أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - منهل السراج - عمنا نجيب.. نحبك كثيراً














المزيد.....

عمنا نجيب.. نحبك كثيراً


منهل السراج

الحوار المتمدن-العدد: 1662 - 2006 / 9 / 3 - 05:43
المحور: الادب والفن
    


كنت في الثانية عشرة حين دخلت إلى البيت ورميت أمي بورقة علاماتي الكاملة، فتحتها ثم غنت فرحة: الأولى، الأولى، الأولى.. ياناس صفقولا. ابتسم أبي راضياً. وفي المساء أحضر هديته، شوالاً من القنب.
نظرت في الكتلة السمينة والمربوطة، محاولة توقع مافي قلبها. لم يكن في ذلك الوقت ألعاب ضخمة تهدى إلينا، ومن غير الممكن أن يكافئني بشوال من الفاكهة مثلاً أو عرانيس الدرة. فكرت وفكرت دون فائدة، لم أحزر ولم يسعفني حدسي.
صعد أخي إلى الكنبة فك الربطة ورفع الكيس ثم قلبه، وأفرغه دفعة واحدة.
هبط قلبي مع سقوط الكتب. روايات وكتب فلسفة وقصص أطفال وكتب الألغاز بمغامريها الأربعة وكتب الألغاز بمغامريها الخمسة، وطبعا كلها كتب مقروءة وليست جديدة. كان أول ماشدني من تلك الكومة، غلاف "قصر الشوق". تناولت الرواية وهربت إلى غرفتي غير عابئة بنداء أمي كي أساعدها في نتف الملوخية. قرأت وقرأت وكم كنت متباهية بنفسي أني أقرأ قصص زنوبة المحرمة، وبعد أن قطعت الكثير منها، جاءت أختي وبيدها "بين القصرين"، قالت بسخرية: عاملة حالك فهمانة؟ ماتقرأينه جزءاً ثانياً لهذا. وأشارت لما بيدها.
تضايقت لأني لم أكتشف فوراً أني في الجزء الثاني، وتضايقت لأن قلبي انخلع أنها سبقتني إلى تناول الجزء الأول من الثلاثية.
أجبت بلااكتراث مفتعل: لم تعجبني روايات نجيب محفوظ لن أكمل القراءة.
قهقهت أختي، ثم ناولتني "بين القصرين" ومضت. شربت الثلاثية قبل أن ينتهي موسم الملوخية الخضراء. وكانت صيفية هائلة، كأنني نهضت بعمري سنين عديدة.
ظل أهل الثلاثية يعيشون معي، وظلت القاهرة المدينة التي في الثلاثية.
بعد أكثر من عشرين سنة، حان وقت زيارة القاهرة. حين صعدت إلى الطائرة، كنت بحال من اللهفة شديد لرؤية الحارات، التي عرفتها من الثلاثية.
استدرت إلى صديقتي الجالسة بجانبي، أوشكت أن أقول: أخيراً سأرى قامة سيد أحمد عبد الجواد ووجه أمينة المطيعة ذا الشفاه الرقيقة... ثم تذكرت أن هؤلاء الأشخاص مجرد أبطال من خيال الكاتب. أمسكت لساني واستدرت لمراقبة السماء تحت الطائرة. ومن جديد قفزت قهقهات زنوبة الفاجرة فاستدرت لصديقتي لأخبرها أن أول مشوار سيكون إلى حارة قصر الشوق. ثم أمسكت نفسي، من جديد، ورحت أحدق في البياض السميك قلقة من هذه الهجمة العنيفة من عوالم أدب نجيب محفوظ... داهتمني ابتسامة كمال الساخرة، وحب فهمي على سطح البيت لمريم بنت الجيران، وأرستقراطية عايدة وفيلا عايدة والشبان الأربعة..
سرحت تماماً ورحت أبتسم. تساءلت صديقتي:
ـ هل تخفين أمراً ما؟
كنت أخفي كل الحكايات التي حكاها في رواياته، وأنتظر أن ترى عيني وتلمس أصابعي كل مارواه وحدثنا عنه.
لكن حين وصلت إلى القاهرة، وبعد قضاء أول أسبوع في المتاحف والأهرامات، وتأمل المراكب.. لاأنكر أني من شدة عشقي للنيل راودني شعور وسواسي لحظي أن أرمي نفسي فيه. لكن لم أعثر على أي من أبطال الثلاثية ولم أر أي حارة من حاراتها ولانافذة من نوافذها ولا عربات خيولها ولاعوامات غوانيها.. ولأني فتشت طويلاً عن القاهرة التي أخبرنا عنها نجيب محفوظ. ولم أجد، بت عصبية. وكدت أتهم الكاتب بالكذب علينا.

أمعن نجيب محفوظ في تشكيل دنيا أخرى غير الدنيا. وجمح في الخيال حتى توهنا ودوخنا. ولم يعد يرضينا الواقع الحالي إن لم يهيئه لنا خيال الكاتب، ويقدمه معجوناً بألم وصدق من طراز شعور هذا الرجل.
بعد أن احتارت ذاكرتي بأمرها، قررت ولوحدها أن ترجع إلى دنيا نجيب محفوظ وأرجعت كل حي إلى مكانه، وأرجعت القاهرة خاصة نجيب محفوظ، فهدأت.
عمنا نجيب محفوظ.
دنياك أجمل بمالايقاس.
اقبل بعض الياسمينات واغف.
نحبك كثيراً



#منهل_السراج (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شيطنات اللغة
- بحصات في الحلق
- خبر عاجل وجميل
- قنابل تسيّل الدموع
- احتشمي بيروت
- دونية ومسحوقة أيضاً
- مي شدياق .. أنا أنا لم أتغير
- اعترافات عن عارف دليلة
- كما ينبغي لنهر
- تمرين صعب من اجل السلام
- بين الضفتين
- حقيبة فاتح جاموس
- وصفة لشهرة. وصفة للسترة
- جمعيات سقط عتب
- ترى... من هو عريس الليلة!
- أما أنا فأفهمك يانجيب
- بترحلك مشوار؟
- بأي حق يغتالون الصداقة


المزيد.....




- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - منهل السراج - عمنا نجيب.. نحبك كثيراً