أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - منهل السراج - ترى... من هو عريس الليلة!















المزيد.....

ترى... من هو عريس الليلة!


منهل السراج

الحوار المتمدن-العدد: 1540 - 2006 / 5 / 4 - 10:21
المحور: الادب والفن
    


اسمحوا لي أن أقص حكاية "الجنة الآن" مرة ثانية.
ستقولون إن متابعة الفيلم بأنفسكم أجمل من روايتي له.. لكن صدقوني لو شاهدتم الفيلم، واستيقظتم كما استيقظت، لتمنى كل منكم أن يقصه على كيفه. نعم، كل منكم سيتابعه على كيفه. وكيفي كان يائساً جداً.
وأرجو أن تسامحوني أيضاً إذ تنتابني نوبة غرور أو سذاجة، حللوها كما تحبون. تمنيت وأنا أكتب، أن يقرأني أحد أولئك الشباب فأنجح في خلق طيف تردد أمام ماهو مقدم عليه، ربما يفهمني. فأنا أريد أن أقول: نحبكم أحياء ونحتاجكم أحياء. لاتقتلوا أنفسكم.
كان زمان الحكاية يومين لاأكثر. البارحة كانا صديقين، يعملان في ورشة تصليح سيارات، خالد يدافع عن صديق عمره سعيد ليرد عنه ظلم صاحب الورشة، يمضيان إلى ركنهما في أعلى نقطة من نابلس، يدخنان ويطلان على فلسطين. سعيد يستمع إلى أغنية يرقص خالد عليها.
يذهب سعيد ليأخذ صورة فيطلب منه المصور أن يبتسم قبل التقاطها، فلا يستطيع.
في المساء، وفي طريق عودة كل منهما إلى بيته يلتقيان بمن يعدهما بالجنة:
ـ عندنا عملية خططنا لها من سنتين. وقد وقع الاختيار عليكما. أنت وصديقك. وذلك لثقتنا بإمكانياتكما.
يدخل سعيد إلى البيت مع المعلم، الذي سيبيت معه كي يمنع التردد أو الشك من اختراق عزيمته، فالعملية صرفوا عليها الكثير من الوقت والجهد، ويجب أن لا تفشل ولا وقت أبداً للتردد أو التروي أمام الإقدام على الموت.
ـ عندك، هذه الليلة كي تقضيها مع عيلتك. مبسوط؟
ـ مبسوط الحمد لله.
تقبله أمه باعتيادية يومية، ويشاكسه أخوه الصغير:
ـ لماذا ترتدي أحسن كنزة عندي للورشة؟ اخلعها.
يأكل مع أمه آخر لقمة ويودعها بنظرة خاصة لا تفهمها.
لم يكن سعيد، في خياره للموت استشهاداً أو انتحاراً، مشدوداً للجنة حيث الأرائك والعذراوات الحسان.. كان مشدوداً لأمر آخر. كان وفاءً لحزن الأم، يبشرها من خلال مشهد عابر بأنه حصل أخيراً على تصريح الشغل في إسرائيل، بينما كان ينوي المضي إلى عملية الموت. سيذهب لينسي الناس ذكرى الأب الذي عاش ومات متهماً بالعمالة لاسرائيل. وهنا اسمحوا لي أن أتساءل:
ـ ترى هل هؤلاء العملاء سبقوا عصرهم بوعيهم للعمالة؟
بما أن معظم القادة، بمن فيهم نوابهم، تحولوا إلى هذا الحل بشكل واع أو غير واع أو بما يشبه تلك الحالة.. ولكن لأن سعيد شاب وحيد وفقير فقد ملأه المخيم تأنيباً، وحملوه ذكرى عمالة أبيه المقتول عقاباً، فكان انتماؤه لهذا الأب سبباً واضحاً ومباشراً اختصر فيه انتحاره. سيضحي بنفسه لكي ينسي الناس، بشهادته، قصة أبيه المسماة خيانة، وعلينا أن لا ننسى أن الأب ضحى بسمعته من أجل أن يصرف على أولاده. وهكذا تضحيات وتضحيات والثمن دائماً من أرواحنا ودمائنا وأعصابنا. هذه هي مجتمعاتنا يا أهلنا في كل أراضي العرب، في فلسطين والعراق وربما في سوريا. أعراف وثوابت بليدة تكرهنا جميعاً وتؤذينا، مع ذلك نرتديها باسم المقدسات ونمضي حاملينها بكل فخر.
سهى الصبية القادمة من فرنسا، والتي تناضل من خلال ما يسمى جمعية حقوق الإنسان، لا تفتخر بكونها ابنة شهيد فلسطيني. قالت: كنت أفضله حياً. كانت تفضله أباً حياً لامقتولاً. هكذا صارحت سعيد حبيبها المفترض، بينما صارحها بأنه ابن عميل مقتول أيضاً.
أما خالد فقد نظر إلى عملها تلك النظرة التي تقول: كل شغلكم، دق المي وهي مي. فأجابت بصوت منخفض: هذا هو المتاح. مؤكد لا خالد ولا سعيد ولا أنا سيثنينا عمل سهى عن عزمنا في المضي في المهمة. فنتائج هذا العمل الذي لم يتح لهم غيره بطيئة بطيئة، وخالد يتحرق وسعيد يحترق، وكل من يحيا في منطقتنا ينال كل لحظة لسعة تعذيب.

يقوم بتجهيز الشباب للعملية أشخاص متعددون. يطعمونهم ويصلون معهم وينظفون أجسادهم ويجهزونهم أحسن تجهيز هكذا بما يسمى اليوم بالبادي كير. وياليتهم جُهزوا لملاقاة بنات عرايس مثلهم يقضون أول ليلة من الحب والمتعة والحياة. وكنت أتمنى لو أُكملت الحكاية مثل أفلام الستينات، بأن يتوّج المخرج حب سهى لسعيد بتزويجهما كي يعيشا بتبات ونبات. لكن كانوا يجهزونهم كي يلاقوا ملكي الموت.
هناك شخصيتان قاسيتان تعدان أو تجهزان هؤلاء المنتحرين. قال أحدهما بإيمان كامل بأنه ليس هناك حلول أخرى. الحل الوحيد هو الاستشهاد، وأكمل بأن الملكين سيأخذان العرسان الذين يجهزونهم، إلى الجنة. سأل خالد الشاب المندفع والمتحمس:
ـ أكيد سنجد الملكين؟
فأجابه من يجهزه:
ـ مية المية. لما تعملوا العملية رح تتأكدوا.
لو انه قال:
ـ إن شاء الله.
لتغاضيت.
ربما قلت:
ـ إنه يكذب قليلاً.
لكنه أجاب بنبرة الآلهة الحاسمة والنهائية. ولو تمعن خالد جيداً بهذه الأكيد لعدل عن مهمة الموت. لأنه سيعرف وقتها بأنهم تجنوا على رب السموات، الذي هو ماض من أجله، وظلموه، لأن الله لايريد أن يقطعوا حياتهم. آلهة الأرض حوله هي التي تتحكم فيه وبمصيره.
يشدون على وسط كل منهما حزاماً ويلصقونه تحت القلب، ثم تحشر قوالب المتفجرات في جيوب الأحزمة، التي لا ينسى من يجهزهم بها، أن يخبرهم متباهياً بأنها أحزمة جديدة ومستوردة "خلنج".
الإخراج شديد الصدق إلى درجة اللؤم، لم ينس أن يصور العريس يبول قبل المضي إلى المهمة بدقائق ويتحدث إلى رفيقه العريس الآخر، ذلك كي يشهدنا على حياة مفعمة صحة وطاقة ماضية إلى حتفها.
وجدت نفسي كالأطفال حين يتابعون مسرحية فيشاركون الممثلين أداءهم، ينبهون البطل الجميل بأعلى أصواتهم: لا لا تذهب من هنا يوجد ذئب أو غول أو وحش..

بعناد شديد مضى سعيد إلى مصيره الذي يسميه إرادة الله، صعد في الحافلة التي ستنفجر بعد قليل، بسحبة سلك.
جلس على مقعد وحيداً. خلفه جنود يثرثرون. لا أريد أن أحكي قصة هؤلاء الجنود إن كانوا أعداءنا أم لا، إذ ليس مكانها هنا، فاللغة العربية المترددة والتاريخ الجبان، لم يحددا بعد شرحاً لمعنى العداوة أفهمه كي أعتمده.
لكني أجزم وأؤكد أن تلك العيون الحزينة الدامعة وغير المؤمنة والكئيبة الكئيبة والتي ستقتل العشرات، كانت مظلومة.
انتهى الفيلم.
ودعنا سعيد البارحة.
ترى من هو عريس الليلة ياعراق، يا فلسطين.. ياكل بلاد القهر؟



#منهل_السراج (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أما أنا فأفهمك يانجيب
- بترحلك مشوار؟
- بأي حق يغتالون الصداقة


المزيد.....




- وفاة الفنان العراقي عامر جهاد
- الفنان السوداني أبو عركي البخيت فنار في زمن الحرب
- الفيلم الفلسطيني -الحياة حلوة- في مهرجان -هوت دوكس 31- بكندا ...
- البيت الأبيض يدين -بشدة- حكم إعدام مغني الراب الإيراني توماج ...
- شاهد.. فلسطين تهزم الرواية الإسرائيلية في الجامعات الأميركية ...
- -الكتب في حياتي-.. سيرة ذاتية لرجل الكتب كولن ويلسون
- عرض فيلم -السرب- بعد سنوات من التأجيل
- السجن 20 عاما لنجم عالمي استغل الأطفال في مواد إباحية (فيديو ...
- “مواصفات الورقة الإمتحانية وكامل التفاصيل” جدول امتحانات الث ...
- الامتحانات في هذا الموعد جهز نفسك.. مواعيد امتحانات نهاية ال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - منهل السراج - ترى... من هو عريس الليلة!