أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد محمد موسى - مقامات هجرة السنونو















المزيد.....

مقامات هجرة السنونو


سعد محمد موسى

الحوار المتمدن-العدد: 7146 - 2022 / 1 / 26 - 19:44
المحور: الادب والفن
    


تتفق مفاهيم سكان الاهوار والقرى والمدن حول اِعتقادهم بقدسية طائر (السنونو)، فهو طائر مبارك ومهاب، حيث يرمز للخير والالفة والسلام والفأل الحسن وجلب الرزق.
وينعت هذا الطائر في العراق لا سيما في الجنوب (العلوية) وبالذات فصيلة السنونو ذو اللون الاسود والنيلي الداكن والذي يرمز الى المكانة الخاصة والتشبه بلون ملابس (ذرية رسول الله).
وكذلك لهذا الطائر قدسية دينية لدى الكنيسة، حيث يذكر عن السنونو انه شعر بمعاناة وعذاب (السيد المسيح) أثناء صلبه حين وكرت تلك الطيور على رأس المسيح وهي تواسيه من أوجاعه واخذت بالتقاط الاشواك المنغرزة بالرأس والملتفة حول تاج أكليل الشوك، فكان الاعتقاد بان طائر السنونو هو (طائر مرسل من الله) وكذلك كان لونه الاسود هو لون الحداد والاحزان على مصاب وعذابات صلب النبي (عيس بن مريم) آنذاك.
ولطائر السنونو تسميات مختلفة منها: "الخشاف والخطاف وبنات السند والهند والعلوية" ونعوت أخرى، فهو طائر حساس ومحبوب يقصد فراديس الاهوار في موسم هجراته ويبني أعشاشه هناك.
له مقام واجلال لدى سكان الاهوار وهنالك وصايا وعادات متوارثة منذ القدم لديهم والمتمثلة باحترام هذا الطائر وعدم الاساءة اليه أو أصطياده أو تخريب عشه، فهو طائر له حظوة وحوبة، ليس بين العراقيين فحسب، بل له مكانة بين بقية الامم الاخرى أيضاً، فهو يشعر بالامان بين الناس وداخل بيوتهم، يعشق الهجرة الى تخوم الاهوار الدافئة والمشمسة وكذلك قرب ضفاف الانهار والبحيرات، انه طائر يبشر بسمفونية الربيع والبهجة في زقزقته العذبة الرقيقة في بواكير الصباحات، ولزقزقة طائر السنونو تقاسيم نغمية ومقامات مختلفة ينشدها حسب تنوع طقوسه وحالاته، فتغريداته في هيام العشق الى انثاه تختلف عندما يشعر بالخوف أو مداهمة الخطر وكذلك زقزقته تختلف حين يبني عشه أو يدعو سربه الى الهجرة والرقص في الفضاء!!
لقد عرف سابقاً عن العراقيين حمايتهم وترحيبهم بطائر السنونو الجميل والذي أستلهم من اِنسيابية شكله ليكون رمزاً للخطوط الجوية العراقية. وعرف هذا الطائر لدى الفراعنة أيضاً بانه طائر الحظ الحسن ويرمز للحكمة والطب.
وقد كانت هذه الطيور العصفورية الصغيرة الحجم والسريعة تقطع المسافات الشاسعة على شكل أسراب من شمال غرب اوربا وسيبيريا وبحر البلطيق قاصدةً الدفء والشمس والامان في بوادر الربيع حتى تصل الى بلاد الرافدين كي تبني أعشاشها من الطين والقش فوق سقوف بيوت العراقيين المفتوحة وفي المساجد والمراقد والمضايف وبيوت الطين والصرائف والاضرحة والمقاهي والكنائس والابنية القديمة، وقد أعتادت العوائل العراقية سابقاً أن تتعايش مع هذا الطائر ويستضيفوه حتى في غرف أطفالهم، وعادة ما يقوم الطائر الذكر مع انثاه ببناء العش ويتم تفريخ البيوض والتفقيس حتى تكبر الافراخ وتكون مستعدة للطيران والهجرة مع الابوين ويتركوا العش حتى الموسم القادم للعودة حين تعود الافراخ بحنينها لعشها القديم وقد كبرت وباتت مستعدة لوضع البيوض، ولن يتجرأ أحد على المساس بعشه فهو ضيفاً عزيزاً مرحبا به فالتعرض له يعني نزول اللعنة والفأل السيء.
ثم تغادر طيور السنونو بعد بضعة أشهر أرض الرافدين حين تكبر أفراخها وترجع الى أوطانها الاخرى، لكن البعض من أصناف طيور السنونو اختار الاستيطان الدائم والبقاء في فراديس الاهوار.
تتجلى رمزية هذا الطائر بدلالاته للاخبار السارة وبشائر المحبة والنجاة، ويتفائل به الصيادين حين يمر فوق سفنهم فهو المبشر الذي ينبئهم بقرب الارض اليابسة أو الجزر.
وقد سمعت ذات مرة شهادة من غريقة نجت بمعجزة حول قصة طائر السنونو الذي شاهدته يمر فوق حطام السفينة التي تحطمت قرب (جزيرة كريسماس) الواقعة ما بين استراليا واندنوسيا والتي كانت تحمل مهاجرين غير شرعيين أغلبهم من العراقيين بعد أن بقيّ القلة من الناجين ممن تشبثوا ببقايا حطام السفينة الطافية من القارب بين أمواج المحيط الهندي العاتية.
ومن ضمنهم كانت تلك المرأة التي جاهدت بشق الانفس بصراعها مع المستحيل من أجل الحياة حين حاولت إنقاذ نفسها بالتشبث بجثة امرأة غريقة كانت طافية فوق سطح الماء، وأثناء فجيعة البحر شاهدت الام ولدها الذي رافقها الرحلة وافترق عنها قسراً بعد تحطم السفينة وهو يتشبث بحطام خشبة متبقية من السفينة المنكوبة. حاولوا أن يتقربوا من بعضهم ويدفعوا الامواج، وكانت الام تتمالكها أمنية أخيرة بتقبيل ولدها الوحيد قبل الوداع والرحيل الى قاع البحر.
أقترب الصبي بطوافته الخشبية بمحاذات أمه والتي أوشكت قواها أن تتلاشى بعد أن شعرت بعدمية التمسك بسراب أمل أو البقاء بالتشبث في جثة ، لكن بعد أن شاهدت ابنها يبكي ويستغيث حاولت اعادة التعلق بالامل مرة أخرى!!
وبعد صراع البقاء مع رعب الموت، حل الليل وهدأت الامواج الهادرة وسط المحيط من رحلة العذاب وهيمنة شبح الفناء، لم يصمد البعض فتهالكت قواهم وتوارى الامل في الانقاذ فابتلعتهم المياه الجائعة الى القروش المفترسة وكان آخر أعداد الناجين الذين صارعوا الامواج والقدر والمتبقين لم يتجاوزوا الخمسة واربعون من عدد اربعمائة مهاجر كانوا في الرحلة على سطح السفينة.
بعد ان يأس البعض من فرصة الانقاذ تهالكت قواهم وغلبهم سلطان النعاس والانهيار، فتركوا الاخشاب الطافية فوق سطح الماء كي يخلدوا لنومهم الابدي في فناء البحر، لكن المرأة شاهدت طائر السنونو يحوم للمرة الثانية ثم يتوارى ويظهر، والمرأة تشرأب نحوه دون أن تدرك السبب لطيرانه فوق الناجين ولم يعلم بان السنونو كان رسول الخلاص حين أرسل البشارة للمتبقين الذين يصارعون الموت.
حينها أطلت سفينة صيد اندنوسية مع انبلاج الفجر لتمنح الامل أخيراً لليائسين والعالقين في عرض البحر وهي تمخر المياه باتجاههم، حاول البعض رفع يديه المنهكتين ثم انفجروا بالصراخ والبكاء بأصواتهم المبحوحة بملح البحر وبقايا الحياة.
بعد أن لمح الصيادون كائنات تتحرك وسط مجزرة البحر، اقتربت سفينة الصيد الكبيرة ونزل الصيادون على وجه السرعة من سطح السفينة بزوارق مطاطية صغيرة كي ينقذوا آخر المحتضرين من الغرق وكان من ضمنهم تلك المرأة وولدها.



#سعد_محمد_موسى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تجليات سادن العرفان
- مقامات الغربة والاسفار
- فراديس الاهوار / الجزء الثالث
- فراديس الأهوار / الجزء الثاني
- فراديس الاهوار
- أوريكة
- مقامات المدن والموسيقى
- مقامات الموسيقى والمدن
- مدينة الرياح وأساطير البحر
- مراكش/ رحلة في أروقة الگناوة
- مراكش وهارمونية الاطياف الحضارية / الجزء الاول
- حكايات من جزيرة الواق واق / الجزء 5
- حكايات من جزيرة الواق واق الجزء/ 4
- حكايات من جزيرة الواق واق / الجزء / 3
- حكايات من جزيرة الواق واق/ الجزء /2
- حكايات من جزيرة الواق واق
- مكابدات الرحّال / الجزء الأخير
- مكابدات الرحّال / الجزء السابع عشر
- مكابدات الرحال / الجزء السادس عشر
- مكابدات الرحال / الجزء الخامس عشر


المزيد.....




- فيلم وندوة عن القضية الفلسطينية
- شجرة زيتون المهراس المعمر.. سفير جديد للأردن بانتظار الانضما ...
- -نبض الريشة-.. -رواق عالية للفنون- بسلطنة عمان يستضيف معرضا ...
- فيديو.. الممثل ستيفن سيغال في استقبال ضيوف حفل تنصيب بوتين
- من هي ستورمي دانيلز ممثلة الأفلام الإباحية التي ستدلي بشهادت ...
- تابِع مسلسل صلاح الدين الايوبي الحلقة 23 مترجمة على قناة الف ...
- قيامة عثمان 159 .. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 159 مترجمة تابع ...
- -روائع الموسيقى الروسية-.. حفل موسيقي روسي في مالي
- تكريم مكتب قناة RT العربية في الجزائر
- الحضارة المفقودة.. هل حقا بنيت الأهرامات والمعابد القديمة بت ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد محمد موسى - مقامات هجرة السنونو