممممـ
1 Keven Zeese, “Only the truth can get U.S. out of Iraq”, Aljazeera.com- 31 August,2003.
2 ترجمة بتصرف موجزة.
#عبدالوهاب_حميد_رشيد (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟