أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - منهل السراج - بأي حق يغتالون الصداقة














المزيد.....

بأي حق يغتالون الصداقة


منهل السراج

الحوار المتمدن-العدد: 1251 - 2005 / 7 / 7 - 08:59
المحور: الادب والفن
    


إذا كنت أكتب فلأن أحداً ما ممن يقرأ سوف يصبح صديقي، سترمش عيونه مع صفحات كتابي ويبتسم. فلماذا وبأي حق يغتالون هذه الصداقات ولِمَ أصر الرقيب على إرباك خطواتي في تجربتي الأولى مع الرواية؟ أعترف أنني حين كتبت لم يكن حاضراً ولم أتذكره وكنت مشغولة بإيجاد مكان للغتي، لكنه كان ينتظر الطريدة كي تكون في مركز المربع فيصيب هدفه ويشتغل فلا جدوى من وظيفته إن لم يفعل.
أما آن له أن يتقاعد؟
فطمة التي شربت المدينة بعصيانها. نشأت وسط صراعات، بنتاً ترقب الطائرات من أعلى الشجرات مستمعة لتلميحات الصبيان. تقيس كل صباح طول قامتها بطول نخلتها. أحبت في الثامنة عشرة، مختارة بكل بساطة من ينتمي إلى جماعة الطرف الآخر، جماعة "أبو شامة". تشهد سقوط الشاب مقتولاً على درج لقائهما وبقعة دم تسيل عن شفته. لا تذكر إن كان قاتله من جماعة عمها أم من جماعة خصمه، فهي لا تدين أحداً. وبعد سنين من الانتظار اختارت زوجاً من النازحين إلى مدينتها لأنها وببساطة أحبت أغاني البيارات ودندنة العود وابتسامة الرجل التي تذكرها بابتسامة أبطال روايات يوسف السباعي. حملت ثمرة الزواج قطعة لحم صفراء فتركت بيت الزوج ورائحة غسيل ابنها قبل أن يكفن ويدفن، وعادت إلى البيت الكبير لتنشغل مع أهله بأحداث عنيفة، قتل وتدمير وتعذيب وغياب. تشهد انهيار كل الصروح وتشهد ذل المدينة ثم تبقى لتتحمل التراجع وقبض التعويضات. يموت أبوها، وأم الحب المربية التي لم تعرف دينها، تتوالى الخيبات عبر علاقات عاطفية تنتهي بأن تحلم بإخصاب رحمها بلا شريك.
تأتي هذه التداعيات عبر صندوق الجدة وقبو القبو وأشياء الغائبين، دفاترهم، كتبهم، بيجاماتهم وسائدهم، ضفة النهر والبيت الكبير.
بقيت لوحدها تزرع وتعالج وترمم، في بيت عتيق بنوافذه و واجهته ومزروعاته وأدراجه وخلفيته التي تتماهى مع ضفة النهر. تطبخ كل يوم ما يكفي عشرة كي تطعم لميا المجنونة، التي لم تكن مجنونة، والمؤذن أبا رحمون، وبعض الجيران. تحاول صابرة فهم ممارسات الجرذ الذي لم تستطع مقاومته، وانتظار أخيها أحمد الذي أخذوه مبللاً ثيابه ببوله.
من خلال زمن الجرذ تتداعى الذكريات نزقة مدوّخة مثل طيور حديقتها لتنتهي بمرض السرطان في الغدة الدرقية. تبقى، وقبل أن تزفر حياتها وتوصي لميس ابنة أختها، أملها، تهذي بالأحداث التي ارتكبها رجال أبي شامة في حارتها.
تستلقي كما ينبغي لنهر بجانب قلعة المدينة.
وتنتهي حكاية فطمة بفصل لم يكتب بعد، فصل يتحدث عن روايتها التي ختمت بأختام الممنوع.
كنت قلقة فيما روايتي الأولى وهي بعنوان "المد" بين أيدي لجنة القراءة، قلقة على اللغة، على الإبداع، على الفن. لكن ما حدث أن الرأي الأول اقتصر فهمه للرواية على أنها مكتوبة بلغة الرمز لتؤرخ لحقبة ما من تاريخ مدينة .. والثاني حذا حذو الأول مستدركاً بـ " قـد " التي تفيد الاحتمال و أضاف أن باقي الدلالات الفكرية للرواية مقبول ثم يأتي الرأي الثالث ليعطي رأياً حيادياً فيما يخصّ الوعي الفكري لطبيعة الحياة و الموضوع المقترح.
حملتها بيدي من اتحاد الكتاب إلى وزارة الإعلام مع تقارير القراء الثلاثة اثنان أكدا الرفض و واحد اكتفى بإعطاء رأي إيجابي عن القيمة الفنية للرواية. أقول حملتها عبر النفق الفاصل، وكنت آسفة.. آسفة جداً.
أقول أسفت أكثر حين قال أحدهم: لمنع روايتك فائدة كبيرة لمستقبلك الأدبي.
إذ لم أسع لذلك.
الصدق لم يكن يوماً ذنباً، هو محرج، صحيح، لكنه الواقع مهما حاولنا طمر رؤوسنا.
كان آخر هم لي هو السياسة، أو التنظير أو الإشارة.
هل يمنع السؤال؟
لصالح من كل هذا الجنون كل هذا الخراب إلى متى نستمر في نفي بعضنا وإلغاء الحوار.
كنت أنوي التحدث عن فطمة المرأة التي بعد عمر من العصيان انصرفت لسجادة الصلاة وتنظيف فضلات الطيور عن مزروعاتها ومحاولة تربية جرذ البيت وإعداد الطعام. كيف انفلتت مني؟ وكيف تعالت واستطالت حتى احتملت كل ما احتملت. أنا لا أعرف. ربما صار لدي دراية في الكتابة. لكني لا أعرف الحديث عن هذه الدراية. فهذا سر أظن، رزحت تحت وطأته الجميلة إلى أن أنزلته عن نفسي رغبة مني أن يحملها أصدقائي الذين سيقرؤوني وليس وراء هذا إلا المحبة الخالصة.
شقت فطمة دروباً، حلقت، حفرت في ذاكرتي ودياناً وقذفتني، صعدتُ في أحيان ولهوت في أحيان، وبرغم قسوة النبش وآلام الخلاص، مضيت وراءها مغمضة العينين فتعلمت منها الكثير.
لم ترفض فطمة أحداً حتى جرذ البيت لكنهم رفضوا أن تُقَص حكايتها.
لست مؤرخة كما لست عضواً في تنظيم معارض. همومهم وهمومي قادتني كي أكتب ما كتبت. لم أنو التطرق لمواضيع تثير حساسية أحد، ومازلت، وسأمضي بالكتابة فيما يؤرقني سعياً وراء الجمال وجمال الإنسان والحياة.
منهل السراج
حماه ـ سوريا


ملاحظة:
هذه الشهادة نشرت في مجلة الآداب اللبنانية في ملف خاص بالرقابة في سوريا. ورواية "المد" هي نفسها رواية "كما ينبغي لنهر". ظلت في الأدراج حتى تسنى لها فرصة النشر بفوزها بجائزة دائرة الثقافة في الشارقة لعام 2002.



#منهل_السراج (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- خطوات الاستعلام عن نتيجة الدبلومات الفنية بالاسم فقط “هنــــ ...
- في ذكرى رحيل فلاح إبراهيم فنان وهب حياته للتمثيل
- الفنان صبيح كلش .. حوار الرسم والتاريخ
- مرتديًا بذلته الضيقة ذاتها .. بينسون بون يُصدر فيديو كليب سا ...
- -الزمن المفقود-.. الموجة الإنسانية في أدب التنين الصيني
- عبور الجغرافيا وتحولات الهوية.. علماء حديث حملوا صنعاء وازده ...
- -بين اللعب والذاكرة- في معرض تشكيلي بالصويرة المغربية
- مفاجأة علمية.. الببغاوات لا تقلدنا فقط بل تنتج اللغة مثلنا
- بيت المدى يستذكر -راهب المسرح- منذر حلمي
- وزير خارجية إيران: من الواضح أن الرئيس الأمريكي هو من يقود ه ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - منهل السراج - بأي حق يغتالون الصداقة