أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - شادي الشماوي - المسيحيّة و اليهوديّة و الإسلام – متجذّرة فى الماضي و حاجزا فى طريق المستقبل - الجزء الثاني من كتاب بوب أفاكيان- لنتخلّص من كافة الآلهة ! تحرير العقل وتغيير العالم راديكاليّا! -















المزيد.....



المسيحيّة و اليهوديّة و الإسلام – متجذّرة فى الماضي و حاجزا فى طريق المستقبل - الجزء الثاني من كتاب بوب أفاكيان- لنتخلّص من كافة الآلهة ! تحرير العقل وتغيير العالم راديكاليّا! -


شادي الشماوي

الحوار المتمدن-العدد: 7144 - 2022 / 1 / 24 - 13:52
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


المسيحيّة و اليهوديّة و الإسلام – متجذّرة فى الماضي و حاجزا فى طريق المستقبل - الجزء الثاني من كتاب بوب أفاكيان" لنتخلّص من كافة الآلهة ! تحرير العقل وتغيير العالم راديكاليّا! "
(الكتاب بنسخة بى دى أف متوفّر للتنزيل من مكتبة الحوار المتمدّن )


لنتخلّص من كافة الآلهة ! تحرير العقل و تغيير العالم راديكاليّا !
تأليف بوب أفاكيان – إنسايت براس ، شيكاغو ؛ الولايات المتحدة الأمريكية ، 2008

الجزء الثاني : المسيحيّة و اليهوديّة و الإسلام – متجذّرة فى الماضي و تقف حاجزا فى طريق المستقبل

- التطوّر التاريخي للمسيحية و دورها : العقائد و السلطة السياسيّة
- المسيحية كدين جديد : الدور المحوريّ لبول وتأثيره
- كشف النقاب عن المسيح و المسيحيّة
- الإسلام ليس أفضل ( و لا أسوء) من المسيحيّة
- الأصوليّة الدينيّة والإمبريالية و " الحرب على الإرهاب "
- لماذا تنمو الأصولية الدينية فى عالم اليوم ؟
- نبذ " عجرفة المتنوّرين المعجبين بأنفسهم "
- نموّ الدين و الأصوليّة الدينيّة : تعبير خاص عن التناقض الجوهري
---------------------------------------------------------------------------------------------------------------












التطوّر التاريخي للمسيحية و دورها : العقائد و السلطة السياسيّة

يلاحظ بارت دى .أهرمان ، رئيس قسم الدراسات الدينيّة في جامعة كارولينا الشماليّة في تشابل هيل في كتابه ، " إساءة إقتباس عيسى ، القصّة وراء من أدخل تغييرات على الكتاب المقدّس و لماذا فعل ذلك " : " يمكن لعديد المسيحيّين اليوم أن يفكّروا أنّ شريعة العهد الجديد ظهرت ببساطة على المسرح في يوم ما ، بُعيد وفاة عيسى لكن ما من شيء قد يكون أبعد من ذلك عن الحقيقة " ( أهرمان ، " إساءة إقتباس عيسى ..." ، ص 36) . و في ثنايا كلّ هذا الكتاب يواصل أهرمان تحليل كيف ظهرت الشريعة التي تشكّل اليوم الكتاب المقدّس و خاصة العهد الجديد و كيف صار " العهد الجديد لسيّدنا و منقذنا ياسوع المسيح " كما يضع ذلك الكتاب المقدّس المسيحي . و بالأخصّ ، يمضى أهرمان إلى واقع أنّه قبل كلّ شيء، إذا إتّجهتم إلى الإعتقاد في أنّ هذه الكتابات المقدّسة تمثّل " كلمة الإلاه التي لا تخطئ " ، لديكم مشكلة : الكتابات اليدوية – المخطوطات الأصليّة لهذه الكتابات المقدّسة غير موجودة . و حتّى النسخ الأولى و الثانية للكتابات المقدّسة الأصليّة غير موجودة .
منعطف طفيف هنا لكنّه يروى قصّة هامة و مناسبة هو رواية أهرمان لتطوّر تفكيره و مقاربته الخاصين للكتاب المقدّس و للدراسات الخاصة بالكتاب المقدّس . كشاب إلتحق بمعهد مودى بايبل في شيكاغو - و حينها كان أصوليّا إنجيليّا هو نفسه. ثمّ مضى إلى معهد ويتن ، على مقربة من شيكاغو وهو معهد أصوليّ مسيحي ( مثلما يشير أهرمان ، ويتن " مخصّص للمسيحيّين الإنجيليّين فحسب و هو المدرسة الأم لبيلى غراهام مثلا ) . و تجربة أهرمان في الإلتحاق بويتن معبّرة جدّا . فلمّا غادرمودى ليلتحق بويتن ، كما وضع ذلك ، " وقع تحذيره من أنّه قد يواجه مشاكلا عند العثور على مسيحيّين حقيقيّين في ويتن - ما يبيّن مدى أصوليّة مودى . " لذا رغم أنّ أهرمان عنه زمن إلتحاقه بداية بويتن كان أصوليّا صارما ، عند نقطة معيّنة ، يروى أنّه صار " ميّالا إلى مواصلة بحثى عن الحقيقة مهما كان المكان الذى تؤدّى بى إليه .. دراستى للأدب الأنجليزيّ و الفلسفة و التاريخ – حتّى لا نذكر اللغة اليونانيّة – وسّعت آفاقي بشكل له دلالته و زادت من حماسى للمعرفة، المعرفة من الأصناف جميعها ، المقدّسة و العلمانيّة ... و قد قاومت كلّ الإغراءات بتغيير وجهات نظري ... لكن دراساتى أخذت تلاحقنى " ( " إساءة إقتباس عيسى ..." ، الصفحتان 6 و 8 ).
و من ثمّة ، طوّر توجّها نحو التفكير النقديّ و قدرة على ذلك . و من الأشياء التي أذهلته منذ البدايات الأولى ، كان أنّه إذا كانت للإلاه " كلمة لا تخطئ " و أراد أن يعرفها الجميع و يدّد على انّ يتّبعها الجميع ، عندئذ لماذا لا يقدّم الإلاه هذه الكلمة في شكلها الأصليّ ليكون الجميع واضحين جدّا في ما هي ؟ أو ، إذا ضاعت الكتابات اليدويّة – المخطوطات الأصليّة بصورة ما ، لماذا لم يجد الإلاه طُرقا أخرى لتوضيح ما كانت كلمته كما هي في الصل ؟ و قد دفعت أسئلة كهذه أهرمان على مسار الدراسة النقديّة للكتابات المقدّسة و المسيحيّة و الدين بصورة أشمل – متوغّلا في مجالات شتّى متعلّما لغات مختلفة للتمكّن من قراءة الكتابات المقدّسة في نسخها الأصليّة و ما إلى ذلك. و على أساس من دراساته ، يبيّن أهرمان كيف انّ هناك روايات متضاربة عن عديد الأجزاء المتنوّعة من هذه الكتابات المقدّسة – متحدّثا بوجه خاص عن العهد الجديد على أنّ هذا يصحّ أيضا على العهد القديم ز و قد أشار إلى أنّ هناك كذلك أخطاء أساسيّة في نسخ الكتابات المقدّسة فضلا عن القرارات السياسيّة التي عمدت عن قصد إلى تغيير الكتابات المقدّسة في نقاط عدّة. و في علاقة بكلّ هذا ، من المهمّ تذكّر أنّه لقرون عديدة ، عندما كانت تتمّ عمليّة إعادة تدوينها ، لم يكن ذلك عصر الأنترنت – و ما كان حتّى عصر الطباعة- هذه الكتابات المقدّسة كانت تُنسخ نسخا يدويّا و عادة من طرف أناس في أماكن مختلفة لا يتّصلون ببعضهم البعض إلاّ لماما، هذا إن كانت لديهم صلة أصلا .
و على سبيل المثال ، بولس – أو أحد أتباعه باسم بولس – سيكتب رسالة إلى مجموعة مسيحيّة في مكان مامن منطقة البحر الأبيض المتوسّط و في البداية ستكون لديهم نسخة واحدة من تلك الرسالة ثمّ سينقلونها و يمرّرونها إلى آخرين في مجموعة مسيحيّة من المجموعات الأولى في مكان آخر – و هم بدورهم سينسخونها و هكذا . و مع نسخ الرسائل عادة ما تتسرّب أخطاء ، مجرّد أخطاء في النسخ . و من الطرق التي كان يحدث بها هذا أنّ شخصا سيكتب ملاحظة على الهامش وهو ينقل النصّ – قد تعبّر عن شيء بسيط من مثل " هذا يبدو غير صحيح " أو " يجب أن يكون قد حدث على هذا النحو "- و في لحظة معيّنة سيقع ضمّ تلك الملاحظة إلى الجسد الفعليّ للنصّ من قبل أحد من ناقليها لاحقا . و قد كشف أكاديميّو الكتابات المقدّسة كافة أنواع الأشياء الشبيهة بهذا و هذا فقط في ما يتّصل بالتغييرات الحرفيّة من كتابات يدويّة – مخطوطات إلى أخرى .
ثمّ ، كما يشير أهرمان ، وُجدت أيضا تغييرات واعية و مقصودة أُدخلت لأسباب دينيّة و سياسيّة . وُجدت قرارات سياسيّة بشأن الشريعة – الكتابات المقدّسة التي أضحت عمليّا الكتاب المقدّس كما هو الآن ، أساسا . و بوجه خاص في القرن الرابع، كان جنرالا من روما يدعى قسطنطين يواجه معركة كُبرى ضد جنرال روماني منافس يدعى ماكسنتيوس – معركة مآلها كان سيُحدّد من سيحكم الإمبراطوريّة الرومانيّة – و حسب القصّة التي نشرها قسطنطين و أمّه هيلينا أو غستا ( كانت شريكته في الأمر ) بعد ذلك ، فيما كان قسطنطين يقضّى الليل قبل هذه المعركة الكبرى متأمّلا ، رأى علامة الصليب في السماء و كلمات " بهذه العلامة ستنتصر ". أبلغ قسطنطين هذا إلى فيالقه و إستخدم ذلك رمزا له في المعركة ؛ و حينما كسب المعركة و أمسى إمبراطورا فتبنّى المسيحيّة دينا له . و بُعيد ذلك ، وقع تبنّى المسيحيّة كدين رسميّ للإمبرياطوريّة الرومانيّة و بحدّ السيف فرضت على كلّ الذين غزتهم الإمبراطوريّة الرومانيّة تبنّى هذا الدين .
و هكذا كان دور قسطنطين محوريّا في تاريخ المسيحيّة و ليس فحسب لأنّه صعد إلى مركز الإمبراطور و جعل من المسيحيّة دينا له و إنّما أيضا لأنّه كان مصمّما على هيكلة و تشكيل الدين و كتاباته المقدّسة وق مصالحه و أهدافه . و لهذا الغرض دعا إلى ندوات الأكاديميّين الدينيين و جعلهم تحت إشرافه الأخير يطوّرون عقيدة موحّدة و يعالجون النزاعات المفاتيح حول العقيدة – مثل التثليث الذى ما من أحد يفهمه و الذى كان بؤرة تركيز خلافات مريرة و عنيفة . هناك إلاه ، ألب و بعد ذلك هناك عيسى ، ابن الإلاه . هل إنحدر عيسى من الأب في لحظة معيّنة وهو ما سيجعل فعلا عيسى فى جوهر أدنى ؟ أم هل كان عيسى من البداية جزءا من ذات الجوهر و مساويا للإله ، الأب – عندئذ في لحظة معيّنة إتّخذ عيسى شكلا إنسانيّا ؟ و بالتالى هناك كامل مسألة الروح القدس .هراء مقدّس ما من أحد يعلم شيئا عن معناه . [ضحك ]
وُجدت عدّة تأويلات متباينة للتثليث المقدّس و إضافة إلى الطريقة التي قمعت بها السلطات المسيحيّة لقرون غير المؤمنين و " الزنادقة " و المسيحيّين الأوّلين على الجانبين المتعارضين من النزاعات حول التثليث المقدّس المخاضة عادة بالطرق الأكثر دمويّة ، متسبّبة في قتل الآلاف من هذا الجانب و ذاك و مقترفة كلّ أصناف الفظائع في السيرورة . و كما جرت الإشارة إلى ذلك قبلا ، إذا قرأنا كتاب أدوارد جيبون " إنهيار الإمبراطوريّة الرومانيّة و سقوطها " ، ستجدون كلّ هذا مسجّلا زمنيّا هناك . و لأنّ توحيد المسيحيّة و عقائدها و مؤسّساتها أصبح في غاية الأهمّية بالنسبة لقسطنطين كجزء من توحيد الإمبرياطوريّة الرومانيّة في ظلّ حكمه ، فرض قسطنطين فعلا مخرجات الكثير من النزاعات العقائديّة و الصراع الكتلويّ.
و إتّخذت القرارات السياسيّة حول ما أدمج صلب الكتاب المقدّس و ما هي النسخ المعتمدة و من أية كتابات مقدّسة مستخرجة، و كلّ هذا في ظلّ توجيه قسطنطين . و بعد ذلك ، إتّخذت المزيد من القرارات السياسيّة بشأن العقيدة عرفت صراعا و قتالا في القرون التالية مع تحوّل الكنيسة المسيحيّة إلى مؤسّسة قويّة .(9)
(9- بوسعكم الحصول على معلومات بهذا الصدد حول الكثير من هذا في كتاب جامس ارول " سيف قسطنطين ، الكنيسة و اليهود : تاريخ ". كارول مؤمن كاثوليكي لكنّه يكشف قدرا كبيرا من هذا التاريخ لأنّه معارض إلى درجة كبيرة جدّا لما شخّصه كرنال واست على أنّه المسيحيّة القسطنطينيّة - المسيحيّة التي كانت سلاحا إيديولوجيّا بيد الإمبراطوريّة ( أنظروا، " الديمقراطية مهمّة ، كسب النضال ضد الإمبرياليّة " ، صحافة البنغوين 2004، خاصة الفصل 5 ، " أزمة الهويّة المسيحيّة في أمريكا " ) و في كتاب " سيف قسطنطين " يقوم كارول بالكثير من الفضح لدور قسطنطين و أمّه هيلينا أوغستا في تشكيل العقدية المسيحيّة . و النقطة التي يجب التشديد عليها هنا هي أنّ ما يقع تبيانه بهذا و بالفعل بكامل تاريخ المسيحيّة ، هو مرّة أخرى انّ الكتابات المقدّسة المسيحيّة بصعوبة هب " كلمة الإلاه التي لا تخطئ " المتكلّم عنها في يوم ما و تاليا ظهرت مباشرة في النسخة المطبوعة ) .
و بالعودة إلى الأكاديمي بارت أهرمان ، نلاحظ أنّه يناقش واقع أنّ هناك عديد الإختلافات العميقة بين شتّى نسخ الكتاب نفسه في مختلف الكتابات اليدويّة – المخطوطات و الإختلافات العميقة بين ما يقال عن الموضوع عينه في جزء من المخطوطات و جزء آخر . فعلى سبيل المثال ، في " إساءة إقتباس عيسى " ، يكشف أهرمان كيف أنّ إنجيل مرقص الأصليّ نسبة للأناجيل الأخرى و خاصة أناجيل متّى و لوقا ، منه تمّت الإستعارة و إليه تمّت الإضافة . و يتفحّص أهرمان كيف يقول مرقص ( في الأصحاح الثاني ) إنّ عيسى إلتقى لقاءا عدوانيّا مع الفرّيسيّون ( السلطات الدينيّة ضمن اليهود . لقد واجهت عيسى لأنّه و أتباعه كانوا يمشون عبر حقل حبوب و يقتطفوا الحبوب و يأكلوها يوم سبت و هذا تجاوز للقانون المسويّ حول السبت . و وفق مرقص ، في ردّ على الفرّيسيّون ن أحال عيسى على داوود كسابقة و تبرير لما كان يفعله هو و أتباعه . و الآن ، أبقوا في أذهانكم مدى أهمّية داوود ؛ فقد ركز نسب المسيح المنتظر ، إنّه الملك الكبير الذى سينحدر منه المسيح المنتظر . و تذكّرا ما فعله داوود ، قال عيسى ، و كيف ذهب و رجاله إلى المعبد عندما كانوا جائعين أيّام كان أبيثار رئيس الكهنة . لكن كما يشير إلى ذلك أهرمان ، المشكل هو أنّ هذا المقطع الذى يحيل عليه عيسى من العهد القديم ( سفر سموئيل الأوّل21: 1-6 )يُشير إلى أنّه عندما فعل داوود ما يحيل عليه عيسى ، لم يكن أبيثار و إنّما أخيمالك هو رئيس الكهنة. ( أنظروا " إساءة إقتباس عيسى "، الصفحة 9 و قارنوا ذلك بإنجيل مرقص 2 : 26 مع سفر سموئيل الأوّل21: 1-6 ).
و الآن ، ما الذى جدّ هنا ؟ كيف أمكن لعيسى – المادة التي تساوى المادة الإلاهيّة التي لا تخطئ منذ بداية الزمن – أن يسقط في هذا الخطأ ؟ متفكّرين أنّ عيسى لن يواجه أيّة مشاكل كي تكون كتاباته المقدّسة الخاصة صحيحة ، خاصة إعتبارا لكونه يعلم كلّ شيء وهي لا تخطئ . و مجدّدا ، الواقع المكشوف هنا هو أنّ هذا بصعوبة " كلمة الإلاه التي لا تخطئ " إذ هي ضمن أشياء أخرى ، تتناقض مع نفسها من موقع إلى آخر ( في هذه الحال من سفر سموئيل إلى إنجيل مرقص ).
أو لنضرب مثالا آخر من كتاب أهارمان " إساءة إقتباس عيسى " – قصّة شهيرة في الكتاب المقدّس عن امرأة إرتكبت خيانة زوجيّة وهي حسب قول أهرمان " يمكن المحاججة بأنّها القصّة الأشهر بشأن عيسى في الكتاب المقدّس ؛ و قد كانت دائما مفضّلة في روايات هوليود لحياته . و قد تسرّ[ت حتّى إلى يلم مال غبسن " شغف المسيح ".
إنّها قصّ’ امرأة عُذر عليها وهي ترتكب خيانة زوجيّة و هذا ذنب عقابه الموت . كانت تكاد تتعرّض إلى الرجم حدّ الموت إلاّ أنّ عيسى تدخّل مجدّدا التحذير الذى بات شهيرا الآن ( على الأقلّ بالنسبة إلى كافة المعتادين على المسيحيّة : " مَنْ كَانَ مِنْكُمْ بِلاَ خَطِيَّةٍ فَلْيَرْمِهَا أَوَّلاً بِحَجَرٍ!" و قد منع ذلك تنفيذ عمليّة القتل حسب الكتاب المقدّس . و توجد هذه القصّة في إنجيل يوحنّا في العهد الجديد ، من الأصحاح 7 إلى الأصحاح 8 . )
و المشكل مرّة أخرى كما يشير أهرمان هو أنّ هناك صعوبات و إختلافات عميقة حقيقيّة هنا مع كامل هذا المقطع في الكتاب المقدّس . و كما يسجّل ذلك أهرمان ، ينمّ هذا عن مسائل جدّية بشأن نظرة عيسى للقانون الموسويّ بما أنّه وفق القانون الموسوى يجب رجم هذه المرأة حدّ الموت . لكن هناك الواقع الأكثر دلالة حتّى و كما يع ذلك أهرمان :
" بالرغم من تميّز هذه القصّة و نوعيّتها الآسرة و حبكتها الكامنة ، فإنّها تنمّ عن مشكل ضخم آخر ز فكما يتبيّن ، لم تكن في الصل في إنجيل يوحنّا . فبالفعل ، لم تكن في ألصل في أيّ من الأناجيل . لقد أضيفت لاحقا على الكتابات المقدّسة " ( " إساءة إقتباس عيسى " ، صفحة 63-64).
و يسترسل أهرمان فى نقاش بعض الأمثلة في الكتابات المقدّسة أين توجد طرق متباينة لتأويل ما حدث و من غير الواضح تمام الوضوح إن كانت هناك إختلافات في الواقع – أو ، إن كان هناك إختلاف ، ما هو منبعه . لكن في علاقة بهذه القصّة عن المرأة التي عثر عليها وهي تقترف الخيانة الزوجيّة ، يُشير أهرمان إلى أنّ " الأكاديميّين الذين يشتغلون على المخطوطات التقليديّة ليس لديهم شكّ بشأن هذه الحالة الخاصة ". و يلفت النظر إلى أنّ : " بضعة وقائع أساسيّة دلّلت على شيء مقنع بالنسبة إلى تقريبا جميع الأكاديميّين من كلّ المشارب : لا توجد القصّة في المخطوطات الأقدم و الأفضل لأناجيل يوحنّا و أسلوب كتابتها متباين جدّا مع ما نجده في بقيّة أنجيل يوحيّا ( بما في ذلك القصص الواقعة مباشرة قبلها و بعدها ) ، و هذا يشمل عددا كبيرا من الكلمات و الجمل التي كانت بطريقة أخرى غريبة عن الإنجيل " .
يقول أهرمان إنّ " الإستنتاج الذى لا يمكن تجنّبه هو : هذا المقطع لم يكن في الأصل جزءا من الإنجيل " ( " إساءة إقتباس عيسى "، الصفحة 64-65 ).
لذا ، مع ذلك مرّة أخرى ، نرى أنّ ما نتعاطى معه في قراءة الكتاب المقدّس الذى بيد الناس الآن ، ليس " كلمة الإلاه التي لا تخطئ " ( و ليس حتّى " الكلمة الأصليّة للإلاه " ) .
في عمل آخر للأكاديميّين المختصّين في دراسة الكتاب المقدّس –وهو برأيى محلّ جدال أكبر و إن كان مهمّ للغاية - كتاب عنوانه " سلالة عيسى الحاكمة ، التاريخ المخفيّ لعيسى و أسرته الملكيّة و نشأة المسيحيّة " لجامس دى كابور ( وهو رئيس قسم الدراسات الدينيّة في جامعة كارولينا الشماليّة في شرلوت ) ، يقع تناول بعض المواضيع الآسرة جدّا بالنقاش . و الآن ، كما ألمحت إلى ذلك ، هناك بعض المشاكل مع هذا الكتاب . فعلى سبيل المثال ، ينطلق تابور في شيء من التخمينات ثمّ تّخذ تقريبا تخميناته بعد قليل على أنّها وقائع في هذا الكتاب . و ينسحب هذا بوجه خاص حيث يناقش النسب العائليّ لعيسى : تأويل تابور لكيفيّة فهم ما يقال في لوقا و متّى عن نسب عيسى نوعا ما متأثّرة في رأيى ( و هذا موضوع سأعود له لاحقا ) . لكن هناك أجزاء هامة من هذا الكتاب و بالخصوص حيث يحلّل شيئا حيويّا للفهم في ما يتعلّق بالمسيحيّة و كامل تطوّرها التاريخيّ ، تحديدا ، هيمنة بولس في المسيحيّة . و يتقدّم كتاب " سلالة عيسى الحاكمة " بتحليل ليس لكيف ينعكس هذا الدور الهيمنيّ لبولس فقط في الكتاب المقدّس ، لكن أيضا لكيف ظهر هذا . و يشير إلى :
" كان عيسى يهوديّا و ما كان مسيحيّا . و هذا العامل التاريخي لوحده يفتح الباب أمام فهم عيسى كما كان فعلا في زمنه و مكانه الخاصّين ؛ وهو باب لم يفكّر فى ولوجه أبدا العديدون " ( " سلالة عيسى الحاكمة " ، الصفحة 109)
و مردّ عدم تفكير " العديدون " في ولوجه أبدا " هذا الباب ليست صعبة التمييز . و هذا التحليل لا يتناسب حقّا مع التقاليد الدينيّة المسيحيّة ، تقاليد الكنيسة المسيحيّة و هذا يمثّل أساسا عيسى كداعية و ممارس للدين الجديد ، المسيحيّة و يصوّر اليهود كقتلة للمسيح . و يسترسل تابور :
" لفهم عيسى في زمنه و مكانه الخاصّين علينا أن نفهم إلتزامه العميق بالإيمان القديم لآبائه . لقد رأى نفسه لا يفعل شيئا سوى تحقيق كلمات موسى و سلالة الرسل ن أمل المسيح المنتظر الذى قاد حياته و أدّى به إلى الموت ، كان النواة المركزيّة لكينونته الأعمق . ( " سلالة عيسى الحاكمة " ، ص 109).
إلى الآن ، هنا ، كما في مواضع أخرى من كتاب تابور ، مظاهر هامة من محاججته محلّ جدال و نزعات جليّة . و مثلا ، قد حاجج الكثيرون بأنّ عيسى رأى أنّ مهمّته و رسالته تتجاوزان- و بأشكال تمضى ضد و حتّى تنفى – القانون و الوصايا الموسويّة في العهد القديم . لكن كما أشرت إلى ذلك آنفا ، لا شكّ في أنّ الكتاب المقدّس كما هو اليوم ( و كما وُجد لقرون ) يصوّر عيسى و يزعم أنّه المسيح المنتظر إعتمادا على التقاليد الدينيّة و للكتابات المقدّسة اليهودية . و أيضا ما من شكّ في أنّه تحت تأثير بولس أكثر من أي شخص آخر، إبتعدت المسيحيّة بصفة متزايدة عن جذورها و طابعها الدينيّين اليهوديّين ، حتّى بينما لم لم يكن بوسعها أن تلغي تأسيسها على اليهوديّة .و يجب أن نسجّل أنّ بولس إدّعى أنّه رأى عيسى في رؤيا عقب وفاة عيسى و صعوده إلى السماء إلاّ أنّه في الحياة الحقيقيّة لم يلتق بولس عيسى بتاتا . و مع ذلك ، هناك أرضيّة أساسيّة جدّا لإعتبار بولس المؤثّر بصفة مهيمنة في المسيحيّة كما تطوّرت تاريخيّا و كما توجد اليوم بما فيها في قطيعتها مع و تناقضها العدائيّ الممكن مع اليهوديّة .
و ممّا لا يمكن إنكار حقيقته و لا دحضها أنّه طوال القرون ، إثر زمن عيسى ، و قد قطعت المسيحيّة تمام القطع مع اليهوديّة بتحوّلها إلى دين راسخ في حدّ ذاته – و خاصة نتيجة تبنّيها كدين رسميّ من طرف الإمبراطوريّة الرومانيّة في جزء كبير من ذلك لـتأثير الإمبراطور قسطنطين و دوره – أضحت المسيحيّة من أهمّ القوى المساهمة في و المنجزة للقمع بلا هوادة للناس ذوى الديانات الأخرى ، بخصوصيّة سامة من الكره الموجّه إلى اليهود الذين يتقمّصون بصورة متصاعدة دور ليس فقط نبذ عيسى كمسيح منتظر لكن كذلك كمسؤولين عن موته على الصليب – " رواية اليهود كقتلة المسيح " التي أذيعت عبر القرون بنتائج رهيبة .
و اليوم ، في بلد كالولايات المتّحدة ، هناك سخرية حقيقيّة و منحرفة في واقع أنّه طالما أنّ للإضطهاد و المسيحيّة معنيّين ، ما يصوّره في الغالب الأعمّ و يشدّد عليه بلا هوادة الأصوليّون المسيحيّون الفاشيّون هو صورة المسيحيّين أنفسهم يتعرّضون إلى الإضطهاد و هذا من جهة هؤلاء المسيحيّين الفاشيّين مسعى واعيّا لإستحضار – أحيانا مباشرة و صراحة و أحيانا بأكثر مواراة شبح المسيحّين المضطهَدين في الإمبراطوريّة الرومانيّة : هؤلاء المسيحيّين الفاشيّين في الولايات المتّحدة اليوم حبّون التحرّك كما لو أنّهم في وضع خطير مشابه لوضع المسيحيّين الأوائل في المدرج الروماني تكاد الأسود تفترسهم. إنّهم يندّدون مرارا و تكرارا ب " القضاة غير المنتخبين " على أنّهم " معادين للمسيحيّين " مؤكّدين أنّه بدلا من تأويل القوانين كما يفترض أن يفعل هؤلاء " القضاة غير المنتخبين " يصدرون قوانينا للتمييز العنصريّ ضد المسيحيّين و لإضطهادهم . في الواقع ، المسيحيّة هي دين تقريبا رسميّا لأكبر إمبراطوريّة في العالم عدوانيّة ، القوّة العظمى الإمبريالية العالمية ، الولايات المتّحدة الأمريكيّة ؛ وهي تستخدم هذا الدين كأداة إيديولوجيّة لتعزيز الهيمنة و الإستغلال من النوع الأكثر قسوة و وحشيّة عبر أجزاء شاسعة من العالم و مع ذلك لأنّه في الولايات المتّحدة ذاتها ، هؤلاء المسيحيّين الفاشيّين – إلى حدّ الآن – واجهوا بعض التحديدات و العوائق في سعيهم إلى توظيف آلة الدولة كأداة دعم رسميّة لنسختهم الإطلاقيّة للمسيحيّة وصولا إلى حنجرة كلّ شخص ،و للترويج لها عبر المؤسّسات العامة كالمدارس و المعاهد و هم يعوون كالذئاب " المسيحيّون مضطهدون " !
إذا عشنا في هكذا ضرب من المجتمع و نشأنا ضمن التقاليد المسيحيّة ، من المرجّح جدّا أن ندرك أنّه منذ زمن عيسى و لقرون ، كان المسيحيّون بإستمرار و بلا رحمة و بلا هوادة مضطهَدين من قبل السلطات الرومانيّة و بالفعل هذه الصورة المرسومة لتجربة المسيحيّين في الإمبراطوريّة الرومانيّة ليست تعكس الحقيقة . فقد حدث إضطهاد للمسيحيّين الأوائل و كان أحيانا قاسيا جدّا غير أنّه كان يحدث من حين إلى آخر ؛و صار بارزا عندما كان ذلك يخدم مصالح إمبراطور معيّن كنيرون مثلا في حر الغضب بإتّجاه مجموعة معيّنة أو عندما كان ما يمثّله المسيحيّون بطريقة من الطرق في نزاع له دلالته مع مصالح الطبقات الحاكمة و بخاصة إمبراطور روما .
و من الأشياء التي يشرحها أهرمان – و هذا من المهمّ فهمه – هو أنّ الديانة الوثنيّة في روما كانت ديانة متعدّدة الآلهة . لذلك ، حينما ظهر المسيحيّون و قالوا إنّ لديهم إلاها آخر ، قال الكثير من الاس ، فعلا " آه ، حسنا ، هذا جيّد ، لماذ لا ؟ هناك مجال رحب لإلاه آخر ". كان الرومانيّون يؤمنون بأبولو إلاه الشمس و ديانا إلاهة القمر – و كافة أصناف الآلهة المتباينة و العديد منها يحيل على مظاهر او ظواهر مختلفة من الطبيعة . و تعزى مواجهة المسيحيّين للمشاكل أنّه في الوقت الذى كان الناس يعبدون هذه الآلهة الوثنيّة ، كان عليهم ليس إعلان الولاء للإمبراطور فحسب بل كان عليهم أيضا أن يعترفوا بألوهيّة الإمبراطور . إلاّ أنّ المسيحيّين رفضوا ذلك و هذا الرفض هو الذى أفضى بهم إلى مواجهة مشاكل عدّة . و مع ذلك، صورة رمي المسيحيّين يوميّا في حلبة المدرّج مع الأسود ليست دقيقة عن ما حدث في غالب الوقت ، في الأيّام الأولى للمسيحيّة قبل صعودها إلى مرتبة الدين الرسميّ لروما .
و مجدّدا ، الإضطهاد الدينيّ للإمبراطوريّة الرومانيّة تغيّر دراماتيكيّا فور تبنّى المسيحيّة و فرضها كدين رسميّ لروما و بالنسبة إلى المسيحيّين تبدّلت الأوضاع التغيير كلّه فبعد ذلك بات الإضطهاد – إضطهاد غير المسيحيّين و المنعوتين بالزندقة – إضطهادا منهجيّا و بلا رحمة و على أساس مستمرّ . و مرّة أخرى ، يسجّل كتاب إدوارد جيبون ، " إنهيار الإمبراطوريّة الرومانيّة و سقوطها " بصورة حيويّة الفترات المديدة التي مضت فيها المسيحيّة فور إنتصارها في الإمبراطوريّة الرومانيّة ، في إضطهاد الذين تعدّهم أعداء لها . و بالرغم من أنّي أعتقد أنّه بالغ في التأكيد على مدى و هدف إضطهاد المسيحيّة في قرونها الأولى صلب الإمبراطوريّة الرومانيّة ، فإنّ الموقف التالى لأف . أي . بتارس ، في كتابه " حصاد الهلّينيّة " ، يلتقط و يركّز الإنقلاب الدراماتيكي الذى حصل حينما وقع تبنّى المسيحيّة بشكل حاسم كدين الإمبراطوريّة الرومانيّة : " كانت موارد الدولة الرومانيّة موجّهة في وقت ما نحو إجتثاث المسيحيّة فتغيّرت الآن بإتّجاه الهراطقة و الوثنيّين "
و يشير بتارس : " قليلا جدّا من التنوّع الذى لا يصدّق من العبادات و المعتقدات المتّبعة في الإمبراطوريّة كان حيويّا بقدر كبير في القرن الرابع و الخامس لكن الإختلاف بين الدين المتداعى و دين ميّت هام ، و لبلوغ وضع الدين الميّت ، مثل أعلى مستمرّ من زمن ثيودوسيوس ( 375-395 ق-م) ، بصورة متصاعدة يجب أن يتّخذ إجراءات صارمة . و طبعا كان هذا المثل الأعلى هو الكنيسة غير أنّ الدولة هي التي تشاطرها هذه الإجراءات و تنفّذها."
( " حصاد الهلّينيّة ، تاريخ الشرق الأدنى من الإسكندر الأكبر إلى إنتصار المسيحيّة " ، خاتمة نهاية الوثنيّة ، ص 713).
و يتكلّم جامس كارول عن الظاهرة نفسها بصيغة حتّى أوسع و أكثر تفصيلا :
" فقط بعد جوليان ، عبر الحكم المتعاقب للأباطرة فالنتاين و ثيودوسيوس ، صارت الإمبراطوريّة معلنة رسميّا مسيحيّة ؛ و فقط حينها كان إعتبار المسيحيّة بدعة يعدّ جريمة كبرى ، فقط جينها وقع المنع الرسميّ للعبادة الوثنيّة ، فقط حينها أُلغيت سلطة الأب المؤسّس اليهوديّ مرّة و إلى الأبد . و حينها مسألة ما العمل بصدد اليهود الذين رفضوا سواء الإلتحاق أو الإضمحلال ظهرت إلى السطح في الخطاب الرسميّ للسلطات العلمانيّة و الدينيّة .فمن جهة ، كان الأمر يبدو بسيطا . فور قبول الكنيسة و الدولة بأنّه كان من الشرعيّ و القانونيّ إعدام أولئك المسيحيّين – الآريّين و النستوريّين و الدوناتستس و الدوسيتستس – الذين إنشقّوا عن الدوغما المحدّد وفق أشياء نسبيّة غموض اللاهوت ، لماذا في العالم يجب أن يُسمح لأناس عنيدين نبذوا بوضوح كامل الإدّعاء المسيحي بالحياة ؟ "( " سيف قسطنطين " ، ص 206).
مذّاك ، في " العالم المسيحي " ، كانت الحياة تعادل جهنّم بالنسبة للذين رفضوا ممارسة المسيحيّة أو الذين يُصرّح بأنّهم أعداء للمسيحيّة : الذين هوجموا أثناء الحرب الصليبيّة بمن فيهم ليس المسلمين فحسب بل أيضا اليهود و طوائف متنوّعة و قائمات تعلن الكنيسة الرسميّة أنّهم زنادقة ؛ و أناس كانوا ضحايا محاكم التفتيش الى أنشأتها الكنيسة المسيحيّة طوال القرون ، و من خلالها كانت السلطات الدينيّة و الحكوميّة تعذّب و تقتل ملايين الناس الذين لم يقبلوا بالتحوّل إلى المسيحيّة أو التخلّى عن معتقداتهم التي كانت تدان على أنّها زندقة أو آخرين وقعوا في ورطة مع سلطات الكنيسة بشكل من الأشكال. وصولا إلى العصر الحالي ، حيثما كانت المسيحيّة الدين الرسميّ ( أو تقريبا الرسميّ ) كان الناس الذين يحاولون ممارسة ديانات أخرى أو هم لادينيّون يتعرّضون للتمييز العنصريّ إن لم يقع إضطهادهم بطرق أكثر خبثا .
( في إرتباط بهذا ، إضافة إلى الأعمال التي ذُكرت إلى حدّ الآن ، أنظروا أرنو.ج. ماير ، " لماذا لم تسودّ السماوات ؟الحلّ الأخير في التاريخ "، كُتب بنغوين 1990).
------------------------------------------------------------------------------



المسيحيّة كدين جديد : دور بولس المحوريّ و تأثيره

و لنعد إلى ما قبل كلّ هذا ، قبل أن تصبح المسيحيّة دين دولة في الإمبراطوريّة الرومانيّة و لنعد إلى مسألة : كيف نمت المسيحيّة و غدت قوّة لها دلالتها ؟مثلما عرّجت على ذلك بعدُ ، في الأيّام الموالية لوفاة عيسى ، يعود إلى بولس . فقد كان بولس منظّما و محوّرا عدوانيّا جدّا لنسخته من الدين المسيحيّ . و أشدّد على نسخته . و يُعزى هذا التشديد إلى أنّه بالفعل وُجد عدد من النسخ المتباينة و المجموعات المنظّمة المتباينة في صفوف المسيحيّة في أيّامها الأولى .
و لتكوين فكرة أوضح عن هذا ، لنعد بالذات إلى زمن ما بعد صلب عيسى . هنا توفّي قائد الطائفة . و هذه صفعة مدمّرة . كان المسيحيّون متبعثرين في مجموعات صغيرة يحاولون تصوّر كيفيّة إعادة التجمّع . ما الذى سيفعلونه و يقولونه عن واقع أنّ قائدهم قد أُعدم ليس طويلا بعد إعدام وجوه مفاتيح أخرى مرتبطة بعيسى ، منهم يوحنّا المعمدان ؟ تصوّروا ، ليدكم حركة و فجأة يتمّ مسح أعلى قياداتها . و بالتالى عليكم أن تستوعبوا ما الذى يجب القيام به إزاء هذه الخسارة المدمّرة . إذا كانت هذه مجموعة دينيّة نبوئيّة تعتمد على تنبّؤات نهاية العالم أو على أي حال على مفهوم إقتراب حصول تغيّرات هائلة بأمر من الإلاه – و هذه الطائفة من اليهوديّة التي أضحت المسيحيّة كانت حركة نبوئيّة مشابهة – حسنا ، بالتالى من غير المفاجئ جدّا أن تظهر في صفوف الذين واصلوا المسار أسطورة أنّ القائد لم يمت في نهاية المطاف و إنّما رُفع و تجاوز الموت .
هذا الصنف من الأفكار شائع في صفوف الناس الذين كانوا جزءا من حركة يقودها قائد مؤثّر كارزماتي . فعلى سبيل المثال، قبل حوالي قرن ، عديد الفلاّحين في المكسيك عقب قتل قائد التمرّد ، أميليو زباتا ، إعتادوا على ترديد قصص عن كيف أنّ زباتا لم يكن قد مات حقّا في نهاية المطاف – لا يزال بعدُ هناك في الجبال . حسنا ، كان زباتا على قيد الحياة مثلما كان عيسى عقب صلبه . لكن عادة حين يشعر الناس في أوضاع كهذه بالحاجة إلى أن لا يكونوا قد سُحقوا و عمّ صفوفهم اليأس ، يخرجون بطريقة ليس لتعزية أنفسهم بل لإبقاء الحركة قائمة . فإمّا هذا أو التخلّى عن كلّ شيء . وعليه ، بينما تخّلى بلا شكّ بعض أتباع عيسى عن حركتهم ، أعاد آخرون التجمّع . غلاّ أنّهم لم يتجمّعوا كلّهم في كتلة مسيحيّة واحدة – بكلّ ما هو الآن عاديّ من وجوه ملتحة بالأسود تسير في الأرض ناشرة الظلام في كلّ مكان ، رامية بالبخور هنا و هناك و مغمغمة بلا تناسق . و إستغرق الأمر ليتطوّر و يتمأسس بضعة قرون . [ ضحك ] بدلا من ذلك ، كانت هناك كتل مختلفة. كان أحدها متوحّد تقريبا حول بيتر الذى هو أحد أهمّ الأتباع أو تلامذة عيسى . و كانت مجموعة أخرى متوحّدة حول شقيق عيسى ، جيمس/ يعقوب ، الذى يشدّد عليه قليلا جدّا في الكتاب المقدّس . و هذه من النقاط التي يركّز عليها تابور – أنّ جيمس/ يعقوب يذكر لماما جدّا في الكتاب المقدّس رغم أنّه معروف و معترف بانّه شقيق عيسى . و حسب تابور – و هذا شيء محلّ جدال – مرّر عيسى العباءة إلى شقيقه بمعنى أنّه وريثه . لكن مهما كانت حقيقة الأمر ، لا جدال في كون جيمس/ يعقوب كان على رأس طائفة مسيحيّة داخل القدس و خارجها . و – هذا قد يوحى بشيء بشأن ما كانت عليه معتقدات عيسى، و إن كان لا يمثّل دليلا نهائيّا – ممّا بيّنه الأكاديميّون ، كان جيمس/ يعقوب مدافعا عن اليهوديّة الصارمة و ينظر بوضوح إلى المسيحيّة ( أو " الحركة اليسوعيّة " ) على أنّها الشكل الحقيقي لليهوديّة ما عني التأكيد على القوانين و الوصايا الصارمة في إنسجام مع التقاليد المرافقة لموسى و الكتابات المقدّسة اليهوديّة عموما .
و بينما سأعود إلى المظاهر الأساسيّة للرسالة و العقيدة المسيحيّتين و أتعمقّ فيهما بعد قليل ، أوّلا من الهام أن نتصفّح أكثر العلاقة بين الدين المسيحي و الدين اليهوديّ ( اليهوديّة ). أي أن نناقش المسيحيّة كما تطوّرت بداية داخل ثمّ إنفصلت عن و صارت بصفة متزايدة في نزاع عدائيّ مع اليهوديّة ؛ و من ثمّة توجّه الحبّ / الكره و العلاقة التي كانت للمسيحيّة مع اليهوديّة عبر تاريخ المسيحيّة .
عد فترة قصيرة من صلب عيسى ، شرع بولس في البروز كقائد . و بالفعل ، كما جرى التلميح إليه ، كان بولس عمليّا الوجه المهيمن في العهد الجديد من الكتاب المقدّس حتّى أكثر من عيسى : بولس هو الذى يحدّد إلى درجة كبيرة إطار العهد الجديد . لكن ، في الأيّام الأوائل جدّا ل " الحركة اليسوعيّة " بعد عيسى ، قبل أن يُصبح تأثير بولس مهيمنا صلب المسيحيّة، تطوّر صراع في صفوف المجموعات المختلفة لهذه الحركة .و بهذا الصدد ، من المهمّ أن نُبقي في اذهاننا أنّه طالما أنّ الناس كانوا يؤمنون بأنّ عيسى هو المسيح المنتظر ، كانوا ينتظرون منه أن يكون المسيح المنتظر المنتصر . في التقاليد اليهوديّة ، لم يكن من المفترض أن يصلب المسيح المنتظر – كان من المفترض أن يكون بطلا مظفّرا بالضبط في هذا العالم و لمصلحة الشعب اليهوديّ . و هذا بلا شكّ سبب هام للماذا أغلبيّة كبرى من اليهود رفضوا إعتبار عيسى المسيح المنتظر: أي نوع من المسيح المنتظر هو ؟ من المفترض أن يقودنا خارج الحدود و يهزم أعداءنا و إنظروا ما حدث له ؟ [ ضحك ]
لذلك شرعت المجموعات المسيحيّة الأولى في الصراع في ما بينها حول ما الذى يجب فعله في مواجهة واقع أنّ عيسى لم يفز بل هُزم هزيمة نكراء و وقع صلبه ز لقد أخذوا يخترعون القصص و الأساطير لتقبّل هذه الهزيمة الجليّة و تحويلها إلى إنتصار . هنا مرّة أخرى ، يكمن أساس قصّة البعث الجديد – و بطبيعة الحال ، لا دليل مهما كان خارج الكتاب المقدّس . إلاّ أنّه مع تطوّر هذه الصراعات صلب المجموعات المسيحيّة الأولى حول الإتّجاه الذى يجب أن تتّبعه هذه الحركة الدينيّة التي تشظّت بسبب وفاة قائدها ، عيسى ، و قد واجهت بعض المشاكل العصيبة حقّا و كانت لها مواقف متباينة – أو كما نقول نحن الشيوعيّون – " خطوطا " متباينة – في ما يتّصل بما ينبغي القيام به بهذا المضمار .فعلى سبيل المصال ، نظرا لولائه للتقاليد اليهوديّة ، موقف شقيق عيسى ، جيمس/ يعقوب كان تأكيد أنّه كان عليهم أن يظلّوا صرامة ضمن التقاليد اليهوديّة و إنتداب اليهود دون سواهم . و كانت لبطرس نوع من المواقف الوسطيّة : يجب أن نظلّ مرتكزين أساسا ضمن اليهود لكن لا ينبغي أن نستبعد إنتداب غيرهم . إلاّ أنّ بولس إتّخذ بصفة متصاعدة الموقف التالى ذكره : إنّ كنّا سننشر حقّا هذا الدين ، علينا أن نخرج إلى صفوف الناس الوثنيّين ( غير اليهود ) بطريقة شاملة لأنّ اليهود ينبذون هذا و سنضمحلّ متى لم نحصل على بعض الإنتدابات الجديدة .
عند قراءة رسائل بولس ( أو الرسائل المنسوبة لبولس ) في الكتاب المقدّس ، من الواضح جدّا أنّه يشدّد على الحاجة إلى التوجّه إلى غير اليهود . فهو يصوغ جدالات مع أناس آخرين في القيادة المسيحيّة وقتها ز و قد جدّ هذا الصراع حول عدد من المواضيع لكنّه تركّز بوجه خاص على الوصايا العشر و متطلّبات العهد القديم . مثلا ، وجدت العديد من المتطلّبات الغذائيّة الصارمة للغاية في العهد القديم و في التقاليد الدينيّة اليهوديّة . و كان المسيحيّون الأوائل يواجهون الكثير من الصعوبات في جعل الناس يلتحقون بحكتهم لأنّه ضمن غير اليهود لم ينشأ الناس بكافة هذه التحديدات الغذائيّة و ما كانوا يرغبون في تبنّيها . و كان موقف بولس هو الآتى : ليس عليكم أن تتبنّوا القانون عمليّا بشكل حرفيّ ، ما عليكم سوى تبنّى روحه .
لكن فضلا عن هذا – و قد إحتدّ هذا بفعل أنّ ديانتهم كان يهيمن عليها الرجال و كانت جهودهم مركّزة على إنتداب الرجال – المشكل الأعوص الذى واجهوه كان مشكل الختان . الأطفال اليهود يختنون في سنّ مبكّرة . لكن لنقل إنّك وثنيّ و يأتيك بولس ( أو عضو آخر من " الحركة اليسوعيّة " ) و يدعوك إلى الإنضمام إلى هذه الحركة الدينيّة . و حينها لم يكن يوجد أيّ تخدير وما كانوا يملكون التقنية الطبّية التي لدينا اليوم . فكان تعرّض الكهول للختان قضيّة كبرى . و كان هذا فعلا يشدّ من إنتداباتهم إلى الخلف . [ ضحك ] . لذا ، متى قرأنا الكتاب المقدّس ، نجد بولس يحاجج : ليس عليكم أن تختنوا في لحمكم، يمكن أن تختنوا في الروح . فساعدهم هذا مساعدة كبيرة . [ ضحك ] و هذا من أسباب لماذا صار بولس الوجه المهيمن داخل الحركة المسيحيّة – كان يضع إصبعه على نبض الأشياء أكثر من غيره ، إن أمكن قول ذلك . [ ضحك ]
و الآن ، ثمّة مظاهر مضحكة لهذا لكن أيضا جانب جدّي جدّا و قاتل . فكما تمّ نقاش ذلك قبلا ، مع تواصل تطوّر المسيحيّة على هذا النحو ، لأجيال فأجيال متتالية ، إلى درجة كبيرة نتيجة تأثير بولس ( حتّى بعد إعدامه ذاته ) ، لم تنفصل المسيحيّة بصفة متصاعدة فقط بل إتّخذت موقف تناقض عدائيّ تجاه اليهوديّة . و إلى جانب هذا ، كلّ قصّة " شغف المسيح " التي تطوّرت و صارت فيها السلطات اليهوديّة و صار فيها اليهود بشكل هام عرضّة للتوبيخ و الإدانة لصبهم عيسى . في هذه القصّة ، عند محاكمة عيسى قال الموظّف الرسميّ الروماني بنتيوس بلات إنّه بوسعه أن لا يجد أيّ نشاط إجراميّ لدى عيسى غير أنّ الغوغاء اليهوديّة و السلطات اليهوديّة التي كانت حاضرة كانت تنادى بتسليط عقاب على عيسى . لذلك غسل بلات يديه من هذا قائلا : " أنا بريء من دم هذا الرجل " ، و تمّت إدانة عيسى ليصلب ( أنظروا إنجيل متّى ، الأصحاح 27 ، لا سيما الآية 24 ) . و سيتمّ تشجيع هذا ونشره إلى يوم الناس هذا – و فيلم مال غبسن " شغف المسيح " مثال مذهل عن هذا . لكن مرّة أخرى ، باحرى من الواضح من عمل الأكاديميّين المختصّين في دراسة الكتاب المقدّس أنّ كلّ هذه القصّة لكيف أنّ اليهود كانوا مسؤولين عن صلب عيسى غير محتملة إلى درجة كبيرة فمن غير المرجّح جدّا أنّ السلطات الرومانيّة أذنت لمّا واجهت شخصا متّهما بأنّه متمرّد و متسبّب في إضطرابات ، اذنت للغوغاء اليهوديّة بأن تقرّر ما يجب فعله . لكن مهما كانت هذه القصّة غير مرجّحة الحدوث كما بيّن الأكاديميّون ، فإنّها تسرّبت إلى التقاليد المسيحيّة حوالي قرن عقب وفاة عيسى .(10)
(10- نتيجة للإحتجاجات ، إنتزع مال غبسن من فيلم " شغف المسيح " و تخلّى عن المشهد الذى ينادى فيه اليهود " دمه [ دم عيسى ] علينا و على أولادنا ! " ( إنجيل متّى 25:27 ) لكن غبسن ترك إحالات غير مباشرة أكثر على هذا .
مع ذلك ، من المهمّ الإقرار بأن شيئا كشريط " شغف المسيح " لم يكن فقط حماسا شخصيّا خاصا أو مشروعا لمال غبسن. فقد كان مدعوما – بشكل جليّ و بعدوانيّة أو بطريقة أكثر تهذيبا و لطفا أو حتّى بطريقة غير مباشرة – من قبل الأصوليّين المسيحيّين البروتستانيّين كجيري فلوال و بات روبرتسن و غيرهم من ذوى العلاقات وصولا إلى أعلى أوساط الحكومة الأمريكيّة ، و كذلك الكنيسة الكاثوليكيّة و البابا حينها ، جون بول الثاني . و في عالم اليوم ، نظرا لتصميم إمبرياليّى الولايات المتّحدة على مزيد إعادة تشكيل الشرق الأوسط بصورة تكون حتّى أكثر مواتاة لأهدافها للسيطرة ليس فحسب على هذه المنطقة الإستراتيجيّة لكن على العالم ككلّ ، و نظرا للدور الخاص و المتميّز الموكل لدولة إسرائيل في علاقة بذلك ، فإنّ الأصوليّين المسيحيّين الرجعيّين و خاصة أولئك في أعلى مستويات الحكم في الولايات المتّحدة بمن فيهم الرئيس ، و في الوقت نفسه الذي يشجّعون فيه على تقاليد دينيّة إستهدفت بلا رحمة اليهود على أنّهم " قتلة المسيح " ، يجب أن يوفّروا أو يشدّدوا على الدعم اللامشروط و الثابت لدولة إسرائيل ، كدولة يهوديّة ز تستمرّ الولايات المتّحدة في التمويل الضخم و التسليح و المساعدة الكبيرين لإسرائيل بطرق متعدّدة لم تساهم في جعل إسرائيل تسرق من الشعب الفلسطيني وطنه و تضطهده بخبث فقط و إنّما أيضا بطرق خدمت بها إسرائيل كمخفر أماميّ عسكريّ متقدّم للإمبرياليّة الأمريكيّة في العالم و ليس فحسب في منطقة الشرق الأوسط الإستراتيجيّة لك حتّى في أنحاء بعيدة من الكوكب على غرار أمريكا اللاتينيّة و شرق آسيا حيث تقوم إسرائيل بعمل وسخ لصالح الإمبريالية الأمريكيّة . ( فضح و تحليل هامين لمختلف مظاهر دور إسرائيل هذا و كذلك تاريخ تأسيس إسرائيل و علاقتها بالإمبريالية الأمريكيّة ككلّ ، متوفّرين في جريدة " الثورة " [ على الأنترنت بموقع www.revcom.us ] بما في ذلك خطابى " التقدّم بطريقة أخرى " .و الكثير من الأشياء الهامة موجودة كذلك في أعمال نورمان فنكلشتاين و منها " صناعة الهولوكست " و " أبعد من شوتزباه ، إساءة توظيف مناهضة الساميّة و إنتهاك التاريخ " ). يواجه حكّام الولايات المتّحدة الإمبرياليّون بالأحرى تناقضا حادّا في علاقة بكلّ هذا و هنا تكمن الطريقة التي سيتعاطون بها مع هذا التناقض : إنّهم يروّجون لتأويل للكتاب المقدّس و خاصة " رؤيا يوحنّا اللاهوتيّ " من الكتاب المقدّس و فيه يشدّد على أنّ البعث الثاني و العودة المظفّرة لعيسى لا يمكن أن تحصل إلاّ إذا كانت دولة إسرائيل قائمة – و إن كفّت دولة إسرائيل عن الوجود فإنّ ذلك سيؤخّر البعث الثاني ،و سيشهد ظفر عيسى تراجعا كبيرا و ستستفيد كثيرا من ذلك القوى المعادية للمسيح . و بالتالى ، من الحيويّ تقديم الدعم لإسرائيل . و طبعا ، من المهمّ أن نبقى في أذهاننا أنّ في نظرة الأصوليّين المسيحيّن إلى العالم ، عندما يحدث البعث الثاني ، سيجد اليهود أنفسهم أمام خيار من خيارين إمّا التحوّل إلى المسيحيّة أو الإدانة باللعنة الأزليّة . و هذا بعدُ تناقض أبعد مبنيّ في كلّ هذا – و عدد من اليهود بمن فيهم بعض المساندين العتيدين لإسرائيل واعون بذلك و الكثير منهم تتنازعهم مشاعر متضاربة أو حتّى تخوّفات جدّية من هذا . و في الوقت الحالي ، و بالأساس نشاهد الإندفاعات المتناقضة ضمن الأصوليّين المسيحيّن مجتمع معا على نحو يخدم المصالح الإمبرياليّة للولايات المتّحدة بما فيها تلك المتّصلة بإسرائيل ودورها الخاص في علاقة بهذه المصالح . و قد كان هذا ممكنا إلى درجة كبيرة تحديدا لأنّها في الجوهر و في حدّ ذاتها ، الحركات الأصوليّ من هذا القبيل متكوّنة من و تتوجّه إلى أناس يبحثون عن أجوبة بسيطة ومطلقة عن تعقيدات و هشاشة عالم اليوم و هم بالتالى طالما يتمسّكون بهذه العقليّة ، ينحون نحو إتّباع أناس يؤكّدون بقوّة هذا الصنف من الأصوليّة و السلطة المطلقة .
لسوء الحظّ ، بينما يمكن لتعبيرات هذه الأصوليّة المسيحيّة أن تتّخذ أبعادا سخيفة فهي تمثّل قوّة رجعيّة خطيرة جدّا و ذات ذهنيّة فاشيّة – و الكثير من المضطهدين واقعين في هذه اللحظة في أسرها . و في الوقت نفسه ، هناك ظاهرة أنّه مهما كان قدر سعي الحكّام الإمبرياليّين و السلطات الدينيّة الرجعيّة التلاعب بذلك ، يوجد الواقع بإستقلال عنها وهو يؤكّد نفسه كما جدّ بحدّة على سبيل المثال في العراق طوال تقريبا سنوات خمس منذ غزو الولايات المتّحدة لذلك البلد و إحتلالها له .
وتحليل أتمّ لهذا التناقض المرتبط بواقع أنّ المسيحيّين الفاشيّين في الولايات المتّحدة وقع تعويدهم على رؤية اليهود ك " قتلة للمسيح " و في الوقت نفسه ، وقع تعويدهم على أن يكونوا مساندين متعصّبين لدولة إسرائيل – و بعض النقاش للإطار الأشمل و الإنعكاسات السياسيّة لهذا – متوفّر في قسم الأسئلة و الأجوبة من شريط دى في دي لخطابي " الثورة : لماذا هي ضروريّة و لماذا هي ممكنة و ما الذى تعنيه " ، إنتاج الثلاثة كيو ، شيكاغو ، إلينوا . )
و الآن ، لنكن واضحين ، ليس بولس مسؤولا ببعض المعنى المباشر ، عن هذا المستوى من التناقض العدائيّ لدي المسيحيّين تجاه اليهود و إنعكاسات ذلك الرهيبة عبر القرون لا سيما عقب تبنّى المسيحيّة و فرضها كدين رسميّ للإمبراطوريّة الرومانيّة ، و قد كانت الدين الرسميّ او شبه الرسميّ للإمبراطوريّات الإضطهاديّة مذّاك وصولا إلى يومنا هذا . زمن بولس و إلى درجة كبيرة عبر تأثيره ، أضحت المسيحيّة في مسار سيؤدّى إلى إنفصالها عن اليهوديّة ؛ و بدوره سيؤدّى هذا الإنفصال إلى تنامى العدوانيّة من جهة المسيحيّين إزاء اليهود الذين نبذوا – و بنبذهم قوّضوا موضوعيّا – زعم أنّ عيسى كان هو المسيح المنتظر ؛ و لمّا أضحت المسيحيّة قوّة عتيّة ثمّ دينا رسميّا للدولة ، وجدت تلك العدوانيّة تعبيرا عنها في الإضطهاد العنيف و المجازر الدمويّة المرتكبة و المفروضة من طرف الدولة .
ناظرين إلى هذا من منظور تاريخي ، من المهمّ الإقرار بانّ المسار الذى إتّخذته المسيحيّة إثر وفاة عيسى كان يشتمل على عنصر محدّد من الصدفة .إذا كان يمكن للصراع بين المجموعات المتباينة في صفوف " الحركة اليسوعيّة " الأولى أن يتّخذ مسارا مغايرا . فعلى سبيل المثال ، كان من الممكن أن يتعرّض بولس للقتل قبل قتله الفعليّ بفترة طويلة - في نهاية المطاف، أعدمته السلطات الرومانيّة إلاّ أنّ ذلك لم يقع إلاّ بعد تمضيته لعقود عدّة في تنظيم الحركة المسيحيّة و نشرها في منطقة البحر الأبيض المتوسّط . أو كان من الممكن لمزيج من ألسباب أن لا يكون بولس فعّالا جدّا أو ناجحا جدّا في الترويج لروايته للمسيحيّة و تنظيمه للناس حولها . لكن كما جرت الأحداث عمليّا ، كان فعّالا جدّا و زمن قتله ، عدّة عقود بعد صلب عيسى ، كانت هناك مجموعات مسيحيّة قائمة في عدد من المناطق . و بدورها كان من الممكن أن تتعرّض هذه المجموعات إلى السحق . لكن كما جرت الأحداث ، لم يحصل ذلك و بدلا منه أخذت تنمو و إنتشرت و أمست مظهرا من الإمبراطوريّة الرومانيّة .
و مجدّدا ، عبر مزيج من السببيّة و الصدفة ، بعد بضعة قرون وجد قسطنطين أنّ تبنّى المسيحيّة يخدم أهافه الأشمل و كذلك كان المر بالنسبة لأباطرة بعد ( و حكّام الإمبراطوريّة الرومانيّة عموما ) ، في جزء منه على ألقلّ لأنّ المسيحيّة كانت دينا توحيديّا ما ساعد في توحيد مختلف شعوب الإمبراطوريّة الرومانيّة في ظلّ حكم واحد . كان يتمّ غزو أراض جديدة و كان يجب دمجها ضمن إمبراطوريّة تحكمها روما و عند نقطة معيّنة ، كان وجود دين واحد عاملا توحيديّا هاما في هذه السيرورة. و كذلك لعوامل أخرى بلا شكّ ، جرى تبنّى المسيحيّة و فضها من قبل الطبقة الحاكمة لتلك الإمبراطوريّة الرومانيّة .
و طوال قرون بعد ذلك ، نُشر هذا الدين و فُرض بالقوّة و بالوعظ و التحويل الدينيّ في أنحاء واسعة من العالم . لذا، اليوم، يمارس مئات و مئات الملايين من الناس هذا الدين و معظمهم يعتقدون أنّ الكتابات المقدّسة الى إعتادوا عليها ( سواء قرأوها أم قُدّمها لهم أناس آخرون ) كانت بالفعل ممنوحة من الإلاه مباشرة و ظلّت نفسها مذّاك . و فعلا ، يمكن أن نشاهد حتّى ممّا إستطعت روايته بإختصار و عرضه هنا ، كان كلّ هذا نتيجة عوامل أرضيّة جدّا بما فيها صراعات سياسيّة و إيديولوجيّة – تيولوجيّة حول العقيدة و التبعات العمليّة لأتباع عقيدة أو أخرى .
و مهما كان مزج الأسباب ، إذا كانت نظرة عيسى و كان برنامجه ( ما يمكن أن نسمّيه " خطّه " ) قد سيطر في الأيّام الأولى من المسيحيّة ، كان ذلك سيضع عراقيلا جدّة جدّا أمام إنتشار ذلك الدين . لكن لأنّ العقيدة المشخّصة في بولس قد تقدّمت و قاتلت بفضل بولس و لأنّ بولس ، مهما كانت الأسباب ، كان فعّالا في جذب و كسب و تنظيم و توفير قيادة للأتباع – موفّرا لهم عقيدة كان بوسعهم التصرّف على أساسها و ستكون عامل توحيد و إنسجام – نمت هذه الحركة .
و هنا نعود إلى د. تابور الذى يحاجج بأنّ عيسى و أقرب أتباعه زمن حياته و منهم بالخصوص جيمس / يعقوب ، شقيقه ، صاروا ينظرون إلى عيسى على أنّه المسيح المنتظر اليهودي الذى سينشأ مملكة جديدة قائمة على كلمة الإلاه الموجّهة لليهود – حينها و هناك في هذا العالم . يؤكّد تابور بشكل قاطع : " لا دليل على أنّ جيمس / يعقوب كان يعبد شقيقه أو كان يعتبره مقدّسا ". (" سلالة عيسى الحاكمة " ، ص 282). مع أنّ بعض تأكيدات تابور كانت بالتأكيد مفتوحة على النقاش و بعض ما يذكره كسند لهذه المزاعم مفتوح على تأويلات متباينة ؛ لكن شيئا مهمّا يحاجج به هو في تناغم جليّ مع ما هو معروف – أنّ بولس هو الذى شكّل المسيحيّة أكثر من أيّ شخص آخر ، حتّى أكثر من عيسى . و من تعبيرات هذا أنّ كلمات بولس في العهد الجديد أكثر من كلمات عيسى . و تابور الذى يحاجج أنّ بولس هو الذى أدخل في المسيحيّة كامل فكرة ألوهيّة عيسى ، ، مفهوم أنّه لم يُصلب فحسب بل صعد من الموت إلى السماء ، و بالتالى وفّر الإنقاذ أو وسيلة الخلاص لبشر ساقطون و خطّاؤون .
و دون أن نحاول هنا أن نعالج الحجج التي تنحو نحو التواصل لبعض الوقت في علاقة بهذا ، في صفوف الأكاديميّين المختصّين في دراسة الكتاب المقدّس ، يمكن نهائيّا قول إنّه الحال أنّ بولس لعب دورا محوريّا في المنعرج الكبير الذى عرفته المسيحيّة : منعرجا بعيدا عن العهد القديم – و من مفهوم الأعمال إعتمادا على تنفيذ قوانين العهد القديم كوسيلة للخلاص – و نحو تأكيد أساسيّ حصريّا على الإيمان . و إلى جانب هذا ن أدخل بولس منعرجا إبتعادا عن الإنشغال بهذا العالم بإتّجاه الإنشغال بالعالم التالى المفترض و ما سينشأ عن البعث الثاني لعيسى . و في موقع القلب من هذا ، و كعنصر أكثر أساسيّة و تحديدا للعقيدة المسيحيّة ، تكمن قصّة صلب عيسى و إعادة بعثة ، بوعده بالخلاص من الخطيئة و بحياة دائمة مع عيسى و الأب في السماء لجميع البشر الذين يؤمنون بهذا الدين و الذين قبلوا به من خلال الإيمان .
-------------------------------------------------------------------------------




كشف النقاب عن عيسى و المسيحيّة

لماذا مضيت في هذا إلى مثل هذا المدى ؟ ما هي أهمّية هذا ؟ حسنا ، قبل كلّ شيء ، على مستوى بديهي ، قصّة عيسى و الدين المسيحي متمحورة حول هذه القصّة – أو بأكثر دقّة ، رواية بول لهذا – و قد مارست تأثيرا واسعا و قويّا و نهضت بدور مفتاح في تاريخ العالم في سنوات الألفيّة الثانية منذ زمن المسيح . و مرّة أخرى ، كان الأمر كذلك خاصة عقب تبنّى المسيحيّة بإعتبارها ديانة رسميّة للإمبراطوريّة الرومانيّة و نشرها عبر انحاء واعة من العالم و تبنّيها كدين دولة من قبل عديد الطبقات الحاكمة القويّة عبر القرون وصولا لزمننا هذا – أو قد وقع تشجعها كدين مفضّل فعليّا و إن لم يكن رسميّا دين الدولة ، كما هو الحال في الولايات المتّحدة ، أعتى قوّة دولة إمبرياليّة في عالم اليوم . و الآن ، هناك تحرّك القوى ذات نفوذ داخل الولايات المتّحدة نحو تركيز المسيحيّة ليس كمجرّد دين مفضّل بل كدين رسميّ للدولة في أمريكا – و كما هو الحال مع قسطنطين في الإمبراطوريّة الرومانيّة ، جعل هذا الدين راية تحت ظلّها القوّات المسلّحة للإمبراطوريّة الأمريكيّة تخوض حروبها الليبيّة عبر العالم . لهذه الأسباب ، فهم الطبيعة و التاريخ الفعليّين لهذا الدين شيء مهمّ ؛ بالأخصّ ، المظاهر الخاصة لهذا الدين و تطوّره التاريخيّ الذى شدّدت عليه هنا أمر هام في فهم كيف أمسى للمسيحيّة الطابع الذى لديها و الدور الذى تضطلع به : كيف أنّ هذا لا يُعزى إلى وجود إلاه و إلى دور المسيح كإبن له ضحّى بحياته على الصليب لأجل أن يكون منقذ البشريّة من الذنوب ، و ليس إلى " كلمة الإلاه الكامنة " المجسّدة في الكتاب المقدّس ، و إنّما بالأحرى إلى عوامل أرضيّة بالذات بما فيها الصراعات الإيديولوجيّة و السياسيّة و العسكريّة في صفوف البشر و المجتمعات الإنسانيّة.
بعبارات أخرى ، هذا هام فوق كلّ شيء و بأكثر جوهريّة كمسألة نظرة و منهج أساسيّين ، و هذا حيويّ في فهم المظاهر الهامة للواقع الاجتماعي و التاريخي و الواقع بوجه عام ، و في تغيير هذا الواقع على نحو يكون عمليّا في مصلحة و يؤدّى إلى تحرير الجماهير الشعبيّة المضطهَدَة و في نهاية المطاف الإنسانيّة قاطبة . و كجزء من هذا – و لهذا أهمّية خاصة جدّا و كبيرة الآن – من الضروريّ نزع إلتباس المسيحيّة ( و جميع الديان ) ، لإبعادها عن مجال الرهبة التطيّريّ لإلاه ما أسطوريّ لكن غير موجود و لكتابات مقدّسة تقدّم على أنّها الكلمة المثاليّة و الكامنة لهذا الإلاه ؛ و لكشف النوابض الرئيسيّة و الديناميكيّة الإنسانيّة جدّا لتطوّر هذا الدين و كذلك عقيدته و دوره في العالم ؛ و للمساعدة على توضيح الحاجة إلى القطيعة مع و تجاوز هذا و كافة أنماط التفكير المشابهة التي تمثّل سلاسل و قيودا لأذهان البشر – عراقيلا ذهنيّة تُبقى الجماهير الشعبيّة في ألسفل و تعيق هذه الجماهير و في نهاية المطاف الإنسانيّة قاطبة عن بلوغ التحرّر من مجتمع و عالم متجذّرين في الإستغلال و الإضطهاد بلا رحمة ، معزّزين بالجهل و التطيّر و بالفعل بطرق هائمة في مقاربة الواقع .
أمّا بالنسبة لعيسى بوجه خاص و لتعاليمه ، بالرغم من كلماته و أقواله التي يمكن ذكرها عن الحبّ و السلم و العناية بالفقير و المهمّش في المجتمع ؛ (11) و بالرغم من ما يحاول بعض الناس قوله بتقديم عيسى كنموذج و وسيلة لبلوغ عالم أعدل ( 11 – مثل هذه الكلمات و الأقوال ، وجب تسجيل ذلك ، يمكن أيضا أن توجد في كتابات مقدّسة تشكّل التوراة و منها كتب كالإصحاح أين إلى جانب تصريحات عن العدالة و وصف أدبيّ غنائيّ لليوم الذى سيسود فيه السلم ، يمكن أن نجد كذلك دفاعا عن و تأكيدا على الفظائع الأبشع كاغتصاب الجماعي للنساء و كسر رؤوس الأطفال و كلّ هذا جزء من الشكل الطائش لقتل و تحطيم شعوب بأسرها . و يجب أن نلاحظ مجدّدا أنّ كتاب الإصحاح كان يعتبر أفضل كتاب لدى عيسى في الكتابات المقدّسة اليهوديّة ، و من المراجع التى يحال عليها غالبا ).
في صفوف البشر ؛ لو جرى بطريقة ما نقل عيسى من زمن إلى زمننا و إلتقيناه ، الواقع هو أنّنا لن و لا يجب أن نحبّ كثيرا جدّا عيسى هذا . عيسى الذى جاء في الكتاب المقدّس و في ما بيّنه الأكاديميّون الإنجيليّون حوله ، صورة نبوئيّة ، حافل بالتطيّر و الجهل لزمنه و مكانه ، و قد كان متزمّتا دينيّا و يؤكّد في تزمّته أنّ فقط بإتّباعه هو و تعاليمه يمكن للناس أن يجدوا طريقة صحيحة للخلاص و إذا لم يتّبعوا هذا الطريق سيلعنون و يظلّون في عذاب و تعذيب أبديّين . و ما يطفح من عيسى و كامل التقاليد الدينيّة التي كان جزءا منها – و التأثير الذى ربطه الدين به تواصل إلى يومنا هذا - و كلّ هذا ينتمى إلى الماضي .
هذا ينتمى إلى الماضى ليس ببعض المعنى العام أو المجرّد فحسب بل إلى ماضى يتميّز بالإضطهاد الرهيب و العنف الذين لا يمكن فقط بل يجب على الإنسانيّة تجاوزهما كي تحصل على مستقبل يستحقّ الحياة . ما يتمّ الإختفاء به و الدفاع عنه في هذه التقاليد الدينيّة لم يؤدّى و ما كان بوسعه إلاّ أن يؤدّى إلى تحرير الإنسانيّة و إزدهارها. هذه التقاليد و كتاباتها المقدّسة لا سيما حينما تؤخذ حرفيّا ، قد أدّت و ما كان بوسعها إلاّ أن تؤدّى إلى إقتراف هذه الفظائع و تأبيدها . و فقط بالقطع مع هذا و مع كلّ العقائد الدينيّة و طرق التفكير و التقاليد ، سيكون من الممكن للإنسانيّة أن تضع نهائيّا و تماما نهاية لمثل هذه الفظائع .
-------------------------------------------------------------------------------------------------------

ليس الإسلام أفضل ( و لا هو أسوأ ) من المسيحيّة

إلى هذا الحدّ ركّزت على المسيحيّة و الإنجيل و بينما هناك طبعا إختلافات ذات دلالة لاهوتيّا و في ما يتعلّق بالطقوس الدينيّة بين الإسلام و المسيحيّة ( و اليهوديّة ) ، النظرة العالميّة الى يعبّر عنها كلّ منهما و المضمون الاجتماعي الذى يجسّده كلّ منهما – ما يقوله عن كيف هو المجتمع الإنسانيّ و كيف يجب أن يكون – ليست متشابهة بعدّ طرق بل هي جوهريّا في خدمة ذات أنواع أنظمة الإستغلال و الإستعباد . ففي الكتاب المقدّس للإسلام ، القرآن ، ليس يقع الدفاع أقلّ من الإنجيلي المسيحي ( و كامل " التقاليد اليهوديّة – المسيحيّة " ) عن كافة أنواع العلاقات الإضطهاديّة و يقع حتّى الإحتفاء بها . (12)
( 12- في هذا العمل ركّزت على الديانات التوحيديّة الثلاث الكبرى – الإسلام و اليهودية و المسيحيّة – و لم أحاول التفحّص المباشر أو العميق للديانات الأخرى و أنظمة الإيمان " الروحيّة " التي تحوم حولها أو على الأقلّ تفترض وجود كيانات مختلفة عن و فوق مجال العالم الماديّ – سواء تعلّق الأمر بآلهة أم قوى أخرى فوق الطبيعة أو " قوّة حياة عالميّة " إلخ . و أيضا ، لم أتطرّق إلى شتّى أصناف النزعات ضمن هذه الديانات التوحيديّة الثلاث لأنّه حتّى و إن وُجدت إختلافات و بعضها ذات دلالة بين هذه النزعات في ما يتّصل بالعقيدة و الطقوس الدينيّة ، هي ثانويّة بالنسبة إلى النظرة العالميّة السياسيّة و عقائد الدين التي هي جزء منه. و أنا مقتنع بصلابة بأنّ النقد الأساسي و الجوهريّ المقام هنا في ما يتّصل بالمسيحيّة و اليهوديّة و الإسلام ينطبق كذلك على كافة مثل هذه الأنظمة الإيمانيّة .)
توفّر الجذور التاريخيّة للإسلام إطارا و نظرة ثاقبة أكبر لمضمون الإسلام و دوره بإعتباره دينا و قوّة جغرافيّة سياسيّة في العالم ، تاريخيّا و إلى يوم الناس هذا . فالوجه المحوريّ و المركزيّ في الإسلام هو طبعا مؤسّسه ، محمّد ، الذى وُلد قبل حوالي 1500 سنة في مكّة و أمضى سنوات حياته الأولى هناك . و كان محمّد بن عبد الله ينحدر من مجموعة صغيرة نسبيّا ضمن القبيلة المهيمنة في منطقة مكّة ، قبيلة قريش . و قد صارت مكانته أرفع نوعا ما عندما تزوّج أرملة ثريّة إسمها خديجة ؛ لكن بالرغم من كونه كان ينعم تقريبا بأمان ماليّ ، لم يكن بعدُ شخصيّة بارزة في صفوف قريش بمكّة . وزمنها ، كانت مكّة تتحوّل إلى موقع و مركز تجارة متزايد الأهمّية . و إلى جانب ذلك ، كانت مركزا دينيّا له دلالته ؛ و كانت الكعبة في تلك المدينة مكانا مقدّسا لدى عديد القبائل على تباين أديانها و كانت تسافر إلى مكّة و تتعاطى التجارة هناك . و كان ذلك أيضا مصدرا للثرة بالنسبة لقريش . لكن في الوقت نفسه ، كان دور مكّة هذا كمركز تجارة نامي بطرق لها أهمّيتها يقوّض نمط الحياة القبليّة التقليديّة و البنية الفوقيّة – السياسة و الهياكل السياسيّة و الإيديولوجيّة و الثقافة المعبّر عنها إلى درجة كبيرة بعبارات دينيّة – و التي كانت تتناسب تقريبا مع نمط الحياة التقليديّة تلك.
في هذه الظروف ، أخذ محمّد يقضّى فترات طويلة وحيدا في الصحراء و المناطق الجبليّة حول مكّة . و خلال هذه الفترات من العزلة و الصيام عاد لعدّة أيّام ، بدأ محمّد حسب قوله يستمع إلى وحي من الإلاه ( الله ) و كان الملاك جبريل هو الذى يُبلغه إيّأه و كان محمّد يحفظه و يردّده . و سيستمرّ هذا الوحي طوال بقيّة حياته و سيكوّن أساس الدين الإسلامي مجسّدا في القرآن و أعمال مقدّسة أخرى للإسلام.
و الآن ، طبعا من غير الممكن بالنبة لنا ( أو حقّا ، بالنسب إلى أيّ شخص عند هذه اللحظة ) أن يقول ما إذا كان ( أو إلى أيّة درجة ) كان محمّد يؤمن عمليّا بأنّه كان يُبلّغ وحيا من الإلاه ، او ما إذا ( و إلى أيّة درجة ) كان واعيا بأنّه كان هو نفسه مصدر هذا الوحي المفترض . فهناك أماكن في السور ( الفصول ) القرآنيّة ( على غرار سورة " التحريم " ، حيث ينقل محمّد تعاليم الإلاه إلى زوجاته قائلا لهنّ بأنّ لا تكن في قلوبهنّ غيرة و أن تكنّ مطيعات و لا تتسبّبن في الكثير من المتاعب لمحمّد و محذّرا إيّاهن بأنّ الله قد يشير على الرسول بنساء أفضل إن لم تستجبن لما طلب منهنّ – أنظروا الآية الخامسة بوجه خاص ) و هذا أقلّ ما يقال فيه بالأحرى مناسب لمحمّد و يرجّح أكثر أنه هو نفسه من دبّره عن وعي . لكن من المحتمل تماما أنّه بالنسبة إلى الجزء الأكبر و الجوهريّ ، كان محمّد هو ذاته مقتنعا بأنّه كان يتلقّى و يُبلّغ كلمة إلاه واحد صحيح هو الله. و لن يكون من المفاجئ لو أنّه في سياق تمضيته أيّاما في الصحراء أو الجبال بينما كان يصوم و من المحتمل مستهلكا قليلا جدّا من الماء ، كان محمّد سيستمع إلى أصوات و سيعتقد بأنّه يستمع إلى صوت الملاك جبريل خاصة وهي يبلّغه وحيا من الله . الواضح هو أنّ محمّدا صار معتادا على الأقلّ على بعض عقائد و معتقدات المسيحيّة و اليهوديّة ، و هذا قد إنعكس في القرآن – في كلّ من ما يبدو أنّ محمّدا قد تبنّاه من هذه الديانات و في ما بات يلفظه منها و حتّى يندّد به . و الواضح أيضا هو أنّه نتيجة هذه التأثيرات و التجارب المتنوّعة ، أنشأ محمّد خلال عدّة عقود ما أضحى قرآنا و دينا جديدا هو الإسلام .
و الآن طبعا لم يكن محدّدا سلفا أنّ ما رواه محمّد سيصبح محاطا بهالة وحي إلاهيّ – كان من الممكن أن يقع تجاهله أو إستبعاده على أنّه هذيان شخص مجنون . و بالفعل ، هكذا عالج شيوخ قريش و عالجت القوى ذات النفوذ في قبيلة قريش بمكّة ذلك لبعض الوقت . و عندما ثابر محمّد و أكثر من ذلك و طفق يتحدّى الضوابط و المعتقدات و الممارسات المركّزة و في التشهير بها على أنّها فاسدة ، أُجبر على الإنسحاب إلى يثرب ( التي أمست معروفة بالمدينة ) . هناك وجد محمّد ظروفا أكثر مواتاة و طوال فترة من الزمن ، كان قادرا على إرساء نفسه كسلطة دينيّة و سياسيّة في آن معا .
لم يكن محمّد سياسيّا ماهرا فحسب – في المدينة ساعد على معالجة خلافات في صفوف السكّان هناك بمن فيهم عدد من اليهود الذين كانوا يعيشون بالمنطقة على الرغم من كون اليهود في نهاية المطاف رفضوا محمّدا و دينه الإسلاميّ الجديد – و إنّما كان كذلك قائدا عسكريّا ماهرا . و بعد تعزيز سلطته ، شرع إنطلاقا من المدينة في قيادة قوّاته في هجمات عسكريّة ضد قوافل التجارة القاصدة مكّة ما تسبّب في خسارتها خسائرا هامة و وضع على قريش ضغطا كبيرا . و في النهاية ، عقب سلسلة من المعارك تمكّن خلالها محمّد من إلحاق الضرر بأعدائه الكّيين و تجنّب هو نفسه الموت و الإعتقال ، إستطاع أن يدخل مكّة منتصرا و مازجا بين الحضور العسكري و دبلوماسيّة داهية – واعدا بإستبقاء حياة و ممتلكات أعدائه – إستطاع أن يحقّق إستسلام قادة قريش . و أضحت مكّة مركز الدين الإسلامي الجديد و المقام المقدّس لهذا الدين .
و من كلّ هذا ، يمكن أن نلاحظ دور الصدفة و كذلك السببيّة و التفاعل بينهما . لو جدّت بعض الأحداث بشكل مغاير ، في لحظات معيّنة ، كان يمكن لهذا الدين أن لا ينشأ تماما و أصلا ، أو على كلّ حال لم يكن أبدا ليصبح قوّة كبرى في العالم . كان يمكن أن يموت محمّد قبل وقت من وفاته الفعليّة – و بوجه خاص كان يمكن أن يُقتل أثناء السنوات التي كان فيها بالمدينة و منخرطا في حرب مع أعداء لهو نفوذ حينها و كانو متركّزين في مكّة . لكن هذا لم يكن جميعه مسألة صدفة . فالعقيدة الدينيّة الجديدة و الدين الجديد و المؤسّسات الدينيّة و السياسيّة الجديدة التي أنشأها و طوّرها محمّد طوال عدّة عقود و منها خلال سيادته في المدينة ، مثّلت قوّة جذب ليس فقط إعتبارا للقوّة العسكريّة التي تمكّن محمّد من بنائها بإسم ذلك ، لكن أيضا لأنّ هذا الدين كان يوفّر جملة معتقدات و ممارسات موحّدة للمجموعات النامية و المتنوّعة من الناس الواردين على مكّة و كان بوسعه أن يوحّدهم متجاوزا المصالح و العادات القبليّة الضيّقة . ليس ببعض المعنى الخطّي و الميكانيكي و إنّما بطريقة أوسع و أشمل ، تواقف الإسلام مع الظروف الجديدة التي نجمت عن نموّ مكّة كمركز تجاريّ جالبة معا أناسا من مناطق و قبائل عدّة متباينة .
هنا نرى العلاقة الديناميكيّة – أو بكلمات ماركسية ، الجدليّة – بين نمط الحياة الاقتصادي والبنية الفوقيّة السياسيّة و الإيديولوجيّة ( بما فيها الدين ) علاقة تعطى فيها التغيّرات في الإقتصاد ( في هذه الحال تطوّر مكّة كمركز تجارة و ما صاحبه من تغيّرات )حياة لأنماط جديدة من التفكير و بدورها هذه الطرق الجديدة من التفكير صارت مصاغة في عقائد و برامج تنظّم حولها الناس و من أجلها قاتلوا ، في تعارض مع هذه القوى ( في هذه الحال ، حكّام قريش بمكّة ) باحثين عن الدفاع عن تعزز طريقة الحياة القديمة حتّى في وجه تغيّرات كبرى . و طبعا ، كما جرى التأكيد على ذلك هنا ، ليست هذه العلاقة علاقة حيث التغيّرات في البنية الفوقيّة تتبع مباشرة و آليّا التغيّرات في نمط الحياة الاقتصادي و كذلك ليست القوى الممثّلة للبنية الفوقيّة الجديدة ، متناسبة تقريبا مع تلك التغيّرات في نمط الحياة الإقتصاديّ التي تنزع إلى الهيمنة ، ببعض المعنى المحدّد مسبّقا أو على المدى القصير . و كما تمّ نقاش ذلك ، هناك دور الصدفة في كلّ هذا ، لكن ذلك ليس كلّه صدفة فهناك أيضا سببيّة – هناك عوامل ماديّة حقيقيّة خاصة التغيّرات في نمط الحياة الإقتصاديّة و العلاقات بين الناس وهي تفرز دفعا بإتّجاه و قاعدة أكثر مواتاة للتغييرات المناسبة في البنية الفوقيّة للإيديولوجيا و السياسة – و هناك التفاعل المستمرّ بين التغيّرات في القاعدة الإقتصاديّة و التطوّرات و الصراعات في البنية الفوقيّة . و كلّ هذا يسجّل في الطريقة التي لم يستسلم بها محمّد و الدين الإسلامي الجديد بل تطوّرا و في آخر المطاف إنتصرا في الظروف الجديدة الناشئة عن التغيّرات في مكّة ( التي إرتبطت بدورها بالتغيّرات في العالم الأوسع ، أبعد من مكّة و من الجزيرة العربيّة ، ما أسفر عن دفع آخر لتطوّر مكّة كمركز تجارة ).
و تنسحب المبادئ و الديناميكيّات الأساسيّة نفسها على إنتشار الإسلام عقب زمن محمّد فمن خلال مزيج من الغزو العسكريّ و عادة مؤهّلات دبلوماسيّة و وسائل إداريّة – سياسيّة ، إنتشر الإسلام و المؤسّسات الإسلاميّة على مجال واسع جدّا في القرون التي تلت وفاة محمّد . و حتّى اين لن تعد الخلافة الإسلاميّة في حدّ ذاتها شكل الدولة ( كما هو الحال مثلا في إيران أين توج الآن جمهوريّة إسلاميّة )، تواصل الإسلام و مؤسّساته الدينيّة – السياسيّة إلى وقتنا الحاضر ليمارسا تأثيرا في صفوف أعداد كبيرة من الناس في الشرق الأوسط و أنحاء أخرى من العالم .
في كلّ هذا ن بوسعنا كذلك أن نرى التشابه الجوهريّ مع تطوّر و إنتشار المسيحيّة منذ جذورها ضمن فئات صغيرة في منطقة جغرافيّة واحدة إلى ظهورها كقوّة كبرى تمارس بقوّة تأثيرا في أنحاء واسعة من العالم و ضمن أعداد ضخمة من الناس . و في كلتا الحالتين كان الدور الحيويّ لبعض الأشخاص المفاتيح – مثل عيسى نفسه و كذلك بول و قسطنطين في تاريخ المسيحيّة ، و محمّد و الخلفاء الأوائل في تاريخ الإسلام – و نرى كيف يحدث هذا بالمعنى العام ضمن الديناميكيّة الأوسع ( التفاعل الحيويّ و الجدليّ ) بين الصدفة و السببيّة و بين القاعدة الإقتصاديّة و البنية الفوقيّة للإيديولوجيا و السياسة ( بما فيها الصراع العسكريّ ) . نتيجة كلّ هذا – و ليس لوجود إرادة إلاه أو آخر أو تجسيد لإرادة إلاه ( سواء كان يهوه ، إلاه اليهود القدامى أم الّه أم تثليث المسيحيّة ؛ أم أي كائن أو أيّة قوّة ما فوق الطبيعة )- إنّه نتيجة العوامل الماديّة و الأرضيّة التي لا يزال يعيش ضمنها اليوم الناس و يعبدون إلاها ( أو آلهة ) ، أو كائنات او قوى ما فوق الطبيعة أخرى ، لكنّهم لا يؤمنون جميعا بنفس الإلاه أو الآلهة ، و بالفعل عادة ما يندّدون بآلهة و ديانات الآخرين على أنّها خاطئة و حتّى كافرة .
و بالعودة بوجه خاص إلى الإسلام ، قراءة ليس الروايات التاريخيّة لحياة محمّد و تعاليمه فحسب و إنّما أيضا قراءة القرآن بصفة خاصة ، تُجلى أنّ وجهات نظر محمّد – ما فهمه و ما جهله ، ما دافع عنه و أشاد به و كذلك ما عارضه و أدانه – كلّ هذا يعكس المجتمع و العالم الذين عاش فيهما و يشمل العقلاقات القاسية و الإضطهادية و القيم و النظرات و التقاليد المناسبة التي إعتبرها محمّد ضروريّة و شرعيّة و عادلة . و يشمل هذا : العبوديّة و إعتقاد أنّ الطفال وكذلك النساء ملكيّة للرجال ؛ و تبعيّة النساء للرجال و حقّ و بالفعل واجب المؤمنين بخوض حرب ضد اللامؤمنين ، و النهب بما في ذلك للنساء على أنّهن غنائم حرب ؛ و العلاقات العامة التي يرفع فها البعض فوق الآخرين يستغلّونهم و يضطهدونهم – كلّ هذا باسم و تحت راية الإلاه الحمان الرحيم ، الله .
و فيما يلى بعض المختارات لا غير من القرآن التي تسجّل بصفة واضحة – و في عديد الحالات بشكل تخطيطي - كلّ هذا. و عند النظر في هذه المقاطع من القرآن ، لا تنسوا أنّه وفق القرآن الله هو المتحدّث إلى محمّد ، عادة من خلال الملاك جبريل .
" و يسئلونك عن المحيض قُل هو أذًى فإعتزلوا النساء في المحيض و لا تقربوهنّ حتّى يطهرن فإذا تطهّرن فأتوهنّ من حيث أمركم اله إنّ اللّه يحبّ التوّابين و يحبّ المتطهّرين (222) نسا ؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنّى شئتم و قدّموا لأنفسكم و إتّقوا الله و أعلموا أنّكم مّلقوه و بشّر المؤمنين (223) ."
( من سورة 2 ، " البقرة " ، الآيات 222-223 ، " القرآن العظيم ، النصّ و ترجمته و شرح لمحمّد م. بكثال ، الطبعة العاشرة المنقّحة ، 1994 ، مكتبة الإسلام . كافة الإستشهادات من القرآن من هذه الطبعة ما عدا حين يذكر غير ذلك ، و باللغة العربيّة المعتمد في هذه الترجمة نسخة سعوديّة من القرآن على الأنترنت QuranInArabic.pdf ).
في هذا ، هناك تشابه فاقع مع الإنجيل و القوانين و الوصايا في التوراة بوجه خاص ، الذين يصوّران النساء اللاتى تعرفن العادة الشهريّة على أنّهنّ شيئا وسخا يجب على الرجال تجنّبه. في كلتا الحالتين، هذا جزء من تقليد يتعاطى مع النساء عامة كمصدر تلوّث و كأدنى مكانة و قيمة في علاقة بالرجال .
لنقرأ في القرآن :
" فإن لم يكنا رجلين فرجل و إمرأتان ممّن ترضون من الشهداء أن تضلّ إحداهما فتُذكّرها إحداهما الأخرى ".
( " البقرة "، الآية 282 )
و هنا نلاحظ أنّ شهادة المرأة تُعدّ نصف شهادة نسبة لشهادة الرجل في الإجراءات القانونيّة : شهاة إمرأتين تعوّض أو تعادل شهادة رجل واحد في مثل هذه الإجراءات.
و تتجسّد هذه النظرة للنساء أيضا في التالى من القرآن :
" زُيّن للناس حُبّ الشهوات من النساء و البنين و القناطير المقنطرة من الذهب و الفضّة و الخيل المسوّمة و الأنعام و الحرث ذلك متاع الحياة الدنيا و الله عنده حسن المئاب ."
( سورة 3 ، " آل عمران " ، الآية 14 )
النقطة هنا هي أنّ أشياء العالم بينما قد تون لها قيمتها ، لا يمكن مقارنتها بعظمة الله و حياة في خدمة الله و الخضوع له – وهو ما يعنيه الإسلام : الخضوع . لكن النظرة هنا هي إعتبار أنّ الجيّد بالنسبة للبشر يعكس في العلاقات الإجتماعيّة التي تكون فيها النساء و التي يكون فيها ألطفال أيضا إلى جانب الأحصنة التي يقع وسمها و الأبقار و الأرض فعلا و تماما ممتلكات للرجال . و مجدّدا ن نلاحظ تشابها بارزا مع الإنجيل – مثلا ، الوصايا العشر و على وجه الدقّة الوصيّة العاشرة أين تعدّد النساء إلى جانب العبيد و المنازل و حيوانات المزرعة كأشياء "يملكها جارك " و " لا ينبغي الطمع فيها " .
و مقطع آخر من القرآن يقدّم النظرة للنساء بشكل حتّى أكثر تخطيطيّا :
" حُرّمت عليكم ... " و المحصّنات من النساء إلاّ ما ملكت أيمانكم ".
هنا تختطف النساء كعبيد أو سبايا للمؤمنين ( الرجال ) و يتمّ الدفاع عن ذلك و يحتفى به .
( أنظروا سورة 4 ، " النساء " ، الآية 23-24 ).
و هناك التالى :
" الرجال قوّامون على النساء بما فضّل الله بعضهم على بعض و بما أنفقوا من أموالهم فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله و التي تخافون نشوزهنّ فعظوهنّ و أهجروهنّ في المضاجع و أضربوهنّ فغنّ أطعنكم فلا تبغوا عليهنّ سبيلا إنّ الله كان عليّا كبيرا ."
( سورة 4 ، " النساء " ، الآية 34 ).
و معنى هذا - و العلاقات الإجتماعيّة اللامتساوية و الإضطهاديّة التي يجسّدها هذا و يشجّع عليها بين الرجال و النساء – كلّها أشياء عاديّة جدّا .
جاء في القرآن :" امّا السارق و السارقة فإقطعوا أيديهما جزاءا بما كسبا نكالا من الله و الله عزيز حكيم " .
(سورة 5 ،" المائدة " ، الآية 38-39).
السارقة كالسارق ستقطع يدها – هنا نجد أنّ النساء تتحصّلن أخيرا على معاملة متساوية .[ ضحك ]
و مقطع آخر من القرآن :
" يسئلونك عن الأنفال قُل الأنفال للّه و الرسول فإتّقوا الله و أصلحوا ذات بينكم و أطيعوا الله و رسوله إن كنتم مؤمنين ."
( سورة 8 ، " الأنفال " ، الآية 1 )
و التشديد عنا يتمّ على تنظيم توزيع غنائم الحرب و الأولويّة يجب أن تعطى في هذا التوزيع لمحمّد ، رسول الله ، و لتطوير الدولة التي يقودها و التي كان يحكمها بإعتباره ممثّل للّه . و لا يجب نسيان انّ غنائم الحرب يجب أن توزّع بين المؤمنين ( الرجال ) و تشمل هذه الغنائم النساء اللاتى يقع أسرهنّ ( أنظروا أعلاه في علاقة بسورة " النساء " ، الآية 24).
و في المقاطع التالية من القرآن ، إمتلاك العبيد و كذلك معاملة النساء كممتلكات لأزواجهنّ – و سبايا حرب – يجرى الدفاع عنه و مدحه أيضا :
" قد ألح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون و الذين هم عن اللغو مُعرضون و الذين هم للزكاة فاعلون و الذين هم لفروجهم حافظون إلاّ على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنّهم غير ملومين ."
( سورة 13 ، " المؤمنون" ، الآية 1-6 )
" و أنكحوا الأيامى منكم و الصالحين من عبادكم و إمائكم إن يكونوا فقراء يُغنيهم الله من فضله و الله واسع عليم ."
( سورة 14 ، " النور " ، الآية 32 )
" يا ايّها النبيّ إنّا أحللنا لك أزواجك التي أتيت أجورهنّ و ما ملكت يمينك ممّا أفاء الله عليك ."
( أنظروا السورة 33 " الأحزاب " ، الآية 50).
و في مكان آخر من القرآن ، يقول الله متحدّثا على لسان محمّد :
" كُلاّ نُّمدُّ هؤلاء من عطاء ربّك و ما كان عطاءً ربّك محظورا (20) أنظر كيف فضّلنا بعضهم على بعض و للآخرة أكبر درجات و أكبر تفضيلا (21) ."
( سورة 17، " الإسراء " ، الآية 20-21 )
لذا نلاحظ هنا إلى جانب العبوديّة و نهب النساء و تمجيد البعض على حساب الآخرين هو وسيلة الله و إرادته . أو مرّة أخرى :
" ...نحن قسّمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدّنيا و رفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتّخذ بعضهم بعضا سُخريّا و رحمة ربّك خير ممّا يجمعون ."
( سورة 43 ، " الزخرف " ،الآية 32)
عالميّا ، العظمة قيمة في إطار لكنّها تعتبر كلا شيء مقارنة بعظمة الله. وفق القرآن يُبلّغ محمّد كلمات اللّه ، الله الغاضب من جحود البعض الذين يشكّكون ى كلمته كما يرويها مبعوثه ، محمّد . لكن هناك أيضا تعبير لدي محمّد و باسم الاه ، قبول واضح و تبنّى للإنقسامات العالميّة التي رفعت البعض فوق البعض الذين يستغلّون .
و وجهة النظر و النظرة نفسهما لما هي العلاقات و ما يجب أن تكون عليه بين مختلف مجموعات الناس ( الرجال والنساء، السادة و العبيد و ما إلى ذلك ) التي ذكرتها إلى حدّ الآن من القرآن ( و هذه ليست سوى بضعة أمثلة نموذجيّة ) يبثّها محمّد من هذه الحياة إلى ما يعد به ما بعد الحياة :
" إنّ عذاب ربّك لواقع ما له من دافع ...فويل يومئذ للمكذّبين الذين هم في خوض يلعبون ...إنّ المتّقين في جنّات و نعيم فاكهين بما أتاهم ربّهم و وقاهم ربّهم عذاب الجحيم...متّكئين على سُرر مصفوفة و زوّجناهم بحور عين ...و يطوف عليهم غلمان لهم كأنّهم لؤلؤ مكنون ." ( سورة 52 ، " الطور" ، الآيات 7-8 ، 11-13 ، 17-18 20، 24).
و بُعيد ذلك ، يتوسّع القرآن أكثر في الموضوع و يجمّل هذه النظرة إلى الجنّة ؛ و من ذلك التالى :
" فيهنّ قاصرات الطّرف لم يُطمثهنّ نس قبلهم و لا جان ." ( سورة 55 ، " الرحمان " ، الآية 56 ).
و هنا ما يتمّ الحديث عنه كثيرا هو العذراوات اللاتى تقدّم هدايا للمؤمنين في الجنّة – الرجال . و تاليا ، يتمّ تكرار ذلك و التوسّع فيه :
" حور مقصورات في الخيام بأي آلاء ربّكما تُكذّبان متّكئين على رفرف خضر و عبقريّ حسان ."
( " الرحمان " ، الآيات 72-76 )
و مرّة أخرى ، في سورة أخرى :
" يطوف عليهم ولدان مخلّدون ...و حور عين كأمثال اللؤلؤ المكنون ." ( سورة 56 ، " الواقعة " ، الآيات 17، 22-24)
على ضوء كلّ هذا ، تطرح المسائل بحدّة كبيرة جدّا . هل أنّ كلمات و وصايا و نظرة الإسلام شيء يتعيّن على الناس أن يخضعوا له و يطيعونه ؟ هل انّ إلاه الإسلام مختلف بأيّة طريقة لها دلالتها عن " الإلاه الفاشيّ الأصلي" للتقاليد الدينيّة اليهوديّة – المسيحيّة " ؟ أليس الحال أنّه مثل الكتاب المقدّس و الديانة ( الديانات ) المعتمدة عليه ، يجسّد الإسلام و يجسّد القرآن و يدافعان عن فظائع ليس بوسع الإنسانيّة بعدّ تحمّلها و لا تحتاج إلى تحمّلها – و بدلا من ذلك ، يمكن و يجب التحرّك نحو التخلّص منها و في نهاية المطاف دفنها في الماضي ؟
----------------------------------------------------------------------------------------------------------------

الأصوليّة الدينيّة و الإمبرياليّة و " الحرب على الإرهاب "

هنا من الهام الردّ على حجّة كثيرا ما تستخدم- بما في ذلك من طرف أناس موقفهم يعارض بشكل عام – أنّه بينما جميع الأصوليّات الدينيّة سيّئة و ضارة ، هناك شيء شرّير و خطير بوجه خاص بشأن الأصوليّة الإسلاميّة . و هذا على سبيل المثال لا الحصر هو موقف سام هريس مؤلّف كتاب " نهاية الإيمان و الدين و الإرهاب ، و مستقبل العقل " و " رسالة إلى أمّة مسيحيّة " ؛ وهو موقف بالأحرى بداهة و تماما يؤكّد عليه بعدوانيّة كريستوفار هتشنز الذى في كتابه الحديث و بطريقة مكثّفة في عنوانه " الإلاه ليس عظيما ، كيف يسمّم الدين كلّ شيء " يعبّر عن التناقض الذى أقصده هنا . فمن جهة كما تمّ التعبير عن ذلك في الجزء الثاني من العنوان ، كتاب هتشنز يوجّه ضربة جانبيّة للدين عامة .بيد أنّ الجزء الأوّل و الأساسي من العنوان يهدف – و بلا ريب تعمّد أن يهدف إلى أن يكون – طلقة محدّدة جدّا موجّهة ضد الإسلام بوجه خاص : إنّه " صدى سلبيّا " ، إن أمكن القول ، للإبتهال الإسلامي المعروف : الله أكبر . و ليس من العسير رؤية كيف أنّ هذا الموقف يتمسّح بالأحرى بوضوح لنظام بوش و الإمبرياليّين الأمريكيين عام , " الحرب على الإرهاب " و هدفها المعلن هو " المتطرّفين الإسلاميّين ".
بداية ، ممّا تبيّن إلى حدّ الآن ، يتعيّن أن يكون واضحا أنّه بالنظر إلى الكتابات المقدّسة و التقاليد الدينيّة المسيحيّة لا وجود لأساس للمحاججة بأي معنى جوهريّ أو أساسي بأنّها مختلفة عن الإسلام أو أفضل منه . و أيّة محاولة لأخذ و تطبيق هذه التقاليد الدينيّة و كتاباتها المقدّسة – و حتّى أكثر فرضها – بالمعنى الحرفيّ مؤكّدين بأنّها كلمة الإلاه المعصومة من الخطإ و التي يجب إتّباعها حرفيّا كما يفعل ذلك الأصوليّون المسيحيّون ، لا يمكن فعلا أن يؤدّى إلاّ ان يؤدّى إلى فظائع ذات أبعاد أعظم . و مجدّدا ، كلّ هذا شيء تحتاج الإنسانيّة تجاوزه و تركه وراءها إلى الأبد .
لعلّ في الإعتراف بواقع أنّه لا مجال للإختيار بين الأصوليّة الإسلاميّة و الأصوليّة المسيحيّة ، كما هما و على مستوى الكلمة حرفيّا ، مكوّن شائع لموقف أنّه بشكل ما الأصوليّة الإسلاميّة أسوء من الأصوليّة المسيحيّة هو حجّة أنّه أجل يمكن للأصوليّة المسيحية ببساطة أن تكون مساوية في الفظاعة في مضمونها لكن بوجه خاص في بلدان كالولايات المتّحدة – أين تتزايد صعوبة تجاهل أو إنكار أنّ الأصوليّة المسيحية ظاهرة كبرى – يتقلّص و يتقيّد التأثير و الخطر الذين يمكن أن تمثّلهما بواقع أنّ أحد أعمدة الحكم الدستوريّ في هذه البلاد هو الفصل بين الكنيسة و الدولة . حسنا ، بادئ ذي بدء ، هذا الفصل بينما هو واقعيّ كان دائما شيئا غير مطلق ؛ و زيادة على ذلك ، هو فصل يتعرّض بإستمرار للهجوم من طرف الأصوليّين المسيحيّين و القوى ذات النفوذ ضمن الطبقة الحاكمة ممثّلين و متحالفين مع هؤلاء الأصوليّين ( فيما أقسام أخرى من الطبقة الحاكمة التي ليست هي نفسها مدافعة عن الأصوليّة الدينيّة يجدون صعوبات كبيرة في المساومة و التعاون معها و في تشجيع الدين في الحياة العامة – لاحظوا ، كمجرّد مثال ، التصريحات المتكرّرة من الإيمان الديني العميق لكلّ مرشّح كبير من الحزب الديمقراطي للرئاسة ).
إنّ الخطر الذى يمثّله المسيحيّون التيوقراطيّون الفاشيّون – و غياب أيّة معارضة حقيقيّة من قبل الطبقة الحاكمة لهذا – أمر حقيقيّ جدّا . و هذا الهجوم على الفصل بين الكنيسة و الدولة لم يصبح أبدا غير مؤذى أو ضعيفا إستراتيجيّا ، بواقع أنّ بوش أمسى رئيسا في منتهى اللاشعبيّة .(13)
(13 – فضلا عن ما كتبته و ما كتبه حزبنا عامة للتنبيه إلى و بناء معارضة للمسيحيّة الفاشيّة ، عدد من الآخرين شدّدوا هم أيضا ، من وجهات نظر متباينة ، على المخاطر التي يمثّلها الأصوليّون المسيحيّون اليمينيّون . أنظروا ، على سبيل المثال " الفاشيّون الأمريكيّون و اليمن المسيحي و الحرب على أمريكا " لكريس آدج ؛ و " تعميد أمريكا : مخطّطات اليمين الديني لبقيّتنا " للحَبر جتمس رودين ؛ و " المخادعون الدينيّون : أمريكا العلمانيّة في ظلّ حصار " لدايمون لنكار ؛ و " المملكة القادمة : صعود القوميّة المسيحيّة " لميشال غلبارد ؛ و " مع الإلاه على الجهة الأخرى : كيف داس الأصوليّون المسيحيّون العلم و السياسة و الديمقراطيّة في البيت الأبيض لجورج بوش " لأستر كابلن ؛ و " إهانة : كيف يسيء اليمين إلى العدالة الأمريكيّة " لكاترين كراير . )
و متحدّثين بصفة عامة ( و إن لم يكن الأمر كذلك بصورة موحّدة ) صحيح أنّ في أنحاء من العالم حيث الإسلام هو الدين المسيطر ، لم تحصل الظارة نفسها من التغيير الديمقراطي – البرجوازي للمجتمع مثلما حصلت في بلدان كالولايات المتّحدة التي مظهر مهمّ من مظاهر التغيير فيها كان الفصل ( النسبيّ ) بين الكنيسة و الدولة . و العقيدة الإسلاميّة و قواعد الإسلام السائدة و الممأسسة ترفض الفصل بين الدين من جهة و السياسة و القانون من الجهة الأخرى ، و كذلك بين الدين و ما يحال عليه عامة ب " المجتمع المدني ". لكن هذا كان صحيحا أيضا بالنسبة للمسيحيّة و الدول التي كانت فيها الدول أين تسيطر المسيحيّة لمعظم تاريخ هذه الدول – و إنّه لفترة حديثة نسبيّا فقط ، تاريخيّا ، أن تغيّر هذا من خلال تحويل ديمقراطي –برجوازي مرّت بنا الإشارة إليه. و من المهمّ الإقرار بأنّه كقاعدة ، البلدان التي عرفت هكذا تغيير ديمقراطي- برجوازيّ كجزء من ظهور و إنتصار النظام الرأسمالي الذى تطوّر إلى قوى إمبرياليّة و غزواتها و هيمنتها الإمبرياليّة على بلدان عبر ما يسمّى بالعالم الثالث و منها بلدان فيها الإسلام هو الدين المسيطر ، هي التي مثّلت العامل الأهمّ في إعاقة هذا النوع من التغيير الذى سيعنى الفصل بين الكنيسة و الدولة في تلك البلدان . و قد إستُخدم " التخلّف " النسبيّ لبلدان العالم الثالث هذه كتبرير للإستعمار و الغزو الإمبريالي . و بدوره هذا الغزو و الإستغلال الإمبرياليّين بكلّ التبعات التي أدّى إليها و منها تركيز و دعم الحكومات المحلّية الفاسدة والطغيانيّة و تدمير الكثير من نمط الإنتاج و ظروف حياة غالبيّة عظمى من السكّان، قد عزّزت عمليّا نزعات تماثل بين الأفكار المرتبطة ب " الغرب " – على غرار المظاهر التقدّميّة للتنوير ، بتحفيزه على التفكير النقديّ و تحدّيه للدوغما الدينيّة و مساهمته في الفصل بين السياسة و الدين الرسميّ – وهي غريبة و متناقضة تناقضا عدائيّا مع حاجيات الناس .
ويتحدّث هذا عن حجّة غالبا ما تثار : حتّى و إن كان صحيحا أنّ الأفكار المتجسّدة في ألصوليّة المسيحيّة في كلّ مكوّن من مكوّناتها بنفس سوء تلك التي لدي الأصوليّة الإسلاميّة ، هناك إختلاف كبير في أنّ الأصوليّين المسيحيّين لا يتجوّلون موجّهين ضربات للناس و البنايات و عموما لا ينخرطون في نشاطات إرهابيّة ، في حين أنّ مثل هذه النشاطات شائعة في صفوف الأصوليّين الإسلاميّين . و علاوة على واقع أنّ الأصوليّين المسيحيّين قد إنخرطوا فعلا في أعمال إرهابيّة حتّى داخل الولايات المتّحدة – مثل قذف مصحّات بالقنابل ، مصحّات حيث تجرى عمليّات الإجهاض ، و قتل أطبّاء يجرون عمليّات الإجهاض – و هذه القوى الأصوليّة المسيحيّة " تجازى " لتنفّذ عنفا رجعيّا على نطاق أكبر بكثير ، إن إعتبر ذلك الذين يغدّونهم فى الواقع ليكونوا فرق صدام و فرق إعصار ضروريّا - هناك واقع أنّه إلى هذه اللحظة ، العنف الذى يخدم غايات يدعمها بحماس الأصوليّون المسيحيّون الفاشيّون كان ينفّذ على نطاق واسع من قبل الطبقة الحاكمة الإمبريالية فى الولايات المتّحدة مستعملين القوى المسلّحة و شرطة الدولة الإمبريالية - أكثر من هذا العنف المهدّد به و الممارس راهنا ( كالهجوم على إيران فضلا عن الحروب التى تُخاض حاليّا فى العراق و أفغانستان ). و من المظاهر المميّزة لهذه االقوى المسلّحة فى هذه الفترة على وجه التحديد أنّها تقع بصفة متصاعدة تحت تأثير و حتّى تلقين النظرة الأصوليّة المسيحيّة الفاشيّة من أعلى مستويات الجيش نزولا إلى الصفوف الأدنى . ( 14)
( 14 - بصدد تأثير المسيحيّة الفاشيّة في صفوف جيش الولايات المتّحدة ( و خاصة صفوفه العليا ) ، إضافة إلى الفضح و التحليل المستمرّين لهذا متوفّر في جريدة " الثورة " ( على موقع revcom.us ) ، أنظروا على سبيل المثال " صنع المسالك " لتوماس أ. ريكس ، سكريبنار 1997 ، و " سقوط الصقر الأسود ، قصّة حرب معاصر " لمارك بودن ، صحافة المنثلى الأطلنتيك 1999- و كلاهما كُتبا قبل وصول بوش للرئاسة و تميّزه بنموّ متزايد و دعم للأصوليّة المسيحيّة في صفوف جيش الولايات المتّحدة . و ثمّة كذلك ظاهرة مفيدة جدّا في ما يتعلّق بكلّ هذا ألا وهي ظهور المنظّمات العسكريّة " الخاصة " كالبلاك واتر التي لعبت دورا هاما للغاية في إحتلال الولايات المتّحدة للعراق و كذلك داخل الولايات المتّحدة نفسها – مثلا ، بنيوأرليانس عقب إعصار كاترينا . و تجدر الملاحظة بأنّ بلاك واتر نفسها تتميّز بنظرة و أحلاق أصوليّة مسيحيّة فاشيّة .)
و بالتالى ، إلى حدّ الآن على الأقلّ ، لم توجد حاجة أو ضرورة صلب الأصوليّين المسيحيّين الفاشيّين للإنخراط في النشاط الإرهابي و العنف الرجعيّ على نطاق واسع ، بإنفصال عن القوّات المسلّحة " الرسميّة " و شرطة الطبقة الحاكمة – مجدّدا رغم أنّ هذه النشاطات المسيحيّة الفاشيّة على نطاق أضيق بالتأكيد قد حصلت و هناك نهائيّا إمكانيّة حدوثها علىنطاق أوسع بكثير .
و كلّ هذا ، مرّة أخرى ، إنعكاس للعلاقات " اللامتكافئة " في العالم الذى تهيمن عليه حفنة من البلدان الإمبرياليّة ، و قوّة إمبرياليّة عظمى بوجه خاص في الوقت الحاضر ، بينما الغالبيّة الغالبة من البلدان و من الشعوب في العالم لا سيما في العالم الثالث ، تعانى ظروف أقصى الفقر و الإستغلال و التفكّك و الفوضى العارمين – و كلّ هذا يفرضه الحكم الإمبريالي .
في عالم اليوم ، تعبير خاص عن هذه التناقضات هو التعزيز المتبادل للتعارض بين العولمة الإمبرياليّة و تبعاتها من جهة و الأصوليّة الإسلاميّة الجهاديّة من الجهة الأخرى . و مستخدمين جملة ( هي عمليّا عنوان كتاب ) لبنجمان أر. بربار تحيل على ظاهرة " الجهاد مقابل عالم ماك " و متوسّعين على ذلك الأساس لإدماج العنصر الذى فيه الأصوليّة المسيحيّة الفاشيّة فعلا عنصر هام داخل البرنامج و الإيديولوجيا السائدة لدى الطبقة الحاكمة للولايات المتّحدة ، وضعت الأمر على النحو التالي :
" ما نراه فى نزاع هنا هو الجهاد من جهة و ماك العالمية / ماك الحرب من جهة أخرى و هو نزاع بين شريحة ولّي عهدها تاريخيا ضمن الإنسانية المستعمَرة و المضطهَدة ضد الشريحة الحاكمة التى ولي عهدها تاريخيا ضمن النظام الإمبريالي . و هذان القطبان الرجعيان يعزّزان بعضهما البعض ، حتى و هما يتعارضان . و إذا وقفت إلى جانب أي منهما ، فإنك ستنتهى إلى تعزيزهما معا . "
و يتطرّق هذا تحديدا للموقف الخاطئ القائل بأنّ الأصوليّة الإسلاميّة أسوأ من الأصوليّة المسيحيّة و إلى كيف يمدّ ذلك الموقف بالدعم " الطبقة الحاكمة للنظام الإمبريالي التي فات أوانها ". و كما شدّدت كذلك في علاقة بهذين " اللذين فات أوانهما :
" يجب أن نكون واضحين حول أيّ من " هذين القطبين الذين عفا عليهما الزمن " قد ألحق أكبر الضرر و يمثّل أكبر تهديد للإنسانيّة : بوضوح ، و بدرجة أكبر بكثير إنّه " الطبقة الحاكمة للنظام الإمبريالي " .
و من المهمّ انّي سمعت في المدّة الأخيرة عن تعليق صاغه أحدهم في علاقة بهذا ، و هو أعتقد صحيح و يسجّل شيئا هاما . في علاقة ب " هذين القطبين الذين عفا عليهما الزمن " ، صاغ هذه النقطة : " بوسعنا أن نقول إنّ القوى الأصوليّة الإسلاميّة في العالم كانت ستكون نائمة على درجة كبيرة لولا ما ما فعلته الولايات المتّحدة و حلفاؤها و ما يفعلونه في العالم – لكن ليس بوسعنا قول العكس ."
و كمسألة مبدأ عام و خاصة و نحن نوجد في بلد إمبريالي ، نتحمّل مسؤوليّة خاصة في معارضة الإمبرياليّة الأمريكيّة ، و طبقت"نا" الحاكمة و ما تفعله عبر العالم . لكن ، في الوقت نفسه ، هذا لا يجعل هذه القوى الأصوليّة الإسلاميّة قوى لم يفات أوانها تاريخيّا أو ليست رجعيّة . هذا لا يغيّر من طبيعة معارضتها للإمبرياليّة و ما يؤدّى إليه و الديناميكيّة التي هي جزء منها - واقع أنّ " هذين القطبين الذين عفا عليهما الزمن " يعزّزان فعلا بعضها البعض حتّى وهما تتعارضان . و من المهمّ جدّا أن نفهم و أن نصارع آخرين ليفهموا أنّه إذا وقفت إلى جانب أي منهما ، فإنّك ستنتهى إلى تعزيزهما معا . من الحيويّ كسر هذه الديناميكيّة - للتقدّم بطريقة أخرى " .
( أنظروا " التقدّم بطريقة أخرى " ، على موقع revcom.us )
---------------------------------------------------------------------------------------------------------------

و من ضمن أكثر المظاهر المميّزة للوضع هي القفزات التى تحدث فى العولمة ، فى إرتباط بتسريع فى سيرورة مراكمة رأس المال فى عالم يهيمن عليه النظام الرأسمالي – الإمبريالي . و قد قاد هذا إلى تغيّرات ذات دلالة و عادة دراماتيكية فى حياة أعداد هائلة من الناس ، غالبا مقوّضا علاقاتهم و عاداتهم التقليدية . و هنا سأركّز على آثار هذا فى ما يسمّى بالعالم الثالث – بلدان أفريقيا و أمريكا اللاتينية و آسيا و الشرق الأوسط – و كيفية مساهمة ذلك فى النموّ الحالي للأصولية الدينية هناك.
عبر ما يسمى بالعالم الثالث يُدفع الناس بالملايين كلّ سنة إلى خارج أراضيهم الزراعية حيث كانوا يعيشون و يحاولون تدبّر حياة فى ظلّ الظروف الإضطهادية جدّا و لكنهم الآن لم يعودوا يقدرون حتى على ذلك : يقع رميهم إلى المناطق المدينية ، فى غالبية الأحيان إلى أحزمة مدن الصفيح ، فى أحياء مدن الصفيح التى تحيط بنواة المدن . ولأوّل مرّة فى التاريخ ، نسجّل الآن أن نصف سكّان العالم يعيشون فى المناطق المدينية ، بما فيها تلك المدن الفقيرة الكبيرة و المتسعة النموّ أبدا .
و قد وقع إجتثاثها من ظروفها التقليدية – و الأشكال التقليدية التى كانت تستغلّها و تضطهدها – يُزجّ بالجماهير الشعبية فى وضع حياتي غاية فى عدم الأمن والإستقرار ، و هي غير قادرة على الإندماج بأي نوع من " الطرق المفصلية " فى المصنع الإقتصادي و الإجتماعي و سير المجتمع . و فى عديد هذه البلدان من ما يسمّى بالعالم الثالث ، يعمل غالبية الناس فى الإقتصاد غير الرسمي – مثلا كباعة متجوّلين او تجّار صغار من شتىّ الأنواع أو فى نشاط سرّي و غير قانوني . و إلى درجة ذات دلالة بسبب هذا ، يتحوّل عديد الناس إلى الأصولية الدينية بهدف الحصول على عماد وسط كلّ هذا التفكّك و الإضطراب .
و عنصر إضافي فى كلّ هذا هو أنّ هذه التغيّرات و التفكّكات الكبرى و السريعة فى ما يسمى بالعالم الثالث تحدث فى إطار هيمنة الإمبرياليين الأجانب و إستغلالهم - و لهذا علاقة بالطبقات الحاكمة " المحلّية " المرتبطة إقتصاديّا و سياسيّا بالإمبريالية و التابعة لها ، و هي معتبَرة على نطاق واسع عبارة عن عملاء فاسدين لقوّة غريبة يشجعون كذلك على " ثقافة غربية منحطّة ". و يمكن لهذا على المدى القصير أن يعزّز من تأثير القوى الأصولية الدينية والقادة الذين يأطّرون معارضة " الفساد" و " الإنحطاط العربي " للطبقات الحاكمة المحلّية و الإمبرياليين الذين يدعمونها بمعنى عودة العلاقات و التقاليد و الأفكار و القيم التى هي ذاتها متجذّرة فى الماضي و تجسّد أشكالا متطرّفة من الإستغلال و الإضطهاد و فرضها بثأر.
و حيث الإسلام هو الدين المهيمن – فى الشرق الأوسط و كذلك فى بلدان أخرى مثل أندونيسيا – يتمظهر هذا فى نموّ الأصولية الإسلامية . و فى عدد كبير من بلدان أمريكا اللاتينية حيث المسيحية و خاصّة فى شكل الكاتوليكية هي الدين المهيمن ، يمتاز نموّ الأصولية بوضع أين تنزع أعداد هامة من الناس لا سيما الفقراء الذين صاروا يشعرون بأنّ الكنيسة الكاتوليكية قد خذلتهم ، ينزعون نحو أشكال متنوّعة من الأصولية البروتستانتية على غرار البنتيكوستالية التى تمزج بين أشكال من التعصّب الديني و خطاب يدّعى التحدّث بإسم الفقراء و المضطهَدين . وفى أجزاء من أفريقيا أيضا ، خاصة ضمن الجماهير المزدحمة فى أحياء مدن الصفيح ، كانت الأصولية المسيحية بما فيها البنتيكوستالية ، ظاهرة نامية فى نفس الوقت الذى كانت فيه الأصولية الإسلامية تنمو فى أماكن أخرى من أفريقيا . (15) لكن ظهور الأصولية يعزى أيضا إلى تغيرات سياسية كبرى و سياسية و أفعال واعيين من قبل الإمبرياليّين على الصعيد السياسي ما كان له تأثير عميق على الوضع فى عديد بلدان ما يسمى بالعالم الثالث و منها الشرق الأوسط . و كبُعد مفتاح فى هذا ، من المهمّ جدّا عدم الإستهانة بتأثير التطوّرات فى الصين منذ وفاة ماو تسي تونغ و التغيّر التام فى ذلك البلد من بلد كان يتقدّم على طريق الإشتراكية إلى
بلد أين جرت فيه بالفعل إعادة تركيز الرأسمالية و تمّ تعويض التوجّه لتشجيع الثورة و دعمها فى الصين و عبر العالم بتوجه البحث عن إيجاد موقع أقوى للصين فى إطار سياسات القوى العالمية التى تهيمن عليها الإمبريالية . و كانت لهذا تبعات عميقة – سلبيّا – على المدى القصير فى تقويض الشعور صلب الكثير من الناس المضطهَدين عبر العالم بأنّ الثورة الإشتراكية وفّرت مخرجا من بؤسهم و فى توفير مزيد من الأرضية للذين كانوا ومنهم خاصة الأصوليين الدينيين ، يبحثون عن توحيد الناس وراء شيء بطرق معيّنة يتعارض مع القوّة الإضطهادية المهيمنة فى العالم لكنّه يمثّل فى حدّ ذاته نظرة للعالم و برنامج رجعيين .
وقد عكست تعاليق " أخصّائي فى الإرهاب " هذه الظاهرة إذ لاحظ بشأن بعض الناس المتهمين فى المدّة الأخيرة بأعمال إرهابية فى أنجلترا أنّه قبل جيل كان هؤلاء الناس سيصبحون ماويين . الآن ، رغم أنّ أهداف و إستراتيجيا و تكتيكات الماويين الحقيقيين – الناس الذين تقودهم الإيديولوجيا الشيوعية – مختلفة جذريّا عن أهداف و إستراتيجيا و تكتيكات الأصوليين الدينيين ؛ و أنّ الشيوعيين ينبذون مبدئيّا الإرهاب كطريقة و مقاربة ، هناك شيء صحيح و هام فى تعليقات هذا " الأخصّائي فى الإرهاب " : قبل جيل الكثير من ذات الشباب و غيرهم الذين ينجذبون الآن إلى الأصوليات الإسلامية و الدينية الأخرى ، كانت ستنجذب نحو القطب المغاير جذريّا والثوري ، قطب الشيوعية . وتعزّزت هذه الظاهرة أكثر بإنهيار الإتحاد السوفياتي و " الكتلة الإشتراكية " التى يترأسها . فى الواقع ، قد كفّ الإتحاد السوفياتي عن أن يكون إشتراكيّا منذ زمن إفتكاك التحريفيين ( الشيوعيين قولا و الرأسماليين فعلا ) فى الخمسينات مقاليد السلطة و شروعهم فى تسيير البلاد وفق القوانين الرأسمالية ( لكن فى شكل دولة رأسمالية و بمواصلة التقنّع بقناع " إشتراكي ". ) لكن مع تسعينات القرن العشرين ، طفق قادة الإتحاد السوفياتي فى إستبعاد الإشتراكية بصورة سافرة ، و ثمّ جرى القضاء على الإتحاد السوفياتي ذاته و روسيا والبلدان الأخرى التى كانت جزءا من" الكتلة " السوفياتية تخلّت عن أي إدّعاء بأنّها " إشتراكية ".
و أدّى كلّ هذا – و فى صلة بهذا ، هجوم إيديولوجي لا هوادة فيه من قبل الإمبرياليّين و أتباعهم فى المجال الفكري – إلى مفهوم منتشر و تقام له دعاية كبرى هو هزيمة الشيوعية و موتها و فى الوقت الحالي ، أدّى إلى خلخلة الثقة فى الشيوعية فى صفوف قطاعات عريضة من الناس بما في ذلك فى صفوف الذين يبحثون بإستمرار عن طريق لقتال الهيمنة والإضطهاد و الإنحطاط الإمبرياليّين . (16).
لكن ليست الشيوعية وحدها هي التى عمل الإمبرياليّون على إلحاق الهزيمة بها و النيل من سمعتها . فقد إستهدفوا أيضا قوى و حكومات علمانية أخرى كانت إلى درجة أو أخرى قد عارضت أو مثلت موضوعيّا عوائقا أمام مصالح الإمبرياليّين و أهدافهم ، لا سيما فى أجزاء من العالم كانوا يعدّونها ذات أهمّية إستراتيجية . مثلا ، بالعودة إلى خمسينات القرن العشرين، نظّمت الولايات المتحدة للإطاحة بحكومة محمّد مصدّق الوطنية فى إيران إنقلابا لأنّ سياسات تلك الحكومة كانت تعتبر تهديدا لتحكّم الولايات المتحدة ( وثانويّا بريطانيا ) فى نفط إيران و هيمنة الولايات المتحدة على المنطقة بصورة أشمل . وكانت لهذا تداعيات ونتائج لعقود مذّاك. و ضمن أشياء أخرى ، قد ساهم فى نموّ الأصولية الإسلامية و فى الأخير فى تركيز جمهورية إيران الإسلامية ، عندما إستولي الأصوليون الإسلاميون على السلطة فى إطار نهوض جماهيري لشعب إيران أواخر سبعينات القرن العشرين ما أدّى إلى الإطاحة بالحكومة القمعية للغاية لشاه إيران الذى ساندته و بالفعل حافظت عليه فى السلطة الولايات المتحدة منذ طرد مصدّق . (17 )
وفى أجزاء أخرى من الشرق الأوسط و غيره من الأماكن ، لعدّة عقود ، نشط الإمبرياليون كذلك عن وعي لإلحاق الهزيمة حتى بالمعارضة العلمانية الوطنية وتفتيتها ؛ و بالفعل قد غذّوا أحيانا عن وعي نموّ القوى الأصولية الدينية . و فلسطين مثال ساطع عن هذا : عمليّا القوى الأصوليّة الإسلامية هناك ساعدتها إسرائيل – و الإمبرياليّون الأمريكان أسياد إسرائيل التى تمثّل قاعدتهم العسكرية المسلّحة – لأجل تقويض منظّمة تحرير فلسطين الأكثر علمانية . و فى أفغانستان ، لا سيما خلال الإحتلال السوفياتي لذلك البلد ، فى ثمانينات القرن العشرين ، دعّمت الولايات المتحدة الأصوليين الإسلاميين المجاهدين و زوّدتهم بالأسلحة ، لأنّها رأت أنّهم سيكونون مقاتلين متزمّتين ضد السوفيات . وقوى أخرى منها ليس فقط قوى وطنية أكثر علمانية بل ماوية عارضت الإحتلال السوفياتي والحكومات العميلة التى ركّزها فى أفغانستان ، لكن بالطبع لم يكن الماويّون بصورة خاصة مدعومين من قبل الولايات المتحدة و بالفعل الكثير منهم قتلهم الأصوليون الإسلاميون " الجهاديون " الذين كانت الولايات المتحدة تساعدهم و تسلحهم.
و فى مصر ، بالعودة إلى خمسينات القرن العشرين ، وُجدت ظاهرة القائد الوطني الشعبي جمال عبد الناصر و" الناصرية" كشكل من القومية العربية التى لم تكن منحصرة فى مصر بل كان تأثيرها واسع الإنتشار بعد وصول ناصر إلى الحكم . فى 1956 ، تطوّرت أزمة حينما تحرّك ناصر ليأكّد مزيدا من التحكّم فى قنال السويس ؛ و إسرائيل إلى جانب فرنسا و أنجلترا- اللتان لم تستسلما بعد ُلخسارة إمبراطوريتهما – عارضتا ناصر معا . و الآن كمثال على تعقّد الأمور ، فى " أزمة السويس" تلك ، وقفت الولايات المتحدة ضد إسرائيل و فرنسا و بريطانيا . و لم يكن دافع الولايات المتحدة دعم القومية العربية أو ناصر بصفة خاصة بل كان ما يدفعها هو أن تحلّ أكثر محلّ الإمبرياليّين الأوروبيين الذين قد إستعمروا فى السابق هذه الأجزاء من العالم . و نلقى نظرة مقتضبة على خلفية هذا فنقول إنّ غداة الحرب العالمية الأولى ، مع هزيمة الإمبراطورية العثمانية القديمة و مركزها فى تركيا ، تقاسمت فرنسا و أنجلترا بالأساس الشرق الأوسط بينهما – ألحق بعضه بمجال التأثير الفرنسي كمستعمرات فرنسية ، و وُضعت أجزاء أخرى تحت سيطرة بريطانيا . بيد أنّه عقب الحرب العالمية لثانية – التى هُزمت خلالها كلّ من اليابان و ألمانيا و إيطاليا هزيمة صريحة وغدت فرنسا و بريطانيا أضعف بينما صارت الولايات المتحدة أقوى بكثير- تحرّكت الولايات المتحدة لتوجد نظاما عالميّا جديدا و كجزء من ذلك ، لتفرض فى ما يسمى بالعالم الثالث ، عوض الإستعمار من الطراز القديم ، شكلا جديدا من الإستعمار ( الإستعمار الجديد ) عبره تحافظ الولايات المتحدة على تحكّم فعلي فى البلدان وفى هياكلها السياسية و حياتها الإقتصادية ، حتى حيث غدت هذه البلدان شكليّا مستقلّة. و كجزء من هذا ، صُنعت إسرائيل لتجد مكانها فى علاقة بما تحقّق بصورة أتمّ وتأكّد بعدوانية أي الهيمنة الأمريكية على الشرق الأوسط .
لكن بسبب موقفه من ما بات معروفا ب" أزمة السويس " ونتيجة تحركات وطنية أخرى ، أضحى لناصر و " الناصرية " أتباع كثر فى البلدان العربية خاصة . و فى هذا الوضع ، عملت الولايات المتحدة ، وإن لم تكن تبحث بشكل واضح عن الإطاحة بناصر ، على تقويض الناصرية و عامة القوى الأكثر علمانية – بما فيها طبعا القوى الشيوعية – التى كانت تعارض الإمبريالية الأمريكية و تقف فى وجهها . و ساهمت هزيمة 1967 التى ألحقتها إسرائيل بمصر [ و بلدان عربية أخرى ] بشكل كبير فى إنهيار صورة ناصر و " الناصرية " و تأثيرهما – و حدث الشيء ذاته تقريبا مع تيارات وقادة علمانيين – ضمن الناس فى الشرق الأوسط . و زمن وفاته فى 1970 ، قد شرع ناصر بعدُ فى خسارة قسم هام من بريقه بعيون الجماهير العربية .
هنا مجدّدا يمكن أن نرى بُعدا آخر فى تعقّد الأشياء . و كان للهزائم العملية لناصر و فشله إنعكاس تقويض شرعية أو حيوية ما كان ناصر يمثله إيديولوجيّا فى عيون أعداد متنامية من الناس . لا تجسّد " الناصرية " و تيارات إيديولوجية و سياسية مشابهة ولا يمكن أن تقود إلى قطيعة تامة مع الهيمنة الإمبريالية و كافة أشكال إضطهاد الشعوب و إستغلالها . غير أنّ هذا شيء يجب أن يكون ،وهو بالفعل، مرتكزا على تحليل علمي لما تمثّله مثل هذه الإيديولوجيا و البرامج و ما تهدف إلى تحقيقها . و ما هي عمليّا قادرة على بلوغه لا يدلّ عليه أنّه فى بعض الأمثلة المعيّنة أو حتى طوال فترة محدّدة من الزمن ، القادة الذين يجسّدون مثل هذه الإيديولوجيا و البرامج و يبحثون عن تكريسها يعانون تراجعات وهزائما. فى الطرق التى ردّت بها جماهير الشعب فى البلدان العربية ( وعلى نطاق أوسع ) على مثل هذه التراجعات و الهزائم ، من قبل ناصر و الذين يمثّلون تقريبا ذات الإيديولوجيا والبرنامج ، هناك عنصر معيّن من البراغماتية – مفهوم أنّه حتى على المدى القصير، ما يتغلّب صحيح و جيّد و ما يعاني من الهزائم مخلخل و مفلس . وبطبيعة الحال ، تعزّزت نزعة عفوية تجاه البراغماتية فى صفوف الجماهير الشعبية بفعل الأحكام التى أصدرها الإمبرياليّون والرجعيون الآخرون – ليس فقط طبعا فى علاقة بالقوى العلمانية مثل ناصر لكن حتى أكثر من ذلك ، فى علاقة بالشيوعيين و الشيوعية اللذان يمثّلان معارضة أكثر جوهرية بكثير للإمبريالية والرجعية .
فى كلّ هذا من المهمّ أن نتذكّر أنّه طوال عدّة عقود ، و على الأقلّ إلى فترة حديثة ، عملت الولايات المتحدة و إسرائيل على تقويض القوى العلمانية صلب معارضيهم فى الشرق الأوسط ( وغيره من الأماكن ) وعلى الأقلّ قد آثرتا موضوعيّا أين لم تحتضنا عن قصد نموّ القوى الأصولية الإسلامية . و خلال " الحرب الباردة " كان هذا ، إلى درجة هامة نتيجة حسابات أنّ هؤلاء الأصوليين الإسلاميين سيكونون على الأرجح أقلّ نزوعا بكثير للإصطفاف مع الكتلة السوفياتية . و إلى درجة ضئيلة ، تشجيع الأصوليّين الدينيّين على حساب القوى الأكثر علمانية دفع إليه الإقرار بالجوهر الكامن المحافظ و بالفعل الرجعي للأصولية الدينية و أنّه بقدر هام يمكن أن يعملوا كوقود مفيد للإمبرياليّين ( و إسرائيل ) فى تقديم نفسيهما على أنّهما قوى تقدّم مستنيرة و ديمقراطية .
و من مهازل القدر أنّ هذه التجربة برمّتها هو أنّ ناصر و رؤساء دولة آخرين عرب قوميين بخبث و إجرام قد قمعوا ليس المعارضة الأصولية الإسلامية ( مثل الإخوان المسلمين فى مصر ) فحسب و إنّما أيضا الشيوعيين . لكن مع ما جدّ على النطاق العالمي ، فى العقود الأخيرة – بما فى ذلك ما جدّ فى الصين و الإتحاد السوفياتي ( كما ناقشنا أعلاه ) و الحكم الواسع الإنتشار بأنّ هذا يعدّ " هزيمة " للشيوعية ؛ و إفتكاك السلطة فى إيران من طرف الأصوليين الإسلاميين مع سقوط شاه إيران فى أواخر سبعينات القرن العشرين ؛ و مقاومة الإحتلال السوفياتي فى أفغانستان ، التى فرضت فى أواخر ثمانينات القرن العشرين إنسحاب السوفيات وساهمت بدرجة كبيرة فى إنهيار الإتحاد السوفياتي ذاته ؛ وتراجعات و هزائم حكّام علمانيين بدرجات مختلفة مثل ناصر ( و فى المدّة الأخيرة شخص مثل صدّام حسين ) فى الشرق الأوسط و أماكن أخرى – على المدى القصير كان الأصوليون الإسلاميون أكثر من الثوريين و الشيوعيين ؛ هم الذين إستطاعوا أن يتجمّعوا من جديد ويشهدوا نموّا هاما فى التأثير وتنظيم القوّة .
و مثال آخر لكلّ هذا المسار، من خمسينات القرن العشرين إلى الوقت الراهن – ما يجسّد بمعاني جدّ تامة و بالغة ، النقاط التى أثرنا أعلاه – هو أندونيسيا . خلال خمسينات القرن العشرين و ستيناته ، كان لأندونيسيا ثالث أكبر حزب شيوعي فى العالم ( فقط فى الإتحاد السوفياتي و الصين كان الحزبان الشيوعيان أكبر منه ) . و كان للحزب الشيوعي الأندونيسي عدد كبير من الأتباع فى صفوف الفقراء فى المناطق المدينيّة ( و كانت الأحياء القصديريّة ، فى مدينة جاكرتا و غيرها ، بعدُ أسطوريّة ، بالمعنى السلبي ) و كذلك فى صفوف الفلاحين فى الريف و قطاعات من المثقفين و حتى بعض الشرائح الأكثر برجوازية وطنية . و لسوء الحظّ ، كان للحزب الشيوعي الأندونيسي أيضا خطّ إنتقائي جدّا – حقيبة مختلطة من الشيوعية و التحريفية للبحث عن تغيير ثوري لكن كذلك لمحاولة النشاط عبر الطرق البرلمانية صلب الهياكل الحكومية القائمة .
و كان يقود الحكومة آنذاك قائد وطني هو أشمد سوكرنو . و قد وفّرت لي زيارة قمت بها إلى الصين فى سبعينات القرن العشرين عمق نظر هام فى هذا فخلالها تحدّث معى أعضاء من الحزب الشيوعي الصيني عن تجربة الحزب الشيوعي الأندونيسي و رووا لي بصفة خاصة : عادة ما كنّا نتصارع مع الرفيق آيديت ( قائد الحزب الشيوعي الأندونيسي أثناء فترة حكم سوكرنو ) ، و حذّرناه من ما يمكن ان يحدث نتيجة محاولته أن يضع ساقا فى الشيوعية و الثورة و ساقا أخرى فى الإصلاحية و التحريفية . بيد أنّ الحزب الشيوعي الأندونيسي إستمرّ على ذات الطريق بمقاربته الإنتقائية ؛ و فى 1965 ، نظّمت الولايات المتحدة و نفّذت من خلال السي آي آي منسقة مع الجيش الأندونيسي والجنرال القائد ، سوهرتو، إنقلابا دمويّا جرى أثناءه إرتكاب مجزرة فى حقّ آلاف الشيوعيين الأندونيسيّين و آخرين ، و جرى تفتيت تام للحزب الشيوعي الأندونيسي و فى نفس الوقت وقعت الإطاحة بسوكرنو رئيس الحكومة و أخذ مكانه سوهرتو .
فى أثناء هذا الإنقلاب ، غدت الأنهار حول جاكرتا طافحة بجثث الضحايا : كان الرجعيون يقتلون الناس المدّعى أنّهم شيوعيون أو الشيوعيين فعلا و يرمون بجثثهم بأعداد كبيرة فى الأنهار . و فى ظاهرة معلومة جدّا ، عندما إنطلق الإنقلاب – الذى قادته السي آي آي و نظمته و نفّذته – و طفق كلّ الذين كانت لهم خصومات و عداءات قديمة شخصية أو أسرية يتهمون الآخرين بكونهم شيوعيين و يسلّمونهم إلى السلطات و النتيجة كانت أنّ الكثير من الذين لم يكونوا حتّى شيوعيين وقع التنكيل بهم ، إلى جانب عدد لا يحصى من الشيوعيين . و لمّا أطلق الإمبرياليون و الرجعيون العنان لهذه المجزرة الدامية شجّع ذلك و دفع أناسا كثر فى نوع من الإنتقام بسفك الدماء . و السي آي آي تتفاخر بصراحة كيف أنّها نظّمت و خطّطت لهذا الإنقلاب و كذلك قد إستهدفت بصورة خاصّة آلافا من الشيوعيين القياديين و تخلّصت منهم مباشرة فى خضمّ هذه المجزرة الأوسع لمئات الآلاف .
و المشكل الجوهري مع إستراتيجيا الحزب الشيوعي الأندونيسي أنّ طبيعة الدولة – و خاصّة طبيعة الجيش – لم تتغيّر : و كان البرلمان إلى درجة كبيرة متكوّن من قوميين وشيوعيين لكن الدولة ظلّت بأيدي الطبقات الرجعية ، و نظرا لأنّ قبضتهم على الدولة لم تكسر أبدا و لأنّ جهاز الدولة الذى إحتفظوا فيه بالسيطرة لم يحطّم أبدا و لم يفكّك ، إستطاع سوهرتو و القوى الرجعية الأخرى العمل معا و تحت قيادة السي آي آي لكي ينفذوا بنجاح هذا الإنقلاب الدموي بتبعاته الفظيعة .
بهذا الشأن ، قصة قصيرة أخرى رواها لى أعضاء الحزب الشيوعي الصيني معبّرة و لاذعة جدّا . لقد رووا لي كيف أنّ سوكرنو كان إعتاد حمل صولجان و سأله الرسميون الصينيون الذين إلتقوا به " ما هذا الصولجان الذى تحمله معك ؟ " فأجاب سوكرنو : " هذا الصولجان يمثّل سلطة الدولة " . حسنا و الرفاق الصينيون يروون هذه القصّة لخّصوا بعد الإنقلاب ما حدث فقالوا : " لا يزال سوكرنو يحمل الصولجان ، لقد تركوه يحتفظ به ، لكنّه لم يكن يملك أية سلطة دولة ".
لقد سُحق الحزب الشيوعي الأندونيسي سحقا تاما مثلما يسحق جسد – أعضاؤه قُضي عليهم و لم يبقى منهم سوى قلّة هنا وهناك – تعرّض إلى ضربة مدمّرة لم يتعافى منها قط . و التفتيت لم يتمّ فقط بالمعنى التام و الملموس بل أيضا تمّ التعبير عنه فى هزيمة إيديولوجية و سياسية و إضطراب و يأس . و طوال عقود مذّاك ، ماذا حصل فى أندونيسيا ؟ أحد أكثر التطوّرات اللافتة للنظر هو النموّ الهائل للأصولية الإسلامية فى أندونيسيا . لقد وقع مسح البديل الشيوعي . و عوضا عنه – و فى جزء منه عن وعي ، شجّع الإمبرياليون و القوى الرجعية الأخرى ، لكن فى جزء آخر منه نمى زخمه الخاص فى إطار حيث جرى تحطيم معارضة علمانية قوية و شيوعية على الأقلّ قولا – ملأت الأصولية الدينية الفراغ الذى خلّفه غياب بديل حقيقي للحكم الشديد القمع لسوهرتو و المخلصين له ، الذى أوصلته الولايات المتحدة للسلطة و حافظت عليه فيها لعقود . (18)
و كلّ هذا ، ما شهدته أندونيسيا و أيضا مصر و فلسطين و أجزاء أخرى من الشرق الأوسط – بُعدُ سياسي إمتزج بعوامل إقتصادية و إجتماعية مرّت بنا الإشارة إليها – إضطراب و سرعة التقلّب و سرعة التغيّر المفروض من الأعلى و على ما يبدو المتأتّى من مصادر و قوى غير معروفة و / أو غريبة و أجنبية – لتقوّض و تضعف القوى العلمانية و منها الثورية و الشيوعية حقّا و تقوية الأصولية الإسلامية ( بطريقة تشبه كيفية كسب الأصولية المسيحية قوّة فى أمريكا اللاتينية و أجزاء أخرى من أفريقيا ).
بداهة هذه ظاهرة ذات دلالة هائلة . إنّها جزء هام من الواقع الموضوعي الذى ينبغى على الناس عبر العالم الذين يبحثون عن إحداث تغيير فى إتّجاه تقدّمي – و حتى أكثر الذين يجتهدون لبلوغ تغيير راديكالي حقيقي تقودهم فى ذلك نظرة ثورية و شيوعية - أن يواجهوه و يغيّروه . و من أجل القيام بذلك ، من الضروري ، قبل كلّ شيء ، أن نعالج ونفهم بجدّية هذا الواقع ، عوض البقاء على جهل به بشكل خطير ، أو تبنّى توجّه تجاهله بحمق . و من الضروري و بالفعل الحيوي ، النبش عميقا تحت ظاهر هذه الظاهرة و تمظهراتها المتنوّعة بغاية أن نفهم بصفة أعمق الديناميكية و الدوافع الكامنة وراء كلّ هذا – ما هي التناقضات الجوهرية و الأساسية ، على النطاق العالمي و فى بلدان و جهات معينة من العالم – و أنّ هذه الأصولية الدينية هي تعبير عن كيف يمكن ، على أساس ذلك الفهم الأعمق للديناميكية ، تطوير حركة لجلب جماهير الشعب بعيدا عنها ، نحو شيء يمكن فعلا أن يولّد عالما مختلفا جذريّا و أفضل بكثير .

نبذ " الغرور المتعجرف للتنويريّين "

هناك نزعة محدّدة وسط هؤلاء " التنويريين " وجب أن نقول – و منهم بعض الشيوعيين – نحو السقوط فى ما يعود إلى موقف غرور متعجرف تجاه الأصولية الدينية و الدين بصورة عامة . و لأنّه يبدو عبثيّا جدّا و عسيرا على الفهم ، فإنّ الذين يعيشون فى القرن الواحد و العشرين يمكنهم فعلا أن يتشبّثوا بالدين و بالفعل ينخرطون فى طريقة متزمّتة و مطلقة و أفكار دغمائية و مفاهيم بوضوح لا أساس لها فى الواقع ؛ إنهم يستبعدون بيسر هذه الظاهرة برمّتها و يخفقون فى الإعتراف أو المقاربة الصحيحة لكون هذا أمر تأخذه الجماهير فعلا مأخذ الجدّ إلى درجة كبيرة . و هذا يشمل أكثر من بضعة أناس من القطاعات الأدنى و الأعمق من البروليتاريا و المضطهَدين الآخرين الذين نحتاج أن يكونوا القاعدة و الأساس الحقيقيين – و القوّة المحرّكة فى الثورة التى تقود عمليّا إلى التحرّر .
و الإخفاق فى أن يأخذ مأخذ الجدّ إعتقاد العديد من الجماهير فى الدين ، بما فى ذلك فى الأصولية الدينية من هذا النوع أو ذاك شكل من الإزدراء ، بالضبط كالتذيّل لكون الكثير يعتقدون فى هذه الأشياء و يرفضون النضال ضدّها للتخلّص منها، الذى هو كذلك فى الواقع تعبير عن إزدراء لها . إنّ قبضة الدين على جماهير الشعب حتى ضمن الأكثر إضطهادا عائق ضخم أمامها و حاجز كبير يحول دون تعبئتها فى سبيل القتال من أجل تحرّرها الخاص و من أجل أن تكون محرّرة لكافة الإنسانية – و يجب مقاربتها [ قبضة الدين ] والنضال ضدّها بفهم أنّه كلّما كان ممكنا و حيويّا فى القتال ضد اللامساواة و الإضطهاد ، يتعيّن إيجاد أوسع وحدة ممكنة مع الناس ذوى المعتقدات الدينية .

نموّ الدين و الأصوليّة الدينيّة : تعبير خاص عن التناقض الأساسي [ للرأسماليّة – الإمبرياليّة ]

و تعبير آخر غير مألوف و خاص عن التناقضات فى عالم اليوم هو أنّه من جهة ، هناك كلّ هذه التقنية العالية التطوّر و التقنية الحديثة فى مجالات مثل الطبّ و أصعدة أخرى ، و منها تقنية الإعلامية ( و حتى آخذين بعين الإعتبار أنّ قطاعات عريضة من السكّان فى عديد أركان العالم ، و أعداد هامة حتى فى البلدان " المتقدّمة تقنيّا " لا تزال غير متوفّرة لها هذه التقنية المتقدّمة ، لأعداد نامية من الناس عمليّا إمكانية الربط بالأنترنت و بالكميات الكبيرة من المعلومات المتوفّرة عبر الأنترنت ، و بطرق أخرى ) و مع ذلك ، فى نفس الوقت ، هناك نموّ هائل لما نسمّيه كما هو : جهل منظّم ، فى شكل الدين و الأصولية الدينية على وجه الخصوص . و يبدو هذا ليس فقط بارزا بل تناقضا غريبا : كمية ضخمة من التقنية و المعرفة من ناحية و من الناحية الأخرى كمية ضخمة من الجهل المستشري و الإعتقاد فى التطيّر الظلامي والعودة إليه.
حسنا ، إلى جانب تحليل هذا بمعنى العوامل الإقتصاديّة و الإجتماعيّة و السياسيّة التى أسفرت عن ذلك ( و التى تحدّثنا عنها أعلاه ) ، طريقة أخرى ، و حتى أكثر جوهرية ، لفهم هذا هي أنّه تعبير فى منتهى الحدّة فى عالم اليوم عن التناقض الأساسي للرأسمالية : التناقض بين الإنتاج الجماعي بدرجة عالية و الإمتلاك الفردي ( الرأسمالي ) لما يتمّ إنتاجه .
من أين تأتي كلّ هذه التقنية ؟ على أي أساس وقع إنتاجها ؟ والحديث بصورة خاصة عن إشاعة الإعلام ، و أساس حصول الناس على المعرفة – على ماذا يقوم ذلك ؟ جميع التقنية الموجودة – و بالمناسبة ، الثروة التى خلقت – وقع إنتاجها بفضل أشكال جماعية من قبل ملايين و ملايين الناس من خلال شبكة عالمية للإنتاج والتبادل ؛ لكن كان هذا يجري فى ظلّ تحكّم حفنة نسبية من الرأسماليين الذين يتملكون الثروة المنتجة – و يتملكون المعرفة المنتجة أيضا – و يطوعونهما لأهدافهم .
و عن ماذا يعبّر هذا ؟ إنّه من ناحية دحض ل " نظرية القوى المنتجة " التى تحاجج بأنّه بقدر ما تملك من التقنية ، بقدر ما سيوجد تنوير ، تقريبا فى علاقة مباشرة بالتقنية – و التى فى تعبيرها " الماركسي " تجاجج بأنّه بقدر ما يكون التطوّر التقني أكبر ، بقدر ما تكون الأمور أقرب إلى الإشتراكية أو إلى الشيوعية . حسنا ، لننظر إلى العالم حولنا . لماذا ليس الأمر كذلك؟ مردّ ذلك عامل جوهري : كلّ هذه التقنية ، كلّ هذه القوى المنتجة " تمرّ عبر " و يجب أن " تمرّ عبر " نوع معيّن من علاقات الإنتاج - يمكن تطويرها و إستعمالها فقط بدمجها فى ما هو سائد عموما من علاقات إنتاج فى زمن معطى .
و بالمقابل ، هناك بعض الطبقات و العلاقات الإجتماعية التى هي تعبير عن ( أو هي على كلّ حال فى إنسجام عام مع ) علاقات الإنتاج السائدة ؛ و هناك بنية فوقية من السياسة و الإيديولوجيا و الثقافة و طبيعتها الأساسية تعكس و تعزّز كافة هذه العلاقات . لذا ليست مسألة قوى منتجة - بما فيها التقنية و المعرفة - ببساطة موجودة فى فراغ إجتماعي و يقع توزيعها و إستعمالها بطريقة منفصلة عن علاقات الإنتاج التى عبرها تُطوّر و تُستعمل ( و الطبقة و العلاقات الإجتماعية و البنية الفوقية المناسبتين ) . و يجري هذا وليس بوسعه إلاّ أن يجري عبر واحدة أو أخرى من جملة من علاقات الإنتاج و العلاقات الإجتماعية و العلاقات الطبقية ، فى تناسب مع العادات و الثقافات و طرق التفكير و المؤسسات السياسية و ما إلى ذلك .
فى عالم اليوم ، الذى يهيمن عليه النظام الرأسمالي – الإمبريالي ، هذه التقنية و المعرفة " تمرّ عبر " العلاقات الرأسمالية و الإمبريالية و البنية الفوقية القائمة ، و من التمظهرات الأساسية لهذه الفروقات الشاسعة بين ما تتملّكه حفنة صغيرة جدّا – و الكمّية الأقلّ التى توزّع على شريحة أوسع فى بعض البلدان الإمبريالية لأجل إستقرار هذه البلدان و تليين و مسالمة أقسام من السكّان الذين ليسوا جزءا من الطبقة الحاكمة هناك – بينما فى صفوف الغالبية العظمى من الإنسانية هناك فقر و عذاب و جهل لا يصدّقون . و إلى جانب هذه الفروقات العميقة ، نشهد هذا التناقض الخاص بين القدر الكبير من التقنية و القدر الكبير من المعرفة من جهة ، و من جهة ثانية ، إنتشار هذه المعتقدات و العودة إلى التطيّر الظلامي ، لا سيما فى شكل الأصولية الدينية – كلّ هذا هو بالفعل تعبير عن التناقض الأساسي للرأسمالية .
هذه نقطة فى منتهي الأهمّية فهمها . و دون هذا الفهم ، إن كان المرء سينطلق من مقاربة و منهج أكثر خطّية ، سيكون من اليسير السقوط فى قول : " لا أفهم الأمر ، هناك كلّ هذه التقنية ، كلّ هذه المعرفة ، لماذا هناك عدد كبير جدّا من الناس على هذه الدرجة من الجهل و إلى هذه الدرجة من الإنغماس فى التطيّر ؟ " مرّة أخرى ، الإجابة هي – وهي إجابة تلمس العلاقات الأكثر جوهرية فى العالم – أنّ السبب فى ذلك هو علاقات الإنتاج و العلاقات الإجتماعية و الطبقية و المؤسسات السياسية و الهياكل و السيرورات و بقية البنية الفوقية السائدين – الثقافة و طرق التفكير و العادات و التقاليد و ما إلى ذلك السائدين ، التى تتناسب مع و تعزّز مراكمة النظام الرأسمالي ، كما يجد هذا تعبيره فى عصر حيث الرأسمالية تطوّرت إلى نظام عالمي للإستغلال و الإضطهاد .
هذا أفق هام آخر إنطلاقا منه نفهم ظاهرة الأصولية الدينية . و بقدر ما تنمو هذه الفروقات ، بقدر ما هناك أرضية تفرز الأصولية الدينية و النزعات المرتبطة بها . و فى نفس الوقت ، و فى تناقض حاد مع هذا ، هناك كذلك أساس كامن أقوى للتغيير الثوري . فكلّ الفروقات العميقة فى العالم – ليس بمعنى ظروف الحياة بل أيضا فى علاقة بتوفّر المعرفة – يمكن تجاوزها فقط عبر الثورة الشيوعية و هدفها هو إنتزاع السيطرة على المجتمع من أيدى الإمبرياليّين و المستغِلين الآخرين و التقدّم عبر المبادرة الواعية المتصاعدة للأعداد النامية من الناس لتحقيق ( حسب صيغة لماركس ) إلغاء كلّ الإختلافات الطبقية ، كلّ علاقات الإنتاج التى تقوم عليها هذه الإختلافات الطبقية و كلّ علاقات الإنتاج التى تتناسب مع علاقات الإنتاج هذه ، و تثوير كلّ الأفكار التى تتناسب مع هذه العلاقات الإجتماعيّة بهدف إيجاد فى النهاية و جوهريّا على النطاق العالمي مجتمع من البشر المتجمعين بحرّية و الذين يتعاونون بوعي و عن طواعية من أجل المصلحة العامة فى حين يعطون مدى متنامي لمبادرة و إبداع أعضاء المجتمع ككلّ .

الهوامش :
15- لعديد الأسباب ذاتها التى لمسنا هنا ، فإنّ الأصولية الدينية قد تعزّزت أيضا فى العقود الحديثة ضمن قطاعات من الفقراء والمضطهَدين و المهمّشين داخل الولايات المتحدة . و هذا يشمل وجود لإستراتيجيا واعية من قبل الشرائح القوية من الطبقة الحاكمة فى الولايات المتحدة ، تهدف إلى التشجيع على الأصولية الدينية فى صفوف الجماهير الشعبية التى تصرخ ظروف حياتها بالتغيير الجذري وإيقاعها فى شرك الإديولوجيا الرجعية والبرنامج السياسي اللذان تمثّل هذه الأصولية الدينية التعبير المركّز عنهما .
نموّ الأصولية فى صفوف أعداد هامة من الناس ضمن شريحة واسعة من " الطبقة الوسطى " فى الولايات المتحدة يُعزى إلى درجة كبيرة لعوامل أخرى بما فيها : شعور حاد بالتوتّر بفعل إقتصاد و ثقافة يشجّعان على و يوفّران على ما يبدو إستهلاكا لا يتوقّف على أساس ديون كبيرة : شعور بسرعة التقلّب و عدم أمان فى الإقتصاد و فى المجتمع ككلّ ؛ شعور فقدان السيطرة حتى على الأطفال فى وجه التغيرات التقنية ( الكابل و التلفاز بالأقمار الصناعية و الأنترنت إلخ ) ؛ شعور بفقدان " مكانة " و الجماعة فى مجتمع و ثقافة ينتجان تذرّرا و يشجعان أقصى الأنانية . لكن ما هو فى غاية الأهمّية للفهم، خاصة صلب " الطبقة الوسطى " فى الولايات المتحدة ، هو أنّ هذه الظاهرة من نموّ الأصولية هي كذلك نتاج لطفيلية الإمبريالية – لكون الإمبريالية الأمريكية بوجه خاص القوّة المهيمنة على العالم التى تعيش من و لا تستطيع إلاّ أن تعيش من منتهى إستغلال جماهير الشعب عبر ما يسمّى بالعالم الثالث ، و أنّ الناس فى الولايات المتحدة ، لا سيما ضمن " الطبقة الوسطى " موجودين فى " أعلى السلّم الغذائي " بين شعوب العالم . و من المهمّ ملاحظة أنّ ما تعنيه الأصولية الدينية التى تجد منخرطين خاصة فى الضواحي و الروابض بأمريكا ، شعور متجذّر عميقا فى دور أمريكا ك " أمّة الله المختارة " مترافقة بتأكيد عدواني للشوفينية الأمريكية و كذلك للعلاقات و القيم التقليدية التى تجسّد تفوّق البيض والتفوّق الذكوري.
و سنعود إلى ظاهرة الأصولية و خاصة الأصولية المسيحية الفاشية فى الولايات المتحدة فى قسم لاحق من الكتاب .
16- علاوة عن ما تضمّنته الكثير من كتاباتي و خطاباتي التى تعالج هذا الموضوع ، فإنّ تحليلا لمظاهر هامة من التجربة الفعلية للإشتراكية فى الإتحاد السوفياتي و فى الصين ، بما فى ذلك أخطاء و نواقص حقيقية جدّا و كذلك مكاسب غير مسبوقة تاريخيّا – و يردّ على تشويهات هذ التجربة ، يوفّره مشروع " وضع الأمور فى نصابها " و يمكن الحصول على هذا و على المزيد من المعلومات حول هذا الموضوع على الأنترنت بموقع :
Thisiscommunism.org
17- مصدر معلومات وتحليل هامين بخصوص هذه الأحداث فى إيران و إنعكاساتها هو " كافة رجال الشاه : إنقلاب أمريكي و جذور الإرهاب فى الشرق الأوسط " وهو كتاب لستيفان كنزار و الناشر هو شركة جون ويلاي و أبنائه ، 2003 . 18- إضافة إلى القمع الوحشي لشعب أندونيسيا ذاته ، فإنّ نظام سوهرتو قد كرّس حكما إرهابيّا و مأقام مجازرا جماعية فى تيمور الشرقية ، متسبّبا بمجازر جماعية أودت بحياة قسم كبير من السكّان هناك . و فى هذا أيضا ، كان يتلقى الدعم من الإمبريالية الأمريكية بإداراتها المتتالية بما فيها إدارة بيل كلينتون .

+++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++
لنتخلّص من كافة الآلهة ! تحرير العقل و تغيير العالم راديكاليّا !
تأليف بوب أفاكيان – إنسايت براس ، شيكاغو ؛ الولايات المتحدة الأمريكية ، 2008

مقدّمة المترجم :

شيّق و شائك جدّا هو موضوع هذا الكتاب الجديد ؛ الكتاب عدد 40 من " الماويّة : نظريّة و ممارسة " . شيّق من ناحية تناوله بالبحث مسألة غاية في الأهمّية في تاريخ الإنسانيّة ، ماضيها و حاضرها و مستقبلها ؛ و من ناحية تعمّقه في قضيّة يتطلّع الكثيرون إلى نقاشها يومياّ تقريبا . وهو شائك من ناحية إعتبار العديدين للموضوع المعالج من المحرّمات أو واحد من جملة من المحرّمات و من ناحية مواجهته تحليلا و نقدا لمواقف " ماركسيّين " أو " ماركسيّين – لينينيّين " أو حتّى " ماركسيّين – لينينيّين - ماويّين " شوّهوا الموقف العلمي الحقيقي الماركسي و تطبيقاته العمليّة في هذا المجال و حرّفوه ليحوّلوه من موقف علميّ ثوريّ إلى موقف إنتهازي إصلاحي يتذيّل إلى القوى الرجعيّة و إلى عفويّة الجماهير و الفكر السائد الذى تصنعه و تبثّه الطبقات الإستغلاليّة و الإضطهاديّة السائدة ليخدم مجتمعها الإستغلالي و الإضطهادي و الدولة التي تفرضه . و هذا يشمل حتّى شخصيّات بارزة و منظّمات و أحزاب من الحركة الشيوعيّة العالمية و منها العربيّة بطبيعة الحال .
و على صفحات الحوار المتمدّن ، من أبرز الناقدين للخطوط السياسيّة و الإيديولوجيّة للشخصيّات وللمنظّمات و الأحزاب التي حرّفت الموقف العلمي والثوري للماركسيّة و شوّهته ؛ و من أبرز المدافعين عن الخلاصة الجديدة للشيوعية – الشيوعيّة الجديدة التي طوّرها بوب أفاكيان و أبرز مطبّقيها في مؤلّفات ، مقالاتا كانت أم كتبا ، عربيّا ، نجد ناظم الماوي و من أهمّ ما ألّفه و يتضمّن معالجة للقضيّة التي نحن بصددها :
أ – مقالات :
- لنقاوم الإسلام السياسي و دولة الإستعمار الجديد برمّتها و نراكم القوى من أجل الثورة الديمقراطية الجديدة كجزء من الثورة البروليتارية العالمية .
- إسلاميون فاشيون ، للشعب و النساء أعداء و للإمبريالية عملاء !
- مزيدا حول الأصوليّة الإسلامية و الإمبرياليّة و النظرة الشيوعية الثوريّة للمسألة.
ب- كتب :
- الفصل السادس من " حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحّد حزب ماركسي مزيّف " ( وعلى وجه الضبط النقطة الثالثة : " أوهام حول الدين و الأصولية الدينية " ).
- الفصل السابع من " آجيث نموذج الدغمائي المناهض لتطوير علم الشيوعية - ردّ على مقال " ضد الأفاكيانية " لصاحبه آجيث الأمين العام للحزب الشيوعي الهندي ( الماركسي – اللينيني ) نكسلباري ( و عنوانه " نقد الدين و الثورة البروليتارية العالمية ") .
- الفصل الرابع من الجزء الثاني من " ضد التحريفية و الدغمائيّة ، من أجل تطوير الماويّة تطويرا ثوريّا " ( وعلى وجه الضبط النقطة الثالثة : " الإسلام و الإسلاميّون الفاشيّون " ).
- الفصل الثالث من " حزب الكادحين الوطني الديمقراطي يشوّه الماركسية " ( وعلى وجه الضبط النقطة الرابعة : " الدين والمرأة و مغالطات حزب الكادحين " ).
- الفصل الخامس من الجزء الثاني من " لا لتشويه الماوية و روحها الشيوعية الثوريّة : كلّ الحقيقة للجماهير !
ردّ على مقال لفؤاد النمرى و آخر لعبد الله خليفة " ( وعلى وجه الضبط النقطة الثانية : " الصين الماوية و الدين " ).
- " حفريّات في الخطّ الإيديولوجي و السياسي التحريفي الإصلاحي لحزب العمّال [ البرجوازي ] التونسي " ( في ثلاثة كتب/ ثلاثيّة ) وهو ينطوى على المقالين التاليين :
* حزب العمال" الشيوعي " التونسي : سقط القناع عن القناع عن القناع (2+1)
* النقاب و بؤس تفكير زعيم حزب العمّال التونسي .
- " حفريّات في الخطّ الإيديولوجي والسياسي التحريفي و الإصلاحي للوطنيّين الديمقراطيّين - الوطد - و تفرّعاتهم ( الكتاب الثاني من الثلاثيّة ) ، لا سيما النقطة السابعة المتّصلة ب " التعاطى التحريفي مع الدين ".

و بوب أفاكيان لم ينبر بهذا المصنّف المثير للغاية ، " لنتخلّص من كافة الآلهة ! تحرير العقل و تغيير العالم راديكاليّا ! "، للدفاع عن العلم و الفهم الثوريّ لهذه المسألة اليوم و إنّما أيضا ليشيّد فهما أكثر تطوّرا عمقا و شمولا إعتمادا على الموقف و المنهج و المقاربة الشيوعيّين و كذلك على أهمّ البحوث الحديثة في هذا الشأن . وهو ينزّل ذلك في إطار النهوض بمهمّة من أوكد مهام الشيوعيّين و الشيوعيّات الثوريّين ألا وهي خوض الصراع الطبقي على جبهاته الثلاثة التي حدّدها لينين في " ما العمل ؟ " ، السياسيّة و الإيديولوجية و الإقتصاديّة ؛ و هنا على وجه الضبط خوض الصراع الإيديولوجي – الذى يتناساه عمدا عامدين محرّفو الماركسية / الشيوعيّة - ضد القوى الرجعيّة ليبرالية كانت أم فاشيّة في الولايات المتّحدة الأمريكيّة و في العالم قاطبة كجزء من النضال الذى لا بدّ منه على الجبهات كلّها المذكورة أعلاه بهدف أسمى ليس أقلّ من القيام بالثورة و تحرير الإنسانيّة من جميع ألوان الإضطهاد و الإستغلال ببلوغ المجتمع الشيوعي العالمي.
و من هنا تتأتّى الأهمّية الحيويّة لها المصنّف الفريد من نوعه صلب الحركة الشيوعيّة العالميّة في العقود الأخيرة . و بلا أدنى شكّ أنّ القرّاء باللغة العربيّة شيوعيّين و شيوعياّت كانوا أم من ذوى المشارب الفكريّة الأخرى أو حتّى من الجماهير العريضة و الباحثين و الباحثات عن الحقيقة سيجدون في هذا الكتاب كبير الفائدة في إدراك على الأقلّ جوانب لها دلالتها من المسائل موضوع البحث و النقاش و جوانب من البديل الشيوعي الثوريّ الحقيقي لتحرير العقل و تغيير العالم تغييرا راديكاليّا و كيفيّة التعاطى مع التيّارات الدينيّة الأصوليّة و تلك التي تقبل بالمساهمة في القيام بالثورة أو حتّى خوض معارك معيّنة يفرضها بلا هوادة واقع الصراع الطبقي محلّيا و قوميّا و عالميّا . و قد توسّع في هذه المواضيع الأخيرة و فصّل أقول فيها في عمل آنف يحمل عنوان " التقدّم بطريقة أخرى " وهو متوفّر بموقع أنترنت جريدة " الثورة " www.revcom.us ضمن الأعمال المختارة لبوب أفاكيان .
و فيما يختزل عنوان الكتاب ذاته الغاية من وضع بوب أفاكيان لهذا المؤلّف فإنّ تفاصيل محتوياته كفيلة بتسليط الضوء على المحاور التي تمّ التطرّق إليها و معالجتها و مدى حيويّها . و بالتالى من الأكيد أن مطالعة هذا المصنّف ستكون بمثابة رحلة ممتعة و لا أمتع ، على أنّها لا تنفى و لا تلغى ؛ و لا يجب أن تنفى أو تلغي ، الحاجة الماسة إلى التفاعل الإيجابي ، إلى دراسته دراسة نقديّة بوب أفاكيان من أكبر المرحّبين بها فهو ما إنفكّ ينادى بتطوير النقاش و الجدال الإيديولوجيّين الجدّيين و المعتمدين على حجج واقعيّة علميّة كمهمّة أكيدة تقع على عاتق الشيوعيّين و الشيوعيّات الثوريّين و على عاتق من يرغبون في تفسير العالم تفسيرا علميّا و تغييره تغييرا ثوريّا خدمة لمصالح الإنسانيّة و تحريرها من كافة أصناف الإضطهاد و الإستغلال . و بالمناسبة ندعو القرّاء من أيّ مشارب كانوا ، و هم يطالعون و يدرسون و يُعمِلون الفكر و لما لا الفكر النقدي في كتاب بوب أفاكيان ، إلى أن يبقوا في أذهانهم و يتدبّروا مليّا موقفين أمسيا شهيرين يُعلى رايتهما بوب أفاكيان و أنصار الخلاصة الجديدة للشيوعيّة / الشيوعيّة الجديدة :
- " إنّ المضطهَدين الذين لا يقدرون أو لا يرغبون فى مواجهة الواقع كما هو فعليّا محكوم عليهم بأن يبقوا مستعبَدين و مضطهَدين ." ( المقتطف الأوّل من الفصل الرابع من كتاب " الأساسي من خطابات بوب أفاكيان و كتاباته " ، ترجمة شادي الشماوي – مكتبة الحوار المتمدّن ) .
- " كلّ ما هو حقيقة فعلا جيّد بالنسبة للبروليتاريا ، كلّ الحقائق يمكن أن تساعد على بلوغ الشيوعية ". ( " بوب أفاكيان أثناء نقاش مع الرفاق حول الأبستيمولوجيا : حول معرفة العالم و تغييره " ، فصل من كتاب " ملاحظات حول الفنّ و الثقافة ، و العلم و الفلسفة " ، 2005).
و محتويات الكتاب فضلا عن مقدّمة المترجم هي :
كلمة الناشر
الجزء الأوّل : من أين يأتى الإلاه ... و من يقول إنّنا نحتاج إلى إلاه ؟
- " الإلاه يتحرّك بطرق غامضة "
- إلاه قاسي و شنيع حقّا
- الكتاب المقدّس حرفيّا فظيع
- الأصوليّون المسيحيّون ، مسيحيّون فاشيّون
- تسليط ضوء حقيقي على عيسى
- ماذا عن الوصايا العشر ؟
- لا عهد جديد دون عهد قديم
- المسيحية الأصولية و المسيحية " منضدة السلاطة " / " الإختياريّة "
- الدين و إضطهاد الطبقات الحاكمة
- التطوّر و المنهج العلمي ، و الظلاميّة الدينيّة
- إذا كانت الآلهة غير موجودة ، فلماذا يؤمن بها الناس ؟
- لماذا يؤمن الناس بآلهة مختلفة
الجزء الثاني : المسيحيّة و اليهوديّة و الإسلام – متجذّرة فى الماضي و حاجزا فى طريق المستقبل
- التطوّر التاريخي للمسيحية و دورها : العقائد و السلطة السياسيّة
- المسيحية كدين جديد : الدور المحوريّ لبولس وتأثيره
- كشف النقاب عن المسيح و المسيحيّة
- الإسلام ليس أفضل ( و لا أسوء) من المسيحيّة
- الأصوليّة الدينيّة والإمبريالية و " الحرب على الإرهاب "
- لماذا تنمو الأصولية الدينية فى عالم اليوم ؟
- نبذ " عجرفة المتنوّرين المعجبين بأنفسهم "
- نموّ الدين و الأصوليّة الدينيّة : تعبير خاص عن التناقض الجوهري
الجزء الثالث : الدين قيد ثقيل و ثقيل جدّا
- الدين و البطرياركية والتفوّق الذكوريّ و القمع الجنسيّ
- حزام الإنجيل هو حزام القتل بوقا : العبودية و تفوّق البيض و الدين فى أمريكا .
- الفاشية المسيحيّة و الإبادة الجماعيّة
الجزء الرابع : لآ وجود لإلاه - نحتاج إلى تحرير دون آلهة
- " يد الإلاه اليسرى " – و الطريق الصحيح لكسب التحرير
- أسطوريّة صِحّة الأسطورة الدينيّة و دورها الإيجابيّ
- العقل لم " يخيّب أملنا " – العقل مطلق الضرورة – و لو أنّه فى حدّ ذاته غير كافي
- " الإيمان " الديني لنسمّيه كما هو : لاعقليّ
- الإلاه غير موجود و لا وجود لسبب وجيه للإيمان به
- الدين أفيون الشعوب – و حاجز أمام التحرّر
- لا وجود لشيء لا يتغيّر و غير قابل للتغيّر ، طبيعة الإنسان
- تحرير دون آلهة
--------------------------------
- المراجع
- الفهرس
- عن الكاتب
- إشادة بأعمال أخرى لبوب أفاكيان
==========================================================
ملحق من إقتراح المترجم :
فهارس كتب شادي الشماوي
++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++



#شادي_الشماوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- محتويات كتاب بوب أفاكيان ،- لنتخلّص من كافة الآلهة ! تحرير ا ...
- من أين يأتى الإلاه ... و من يقول إنّنا نحتاج إلى إلاه ؟ الجز ...
- ميزة من الميزات التي تختصّ بها الشيوعيّة و تتفوّق بها على ال ...
- مقدّمة لكتاب بوب أفاكيان ،- لنتخلّص من كافة الآلهة ! تحرير ا ...
- الثورة و كرة مضرب [ تنّس ] روجر فدرار : ما العلاقة بينهما ؟ ...
- أحد المحاربين القدماء في الفيتنام : كنّا قتلة أطفال لمصلحة ا ...
- لماذا نحتاج قطعا إلى حزب طليعي للقيام بالثورة
- تحمّل مسؤوليّة خطّ الحزب على أعلى مستوى
- لنجعل اليوم العالمي للتحرّك – 24 نوفمبر لمناهضة - حملة براها ...
- الماركسيّة الحيّة مقابل الماركسيّة المبتذلة – ثورة تحريريّة ...
- - التحكّم الديمقراطي للعمّال - وهمٌ ضارٌ : من غير الممكن تحق ...
- لماذا يؤمن الناس بالهراء الأكثر سخافة و شناعة ؟ التشويهات ال ...
- أمّة الإسلام ليست قوّة من أجل التحرير بل قوّة ضده – نحتاج ثو ...
- ماذا وراء واجهة -الإختراق - في إتّفاقيّات قمّة المناخ 26 – ا ...
- لماذا العالم مضطرب جدّا و ما الذى يمكن فعله لتغييره تغييرا ر ...
- حركة الشمس البازغة و سياسات الضغط على النظام لإنقاذ البيئة ذ ...
- مجون كلاسغو ... كيف يجرؤون على زعم - قيادة البيئة -
- ندوة غلاسغو للمناخ في الحسبان – الحكومات و الناس و الكوكب .. ...
- إلغاء العبوديّة – الحقيقيّ و الخياليّ
- تشجيع الناس على عدم التطعيم بالتلاحيق يبقى على جائحة الكوفيد ...


المزيد.....




- هدفنا قانون أسرة ديمقراطي ينتصر لحقوق النساء الديمقراطية
- الشرطة الأمريكية تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة ...
- مناضل من مكناس// إما فسادهم والعبودية وإما فسادهم والطرد.
- بلاغ القطاع الطلابي لحزب للتقدم و الاشتراكية
- الجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي (الإتحاد المغربي للشغل) تدعو ...
- الرفيق جمال براجع يهنئ الرفيق فهد سليمان أميناً عاماً للجبهة ...
- الجبهة الديمقراطية: تثمن الثورة الطلابية في الجامعات الاميرك ...
- شاهد.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة إيم ...
- الشرطة الإسرائيلية تعتقل متظاهرين خلال احتجاج في القدس للمطا ...
- الفصائل الفلسطينية بغزة تحذر من انفجار المنطقة إذا ما اجتاح ...


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - شادي الشماوي - المسيحيّة و اليهوديّة و الإسلام – متجذّرة فى الماضي و حاجزا فى طريق المستقبل - الجزء الثاني من كتاب بوب أفاكيان- لنتخلّص من كافة الآلهة ! تحرير العقل وتغيير العالم راديكاليّا! -