أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - منهل السراج - اعترافات عن عارف دليلة














المزيد.....

اعترافات عن عارف دليلة


منهل السراج

الحوار المتمدن-العدد: 1600 - 2006 / 7 / 3 - 07:54
المحور: حقوق الانسان
    


لن أتحدث بعد اليوم عن جرأته ولن أتحدث أبداً عن عدله. سأعترف بذنوبه التي ارتكبها حين حمل أسطوانة أوكسجين وراح يوقظ الناس من تخديرهم.

حين أصغيت لمحاضرته أنا غير المعنية بالإقتصاد وشؤون المال، وسرعان مايدرك رأسي الوجع من الحديث في الفساد وتضخمه تحت طاولات المسؤولين أوفوقها.. أقول حين تابعت تحليلاته وفضحه للممارسات التي حدثت خلال أكثر من ثلاثين سنة. عبارة واحدة راحت تتردد في داخلي:
هكذا إذن؟ هكذا إذن؟ كم ظُلمنا! كم ظُلم الناس جميعاً؟
كنت وبظني، كان معظم الناس في سوريا يحسون بالظلم والاستلاب وكل مافي معاجم اللغات من معان للبؤس. لكن إحساسنا به كان قدرياً وكأنه مصيرنا الذي لانستطيع التخلص منه، أو أنه حظ قليل يشملنا جميعاً ويجعل حياتنا متعثرة كل يوم في صباحنا ومسائنا.

ثانويتي التي كانت سنة أحداث حماه، تلك السنة الصاعقة التي لايمكن وصفها بكلمات، لذلك ساكتفي بالقول إنها أخذتني وأخذت جيلاً بكامله إلى اتجاهات عشوائية مجنونة. مازلنا نقف حائرين على عتبات الحياة:
ـ أي اتجاه علينا أن نسلك؟
ثم سنوات الهندسة الخمسة التي قضيتها، أودع صديقة ستترك الدراسة لأنه عليها أن تتخفّى. وأتجنب وأتفادى بحزن وألم، زميلاً، استدعي للتحقيق ثم رجع للدراسة، كي لاأحسب على جماعته، وألاقي من يباغتني في الثامنة صباحاً أمام باب الكلية ليأخذني إلى المجهول.
تخرجت وكثير من زملائنا معتقلين ولايوجد بادرة أمل بعودتهم لاستكمال الدراسة. هكذا كانت سنوات الجامعة. حين تتحدث الأجيال السابقة عن متع أيام الجامعة ومرحها، أقف مبهوتة، لأني فعلاً لاأتذكر منها إلا الخوف والحذر.
تخرجت وكلي أمل بالمعيدية وتكملة الدراسة. لكن وبينما كنت أهم بإعطاء أول درس لي في الكلية، فوجئت بمراقب الدوام يحمل قصاصة ورقة مكتوب عليها سطر واحد قصير فيه: تاريخ وساعة معينة، وقفت أنظر فيها دون استيعاب لمعناها، فوضح مشفقاً: استدعاء أمني.
وكانت النتيجة بعد تحقيقات واستدعاءات عديدة أني منعت من تكملة المعيدية لأني رفضت التعاون مع جهات الأمن الثلاث في كتابة تقارير بالطلاب والزملاء من المهندسين، بصراحة كلمة رفض غير دقيقة، أنا اعتذرت عن التعاون معهم واستغنيت عن حلم المعيدية.
اتجهت إلى الوظيفة المجبرة عليها والتي لاتمت لإختصاصي بأي صلة، سنوات خمسة فارغة من أي جدوى، الوظيفة قصة يطول شرحها. ولاأبالغ إذا قلت إني أكثر موظف سوري قبض رواتب خمس سنوات دون أن يؤدي عملاً حقيقياً. اللهم إلا اهتراء الأعصاب.
كان علي كل يوم الانتباه إلى عدم توريطي في رئاسة أو عضوية لجنة ما. لأنها بالضرورة مرتشية وفاسدة. ياإلهي.. لاأذكر أني مرة قابلت المدير إلا لأعتذر عن التوقيع على محضر التسليم النهائي، بعد أن أعاين النتائج وتكون السرقات والرشاوى واضحة لدرجة مضحكة.
يئست من العمل وتناسيت ضياع أحلام المعيدية، وجربت العودة للدراسة. انتسبت لمعهد التراث العلمي العربي الذي يدّعي أنه يعد باحثين في تاريخ العلوم، ولكن بعد جهاد سنتين، استبعدت أنا وخمسة طلاب لم ننل الرضى اللازم، ومنعت قسراً من متابعة دراستي فيه، ذلك لأني رُسّبت بمادة واحدة ترسيباً تعسفياً، في حين كانت علاماتي في بقية المواد بين الثمانين والتسعين. طبعاً، كان من الصعب عليهم تجنيد كل المدرسين لمساعدتهم في مهامهم الأمنية!!

أنبت نفسي كثيراً: علي أن أنجح في أمر ما. وإلا مامعنى حياتنا وهذه العقول في رؤوسنا؟ وعثرت على ضالتي: الأدب!
قلت لنفسي: تكتبين.. يعني لاتحتاجين أحداً، لالجان ولامحاسبين ولا وثائق.. هو بياض ورقة لطيف تشطبين عليه خيالاتك وأحلامك وذاكرتك. وبدأت بهمة متفائلة وانغمست في كتابة روايتي الأولى، كان المكان افتراضياً، والزمان يمتد إلى ألف عام، والنهر والحرب والأشخاص والبلاء والمصائب.. كلهم يصلحون لكل البلاد. وحين انتهيت منها، أحببت مثل كل الكتاب أن أنشر ماكتبت، طمعت في قول كلمتي للآخرين، ربما تنفع. هكذا فكرت. وأرسلتها لأخذ الموافقة الضرورية من وزارة الإعلام. وانتظرت ربما أربعة شهور، دون رد. حاولت معرفة النتيجة من وراء الكواليس كما يفعل الشعب السوري كله بلااستثناء. فجاءني الخبر اليقين: روايتك ممنوعة من النشر.
فشل جديد إذن. فشل في العمل، فشل في الدراسة، ثم فشل في الكتابة. كيف سأخبر أهلي وأقاربي وجيراني بالأمر؟ جارتنا كانت تحب المثل المصري وتردده علي:
ـ سبع صنايع والبخت ضايع.
وكنت دائماً أدفع عن نفسي التهمة:
ـ أنا أعمل ماعلي.
وكنت أحب أن أضيف:
ـ أعمل ماعلي وأكثر.
كان الأهل يفكرون أن هذا الظلم الذي يعيشونه، هو من قضاء الله وقدره. وكل من لايستسلم لهذا المقدّر والمكتوب مريب غريب.
طالت سيرة الانكسارات نعم، مع ذلك هي ليست أكثر من محاور رئيسية في واقع حياة كل سوري، أما التفاصيل فتحتاج صفحات أكثر بكثير.
هناك معاناة يومية بل لحظية، نراقب ما يحدث علينا وعلى من حولنا، ومانفتأ نثبت الكمامة على الفم وعلى أبسط طموحات الحياة.

كل هذا تداعى إلى رأسي وعارف دليلة ينزع هذه الكمامات ويزيد جرعة الأكسجين.
حين انتهى من تحليلاته. رأيت الظالم وعرفته. تأثير محاضرته تلك لاينسى وأظن أن كل من حضرها استيقظ بشكل ما.
لم تمض أيام قليلة إلا وسمعنا، أنهم زجوا به في الإنفرادية، هو وغيره ممن تجرؤوا على قول الحق.
الآن وبعد سنواته الست في السجن، أقول إلى صاحب قرار الاستمرار في سجنه. إن هذا الرجل مذنب برأيك، لأنه أيقظنا، وإذا أبى أن يعترف بذنبه هذا فأنا أعترف بدلاً عنه. لكن وطوال سنين سجنه هذه، ماذا فعلت أنا بيقظتي؟ حددت ظالمي؟ نعم، لكن حددته، في القلب. أليس أمراً صغيراً بل ومضحكا أمام ترسانة ظالمي؟
الآن أعترف عنه بذنبه، عله يحاكم عن جريمته وتكون سنين سجنه التي انقضت كافية للتكفير عن خطيئته في إيقاظنا!!.
جملة أخيرة مبتسرة ويائسة: أدعوك، ياصاحب القرار، منذ اللحظة أن تفك أسره. ولاتخش من يقظتنا، ففعلنا مازال جباناً وإيماننا ضعيفاً ويقتصر على القلب فقط.



#منهل_السراج (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كما ينبغي لنهر
- تمرين صعب من اجل السلام
- بين الضفتين
- حقيبة فاتح جاموس
- وصفة لشهرة. وصفة للسترة
- جمعيات سقط عتب
- ترى... من هو عريس الليلة!
- أما أنا فأفهمك يانجيب
- بترحلك مشوار؟
- بأي حق يغتالون الصداقة


المزيد.....




- جندته عميلة أوكرانية.. اعتقال المشتبه به الثالث في محاولة اغ ...
- الحكومة اليمنية تطالب الأمم المتحدة بإعادة النظر في التعامل ...
- الأمم المتحدة تدعو إلى إجراء تحقيق دولي بشأن المقابر الجماعي ...
- مدير جمعية الإغاثة الطبية بغزة: نحاول إعادة تشغيل مستشفى الأ ...
- الأمم المتحدة: توزيع مساعدات على نحو 14 ألف نازح حديث في الي ...
- خطة ترحيل اللاجئين إلى رواندا: انتقادات حقوقية ولندن تصر
- حملة -تطهير اجتماعي-.. الشرطة الفرنسية تزيل مخيما لمهاجرين و ...
- الأمم المتحدة تطلب فتح تحقيق دولي في المقابر الجماعية في مست ...
- أرقام صادمة.. اليونيسيف تحذر من مخاطر -الأسلحة المتفجرة- على ...
- أهالي الأسرى الإسرائيليين يحتجون في تل أبيب لإطلاق أبنائهم


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - منهل السراج - اعترافات عن عارف دليلة