أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - شادي الشماوي - من أين يأتى الإلاه ... و من يقول إنّنا نحتاج إلى إلاه ؟ الجزء الأوّل من كتاب بوب أفاكيان- لنتخلّص من كافة الآلهة ! تحرير العقل وتغيير العالم راديكاليّا! -















المزيد.....



من أين يأتى الإلاه ... و من يقول إنّنا نحتاج إلى إلاه ؟ الجزء الأوّل من كتاب بوب أفاكيان- لنتخلّص من كافة الآلهة ! تحرير العقل وتغيير العالم راديكاليّا! -


شادي الشماوي

الحوار المتمدن-العدد: 7131 - 2022 / 1 / 9 - 21:56
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


من أين يأتى الإلاه ... و من يقول إنّنا نحتاج إلى إلاه ؟الجزء الأوّل من كتاب بوب أفاكيان" لنتخلّص من كافة الآلهة ! تحرير العقل وتغيير العالم راديكاليّا! "

- " الإلاه يعمل بطرق غامضة "
- إلاه قاسي و شنيع حقّا
- الكتاب المقدّس حرفيّا فظيع
- الأصوليّون المسيحيّون ، مسيحيّون فاشيّون
- تسليط ضوء حقيقي على عيسى
- ماذا عن الوصايا العشر ؟
- لا عهد جديد دون عهد قديم
- المسيحية الأصولية و المسيحية " منضدة السلاطة " / " الإختياريّة "
- الدين و إضطهاد الطبقات الحاكمة
- نظريّة التطوّر و المنهج العلمي ، و الظلاميّة الدينيّة
- إن كانت الآلهة غير موجودة ، لماذا يؤمن بها الناس ؟
- لماذا يؤمن الناس بآلهة مختلفة
---------------------------------------------------------------------------------------------------------------

" الإلاه يعمل بطرق غامضة "

يوما بعد يوم تبلغنا معلومات عن مآسي فظيعة كانت ستكون بلا معنى لو وُجد إلاه محبّ ، عالَم بكلّ شيء و لا محدود القدرة يتفحّص ما يحدث للبشر و يشرف عليه . و إليكم هنا من بضعة قصص ليس إلاّ مستقاة من الأخبار فى السنوات الأخيرة .
فقدت أسرة خمسة أطفال و إثنين من الأقرباء فى حادث حافلة مريع ، ثمّ توفّي جدّ الأطفال بسكتة قلبية عقب سماعه أنباء هذا الحادث المريع .
لكن – يقال لنا – الإلاه يعمل بطرق غامضة .
فى حادث تحطّم طائرة فى نيجيريا ، لقي ستّون طالبا فى معهد ديني مسيحي حتفهم .
لكن الإلاه يعمل بطرق غامضة .
أودى حادث سيّارة إشتعلت ثمّ إنفجرت بحياة ستّة أطفال أولياؤهم من المسيحيين المخلصين .
بالفعل ، الإلاه يعمل بطرق غامضة .
إمرأة تعمل ليل نهار و بصبر لتساعد زوجها الذى كان فى حاجة إلى زرع رئة على أن يكون فى وضع صحّي يأهّله لعملية الزراعة تلك و فى النهاية تتوصّل إلى ذلك . ثمّ بعد الحصول على أخبار سارّة ، يتعرّضان إلى حادث مرور نتيجته فقدان المرأة الحياة و إصابة الرجل بجروح .
لكن ، مجدّدا ، الإلاه يعمل بطرق غامضة .
يعاني الناس من كافة أنواع المآسي و الفظائع ، كبيرة منها و صغيرة ، على النطاق الأكثر شخصية و على النطاق الإجتماعي و حتى على النطاق العالمي - تحطّم سيارات و حافلات و قطارات و طائرات ، و زلازل و فياضانات و إعصارات و تسوناميات - تتسبّب فى وفاة الآلاف و عشرات و مئات الآلاف .
و جيلا بعد جيل ، من قرن إلى آخر ، وقعت المتاجرة فى الناس كعبيد عادة ما يتمّ تشغيلهم حتى الموت فى ظروف لا إنسانية ( و فى أماكن معيّنة يتواصل هذا إلى اليوم ) . و تنفّذ المجازر الجماعية متسبّبة فى القضاء أو القضاء التام تقريبا على شعوب بأسرها .
و تخاض الحروب التى ينجم عنها قتل عشرات ملايين الناس بإستعمال أسلحة الهجوم و الدمار الشامل، وصولا مباشرة إلى الفظائع النووية مثل تدمير الولايات المتحدة الأمريكية لمدينيتين يابانيتين بقنابل نووية فى الحرب العالمية الثانية .
و ثلاثين إلى أربعين ألف طفل يموتون يوميّا فى ما يسمّى بالعالم الثالث جراء المجاعة و أمراض يمكن الوقاية ضدّها .
و الأوبئة عبر التاريخ قد أصابت قطاعات واسعة من الإنسانيّة . و النساء تعرّضن للإغتصاب بأعداد هائلة عبر العالم ، و بعد ذلك غالبا ما توصم المغتصبات بالعار و حتى تقتل تماما على أيدى أعضاء عائلاتهن الخاصة لأنّهن - و هنّ ضحايا الإغتصاب – تسببن ليس فقط فى الإهانة لهنّ بل يفترض أنّهن مرّغن شرف العائلة فى الوحل .
لكن ، فى خضمّ كلّ هذا ، هناك على الدوام لازمة :
الإلاه يعمل بطرق غامضة .

الإلاه قاسي و شنيع

إلى أي مدى ينبغى أن يستمرّ هذا و إلى متى قبل أن يصبح من الواضح أنّه إذا وُجد مثل هذا الإلاه فهو إلاه قاسي فعلا و خبيث و مريض و منحرف و شنيع حقّا ؟ و أنّه ما من عاقل و محترم سيودّ الخضوع لمثل هذا الإلاه و إتباع ما يوصي به . و من حسن حظّنا إلى درجة كبيرة أنّه لا وجود لهذا الإلاه – و من التحرّري للغاية التوصّل فى النهاية إلى إدراك هذه الحقيقة .
و فى حال لم يكن هذا كافيا لرؤية بُعد آخر حتى للطبيعة الإجرامية للإلاه مثلما تقدّمه الديانات الكبرى التوحيدية ( إلاه واحد) – لرؤية كيف أنّ هذا الإلاه لا يُعجبه شيء و هو متقلّب المزاج على ما يبدو و حتى فى قسوته مصاب بالفصام – لنعد إلى الكتابات " اليهومسيحية ". و لننطلق مع التاريخ فى الكتاب المقدّس، فى سفر صاموئيل الثاني ( الإصحاح 24 )، لكيف أنّ الملك داوود جلب صبّ غضب الإلاه على شعبه .
يقال لنا فى صاموئيل الثاني إنّ داوود أمر بإحصاء شعب إسرائيل و يهوذا ، مملكته ، و ( هامش فى إحدى نسح الكتاب المقدّس يوفّر شرحا ممكنا ) و يبدو أنّ داوود قام بذلك على وجه الخصوص للحصول على تعداد للرجال القادرين على الإلتحاق بالجيش . بيد أنّه عند إنجاز الإحصاء ، إقترف خطأ كبيرا مثلما شرح هذا الهامش ، لأنّ الجنود العاملين كانوا عُرضة لنظام صارم من الإجراءات التقليدية فى إسرائيل القديمة و كانوا عُرضة خاصة لأخطار عبادية . ( أنظروا دراسة هربار كولينس للكتاب المقدّس ، النسخة العادية المنقّحة الجديدة ، و
Deuterocanonical/ Apocryphal
طبعة جديدة منقّحة من قبل شركة أدب الكتاب المقدّس ، الصفحات 506-507 ، حاشية سفر صاموئيل الثاني ، 24:3 . و كافة الإستشهادات فى هذا النصّ المحيلة على الكتاب المقدّس [ بإستثناء تلك الواردة بين قوسين ضمن مقتبس من كاتب آخر ] مصدرها طبعة دراسة هاربار كولينس ) .
و ماذا نجم عن كلّ هذا ؟ إنّ قرّاء الكتاب المقدّس قد يستطيعون أن يتوقّعوا : وباء ا فظيعا صبّه عليهم الإلاه . مات سبعون ألف إنسان ، يقال لنا . لكن حينها ، فى النهاية ، لان قلب الإلاه المحبّ و صرّح
" كفى ! " و إنتهى الوباء . و متبعا تعاليم الإلاه ، بنى داوود مذبحا " وَأَصْعَدَ مُحْرَقَاتٍ وَذَبَائِحَ سَلاَمَةٍ " ( أنظروا سفر صاموئيل الثاني ، 24 ، لا سيما الآيات 15- 25 ).
لكن هذا ليس كلّ شيء فى القصّة . حسب كاتب سفر صاموئيل ، الإلاه هو الذى أمر داوود بإنجاز هذا الإحصاء فى المقام الأوّل . و مثلما ورد فى سفر صاموئيل 2 ، 24 ، الآية 1 " وَعَادَ فَحَمِيَ غَضَبُ الرَّبِّ عَلَى إِسْرَائِيلَ، فَأَهَاجَ عَلَيْهِمْ دَاوُدَ قَائِلاً: «امْضِ وَأَحْصِ إِسْرَائِيلَ وَيَهُوذَا ». ثمّ غاضب شديد الغضب من داوود لإنجازه الإحصاء الذى أمر بإنجازه هو ( أو ربّما غضب من كيفية إنجازه من قبل داوود ) وتراجع الإلاه وأرسل وباء ليودي بحياة سبعين ألف شخص من " شعبه المختار" الذى ، وفق تقدير منطقي ، لم يكن له ذنب فى مسألة الإحصاء .
على ما يبدوتجاوزذلك الحدّ لدى مؤلّف سفر آخر من الكتاب المقدّس ، سفر أخبار الأيّام الأوّل ، ذلك أنّه فى سفر أخبار الأيّام الأوّل، الأصحاح 21 ، عند الحديث عن ذات الإحصاء ، يتمّ إخبارنا بأنّه ليس الإلاه و إنّما الشيطان هو الذى جعل داوود يقوم بذلك : " وَقَفَ الشَّيْطَانُ ضِدَّ إِسْرَائِيلَ، وَأَغْوَى دَاوُدَ لِيُحْصِيَ إِسْرَائِيلَ " (سفر أخبار الأيّام الأوّل ، 21: 1 ) .
و هذا ليس بالأمر الهيّن . من كان المسؤول – الإلاه أم الشيطان ؟ ( ضحك) . هنا مرّة أخرى ، نشاهد مثالا لكلمة إلاه الكتاب المقدّس المعصوم من الخطأ ، الإلاه المعتوه و المهووس و المجرم .
و من المهمّ الإشارة إلى أنّ هذا ليس حادثا من تلك " الأحداث المعزولة " التى كثيرا ما يذكرونها . و مثلما يرى المرء عند قراءة الكتاب المقدّس ، و سأعود للمسألة بعد قليل ، الوباء هو واحد من أكثر أسلحة الإلاه تواترا فى إنزال الدمار و العذاب على البشر ، على أعداد كبيرة من الناس ، و ليس أقلّ على " شعبه المختار " ذاته ، بما فى ذلك عديد الذين سينظر لهم كلّ إنسان عاقل على أنّهم أناس أبرياء تماما. وبعض الناس و منهم المتدينين – و حتى عديد المتدينين الذين هم عموما تقدّميون – لا يتورعون عن الحديث عن فظائع الشيوعية المدعاة ؟! و مهما أردنا الحديث عن الأخطاء التى إقترفت فى تجربة المجتمعات الإشتراكية و من قبل القادة الشيوعيين ، لا قائد من قادة الحركة الشيوعية العالمية أو من قادة دولة إشتراكية قد دافع عن حتى الأشياء التى يشدّد على وجوب القيام بها بصفة متكرّرة هذا الإلاه .
لكن ... الإلاه يعمل بطرق غامضة .
من جديد إن كان كلّ هذا – و الكثير و الكثير منه على طريق القسوة و القتل و التدمير و الفظاعة – مصدره " إلاه يعمل بطرق غامضة " ، من يحتاج إلى هكذا إلاه ؟
و لنعد خطوة إلى الوراء ، فقط لنحقن القليل من الواقع فى هذا ، فبقدر ما هناك قاعدة تاريخية و وقائع بشأن هذا الوباء ، فإنّ الواقع لم يكن مثلما قدّمه الكتاب المقدّس ؛ الواقع هو أنّ وباء حصل ثم بطريقة ما وجب تفسيره و عقلنته. كلّ هؤلاء الناس يموتون – لماذا؟ ما السبب؟ لأجل جعل المجتمع متماسكا بلا شكّ من الضروري تقديم بعض الشرح للماذا كان ذلك يحصل، لماذا وُجد كلّ هذا العذاب الفظيع . طالما تعتقدون فى إلاه، لا يمكن للشرح أن يضع اللوم النهائي على هذا الإلاه، لذا وجب إيجاده فى عمل إنساني ما. و الشرح المقدّم فى الكتاب المقدّس يعكس علاقات الإنتاج الإجتماعية و الإقتصادية - و ما يتناسب معها من مؤسسات و أفكار و عادات و قيم - ميّزت و سيطرت فى المجتمع الذى فيه عاش مؤلّفو هذا الجزء من الكتاب المقدّس و الذى عنه يدافعون .
لم يكن ذلك بالضرورة و ربّما لم يكن مسألة إختراع واعي و تضليل . يمكن أن يكون الذين ألّفوا هذا الجزء من الكتاب المقدّس عمليّا قد آمنوا بالتفسير الذى صاغوه لهذا الوباء . أو ربّما كان ذلك مزيجا من الإيمان و الحسابات الواعية الفعلية من طرفهم ، فى إنسجام مع و خدمة للقوى الإجتماعية و المؤسسات و العلاقات السائدة و المسيطرة فى تلك الفترة و ذلك المكان . لكن فى كلّ الأحوال ، قد مضى زمن طويل على إضطرار الإنسانية إلى أن تستعبدها تلك الأصناف من العلاقات و المؤسسات و العادات و القيم و الأفكار و المعتقدات و الجهل و الخوف و الإضطهاد الذى يجسدونه و يدافعون عنه و يعزّزونه .
و إلى جانب ما تتم الإشارة إليه هنا ، و كذلك فى خطاباتي و كتاباتي السابقة ، فى ما يتصل بالطبيعة المجرمة و أفعال إلاه الكتاب المقدّس ، قبل وقت غير بعيد وُجدت سلسلة هامة من المقالات ، عنوانها " الإلاه الفاشي الأصلي " ل أ . بروكس، نشرت فى جريدة حزبنا ، الثورة وهي سلسلة توفّر مزيدا من الأمثلة الساطعة عن القساوة المطلقة و الطبيعة الشيطانية الخبيثة لإلاه الكتاب المقدّس، و التركيز الخاص الذى يبدو لدي هذا الإلاه على إستعمال الأوبئة كسلاح للعقاب و الدمار الشاملين... لذا ( بإذن من الكاتب ) أودّ أن أضمّن هنا بعض الفقرات الأكثر إثارة الموجودة فى " الإلاه الفاشي الأصلي ".
أوّلا ، فى ما يتعلّق بمحنة اليهود القدامي فى مصر ، كتب بروكس :
" عوض تعريض شعبه " المختار" للعذاب و العبودية الفظيعين لقرون ثمّ تحريرهم ، لماذا ببساطة لا تتمّ الحيلولة دون إستعبادهم منذ البداية أصلا ؟
حسنا ، عندما نقرأ سفر الخروج نعثر على إجابتنا . فالإلاه لمّح إلى موسى أنّ هذه السيرورة برمّتها التى من خلالها صار اليهود عبيدا للمصريين ثمّ جرى تحريرهم ليست بالنسبة إليه أكثر من لعبة مريضة – فرصة ل " صدم و ترويع " الجميع بهذه القدرة : " أَنْتَ تَتَكَلَّمُ بِكُلِّ مَا آمُرُكَ... وَلكِنِّي أُقَسِّي قَلْبَ فِرْعَوْنَ وَأُكَثِّرُ آيَاتِي وَعَجَائِبِي فِي أَرْضِ مِصْرَ ( سفر الخروج 7) . و تحيل جملة " أَنْتَ تَتَكَلَّمُ بِكُلِّ مَا آمُرُكَ " من هذه الفقرة على التوجيهات التى يعطيها الإلاه لموسى حيث يقول لموسى أن يُخبر فرعون بأن يُطلق سراح اليهود من الأسر و إلاّ فإنّ الإلاه سيعاقب مصر . و الفقرات القليلة التالية لسفر الخروج تتبع مخطّطا أساسيّا : يهدّد موسى فرعون بأنّه إن لم يطلق سراح اليهود من الأسر ، سيبعث الإلاه بأوبئة تصيب المصريين – بما فى ذلك طين و قمل و ضفادع و جراد و حشد من الحشرات و إلتهاب الجلد ، ضمن أشياء أخرى . و يشاهد فرعون واحدة من هذه الأوبئة و فى الحال يقبل بتحرير اليهود إن توقّفت الأوبئة . و يوقف الإلاه الأوبئة لكن بعد ذلك يجعل قلب فرعون قاسيا كي يتراجع عن وعده بتحرير العبيد و هكذا " لا خيار للإلاه " سوى بعث المزيد من الأوبئة للمصريين . ( " الإلاه الفاشي الأصلي "، الجزء أ3 ، الثورة عدد 17 ، 9 أكتوبر 2005. و فى علاقة بما يوجد أعلاه ، أنظروا الأصحاح 3 إلى 14 من سفر الخروج . و السلسلة الكاملة من " الإلاه الفاشي الأصلي " متوفّرة كذلك على الأنترنت كوثيقة بموقع أنترنت revcom.us )
و بعد ذلك كتب بروكس :
"ماذا يقال عن هذا " الإلاه " الذى رغم أنّه " قادر على كلّ شيء " وكان بإمكانه ببساطة أن يمنع إستعباد اليهود من البداية ، و ثمّ بالتالي كان بوسعه تحريرهم عندما وقعوا فى العبودية ، إختار عوضا عن ذلك و عن وعي أن يمدّد فى عذاب كلّ من اليهود و المصريين لمجرّد إستعراض قوّته ؟ هل نرفع من راية هذا الإلاه أو نؤمن به ؟ ( " الإلاه الفاشي الأصلي " ، الجزء 3 أ من الثورة عدد17 ، 9 أكتوبر 2005).
و تاليا فى مقطع آخر من هذه السلسلة " الإلاه الفاشي الأصلي " نقرأ :
" يصف سفر العدد كيف أنّ جيوش شعب الإلاه أخذت تتجمّع ثمّ توجهت إلى كنعان و إستعدّت لقتال سكّان تلك الأرض و سحقهم .
لكن عند نقطة معينة ، واجهت هذه الجيوش أوقاتا صعبة و أضحت معنويّات الفيالق فى الحضيض و شرعت تشكو لموسى سوء الظروف و فقدانها لما يكفيها من المؤونة. عندئذ ماذا كان ردّ الإلاه ؟ حسنا ، بما أنّه " إلاه رحيم ، و لا يغضب بسهولة " مثلما أشار إلى ذلك سفر الخروج 34 ، بلا شكّ أنّه ردّ بمباركة اليهود بالغذاء حتى لا يجوعوا ، أليس كذلك ؟ خطأ ! بدلا من ذلك ردّ الإلاه بداية بإعطاء شعبه الغذاء لكن بعد ذلك " وَإِذْ كَانَ اللَّحْمُ بَعْدُ بَيْنَ أَسْنَانِهِمْ قَبْلَ أَنْ يَنْقَطِعَ، حَمِيَ غَضَبُ الرَّبِّ عَلَى الشَّعْبِ، وَضَرَبَ الرَّبُّ الشَّعْبَ ضَرْبَةً عَظِيمَةً جِدًّا. " ( سفر العدد ، 11) . و كلّ هذا يحصل لشعب لم يفعل ببساطة شيئا آخر سوى التذمّر من أنّه جائع ! ( " الإلاه الفاشي الأصلي " ، الجزء ب 3 ، الثورة عدد 18 ، 16 أكتوبر 2005 ). و لاحظوا أنّه عندما يعد الإلاه " شعبه المختار " بهذه الأرض يوجد هناك بعدُ شعب آخر يعيش فيها ، لذا يجب فعل شيء ما به . و كما سنرى يجب ذبحه و إخراجه من تلك الأرض و الذين – و على وجه الخصوص النساء العذراوات – ينجون من المذبحة يجب إستعبادهم ".
و يلاحظ بروكس كذلك أنّ :
" فى آخر المطاف ، بات بعض اليهود جدّ مغتاضين من الحكم الغاشم لموسى إلى درجة قيامهم بتمرّد ضد طغيانه فردّ الإلاه على هذا التمرّد بسحق المتمرّدين – فتح الأرض فإبتلعتهم جميعا ، و حرق 250 رجل فى حريق كبير. ( سفر العدد 16) .و فى اليوم التالي ، إنتفض جميع يهود المجتمع رافعين السلاح جراء ما فعل بهم الإلاه عن طريق موسى و هارون. وعندئذ لأنّ " الإلاه رحيم و لا يغضب بسهولة " بالطبع قام بالإعتذار بإسهاب ، معترفا بقسوته و واعدا بعدم تكرار ذلك ، أليس كذلك ؟ خطأ أيضا ! ردّ الإلاه بمزيد من القسوة : قتل 14.700 يهودي ( و لعلّكم توقّعتم ذلك ) بوباء! ( " الإلاه الفاشي الأصلي" ، الجزء ب 3 ، الثورة عدد 16 ، 16 أكتوبر 2005 ).
و كما يلمح إلى ذلك بروكس : " على ما يبدو ، لدي الإلاه نوعا من الولع بالأوبئة . و يشير إلى أنّ :
" فى سفر اللاويّين ، يحيل الإلاه مرّة أخرى إلى واحدة من ممارساته المفضّلة – صبّ الأوبئة على الرؤوس كعقاب للذين لا يتبعونه :" مَتَى جِئْتُمْ إِلَى أَرْضِ كَنْعَانَ الَّتِي أُعْطِيكُمْ مُلْكًا، وَجَعَلْتُ ضَرْبَةَ بَرَصٍ فِي بَيْتٍ فِي أَرْضِ مُلْكِكُمْ." قال ذلك الإلاه قبل عرض السيرورة المناسبة التى ينبغى إحترامها لتنظيف منزل ضربه الإلاه ذاته بوباء ! (سفر اللاويّين 14) . و فى سفر اللاويّين 20 ، مرّة أخرى يقدّم الإلاه تبريره المفترض للقسوة التى صبّها على سكّان كنعان : ذلك التبرير ، من جديد، هو أنّ سكّان تلك الأرض قد إنحرفوا عن طرقه أو قاوموها : " فَتَحْفَظُونَ جَمِيعَ فَرَائِضِي وَجَمِيعَ أَحْكَامِي، وَتَعْمَلُونَهَا لِكَيْ لاَ تَقْذِفَكُمُ الأَرْضُ الَّتِي أَنَا آتٍ بِكُمْ إِلَيْهَا لِتَسْكُنُوا فِيهَا. 23وَلاَ تَسْلُكُونَ فِي رُسُومِ الشُّعُوبِ الَّذِينَ أَنَا طَارِدُهُمْ مِنْ أَمَامِكُمْ. لأَنَّهُمْ قَدْ فَعَلُوا كُلَّ هذِهِ، فَكَرِهْتُهُمْ. 24وَقُلْتُ لَكُمْ: تَرِثُونَ أَنْتُمْ أَرْضَهُمْ، وَأَنَا أُعْطِيكُمْ إِيَّاهَا لِتَرِثُوهَا، أَرْضًا تَفِيضُ لَبَنًا وَعَسَلاً. " (سفر اللاويّين 20 ) .( " الإلاه الفاشي الأصلي " الجزء أ4 ، الثورة عدد 19 ، 23 أكتوبر 2005 . و فى علاقة بغزو كنعان ، أنظروا إضافة إلى سفر اللاويّين ، سفر العدد الأصحاح 13 و 14 ؛ سفر الخروج ،الأصحاح 23 ؛ سفر التثنية الأصحاح 9 و سفر التكوين ، الأصحاح 15) .
و نسترسل مع " الإلاه الفاشي الأصلي " – الذى يجب أن يكون عنوانه أكثر سطوعا فى هذه النقطة حيث يحيل بروكس على سفر العدد ، الأصحاح 25 الذى يخبرنا بأن بعض اليهود قد سقطوا تحت تأثير نساء مديانيات و لم يمارسوا معهن الجنس وحسب بل كذلك – حتى أكثر شناعة ! – قد غرّرن بهم ليعبدوا آلهتهن . إذن مثلما يروى بروكس : " عند إكتشاف هذا ، صار الإلاه غاضبا جدّا إلى درجة أنّه قضى على 24 ألف يهودي ( هل من تخمين ؟ أي تخمين ؟ ) نعم ، بوباء ! ( " الإلاه الفاشي الأصلي " ، الجزء 4 ، الثورة عدد 20 ، 30 أكتوبر 2005 ).
والآن الإجابة على السؤال الذى طرحه بروكس،عقب تصوير واحدة من هذه الفظائع المرتكبة من قبل إلاه الكتاب المقدّس، يجب أن تكون أوضح حتى : " هل نرفع راية هذا النوع من الإلاه أو نؤمن به ؟ "
لكنّنا لم نرى بصورة تامة مدى تعطّش هذا الإلاه إلى الدم ، هو وخادمه و فارضه موسى . لذلك علينا العودة إلى سفر العدد 31 . و لعلّه لا وجود لجزء آخر من الكتاب المقدّس ينطوى على إحتفال سافر بالغزو بلا ندم و بلا رحمة و بالذبح و الإغتصاب مثل ذلك الموجود فى سفر العدد . فهذا الجزء من سفر العدد يروى معركة موسى واليهود ضد المديانيّين . و نذكّر بأنّ موسى و الإلاه كانا ، حسب الكتاب المقدّس ، غاية فى الغضب ضد المديانيين و كذلك ضد العديد من اليهود لأنهم كانوا ينامون مع نساء من مديان أغوينهم ليعبدوا آلهتهنّ ، عوض عبادة " الإلاه الواحد الحقيقي " لليهود . و هكذا ، أمر الإلاه موسى فأمر موسى الناس : أخرجوا و أذبحوا المديانيين . و كذلك فعلوا. و يمكن أن نقرأ هذا فى سفر العدد 31، الآيات 13 إلى 18 و 31 إلى 35 . و هنا سأركّز على الآيات 17 إلى 18 .
خرج قادة الجيش اليهودي و ذبحوا المديانيّين ثمّ عادوا و أطلعوا موسى على ما صنعوا فغضب موسى غضبا شديدا . هل غضب لأنّهم ذبحوا المديانيّين؟ لا . لقد غضب لأنّهم كانوا رحماء جدّا إذ لم يقتلوا سوى الكهول من الذكور و أخذوا بعض ماشيتهم و ممتلكاتهم الأخرى . و قال موسى : سحقا ! حسنا ربّما ما كان ينبغى أن نقول ذلك ( ضحك ) ، لكنّه قال لهم : عودوا أدراجكم إلى هناك و لا تقتلوا فقط كلّ كهل ذكر يمكن أن يكون قد نجا ، بل أقتلوا كذلك كلّ طفل ذكر من المديانيين و كلّ أنثى ليست عذراء . و النساء العذاري ، قال موسى ، يمكن أن تتخذوهنّ غنائم حرب ، كصاحبات – يعني عبيد جنس.
إن كنتم لا تصدّقوننى، هذا هو المقتطف كلمة كلمة ، فى سفر العدد - وهنا يتحدّث موسى بإسم " الإلاه " :
" فَالآنَ اقْتُلُوا كُلَّ ذَكَرٍ مِنَ الأَطْفَالِ . وَكُلَّ امْرَأَةٍ عَرَفَتْ رَجُلاً بِمُضَاجَعَةِ ذَكَرٍ اقْتُلُوهَا. لكِنْ جَمِيعُ الأَطْفَالِ مِنَ النِّسَاءِ اللَّوَاتِي لَمْ يَعْرِفْنَ مُضَاجَعَةَ ذَكَرٍ أَبْقُوهُنَّ لَكُمْ حَيَّاتٍ. " ( سفر العدد 31: 17-18).
و ماذا عن يشوع و معركة أريحا ؟ لقد سمعنا جميعا عن يشوع و معركة أريحا و قد سمع الكثيرون عن أغنية دينية شعبية التى كُتب عنها و التى تخبرنا بكيف أن سور أريحا " سقط " . و غالبا لا يقال لنا ما الذى حدث بعد أن " سقط " السور .
و مرّة أخرى ، حسب أوامر الإلاه ، دخل أتباع هذا الإلاه أريحا و ذبحوا جميع السكّان . و إذا نظرنا مثلا إلى يشوع ، الإصحاح السادس ، الآيات 16 إلى 19 ثمّ بصورة خاصة إلى الآية 21 ، سنجد أنّه بعد أن " سقط " السور : " وَحَرَّمُوا كُلَّ مَا فِي الْمَدِينَةِ مِنْ رَجُل وَامْرَأَةٍ، مِنْ طِفْل وَشَيْخٍ، حَتَّى الْبَقَرَ وَالْغَنَمَ وَالْحَمِيرَ بِحَدِّ السَّيْفِ. ". و بذات المناسبة كذلك الأطفال الصغار ضمن " أعداء الإلاه " لم ينجوا من " عدالة " هذا الإلاه و رسوله يشوع (1).
و الآن إن قرأتم فى ثنايا كتاب سفر أشعياء الذى ما المفترض أنّه أحد أفضل أجزاء الكتابات اليهودية ، سترون ( مثلا ، فى الفصول 11 و 14 ) أشعياء يمضى قدما فى الحديث عن الإنتقام الذى سيلحق ببابل لإضطهادها الشعب اليهودي و على الأمم الأخرى التى تعارض دين " الإلاه الواحد الحقيقي " و تتّبع أديانا أخرى . و من جديد نساء بابل و نساء الأمم الأخرى سيقع إغتصابهمّ و سيقع كسر رؤوس الأطفال و كلّ الرجال سيقع ذبحهم . المرّة تلو المرّة تلو المرّة ، يعلنه الرسول أشعياء و يُنشده أناشيدا تقريبا .
و عادة ما نسمع عن المزامير فى الكتاب المقدّس و كيف أنّها تعابير عن حبّ الإلاه و رحمته و ميزات رائعة أخرى . حسنا لننظر فى سفر المزامير 137 . وُجدت عمليّا أغنية موسيقى الريجي قامت على هذا وهي تبدأ ب " 1عَلَى أَنْهَارِ بَابِلَ هُنَاكَ جَلَسْنَا، بَكَيْنَا أَيْضًا عِنْدَمَا تَذَكَّرْنَا صِهْيَوْنَ." . حسنا ، هذه هي الآيات الأولى من فى سفر المزامير 137 . لكن ما هي الآيات الأخيرة ؟ هذه هي اللآيات 8 و 9 التى تختم ذلك المزمور :
" يَا بِنْتَ بَابِلَ الْمُخْرَبَةَ، طُوبَى لِمَنْ يُجَازِيكِ جَزَاءَكِ الَّذِي جَازَيْتِنَا! 9طُوبَى لِمَنْ يُمْسِكُ أَطْفَالَكِ وَيَضْرِبُ بِهِمُ الصَّخْرَةَ ! ".
و بالفعل ، إذا قبلت بما يقوله الكتاب المقدّس ، الإلاه ليس أفضل من دراكولا . والمشكل الوحيد هو أنّ الإلاه أقوى من دراكولا . شخصية دراكولا فى الأدب و فى الأفلام كانت قائمة ، على الأقلّ دون تدقيق ، على وجه تاريخي فى رومانيا قبل قرون عدّة كان إسمه فلاد الأمبالير . و بالنسبة للأعداء ، مثل الأتراك الذين مارسوا الإسلام ، وكذلك الفلاحين الذين إنتفضوا ضد حكمه فى رومانيا ، فإنّ الشكل المفضّل لديه للإنتقام كان تعليقهم - فيوثق أجسادهم إلى أعمدة و يجعلهم إلى النهاية يتعفّنون إلى أن يموتوا . هذا هو الأساس التاريخي لشخصية دراكولا .
و فى الكتاب المقدّس ، لا يتحرّك موسى بإسم الإلاه فحسب و يقتل آلافا من شعبه هو ، اليهود ، لأنّهم قدّسوا صنما ( أنظروا سفر الخروج ، الفصل 32 ، و خاصة الآيات 25 إلى 29 ) لكن لاحقا عندما يعلم الإلاه أنّ رجالا يهودا – و نبدأ من جديد مرّة أخرى – يقيمون علاقات جنسية مع نساء من موآب تغويهم ليقدسوا آلهتهنّ عوضا عن " الإلاه الواحد الحقيقي " ، يأمر " الإلاه الواحد الحقيقي " موسى ب " خُذْ جَمِيعَ رُؤُوسِ الشَّعْبِ وَعَلِّقْهُمْ لِلرَّبِّ مُقَابِلَ الشَّمْسِ. " ( هذا مجدّدا من سفر العدد ، الفصل 25 ، الآيات 1 إلى 5 ).
وفق الكتاب المقدّس نفسه ، هذا النوع من الذبح و النهب و الإغتصاب المطبّق المرّة تلو المرّة تلو المرّة فى إنسجام مع أوامر الإلاه . و الأسفار الخمسة الأولى من ما تسمّى أسفار " موسويّة " من الكتاب المقدّس ( مثل سفر يشوع ) المأكّدة على تكريس النهب و الإغتصاب و الذبح – بما فى ذلك القتل الجماعي للرضّع و الأطفال – تكريسا تاما بلا رحمة . ثمّ يشاهد المرء اليوم هؤلاء الأصوليين المسيحيين الذين يشبهون المومياء أمام مصحّات الإجهاض ملتحفين بالكتاب المقدّس و يتهمون النساء اللاتي تجرين إجهاضا و الأطبّاء الذين يسهرون على إجراء تلك العمليّات بانّهم " قتلة أطفال " – مشوّهين ما يحدث عمليّا مع الإجهاض ، حاجبين واقع أن أكثر من 90 بالمائة من عمليّات الإجهاض تحصل خلال الثلاث الأشهر الأولى من الحمل حينما يكون الجنين صغيرا للغاية و لم يتطوّر إلى درجة عالية و بعيدا عن أن يكون قادرا على الحياة لوحده . يسعى هؤلاء الأصوليين المسيحيين المتزمّتين إلى تقديم الأشياء كما لو أنّها تامة التطوّر و أنّ أطفالا صغارا مستقلّين يتعرّضون إلى القتل عندما يجهض الجنين . لكن ، إلى جانب الجهل المدقع الذى يعبّرون عنه ويروّجون له ، هناك النفاق و السخرية العميقين بأنّ الكتاب المقدّس ذاته الذى يرفعونه كسلاح ضد نساء حوامل لا تبغين ذلك الحمل – أنّ الكتاب المقدّس ذاته يدعو المرّة تلو المرّة تلو المرّة إلى ذبح عمليّ للرضّع و الأطفال .

الكتاب المقدّس حرفياّ فظيع

لكلّ هذا ، بقناعة و مبرّرات عميقة ، ينبغى أن نقول إنّ الكتاب المقدّس حرفيّا فظيع . و تتطلّب المسألة الجوهرية أن تُطرح: هل أنّ ما يصوّره الكتاب المقدّس بشأن الناس وعلاقاتهم – كيف يتعيّن أن تكون هذه العلاقات و كيف يجب أن تكون حسب قوانين الإلاه – هل هذا فعلا نوع العالم الذى نرغب فيه ؟
من ما تمّ عرضه إلى الآن و ما سنتعمّق فيه لاحقا فى ثنايا هذا الكتاب ، يصبح واضحا بلا مراء أن الآتي ذكرهم بعض من العلاقات و المعتقدات فى منتهى الإضطهاد التى يُدافع عنها الكتاب المقدّس – و ليس فقط يُدافع عنها ، بل يدعو إليها و يأمر بها و يحتفى .
العبودية و أشكال أخرى من الإستغلال بلا رحمة .
هيمنة الرجال على النساء و إخضاعهن ، بما فى ذلك ما يسمى حقّ الغزاة الذكور فى خطف النساء ، لا سيما العذاري كغنائم حرب و إغتصابهنّ و جعلهنّ صاحبات – يعنى عبيد جنس – لدي الغزاة .
إعدام النساء المدّعى أنّهن ساحرات .
إدانة المثلية الجنسية ليس على أنّها ذنب فحسب بل على أنّها رجس يستحق الموت .
حقّ و بالفعل واجب ، على حدّ أمر الإلاه ، نهب الناس و ذبحهم – بما فى ذلك الرضّع و الأطفال – الذين يتبعون دينات أخرى .
ذبح المؤمنين ب"الإلاه بالواحد الحقيقي" الذين يغضبون ذلك الإلاه .
قتل الأطفال الذين يتمرّدون على آبائهم .
الإعتقاد فى التطيّر والخوف ، و الخوف المولّد للجهل ، من أشياء مثل طرد الأرواح الشرّيرة من الجسم.
المفهوم المريع أنّ المرض سببه الخطيئة .
الحكم باللعنة الأبدية و العذاب الذى لا يحتمل فى جهنّم على الذين لا يقبلون ب " الإلاه الواحد الحقيقى " – و فى حال المسيحية ، أنّ المسيح إبن الإلاه الذى وقع صلبه لكنّه بُعث من جديد من الموت .
كلّ هذا ، إلى جانب عديد الفظائع والإساءات الأخرى ، يدافع عنه الكتاب المقدّس و يروّج له . إذا كنت تؤمن بالكتاب المقدّس – و خاصة إن كنت تؤمن و تشدّد على أنّ إلاها أملاه ، أو أنّه الكلمة التى أوحى بها الإلاه و كلّ هذا يجب أخذه حرفيّا – عندئذ يجب أن تقول إنّ كلّ هذه الفظائع و الإساءات أشياء صحيحة و جيّدة لأنّ الكتاب المقدّس يقول إنّها صحيحة و جيدة . وهذا بالضبط الحال مع الأصوليين المسيحيين اليمينيين الذين يمكن نعتهم بصفة دقيقة جدّا بالمسيحيين الفاشيين .

الأصوليّون المسيحيّون ، مسيحيّون فاشيّون

و مباشرة الآن ، يمكن أن تثار مسألة : " لماذا نطلق على هؤلاء الأصوليين المسيحيين اليمينيين مسيحيين فاشيين " ؟ حسنا، السبب البسيط و الأساسي هو أنّهم مسيحيون و هم فاشيون ( ضحك). إنّهم النسخة الحديثة الأمريكية اليوم من النازيين فى ألمانيا و على رأسهم هتلر ، فى فترة ما قبل الحرب العالمية الثانية و أثناءها . إنّهم يرغبون فى فرض تيوقراطية فاشية على المجتمع – شكل قمعي مفتوح من الحكم الرجعي ، يخدم مصلحة الطبقة الرأسمالية و نظام الإستغلال الرأسمالي – الإمبريالي الذى فيه القانون و ممارسة السلطة السياسية سيكونان مستندين و مبرّرين بأساس الكتاب المسيحي و " قانون الكتاب المقدّس " – كما تأوّله الوجوه ذات السلطة المهترف بها على أنّها شرعية من قبل المسيحيين الفاشيين .
على الدوام يتكلّم هؤلاء المسيحيين الفاشيين عن " الأخلاق التقليدية " و يشدّدون عليها . لذا لنفحص أكثر التقاليد و الأخلاق التقليديّة التى يشدّدون عليها عمليّا و يريدون فرضها على كافة المجتمع . ما الذى يشمله هذا عمليّا و ما الذى يمثّل فعليّا ؟ من الأشياء البارزة للغاية هي أنّ هؤلاء المسيحيين الفاشيين حين يواجهون بأنواع الفظائع التى أشرت إليها ، و العديد منها متركّزة فى العهد القديم من الكتاب المقدّس ، سيقولون : " آه ، ذاك هو العهد القديم الذى كان للإلاه مع الأمة القديمة لليهود. ذاك هو العُرف القديم . و الآن لدينا عُرف جديد ، عهد جديد قائم على حياة المسيح و تعاليمه و موته و إعادة بعثه ".
حسنا ، كأمر واقع العهد الجديد يدافع عن أشياء مثل العبودية و إخضاع النساء . فعلى سبيل المثال رسائل بولس فى العهد الجديد تقوم بهذا بالأحرى بإصرار . فبولس يأكّد مرارا و تكرارا على أنّه على العبيد أن يعلنوا الولاء و يطيعوا أسيادهم ( أنظروا مثلا 3: 22-24 رسالة كولوسي ) . العهد الجديد فى شخص بولس – الذى ، كما سأعود للأمر لاحقا ، هو أكثر الشخصيات تأثيرا فى العهد الجديد - يأمر الناس بأن يخضعوا للسلطة الأرضية بغض النظر عن مدى إضطهاد هذه السلطة الأرضية و مثلما وضع ذلك بولس ، لأنّ هذه السلطة الأرضية تسير بأمر الإلاه ( أنظروا رسالة روما 13: 1-7). و العهد الجديد يأكّد بكلمات المسيح نفسه ( على غرار ما فى إنجيل يوحنّا 14:6 و إنجيل يوحنّا 15:6 ) أنّه إذا لم تتبعه و تقبل بما يُعلمه ، لن تكون قادرا على دخول الجنّة وعوض ذلك ستُلعن و يصيبك عذاب رهيب فى جهنّم إلى الأبد (2 ). لذا إن كنت تؤمن بالكتاب المقدّس و تشدّد على القبول به حرفيّا ، على أنّه كلمة الإلاه المعصوم من الخطإ و التى لا تتغيّر ، عليك أن تؤمن بأنّ كلّ إنسان يتبع دينا آخر – و حتى الأطفال الذين يموتون فى سنّ مبكرّ ، دون معرفة أي شيء عن الدين بشكل أو آخر – تجب إدانتهم باللعنة الأبدية لأنّهم لم يقبلوا بالمسيح على أنّه منقذهم .
------------------------------------------
الهوامش :
1- أمّا بالنسبة لقصّة كيف أنّ يشوع ، فى معركة أخرى ، جعل الشمس و القمر يتوقّفان بينما كان اليهود " ينتقمون من أعدائهم " ، فهذه بالطبع أسطورة لا أساس لها فى الواقع : إلى جانب كون الأرض عمليّا هي التى تدور حول الشمس و ليس العكس ( وهو أمر قمعته السلطات الكنسية المسيحية قدر ما إستطاعت من الزمن ، عبر إستعمال التعذيب و وسائل أخرى، لأنّ هذا الأمر الأساسي يتناقض مع ما يقال فى الكتاب المقدّس ) ، لئن كانت حركة الشمس و الأرض و القمر قد تأثّرت كما يدعى الكتاب المقدّس ، فى سفر يشوع ، فإنّ ذلك كان سيفرز تبعات كارثية و لم نكن لنوجد هنا لقراءة هذه الحكاية فى الكتاب المقدّس . ( أنظروا سفر يشوع 10 : 10-13).
2- و كذلك جدير بالنظر فيه حكاية عيسى المسيح عن العشرة دنانير التى وفقها يعطى رجل نبيل عشرة دنانير لعشرة عبيد يملكهم ، ثمّ بعد مدّة يجازيهم أو يعاقبهم حسب كيفية إستعمالهم للمال – إن كانوا قد إستثمروه بذكاء أو بذروه بغباء . و فى نهاية هذه الحكاية - التى من المفترض أنّها تخصّ مجيئ مملكة الجنّة و ما سيلقاه الصالحون و الطالحون لمّا يحين الوقت – يقول الرجل النبيل فى الحكاية : " أمّا أعدائي الذين لا يريدون أن أملك عليهم ، فجيئوا بهم إلى هنا و أقتلوهم أمامي " ( أنظروا لوقا 19: 1-27؛ و ما إقتبسناه هنا هو الآية 27) . و ليس دون أي سبب أن المسيحيين الفاشيين فى الولايات المتّحدة، بما فى ذلك فى الجيش الأمريكي ، يأوّلون هذه الحكاية و خاصة آيتها الأخيرة ( لوقا 19: 27 ) على أنّها إعلان عن أنّ الذين لا يعترفون بالمسيح كإلاه و منقذ سيواجهون بلا رحمة الدمار عندما تأتي مملكة الجنّة . و مثلما جاء فى تقرير لجريدة حزبنا ، الثورة ( العدد 98 ، 13 أوت 2007 ) فى لقاء صحفي مع مجلّة تكّون وصف ميكاي واينشتاين من المؤسسة العسكرية للحرّية الدينية نظرة الأصوليين المسيحيين فى جيش الولايات المتحدة : " عادة ما يستشهدون بلوقا 19: 27 حين أتحدّث إليهم . وهي حكاية الدنانيرالتى يقول فيها المسيح : " أمّا أعدائي الذين لا يريدون أن أملك عليهم، فجيئوا بهم إلى هنا و أقتلوهم أمامي ".
----------------------------------------------------------------------------------------------

تسليط ضوء حقيقيّ على عيسى

مع كلّ " الهالة " الغامضة و المقدّسة حول عيسى ، من المهمّ أن ننظر فيه و نتفحّص ما الذى وقف من أجله على ضوء الحقيقة . وفق هذا الكتاب المقدّس ، يلتقى عيسى شخصا مريضا بداء الصرع ، و كيف كان من المفترض أن يعالج داء الصرع ؟ عبر طرد الأرواح الشرّيرة . على ما يبدو ، الإلاه العالم بكلّ شيء ، في شخص عيسى ، لم ينتبه إلى حقل الطبّ. و حتّى إن كان الناس حينها لم يفهموا ما هو السبب المليّ لداء الصرع ، إن كان الاه موجودا ، فإنّه كان ينبغي عليه أن يعرف ذلك . هناك العديد من الأشياء التي لم يكن الناس يعرفها في ذلك الوقت و لذلك ( مثلما لا يزال يحدث عادة اليوم ) حين لا يفهمون الأشياء يقومون بعمليّات عقلنتها و تفسيرها . و تنتهى هذه التفسيرات عادة و بالفعل عامة إلى توبيخ الناس أنفسهم و الإعتقاد في سوء حظّهم .هذه كلّ النقطة حول الأمراض التي تتسبّب فيها الذنوب : يقول الكتاب المقدّس إنّ عيسى يمضى يشرع في معالجة المرض بطرد الأرواح الشرّيرة و التخلّص من الذنوب. و كلّ هذا موجود في العهد القديم .
و ليس فقط أنّ بولس في رسائله – و أيضا في العهد الجديد – يدافع عن العبوديّة غير أنّ عيسى نفسه في سفر أمثاله يقبل بالعبوديّة كمعطى .هناك مثل الأعشاب الضارة ضمن الحنطة و مثل الخادم عديم الرحمة والمسـتاجرين الأشرار و مثل حفل عشاء العرس و مثل المواهب – كلّ هذه الأمثال تقبل بفكرة أنّ العبوديّة و الإضطهاد سيوجدان في هذا العالم و يستخدمهما كوسيلة لإستخلاص دروس من أجل الحياة . أنظروا إنجيل متّى 10: -24-25 فهناك يقول عيسى [ ياسوع المسيح ] : " لَيْسَ التِّلْمِيذُ أَفْضَلَ مِنَ الْمُعَلِّمِ، وَلاَ الْعَبْدُ أَفْضَلَ مِنْ سَيِّدِهِ. يَكْفِي التِّلْمِيذَ أَنْ يَكُونَ كَمُعَلِّمِهِ، وَالْعَبْدَ كَسَيِّدِهِ."
[ الكتاب المقدّس باللغة العربيّة المعتمد من هنا فصاعدا هو ذلك المنشور على رابط الأنترنت التالى [ المرتجم ]:
]www.St-Takla.org___Arabic-Bible-with-Diacritics-pdf
و بالنظر إلى مكانة المرأة ، يقبل عيسى مرّة أخرى كمعطى علاقات هيمنة الذكور كما هي في العهد القديم . و عادة أولئك الذين يبحثون في عيسى – و يقدّمون عيسى على أنّه بطل مظلوم و مضطهد و مهمش ويحاججون بأنّ عيسى سمح للنساء اللاتى كنّ منبوذات و مدانات بإرتكاب ذنوب للإقتراب منه و حتّى بأنّ تصبحن جزءا من حلقته المقرّبة و بالتالى وفّر عيسى نموذجا و طريقة لبلوغ المساواة بين الرجال و النساء و تخطّى آلاف السنوات من تبعيّة النساء و إهانتهنّ . (3)
(3- ليس في الغرب فحسب حيث كانت المسيحيّة الديانة المهيمنة لأكثر من 1500 سنة بل كذلك في آسيا وُجدت محاولات في الأزمان الحديثة لإعادة إخراج عيسى على أنّه مدافع عن المضطهَدين و تعاليمه على أنّها أساس " لاهوت التحرير " . و من أهمّ هذه المحاولات محاولة موجودة في كتاب " المسيح الداليت ، لاهوت التحرير لضحايا المنبوذين في الهند ، نسخة هنديّة من الأبرتايد " لأم . أر. آرولراجا . في " مقدّمة " هذا الكتاب ن أطروحته الأساسيّة تتلخّص في :
" الداليت الذين أعادوا قاءة الكتاب المقدّس في إطار صراعهم من أجل التحرّر واجهوا عدّة مفاجآت .
لقد وجدوا أنّ صراع عيسى كان تحديدا ضد ممارسة النبذ الطبقيّ السائدة في المكان الذى عاش فيه و في زمانه . لم يكن عيسى يقدّم تحددا مثالا للداليت لينجزوا العبور بشكل وديع إلى الموت . كان بالأحرى يطالبهم بقتال الميز العنصريّ للكاست حتّى و إن كان ثمن ذلك حياته ؛ و أصبح نضاله مفيدا لهم بصفة مباشرة . لقد إكتشفوا في عيسى بطلهم ، قائدهم ، إلاههم الذى مات من أجل تحريرهم " .( الصفحة 7رومانيVII )
و مرّة أخرى ، في " الخاتمة " ، يحاجج :
" يؤكّد عيسى بأقواله و أفعاله أنّ النبذ الطبقيّ أسطورة إنّه يمسّ الداليت و يقول إنّهم أبناء الإلاه بقدر ما هو إبنه . كافة البشر أبناء للأب الواحد. و الأب نفسه لا يمكن أن يكون له أبناء ينتمون إلى كاست مختلفين ..." ( ص 210 )
ما يحيل عليه آرولراخا هو اللحظات في الكتاب المقدّس التي يبلغ فيها عيسى و يعانق الناس المدانين بذنوب و المعاملين كمنبوذين و نيّته ( و أحيانا حتّى تأكيده على ) القطيعة مع إنخراط دغمائيّ في القوانين الموسويّة الصارمة ،و كذلك الطريقة التي يطالب بها المسيح بالرحمة و الشفقة للفقراء و المعذّبين . و يبحث آرولراخا كذلك عن بناء أطروحته على واقع أنّ عيسى في لحظات إعترف بالإخلاص و ميزات أخرى إيجابيّة لدي غير اليهود وأنّ بولس فعل أكثر من ذلك كمسألة سياسيّة، نشر الرسالة المسيحيّة و نظّم المجموعات المسيحيّة بصفة متصاعدة في صفوف غير اليهود . لكن كما يقرّ بذلك آرولراخا ( مثلما سيتمّ نقاش ذلك بصفة أتمّ لاحقا في هذا الكتاب ) ، لاحظ عيسى أنّ جهوده كانت تستهدف أساسا و بصفة طاغية اليهود- دين نسخة من اليهوديّة ،و تطوّرت المسيحيّة في البداية كطائفة من اليهوديّة – و قرار بولس التركيز أساسا و بشكل متزايد على غير اليهود أتى ليس كتمسّك بمبدأ رفض " النبذ الطبقيّ " و إنّما بالأحرى كضرورة فُرضت بسبب رفض المسيحيّة من قبل الغالبيّة الساحقة من اليهود و الإنفتاح المتنامى لها في صفوف عدد من غير اليهود في منطقة البحر الأبيض المتوسّط الأوسع . و بصفة أكثر جوهريّة ، كما سجّلنا ذلك بعدُ ،و سنحلّل أكثر في ثنايا هذا الكتاب ، تعاليم عيسى و المسيحيّة لا تهدف بالفعل إلى تجاوز أو توفير أساس لتجاوز علاقات الإضطهاد في هذا العالم الحقيقيّ : بالعكس ، هما تجسّدان و تنشران و تعزّزان مثل هذه العلاقات بما فيها بعض التعبيرات الكثر مرارة ).
لكن الحقيقة هي أنّ الكتاب المقدّس واضح بشأن أنّ عيسى و بولس أكثر بكثير كمسألة سياسيّة ، نشر الرسالة المسيحيّة و نظّم المجموعات المسيحيّة بصورة متصاعدة في صفوف غير اليهود . لم يتحدّى أبدا بل أدمج ضمن تعليماته نظرة دونيّة للمرأة في علاقاتها بالرجل ، و بالفعل ، أساسا كملكيّة للرجل – نظرة متجذّرة عميقا في الكتابات المقدّسة و التقاليد الدينيّة التي تبنّأها عيسى نفسه . و لا يجد هذا تعبيرا أكثر تركيزا عنه ممّا هو في مسألة العذريّة .
لا يضع الكتاب المقدّس تشديدا كبيرا حسب على " الولادة العذراء " المفترضة لعيسى و صورة أمّ عيسى ، مريم كإنسانة لم " لم تقم علاقة جنسيّة مع رجل " قبل زواجها و يقال لنا أكثر من ذلك إنّها حملت عيسى ليس نتيجة علاقة جنسيّة مع زوجها ، يوسف ، و إنّما عبر معانقة الروح المقدّسة ، لكن مجدّدا ، تتبنّى تعاليم المسيح أنّ العذريّة و العفّة فضائل أساسيّة للنساء - و ينعكس هذا على سبيل المثال في مثل العشرة وصيفات ( إنجيل متّى 13:1-25 ) و كذلك في نقاشات عيسى للزواج و (الطلاق ). لذا ، من المهمّ فهم كامل هذا المفهوم للعذريّة – و الأهمّية المنوطة بها – و ما يقوم عليه و بدوره ما يعكسه.
قبل آلاف السنوات ، حينما تطوّرت المجتمعات الإنسانيّة و تغيرت على نحو أنّ الثورة التي ينتجها المجتمع كانت تستحوذ على معظمها مجموعة صغيرة من الناس الذين كانوا يسيطرون و يستغلّون البقيّة – حينما ظهرت الملكيّة الخاصة و الثروة الخاصة للأشخاص و تطوّرت – عندها لم يكن الدور الأساسي للمرأة يتقلّص بصفة متزايدة نحو أن تكون مُربّية للأطفال ، و إنّما كذلك أضحى حيويّا في ضمان أن يكون أبناؤها من زوجها كي يمكن نقل ملكيّته إلى ورثته – و خاصة منهم الذكور – و ليس ورثة شخص آخر . و بالتالى كان يجب التحكّم بإنتباه كبير في النشاط الجنسيّ للنساء .
ما هي الوسائل التي تمّ من خلالها فعل ذلك ؟ حسنا ، في مجتمع ملكيّة خاصة للثروة و الممتلكات ، طفل أنثى ، حين تكون صبيّة ثمّ حين تصبح شابة ، كانت ملكيّة أبيها . أحيانا ، كن يستعمل زوجته أو أمّه ( حماة الزوجة ) لممارسة مراقبة إبنته لكن في كلّ الحوال هو ، ألب ، في نهاية المطاف من يراقبها . و تلبية لهذه المتطلّبات البطرياركيّة و العلاقات الإجتماعيّة التي يسيطر عليها الذكور ، كان مسؤولا عن ضمان أنّه عندما تتزوّج تكون عذراء . نلاحظ تواصل هذا التقليد إلى يومنا ،و ليس فقط في الثقافات الإسلاميّة حيث يجرى عادة قتل الشابات على يد أعضاء من أسرتها الخاصة ، إذا فقدن عذريّتهنّ "- حتّى إن جرى غغتصابهنّ – لأنّ هذا يُعتبر مجلبة للعار لعائلتها ( هناك ما يسمّى ب " جرائم الشرف " ) . أنظروا كامل حملة " الإمتناع عن ممارسة الجنس " التي تروّج لها أعى مستويات الحكم في الويلاات المتّحدة اليوم . و بينما يقع تشجيع الذكور و الإناث و يجبرون على الإلتزام ب " الإمتناع عن ممارسة الجنس " ( العذريّة إلى الزواج ) ، لا شكّ ، كما كان على الدوام ، أنّ مثل هذا التشديد على العذريّة يثقل أكثر كاهل البنات و الشابات .و كما سنرى ، إن توصّل المسيحيّون الفاشيّون إلى مبتغاهم ، سينزل العقاب لا سيما بالبنات و النساء اللاتى لم " تمتنع عن ممارسة الجنس " – اللاتى لم تكن عذراوات عند الزواج – و هذا العقاب سيكون القتل : هذا ما تتطلّبه قراءة حرفيّة للكتاب المقدّس و هؤلاء المسيحيّين الفاشيّين جدّيون للغاية بشأن الإنخراط الصارم في " توصيات الكتاب المقدّس " و جعلها القانون المسير للحياة الإجتماعيّة على الأرض .
و أنظروا إلى التشديد المتجدّد في أمريكا في العقود الأخيرة على حفل الزواج التقليدي : تأتى العروس في " ثوب عرسها الأبيض الجميل " و لنتساءل لماذا صار الثوب أبيضا ؟ لأنّ الأبيض لون يمثّل العذريّة . و من " يسلّم العروس" إلى زوجها؟ الأب . بالفعل ، و مهما كانت درجة الوعي بالنسبة لأشخاص معيّنين ، ما يحدث موضوعيّا هو أنّ الأب يستمرّ في تكريس التقاليد البطرياركيّة لتقديم ملكيّته إلى المذبح و تسليمها للزوج الذى سيتّخذها الآن كملكيّة له .
إذا عُدنا إلى " التقاليد اليهوديّة – المسيحيّة " التي تجسّد و تشجّع كامل هذه النظرة و الممارسة الخاصتين بالزواج ، سيكون جليّا للغاية أنّ مسألة العذريّة – عذريّة العروس – مسألة في منتهى الجدّية . على سبيل المثال ، إذا قرأنا سفر التثنية ، االأصحاح 22 ، الآيات 13 إلى 21 ، سنرى هذا مرسوما كصورة واضحة جدّا . هناك ، تحت عنوان " العروس المتّهمة ". يجرى الحديث عن ما يحدث إذا " تزوّج رجل إمرو بعد إقامة علاقة جنسيّة معها يكرهها أو يوجّه لها تهما و يشوّهها بقول " لقد تزوّجت هذه المرأة لكن عندما نمت معها لم أجد دليلا على عذريّتها ". حسنا إذن ، ما المفترض أن يجري إذا إتّهم الزوج زوجته على هذا النحو ؟ مثلما يقدّم ذلك الكتاب المقدّس في سفر التثنية ، على أولياء العروس أن يقدّموا دليلا على عذريّة العروس ل " الشيوخ ( الذكور ) من المجموعة . ما هو هذا الدليل ؟ يجب أن يقدّموا خرقة قماش بالدم ليلة الزواج أمام المجموعة و يرفعونها و يقولون : هذا هو دليل أنّها كانت عذراء و سب سفر التثنية إن أمكن توفير مثل هذا الدليل عندئذ فإنّ الزوج الذى إتّم زورا زوجته يجب أن يدفع خطيّة – لوالد الزوجة . و من الناحية الأخرى ،
" ... إِنْ كَانَ هذَا الأَمْرُ صَحِيحًا، لَمْ تُوجَدْ عُذْرَةٌ لِلْفَتَاةِ يُخْرِجُونَ الْفَتَاةَ إِلَى بَابِ بَيْتِ أَبِيهَا، وَيَرْجُمُهَا رِجَالُ مَدِينَتِهَا بِالْحِجَارَةِ حَتَّى تَمُوتَ، لأَنَّهَا عَمِلَتْ قَبَاحَةً فِي إِسْرَائِيلَ بِزِنَاهَا فِي بَيْتِ أَبِيهَا. فَتَنْزِعُ الشَّرَّ مِنْ وَسَطِكَ. "
( سفر التثنية ، الأصحاح الثاني و العشرون ، الآيات 20-21 )
سيكون من العسير السؤال عن موقف أجلى بصدد المعنى في كلّ هذا هو علاقات حيازة ملكيّة ، فيها المرأة الشابة ملكيّة : أوّلا لأبيها ( و لذا التهم الزائفة ضدّها لكونها ليست عذراء ستعنى خطيّة تدفع لأبيها ( و لهذا ، إن كانت التهم حقيقيّة ، يكون على أبيها ، إلى جانب الرجال الآخرين في المجموعة التي يفترض أن تشارك في قتلها ) ؛ ثمّ ، عقب زواجها و مفترضين إنّها نجحت في " إختبار العذريّة " ، تصبح ملكيّة زوجها و قائمة على مزيد الملكيّة له ( أطفال – مجدّدا – خاصة الأطفال الذكور ).
فكّروا في كلّ الإضطهاد و العنف المرتبط بهذا و في كلّ الطرق التي أدّى بها هذا ليس فقط إلى الإعتداءات الجسديّة ضد النساء بعديد الأشكال بل كذلك العذابات النفسيّة غير المحتملة للنساء – إلى يومنا هذا .
هذه هي التقاليد التي كان عيسى متجذّرا فيها ، تقاليد لم يقطع معها قط و إنّما في الواقع روّج لها و شجّع عليها .
و كمثال آخر عن هذا ، فكّروا في ما قاله عيسى بشأن الطلاق . فحسب عيسى ( مثلا ، لوقا ، 16:18 ، و متّى الأصحاح 5: 31-32) ، حصول طلاق و إعادة الزوارجتساوى خيانة زوجيّة – ذنب . تصوّروا ،و لسوء الحظّ ليس علينا تصوّر ما كان تأثير هذه " التعاليم " عبر العصور ، عبر آلاف السنوات من العلاقات الإجتماعيّة للتفوّق الذكوريّ . فكّروا في تأثير هذا خاصة على النساء الواقعات في براثن زواج إضطهادي و عدواني – فكرة ترك زوج إضطهادي و عدواني ، فكرة أنّها خطيئة ، فكرة مساواتها مع الخيانة الزوجيّة . فكّروا في كافة العذاب الفظيع الحقيقي الذى تسبّب فيه هذا و رسّخه عبر القرون و القرون و القرون – الناس و النساء بوجه خاص ، يواجهون هذا الخطاب الذى تطلقه السلط الدينيّة ، ذاكرة الكتاب المقدّس و كلمات عيسى نفسه . و اليوم ، في أمريكا القرن الواحد و العشرين ، نجد المسيحيّين الفاشيّين و قد ألهمتهم – و هم يدافعون عن إستخدام – هذه " التعاليم " ، يسعون إلى جعل الحصول على الطلاق أعسر ، بهد نهائيّ لمنع و تجريم الطلاق جميعه ( شاهدوا المحطّات المفاتيح في هذا الإتذجاه ، ب" بنود " " ميثاق الزواج " التي وقع تبنّيها في أكثر من ولاية في الولايات المتّحدة ).
و بعدُ يقول البعض : " أجل ، لكن هناك شيء بشأن عيسى " [ ضحك ] يُشدّدون على : " رغم كلّ هذه الأشياء في الكتاب المقدّس – و حسنا ، هي موجودة في العهد الجديد و ليست فقط في العهد القديم – هناك شيء بشأن عيسى ، و رسالة حبّه و مهمّته الأساسيّة ، و هذا ما يجب بعدُ أن نتمسّك به " . حسنا ، مرّة أخرى ، لننظر في ما يفعله المسيح و يقوله ، في مضمونه الفعلي و تبعاته و تأثيراته الفعليّة . لنعد إلى الوراء إلى ما فعله عسى في ما يسمّى بمعجزات الشفاء في الكتاب المقدّس ، إلى الطرق التي يعالج بها عيسى عذابات الناس على أنّها بسبب الأرواح الشرّيرة أو خطيئة المرضىة المعذّبين . و على سبيل المثال ، في متّى 17: 14-20 ، مثلما أشرت إلى ذلك قبلا ، هناك قصّة عيسى المفترض أنّه يشفى صبيّا مصابا بداء الصرع بطرد الأرواح الشرّيرة . لكن هناك قصّة لوقا 5:17-26 حيث المرض مرتبط بالذنب و عيسى يشفى شخصا و يغفر خطيئته. و في لوقا 8، الآيات 26-39 ، نجد أنّ عيسى يعالج رجلا مريضا عقليّا بطرد الروح الشرّيرة . و في هذه الحال ، عيسى نوعا ما شرّير قليلا إذ هو يقذف الروح الشرّيرة في نتوء الخنازير فيسقط الخنازير من الجرف – و أتصوّر أنّ مالك الخنازير لم يكن راضيا على ذلك . [ضحك]
هنا يجب طرح سؤال : إذا كان عيسى يمضى حوله إفتراضيّا ليعالج الناس على هذا النحو ، لماذا لم تكن لديه معرفة أفضل؟ إذا كان هذا المفترضإبن الإلاه ( جزء من ذات جوهر الإلاه ، حسب عقيدة التثليث المسيحيّة المهيمنة ) كيف لم يعرف عيسى أنّ داء الصرع تتسبّب فيه أشياء ماديّة حقيقيّة – مشاكل مع السيرورات الكهربائيّة و الكيميائيّة في المخّ ؟ كيف فكّر في أنّ الأمر كان متعلّقا بروح شرّيرة أو شيطان ؟ أو إذا أراد احدهم أن يحاجج بأنّ عيسى لم يكن يملك معرة أفضل إلاّ أنّه إختار الحديث مع الناس بلغة عصرهم حينها ، لديّ سؤال آخر : لماذا لا يقول الحقيقة للناس و يساعدهم على فهم الواقع كما هو عمليّا بما في ذلك الأسباب الحقيقيّة للمرض و الأسى ؟ لماذا يعزّز المسيح المفترض أنّه يحبّ البشريّة بدلا من قول الحقيقة، يعزّز الجهل و التطيّر – و إلى جانب هذا ، الشعور بالذنب و الخوف ؟
و إذا فكّرتم في أنّ التطيّر و الجهل اللذين تشجّعهما هذه التقاليد الدينيّة المرتبطة بعيسى ليست ضارة ، فكّروا من جديد – فكّروا في صورة الفلاّحين في المكسيك و هم يزحفون على بطونهم أمام ضريح العذراء مقطّعين أنسجة لحمهم و داعين لأن تغفر خطيئتهم لأنّهم مرضى و مشلولون . كلّ هذا يتسبّب في جحم هائل من الضرر.
و عليه ، لنتحدّث بصورة أعمّ عن ما هي النظرة الحقيقيّة للإنسانيّة لدي عيسى .
لقد قال عيسى نفسه إنّه بالإمكان إختزال وصايا و برامج العهد القديم في وصيّتين ( أنظروا إنجيل متّى 22:34-40 ). أولى الوصيّتين ، قال ، هي " تُحِبُّ الرَّبَّ إِلهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ، وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ، وَمِنْ كُلِّ فِكْرِكَ. " الان يمكن أن نقول إنّ الوصيّة الثانية [ تُحِبُّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ] تمثّل شيئا أفضل من أن نقول للناس إنّه يجب أن يكرهوا جيرانهم ويقتلوهم وينهبوهم. بيد أنّ هذه الوصيّة الثانية لا يمكن تطبقها في المجتمع الإنسانيّ . و لما لا ؟
حسنا ، لنأخذ الوصيّة الأولى " تُحِبُّ الرَّبَّ إِلهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ، وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ، وَمِنْ كُلِّ فِكْرِكَ. " . هنا بالذات يكمن مشكل . و المشكل هو أنّ افلاه غير موجود – و لهذا الشبب الأساسيّ ، لا يمكن تطبيق هذه الوصيّة لكن من أجل سلامة المحاججة و اللإستمرار فيها ، لنضع جنبا للحظة واقع أنّه لا وجود لإلاه . لئن وُجد إلاه ، الإلاه الوحيد الذى يمكن أن يكون عيسى يتحدّث عنه هو إلاه العهد القديم و الكتابات المقدّسة اليهوديّة . هذا هو الإلاه ، الإلاه الوحيد الذى كان عيسى معتادا عليه و الذى إليه تحيل الكتابات المقدّسة بشكل متكرّر . حسنا ، شخص يبحث عن القيام بالخير في العالم لا يمكنه و لا يتعيّن عليه ، حبّ إلاه كهذا – لجميع الأسباب التي تكلّمت عنها إلى حدّ الآن ( و التي سأتوغّل في شرحها بشكل حتّى أتمّ و نحن نتقدّم ).
أمّا بالنسبة إلى الوصيّة الثانية ، ليس حقّا ممكنا حبّ كافة جيرانك في نهاية الأمر . في عالم متميز بإنقسامات طبقية عميقة و بلامساواة إجتماعيّة كُبرى ، في الوقاع ليس ممكنا حبّ و التصرّف بحبّ مع كلّ الناس بغضّ الطرف عن الموقع الطبقيّ الذى يحتلّونه و الدور الذى يلعبونه في المجتمع و في علاقة بالطبقات و المجموعات الأخرى من البشر . إن أحببتم ملاّكى العبيد ، كيف تستطيعون حقّا حبّ العبيد ؟ إن أحببتم المستغَلّين و المضطهَدين ، ليس بوسعكم حقّا حبّ الذين يستغلّونهم و يضطهدونهم . لو تصرّفنا إنطلاقا من حبّ احدهما ، ليس بوسعنا موضوعيّا التصرّف إنطلاقا من حبّ الآخر ، لأنّ حاجياتها و مصالحهما متعارضة جوهريّا و متناقضة عدائيّا . يريد العبيد التحرّر من العبوديّة و يرد ملاّكو العبيد أن يبقوا العبيد في أغلالهم . كيف يمكن أن تحبّوهما معا ؟ لا يمكن أن توجد تسوية بينهما على أساس الحبّ أو أي أساس آخر لأنّ في العالم الحقيقيّ سيضطرّان إلى التصرّف بطرق متعارضة مع – و بالمعنى النهائيّ ، ضارة ل – حاجيات الطرف الآخر و مصالحه .
سيبحث العبيد بحثا متكرّرا عن التمرّد ضد ملاّكى العبيد . و حين يتمرّدون لا يكونون مهذّبين و لطفاء و محبّبين . يرغبون في الإطاحة بإضطهادهم . فلمّا قاد نات ترنر تمرّد العبيد في جنوب الولايات المتّحدة في القرن التاسع عشر ، قتل هؤلاء العبيد كافة أنواع البيض – و منهم الأطفال ، وهو شيء ربّما ما كان عليهم فعله ، لكن أمورا مشابهة عادة ما تحدث حينما ينهض الناس الذين ظلّوا لفترة طويلة و بمرارة مضطهَدين و يحاولون إيجاد سبيل للتخلّص من إضطهادهم . طبعا ، يحتاجوا قيادة للقيام بهذا على أفضل وجه غير أنّه حين ينهضون ليس بوسعنا أن نقول " آه الآن ، إنتظروا دقيقة ، يجب أن تحبّوا أسيادكم ". و إذا أحببتم أسيادكم ، عندئذ ستخاطبون العبيد بأن يكونوا لطفاء و مطيعين للأسياد لأنّ هذا هو ما يحتاج إليه الأسياد و يطلبونه من العبيد .
و هكذا، كمسألة واقع ، باحثين عن تسوية لن يفعل سوى مساعدة المضطهِدين و المستغِلّين لأنّهم في موقع هيمنة و هم سعداء جدّا بوجود تسوية تقدّم للذين هم تحت سيطرتهم. و بصفة عامة ، هم سعداء بوجود الوضع كما هو أ سعداء بالحفاظ على الوضع السائد . وهو الوضع الذى ستؤدّى إليه محاولات التسوية عندما لا تؤدّى إلى عنف أسوأ حتّى ينزل بالمضطهَدين.
و كما ألمحت إلى ذلك قبلا ، بكل الحديث عن الحبّ و السلام المنسوبين إلى المسيح ، في آخر المطاف ، قال ، إذا لم تؤمنوا بى ، ستحكمون على أنفسكم بعذاب جهنّم إلى الأبد . لذا هذه ليست رؤية و برنامجا جيّدين بالنسبة إلى الإنسانيّة أو يجب تطبيقهما من طرف من يحالون جهدهم تحسين أوضاع المضطهَدين و الإنسانيّة ككلّ .
و مسألة أخرى تلمس شيئا أساسيّا للغاية هي المسألة التالية : لماذا كان المسيح خاطئا في توقّعاته بشأن بعض الأحداث الحيويّة ؟ حسب الكتابات المقدّسة ، عيسى و كذلك بولس ، كانا واضحين جدّا في التأكيد على أنّ البعث الثانيّ سيأتى قريبا جدّا . فعلى سبيل المثال ن لو نظرنا في إنجيل متّى ، الأصحاح السادس عشر، الآيات 27 و 28 ، سنلاحظ أنّ عيسى يقول:
" ابْنَ الإِنْسَانِ سَوْفَ يَأْتِي فِي مَجْدِ أَبِيهِ مَعَ مَلاَئِكَتِهِ، وَحِينَئِذٍ يُجَازِي كُلَّ وَاحِدٍ حَسَبَ عَمَلِهِ. اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مِنَ الْقِيَامِ ههُنَا قَوْمًا لاَ يَذُوقُونَ الْمَوْتَ حَتَّى يَرَوُا ابْنَ الإِنْسَانِ آتِيًا فِي مَلَكُوتِهِ ".
بعسر يمكن أن يوجهنا شيء أوضح من هذا . و عقب ألفي سنة بعسر يمكن أن يكون بديهيّا أكثر خطأ !
ما يبيّنه هذا مرّة أخرى هو أنّ المسيح ليس كائنا ما فوق الطبيعة ، جزءا من ذات معدن الإلاه ، الأب و في الوقت نفسه إبن الإلاه .(4)
( 4- هنا لن أحاول مزيد التوغّل في إستكشاف غموض عقيدة التثليث المسيحيّة ( الإلاه الأب ، الإبن و الروح القدس ) . و هذا شيء لا يقدر أحد حقّا على شرحه – رغم أنّه من الهام تسجيل أنّ الحجج و الصراعات المتّصلة بهذه العقيدة قادت خاصة في القرون الأولى من المسيحيّة إلى قدر كبير من الصراع و النزاع في منتهى العنف في صفوف معارضى الطوائف المسيحيّة و تماما قد عذّبوا و قتلوا بعضهم البعضم . و روايات لهذا يمكن العثور عليها ، ضمن مواقع أخرى ، في أهمّ عمل من أعمال ادوارد جيبنس ، " إنهيار الإمبراطوريّة الرومانيّة و سقوطها " ).
و تحتاج أفكارا عيسى و رؤاه و ما أفضت إليه تقييما بالضبط مثل أفكار و رؤى أيّ إنسان آخر وهو ما كان عليه عيسى و كلّ ما كانه . و قد تحدّثت بعدُ بشيء من الإسهاب عن لمذا لا يمكن لهذه الأفكار و لهذه الرؤى و لن فضي إلى عالم آخر، عالم جديد و أفضل راديكاليّا ، عالم دون إضطهاد و إستغلال ، بالضبط هنا على الرض ، في هذا الواقع الماديّ – وهو الواقع الوحيد الموجود.
--------------------------------------------------------------------
ماذا عن الوصايا العشر

إلى جانب واقع أنّ العهد الجديد نفسه – و تعاليم وجهيه الأساسيّين ، عيسى و بولس – يمكن أن يبيّن تجسيده و تأكيده على كافة أنواع العلاقات الإستغلاليّة و الإضطهاديّة و الأفكار المناسبة ، عادة بشكل متطرّف ، الواقع هو أنّ الذين يؤمنون بالمسيحيّة لا يريدون أن يعتمدوا على العهد الجديد وحده – و ليس بوسعهم ذلك . و ينطبق عذا فوق كلّ شيء على الأصوليّين المسيحيّين الفاشيّين . و في ضوء هذا يمكن أن نشاهد ساطعا بحدّة نفاق الذين حين يواجهون الفظائع الحقيقيّة جدّا التي يتمّ الدفاع عنها و التشديد عليها ، في ما يسمّة بالكتب " الموسويّة " و في مواقع أخرى من العهد القديم من الكتاب المقدّس ، (5) يبحث عن تجنّب هذا بالتأكيد على :
( 5 – مصطلح " الكتب الموسويّة " يحيل على الكتب الخمس الأولى من الكتاب المقدّس التي يُزعم أنّها كتبت من قبل موسى . و قد أشار أكاديميّو الكتاب المقدّس بوضوح إلى أنّ هذه الكتب لم تكن في الواقع الشخصيّة المحال عليها في الكتاب المقدّس على أنّها موسويّة قد كتبتها – و يزيد من إقتراح هذا واقع أنّه في الخامس من هذه الكتب ( سفر التثنية )، يقول المؤلّف أن موسى قد مات !
هناك مُوسَى...] ) ( أنظروا سفر التثنية 5:34 ؛ الأصحاح الرابع و الثلاثون ، الآية 5 [ فَمَاتَ
" هذا العهد القديم ، و الآن ، من خلال عيسى ، لدينا العهد الجديد ". حسنا ، إن كان الأمر كذلك – إن تم تعويض العهد القديم و حلّ محلّه العهد الجديد – بالتالى ماذا عن الوصايا العشر ؟ لماذا يزعجون الجميع بالوصايا العشر ، مطالبين بنشرها في جميع الماكن على أنّها " مرشد و معيار أخلاقيّين " ؟ أين هي الوصايا العشر في الكتاب المقدّس ؟ لن تعثروا عليها في العهد الجديد . الوصايا العشر موجودة في قلب العهد القديم . إنّها في توراة الكتابات المقدّسة اليهودية القديمة ، في " الكتب الموسويّة " من العهد القديم من الكتاب المقدّس المسيحيّ. إنّها جزء حيويّ من العقد القديم ، من العهد القديم .
و ماذا عن القاضي مور في آلاباما – وهو بطل كبير للمسيحيّين الفاشيّين و قد تحدّث عن المشاركة في الانتخابات من أجل أن يصبح حاكم آلاباما ( يبدو أنّه يبحث عن أن يصبح جورج والاس هذا العصر )؟ لماذا شدّد على وضع الوصايا العشر مرشدا لمحكمة آلاباما ؟ لم يقل له أحد : " آه ، هذا العهد القديم . عليك أن تنساه . الآن ، لدينا عهد جديد . تخلّص من هذه الوصايا العشر " . لماذا لم يملّوا أبدا من قول – و ذكر الكتاب المقدّس لدعم مواقفهم – إنّ الوصايا العشر يجب أن يتمّ الدفاع عنها و تطبيقها ؟ لماذا يتحدّثون عن سفر المزامير على أنّه يفترض أن يكون كتبها الملك داوود و ذكاء الملك سليمان؟ كلّ هذا في العهد القديم .
حسنا ، روبرتسن و أمثاله الآخرين على حقّ في أمر واحد : الكتاب المقدّس خاصة في العهد القديم منه ، يؤكّد على أنّ الوصايا العر و أجزءا أخرى من " القانوني الموسويّ " يجب فعلا تطبيقها حرفيّا و دون إستثناء أو وسم . يقال لنا هذا مثلا في الأصحاح الخامس من سفر التثنية - و فعلا بصفة متكرّرة عبر سفر التثنية . و ليس من الواضح جدّا فقط هنا ( وفى ماقع أخرى من العهد القديم بوجه خاص ) أنّ كلّ هذا يجب أن يطبّق حرفيّا لكن يواصل الكتاب المقدّس عقب تعداد الوصايا العشر ، ليُعيّن عقوبات محدّدة جدّا – عقوبات قاسية و خبيثة – لعدم تطبيق الوصايا العشر . وهي نهائيّا أكثر ليست عشر " نصائح " أو " طلبات " .و ما هي هذه العقوبات ؟ من لا يطبّقون هذه الوصايا يجب أن يُقتلوا ليس فحسب بسبب أشياء مثل إقتراف جريمة قتل بل أيضا لتقديس آلهة أخرى ( إلى جانب " الإلاه الوحيد الحقيقي " ) أو الكفر بالإلاه. يجب قتلهم لعملهم السبت . يجب قتل الأطفال لعدم تشريفهم لأبيهم و أمّهم : بكلمات أخرى ، إن كنت طفلا متمرّدا تضرب أولياءك أو حتّى إن كنت تقلّ إحترامك لهما حسب الكتاب المقدّس يجب أن ينفّذ في حقّك حكم الإعدام .
و يشدّد الكتاب المقدّس على أنّ الناس يجب قتلهم لعدّة أسباب أخرى لا يراها معظم الناس في عالم اليوم على أنّها حتّى جرائم فما بالك بأنّه يجب أن تنجرّ عنها عقوبة الموت . كلّ هذا يُعبّر عنه بوجه خاص في سفر الخروج و سفر لاّويّين و سفر التثنية .
ما الخاطئ في الوصايا العشر ؟ كيف يمكن أن يلحق زرع هذه القيم في نفوس الناس ضررا و خاصة لدى الشباب اليوم ؟ إنّ هذه الوصايا تدافع عن العبوديّة . لنلقى نظرة على الوصيّة العاشرة و ما تقوله .
" لاَ تَشْتَهِ بَيْتَ قَرِيبِكَ. لاَ تَشْتَهِ امْرَأَةَ قَرِيبِكَ، وَلاَ عَبْدَهُ، وَلاَ أَمَتَهُ، وَلاَ ثَوْرَهُ، وَلاَ حِمَارَهُ، وَلاَ شَيْئًا مِمَّا لقريبك ". و هنا نكتشف شيئا معبّرا جدّا . لمّا روّج القاضي مور في آلاباما – و وليام بينت (6)الذى كتب " كتاب الفضائل " سعيا منه للترويج للقيم التقليديّة المعتمدة على الكتاب المقدّس - لمّا روّج الوصايا العشر، كلّ ما ضمّنه في الوصايا العشر هي الكلمات " لاَ تَشْتَهِ ". ما الذى ترك خلفه ؟
( 6- من أجل نقد لكتاب بينت " كتاب الفضائل " ، من جهة نظر شيوعيّة ، أنظروا كتابى ، " الوعظ من أعلى المنابر ، نحتاج إلى أخلاق لكن ليس إلى أخلاق تقليديّة " ، بانر براس ، 1999 ،و خاصة البحث الأوّل في ذلك الكتاب : " الوعظ من أعلى المنابر : الواقع وراء " فضائل " وليام بينت " .)
حسنا ، إذا عدنا إلى الكتاب المقدّس نفسه ، يقول لنا ما الذى يفترض أن لا تشتهيه – ما لا يفترض أن تحسد و ترغب عن خطأ من ممتلكات جارك . لا يفترض أن تشتهي بيت جارك و لا ثوره و لا حماره ، و لا يفترض أن تشتهي عبده أو أمته أو زوجته – و هنا مجدّدا يمكن أن نلاحظ أنّ في العلاقات الإجتماعيّة المجسّدة هنا و في مواضع أخرى من الكتاب المقدّس، حين يجرى الحديث عن " القريب " يتمّ الحديث عن الرجل في الأسرة وهو الذى يشار إليه أمّا زوجته فيقع تعدادها ضمن ممتلكاته مثلها مثل بيته و ثوره و حماره و عبده و أمته . لذا ، إلى جانب تقديس علاقات إضطهاد بطرياركيّة ، يقول الكتاب المقدّس إنّ العبوديّة شيء جيّد ، فقط لا تحاول أن تسرق من جارك عبيده الذين هم شرعيّا ملكا له .
( يمكن العثور على الوصايا العشر في سفر الخروج ، الأصحاح 20 ، الآيات 1-17
[ 1ثُمَّ تَكَلَّمَ للهُ بِجَميع هذِهِ الْكَلِمَاتِ قَائِلاً: 2 أَنَا الرَّبُّ إِلهُكَ الَّذِي أَخْرَجَكَ مِنْ أَرْضِ
مِصْرَ مِنْ بَيْتِ الْعُبُودِيَّةِ. 3لاَ يَكُنْ لَكَ آلِهَةٌ أُخْرَى أَمَامِي. 4لاَ تَصْنَعْ لَكَ تِمْثَالاً مَنْحُوتًا،
وَلاَ صُورَةً مَا مِمَّا فِي السَّمَاءِ مِنْ فَوْقُ، وَمَا فِي الأَرْضِ مِنْ تَحْتُ، وَمَا فِي الْمَاءِ مِنْ
تَحْتِ الأَرْضِ. 5لاَ تَسْجُدْ لَهُنَّ وَلاَ تَعْبُدْهُنَّ، لأَنِّي أَنَا الرَّبَّ إِلهَكَ إِلهٌ غَيُورٌ، أَفْتَقِدُ ذُنُوبَ
الآبَاءِ فِي الأَبْنَاءِ فِي الْجِيلِ الثَّالِثِ وَالرَّابعِ مِنْ مُبْغِضِيَّ، 6وَأَصْنَعُ إِحْسَانًا إِلَى أُلُوفٍ مِنْ
مُحِبِّيَّ وَحَافِظِي وَصَايَايَ. 7لاَ تَنْطِقْ بِاسْمِ الرَّبِّ إِلهِكَ بَاطِلاً، لأَنَّ الرَّبَّ لاَ يُبْرِئُ مَنْ
نَطَقَ بِاسْمِهِ بَاطِلاً. 8اُذْكُرْ يَوْمَ السَّبْتِ لِتُقَدِّسَهُ. 9سِتَّةَ أَ يَّامٍ تَعْمَلُ وَتَصْنَعُ جَمِيعَ عَمَلِكَ،
10 وَأَمَّا الْيَوْمُ السَّابعُ فَفِيهِ سَبْتٌ لِلرَّبِّ إِلهِكَ. لاَ تَصْنَعْ عَمَلاً مَا أَنْتَ وَابْنُكَ وَابْنَتُكَ وَعَبْد كَ
وَأَمَتُكَ وَبَهِيمَتُكَ وَنَزِيلُكَ الَّذِي دَاخِلَ أَبْوَابِكَ. 11 لأَنْ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ صَنَعَ الرَّبُّ السَّمَاءَ
وَالأَرْضَ وَالْبَحْرَ وَكُلَّ مَا فِيهَا، وَاسْتَرَاحَ فِي الْيَوْمِ السَّابعِ. لِذلِكَ بَارَكَ الرَّبُّ يَوْمَ السَّبْتِ
وَقَدَّسَهُ. 12 أَكْرِمْ أَبَاكَ وَأُمَّكَ لِكَيْ تَطُولَ أَيَّامُكَ عَلَى الأَرْضِ الَّتِي يُعْ طِيكَ الرَّبُّ إِلهُكَ.
13 لاَ تَقْتُلْ. 14 لاَ تَزْنِ. 15 لاَ تَسْرِقْ. 16 لاَ تَشْهَدْ عَلَى قَرِيبِكَ شَهَادَةَ زُورٍ. 17 لاَ تَشْتَهِ بَيْتَ
قَرِيبِكَ. لاَ تَشْتَهِ امْرَأَةَ قَرِيبِكَ، وَلاَ عَبْدَهُ، وَلاَ أَمَتَهُ، وَلاَ ثَوْرَهُ، وَلاَ حِمَارَهُ، وَلاَ شَيْئًا مِمَّا لقريبك ." – المترجم ] )
ما الغلط في الوصايا العشر ؟ الكثير . ما الضرر الذى سينجرّ عن وضع الوصايا العشر موضع تطبيق في كلّ الأماكن بما في ذلك كافة الأماكن العامة – ألن يكون ذلك جيّدا للتربية الأخلاقيّة لأطفالنا ؟ لا ، لن يكون – ليس عندما ندرك كنه ما تتحدّث عنه عمليّا هذه الوصايا و عندما نرى ما هي العقوبات المطلوبة لمن يقف ضد هذه الوصايا .
------------------------------------------------------------------------




لا عهد جديد دون العهد القديم

كواقع و كما يعلم ذلك جيّدا القادة المسيحيّون الفاشيّون ، العهد القديم هو أساس العهد الجديد . فعلى سبيل المثال و هذا مهمّ للغاية ، العهد القديم أساس إدّعاء أنّ عيسى هو المسيح المنتظر. لهذا يبدا إنجيل متّى بالطريقة التي يبدأ بها ، بذكرالشجرة العائليّة لعيسى . و بالمناسبة يبدو أنّ الإلاه إختلطت عليه الأمور عند إملاء هذه الشجرة العائليّة – أو كان قد شرب من الخمر أكثر من اللازم السبت أو شيئا من هذا القبيل – لأنّ مختلف الأنساب المقدّمة في إنجيل متّى و في لوقا ( أنظروا لوقا 3:23 مقابل متّى 1:1-17). لكن النقطة المركزيّة هنا هي أنّ الشغل الشاغل لهذه الشجرة العائليّة هي إرساء أنّ المسيح منحدر من نسل داوود كأحد شخصيّات الكتاب المقدّس . ما هي أهمّية ذلك ؟ لماذا يوجد ذلك في العهد الجديد ؟ لأنّه حسب الكتابات المقدّسة اليهوديّة القديمة ( التي تمثّل في جزء كبير منها ، أو هي في الأساس مساوية للعهد القديم من الكتاب المقدّس المسيحي ) ، المسيح المنتظر ينحدر من سلالة داوود . و دون تلك السلطة من العهد القديم ، كامل إدّعاء أن عيسى هو المسيح المنتظر لم يكن ليحظى بقاعدة .
لقد ظهرت المسيحيّة كطائفة ضمن اليهوديّة ثمّ غدت دينا منفصلا عنها عقب زمن عيسى . كانت متجذّرة تمام التجذّر في العهد القديم . و كان عيسى عادة ما يحيل على الكتابات المقدّسة من العهد القديم – و كما سنرى ، كان أحيانا يقوم بذلك بصورة خاطئة ،و هذا بعدُ مشكل آخر مع " كلمة الإلاه التي لا تخطئ " ( على ما يبدو ضمن أشياء أخرى هناك بعض عدم التواصل بين الب و الإبن و أجزاء من التثليث ).
و ممّا أشرت إليه قبلا أنّه من المهمّ جدّا و المعبّر جدّا بصدد هذه الأنساب هو أنّه لمّا بلغ تركيز نويا عيسى و شرعيّته على أنّه المسيح المنتظر ، يتمّ رسم النسب إلى من ؟ إلى يوسف ، إلى أبيه . لكن ما علاقة يوسف بعيسى ؟ ف " بذرة " يوسف لا صلة لها بعيسى . تذكّروا أنّ عيسى وُلد من عذراء . و مريم قد حبلت بفعل الروح المقدّسة . لا صلة ليوسف و نسبه بشخص عيسى . لذا ، لماذا تقع الإشارة إلى يوسف في إطار توفير شجرة عائلة لعيسى ؟ يعكس هذا طبيعة المجتمع البطرياركي الذى يُهيمن عليه الذكور و الذى كان يعيش فيه عيسى – و الدين عكس ذلك المجتمع . لهذا ، رغم ما يفترض من ولادة عيسى من عذراء فإنّ نسبه يرسم من خلال سلسلة من البطرياركات / الآباء المؤسّسين . و مرّة أخرى ، كلّ هذا – و زعم شرعيّة عيسى على أنّه المسيح المنتظر – يعود إلى العهد القديم .
أبعد من ذلك ، كانت الكتابات المقدّسة للعهد القديم تذكر بصفة متكرّرة من قبل عيسى كأساس لما كان يؤمن به و يعظ به . لم يكن العهد الجديد ليجد أيّ سند له دون العهد القديم و عليه ، لا يزال العهد القديم مضمّنا بعدُ في الكتاب المقدّس المسيحيّ، في نهاية المطاف .
------------------------------------

المسيحيّة الأصوليّة و مسيحيّة " منضدة السلاطة " [ " الإختياريّة " ]

حقيقة ، محاولة تجنّب الإعتراف و ( لإستخدام تعبير دارج جدّا هذه الأيّام ) " تحمّل مسؤوليّة" الأشياء الرهيبة و الفظائع التي تتمّ الدعوة إليها في العهد القديم – هذه الخدعة حول كيف أنّ " هذا العهد القديم و الآن لدينا العهد الجديد " – هو في الأخير ، مجرّد نسخة أخرى من " مسيحيّة " منضدة السلاطة " [ منضدة تعرض عليها أنواع من السلاطة و الحريف يختار ما يرغب في إستهلاكه لذلك أضفنا " الإختياريّة " التي سنستخدم من هنا فصاعدا لوصف هذه المسيحيّة - المترجم ] التي يدينها عادة و بشكل عنيف الأصوليّون المسيحيّون الفاشيّون كجزء من تأكيدهم على أنّ الكتاب المقدّس دقيق و صحيح مطلقا وهو كلمة الإلاه التي لا تخطئ و التي يجب الإيمان بها و إتّباعها حرفيّا و في كلّ جزئيّاتها – هذا شيء يؤكّد عليه بصفة مستمرّة المسيحيّون الفاشيّون – بإستثناء لمّا يقع قنصهم بمقتطف من الكتاب المقدّس يجدون من العسير شرحه بصورة جيّدة و رؤيته كعائق ( وقتها ) لأهدافهم . ثمّ يمضون هم أنفسهم إلى المسيحيّة " الإخياريّة ".
ما يحيل عليه الأصوليّون الرجعيّون حين يتحدّثون عن و يندّدون بغيرهم على أنّهم يمارسون المسيحيّة " الإخياريّة " ، هي ظاهرة رجال الدين الليبراليّين و آخرين الذين يماثلون أنفسهم و التقاليد الدينيّة المسيحيّة لكنّهم يدعون إلى نوع من التعدّد الثقافي و يحاججون بأنّ هناك عدّة طرق لبلوغ الإلاهي ، لذا ينبغي أن نشدّد على أنّ طريقتنا هي الوحيدة و على أنّ القبول بعيسى على أنّه منقذنا هو السبيل الوحيد لحياة قويمة . حسنا ، هل هناك حقيقة في زعم أنّ هؤلاء الناس يمارسون ما يمكن أن يسمّى ب المسيحيّة " الإختياريّة " ؟ أجل. هناك ظاهرة حيث " يأخذون و يختارون " من الكتاب المقدّس و التقاليد الدينيّة المسيحيّة – معانقين ما يريدون الإعتقاد فيه و ما يشعرون بالراحة في الإعتقاد فيه بينما يدوسون أو يضعون جانبا ما يجعلهم غير مرتاحين أو منزعجين على أنّه خاطئ أو فات أوانه و ما إلى ذلك . الأمر يُشبه شبها كبيرا جدّا منضدة سلاطة و يتقوّم الخطّ في : " أريد هذا لكن لا أريد ذاك ؛ حسنا سآخذ قسطا من هذا لكنّي حقّا لا أرغب في ذلك – لا أريد كامل ما في الكتاب المقدّس بشأن قتل الأطفال المتمرّدين على أوليائهم – سأضع ذلك جانبا ، و سآخذ هذا الجزء حول الحبّ و السلام " . و هذه ظاهرة شائعة ضمن المسيحيّين الليبراليّين و التقدّميّين هذه الأيّام . لكن بعد ذلك ، تثار مسألة أساسيّة جدّا : حين تكون بالفعل قد أنكرت أنّ الكتاب المقدّس و التقاليد الدينيّة المسيحيّة صحيحين و صالحين لكافة الأزمان و كافة الظروف ، حين تكون قد جعلت موضوعيّا مسألة ما يقول البشر إنّه صحيح و صالح في كلّ هذا ، عندئذ أين هي " السلطة الإلاهيّة " في أي من هذا ، و كيف يختلف الأمر في أي شيء عن المجموعة الأخرى من المعتقدات و المبادئ التي أنشأها البشر و منهم الذين لا يدّعون أنّ لديهم أيّة سلطة إلاهيّة ؟ لماذا يجب أن تتمتّع عقائدك أنت بميزات نسبة لعقائد الآخرين بأنّها موضع بعض السلطة الخاصة السحريّة أو " الهالة " ؟
هذه مسألة هامة سأعود إليها لاحقا ، لكن الواقع هو أنّه في عالم اليوم و في المجتمع الأمريكي بوجه خاص ، كلّ شخص يدّعى أنّه مسيحيّ يمارس مسيحيّة " إختياريّة " بشكل أو آخر . و حتّى الأصوليّين المسيحيّين يمارسون " الإخياريّة " - فبينما يُنكرون ذلك و يهاجمون الآخرين لفعله – إنذهم يشدّدون على أنّهم يؤمنون بكلّ كلمة في الكتاب المقدّس ، و على أنّه يجب أخذ ذلك حرفيّا ،و على أنّه حقيقة مطلقة منحها الإلاه في كلّ مقطع من مقاطع الكلمات ؛ بيد أنّهم هم أنفسهم يضعون جانبا و لا يتحدّثون عن أشياء إن كانوا يدافعون عنها صراحة ستكشف بأكثر بداهة أنّهم مجانين وحشيّون .
وعلى سبيل المثال ، إذا كنتم تتبنّون كلّ ما في الكتاب المقدّس ، يجب عليكم من واجبكم و مسؤوليّتكم تقديم أضاحى حيوانيّة. و معظم الناس بمن فيهم معظم الأصوليّين المسيحيّين ( على الأقلّ في الولايات المتّحدة ) لا يفعلون ذلك ، على حدّ علمى . و كما رأينا ، عليكم أن تشدّدوا فقط على ضرب الأطفال لمعاقبتهم - وهذا ما يسمّى في الكتاب المقدّس:" التأديب بالعصا "- لكن أيضا على قتل الأطفال المتمرّدين . و يكون من الواجب عليكم أن تؤمنوا و أن تنادوا ليس فحسب بإدانة المثليّين الجنسيّين بإعتبارهم مرتكبين للخطيئة ، لكن أن تنادوا أيضا بإعدامهم و أن تؤمنوا بأنّ النساء خلال العادة الشهريّة غير نظيفات و أنّه على الرجال أن يتجنّبوا أيّة صلة بهنّ ؛ و أن تؤمنوا بأنّ النساء المتّهمات بالسحر يجب إعدامهنّ . و عليكم أن تؤمنوا ب و تمتدحوا إغتصاب النساء و معاملة النساء كغنائم حرب و عبيدات جنس حين تخاض حرب مقدّسة ضد أناس يؤمنون بإلاه آخر غير " الإلاه الوحيد الحقيقي " . و يكون عليكم أن تؤمنوا بأنّ الذين يمارسون ديانات أخرى يجب قتلهم .
و مسألة شلرعيّة و غاية في الأهمّية ينبغي إثارتها أمام هؤلاء الأصوليّين المسيحيّين الفاشيّين : ما هي ؟ بطريقة أو أخرى – سواء كنتم تؤمنون بأنّ الكتاب المقدّس في حدّ ذاته هو " كلمة الإلاه التي لا تخطئّ " ، و كلّ كلمة صحيحة مطلقا و ينبغي الإيمان بها و إتّباعها أم لا ، لو لم تتّجهوا نحو الدفاع عن كلّ ذلك – بما فيه أنواع الفظائع التي ألمحت إليها للتوّ هنا – ستعترفون عندئذ بأنّكم لا تؤمنون بكلّ كلمة و كل جزء من ه و بأنّ هذا لا يمكن أن يكون كلمة الإلاه المطلقة . و إذا كنتم لا تؤمنون بأنّ كلّ هذا يجب الدفاع عنه و التصرّف على أساسه ، حالئذ تقدّموا و قولوا ذلك . ينبغي أن نجبر هؤلاء الناس ليعبّروا بشكل مفتوح أكثر كي يصبح من الأوضح ما يرمون إليه حقّا . لا ينبغي أن نسمح لهم بأن يطلقوا هراء و أن يضعوا جانبا ما هو غير مناسب لهم في الوقت الحاليّ من الكتاب المقدّس و التقاليد الدينيّة المسيحيّة .و في الوقت نفسه ، من المهمّ فهم أنّ الأشياء التي لا يرغبون في الدفاع عنها و الترويج لها بشكل سافر اليوم ، قد يؤكّدون عليها و يبحثون عن فرضها غدا . و حتّى اليوم ، بينما القادة في أعلى المراكز ضمن المسيحيّين الفاشيّين - أولئك الذين يحتلّون مواقع نفوذ قويّة فى الحكم ( و هناك اليوم عدد لا بأس به منهم ) أو الذين في أيّ حال لهم صلات قويّة بأعلى مستويات الحكم ، أولئك الذين هم بصفة متكرّرة ضيوف و معلّقون في برامج " الأخبار " السائدة حيث تتمّ معاملتهم ليس كأصوات شرعيّة فقط بل أيضا كأصوات محترمة – بينما قد يبحثون عن تجنّب و عن أن لا يشرحوا وافر الشرح على الأقلّ ببعض الأمثلة الأكثر مرارة الوحشيّة منشودة في الكتاب المقدّس ، و هناك آخرون هم الآن بالذات يروّجون لهذا بشكل سافر و بلا إعتذار و يحوّلون الدين على هذا الأساس .
و من المهمّ جدّا فهم أنّ كلّ هذا جدّي للغاية . هؤلاء الناس – و ليس فقط الذين عبّروا عن جنونهم أكثر في الشوارع و الذين لا علاقات بديهيّة لديهم بأعلى هرم السلطة لكن كذلك الأصناف الأكثر " إحتراما "الذين يبدون أحيانا و كأنّهم يتحدّثون بلهجات معقلنة و الذين عادة ما يغطّون برنامجهم الفاشيّ بنعوت ظاهريّا غير مؤذية مثل " العائلة " ( " قناة العائلة " [ سابقا شبكة البثّ المسيحي ] ، و " تحالف قيم العائلة " و ما شابه )- يرغبون عمليّا في قراءة حرفيّة للكتاب المقدّس كما يؤوّلونه هم لتكون الأساس الذى يجرى تسيير البلاد عليه – و كلّ شخص لا يتّبع ذلك سيقع قمعه و حتّى إعدامه في عديد الحالات. إنّهم يؤمنون عمليّا وصولا إلى جورج بوش أنّه ليس لديهم فقط صلة خاصة مع الإلاه بل إنّهم أيضا يتلقّون أوامرا و تعليمات من الإلاه بما في ذلك صدور أمر غزو العراق و إحتلالها و خوض " الحرب ضد الإرهاب " عامة .
و الآن ، كثير من الناس المختلفين عن جورج بوش و الذين لا يملكون ذلك النوع من النفوذ و لا يقترفون تلك الأنواع من الجرائم يعتقدون أنّ لديهم صلة خاصة مع الإلاه . و يعتقد الكثير من الوعّاظ أنّ لديهم قنوات مباشرة مع الالاه . و قد كان لرتشارد براير كامل هذا البرنامج الفرعيّ حول فيلم " الأكسرسست " / " طارد الأرواح الشرّيرة " وهو شريط عن شابة كانت إفتراضيّا مصابة بروح شرّيرة – كان رأسها يرتعش و سريرها يهتزّ و كانت تتحرّك في كلّ الإتجاهات و هكذا . و إستُدعى القساوسة لطرد الروح الشرّيرة فإستغرق الصراع مدّة طويلة . حسنا ، قال ريتشارد براير إنّ هذا الشريط كان يتعيّن أن يكون أقصر و أبسط لو كان واعظ أسود هو الذى إعتنى بالأمور لأنّ للوعّاظ السود قناة مباشرة مع الإلاه . و كما أعرب عن ذلك براير ، سيقول واعظ أسود : إلاهي تعلم أنّ شخصا ممسوسا تملّكته أرواح شرّيرة و كنت أفكّر – أعلم أنّ لديك الكثير من العمل فقد عاينت جدول أعمالك – لكن الشيطان ببساطة يتحرّك داخل المجنون . و كنت أفكّر لو بإمكانك طرد هذه الروح الشرّيرة من كليفلاند ، إلى مكان ما " . [ ضحك ]
حسنا ، ينبغي أن أقول أنّي أنفجر ضحكا تقريبا دون تمالك نفسى كلّما إستمعت إلى هذا – هذا أحبّ البرامج الفرعيّة لرتشارد براير إلى قلبى إلاّ أنّه هناك أيضا جانب جدّي جدّا لهذا . ليس قبل وقت بعيد ، وجدت قصّة في الأخبار عن الأصوليّين المسيحيّين في دترويت الذين قتلوا صبيّا كان يشكو من مرض التوحّد وهو مرض ذهنيّ لأنّهم إعتقدوا أنّ روحا شرّيرة قد سكنته : جلسوا فوقه و خنقوه محاولين إخراج الوح الشرّيرة من جسده .
لذا ، عندما يؤمن الناس بهذا حرفيّا و يتصرّفون على أساس ذلك يكون الأمر غاية في الجدّة . و إنّه لفى منتهى الجدّية و من الممكن أن يكون خطأ مميتا أن تعترف بأنّ عديد و عديد الناس يؤمنون فعلا بهذا إيمانا حرفيّا و بتبعات مميتة ، و بأنّ قوّة كامنة من المجانين و فيالق إعصار متزمّتة تعدّ بالملايين يتمّ توجيهها و تدريبها لرؤية العالم على هذا النحو و لتستعدّ للتحرّك وفق ذلك – رغم الطرق التي يقف بها كلّ هذا في تناقض عميق و حاد مع ما يمكن أن يقبله معظم الناس في المجتمع المعاصر .
كتاب " آلة الضجيج الجمهوريّة... " لدافيد بروك – الذى كان منتميا إلى هذه الآلة الدعويّة الكاملة لليمينيّين لكّنه قطع معها و صار اللان ليبراليّا – يُناقش ( خاصة في الفصل السابع منه ، " وزراء دعاية " ) بعض الأشياء التي ينادى بها الوزراء الأصوليّون المسيحيّون المنتمون لكامل هذه الحركة اليمينيّة و الطرق التي يحاججون بها أنّ كافة هذه الأشياء الفظيعة التي حلّت بنا يجب أن يتمّ الدفاع عنها و تطبيقها كمبادئ مرشدة و قوانين في المجتمع ز و يذكر بروك أيضا كلام بات روبرتسن الذى أصدر مواقفا هي في الوقت نفسه مخيفة و مدعاة للموجودين في القمّة ؟ صحوة على ضوء واقع أنّها نموذجيّة و ممثّلة للذهنيّة المسيحيّة الفاشيّة و للأهداف المسيحيّة الفاشيّة و أنّ روبرتسن كان لعدّد سنوات وجها قويّ النفوذ في صفوف الحزب الجمهوريّ و بصرة أعمّ هو و عديد الآخرين ذوى النظرات المشابهة مترابطين وثيق الترابط مع أعلى مستويات الأوساط الحاكمة في الولايات المتّحدة . و إليكم تعليقات روبرتسن كما ذكرها بروك :
" لدينا عدد أصوات ناخبين كافي لتسيير البلاد. و حين يقول الناس " حصلنا على ما يكفى " ، سنغزو الساحات ... و ستكون معركة روحيّة . ستوجد قوى شيطانيّة ... لن نواجه فقط مجرّد بشر لنفوز عليهم في الانتخابات . سنواجه حربا روحيّة ...
لن يوجد سلام في العالم أبدا إلى أن تعطى للإلاه منزلته و لشعب الإلاه مكانته الشرعيّة في قمّة قيادة العالم . كيف يمكن أن يوجد سلام بينما المخمورون و متعاطو المخدّرات و الشيوعيّون و الملاحدة و عبدة شيطان العصر الحديث و الإنسانيّون العلمانيّون و الدكتاتوريّون المضطهدون و مزوّرو المال الجشعون و المجرمون الثوريّون و المثليّون الجنسيّون موجودين في القمّة ! ( ذُكر في بروك ، " آلة الضجيج الجمهوريّة ، وسائل الإعلام اليمينيّة و كيف تفسد الديمقراطيّة " ، ص 189 وهامش لبروكس مرتبط بمواقف روبرتسن هذه ( الهامش عدد1 بالصفحة 391) و يذكر مقالا لشيب برلات ، " اليمين يحلّق عاليا : الدغمائيّة و الأصوليّة الدينيّة في صفوف الحزب الجمهوريّ في الولايات المتّحدة " ، " التقدّميّ " ، 22 أكتوبر 1994 . و من أجل المصدر الأصليّ ، أنظروا ، بات روبرتسن، " النظام العالمي الجديد "، نشر الكلمة ، 1991 ، ص 227 ).
لسوء الحظّ ، الكثير من الناس الذين يجب أن يعرفوا معرفة أفضل لا يرغبون في مواجهة ما يجرى و تبعاته و يستبعدون ذلك على أنّه ضجيج مجانين منفردين . حسنا ، هؤلاء المجانين يشملون ضمن أشخاص آخرين جورج بوش و عدد مهمّ من السيناتورات و أعضاء الكنغرس ذوى النفوذ و أعضاء في المحكمة العليا . لذا ، أجل ن نحن بصدد الحديث عن مجانين لكن مجانين يمسكون بمقاليد السلطة بأيديهم.
----------------------------------------------

الدين و الطبقات الحاكمة الإضطهاديّة

تحدّث نابليون بونابرت الذى صار قبل حوالي قرنين من الزمن حاكما لفرنسا ، بوضوح كبير عن لماذا تحتاج الطبقات الحاكمة الى تستغلّ و تضطهد الجماهير الشعبيّة – و بوجه خاص لما تحتاج إلى التشجيع على الدين في صفوف الطبقات الشعبيّة . فقال ببساطة كبيرة : " المجتمع غير ممكن دون لامساواة . واللامساواة لا يمكن الحفاظ عليها دون أخلاق لتبريرها. و بدورها الأخلاق لا يمكن الحفاظ عليها دون دين . "
و هناك أيضا مشهد مفيد جدّا من شريط " سبارتاكوس " أين كان يتحدّث بعض أعضاء مجلس نواب الحاكم في روما عن هذه المسألة ، مسألة الرعيّة و كيفيّة الإبقاء عليها تحت السيطرة و دور الدين في ذلك . فقال أحد سيناتورات روما لآخر : " هل تعتقد حقّا فى الآلهة ؟ " فجاء الردّ : " على النطاق الشخصيّ ، لا أؤمن بأيّ منها و أمام الملأ ، أؤمن بها جميعا ". و هذه طريقة أخرى لتسجيل النقطة ذاتها التي شدّد عليها نابليون .
في هذا السياق ، يمكن أن نفهم بصورة أتمّ دور شخص كرونالد ريغن . فقد وقع رفع ريغن نفسه إلى مستوى مكانة أيقونة من قبل الطبقة الحاكمة للولايات المتّحدة و قد نهض بدور جسيم في تشجيع الدين و خاصة الأصوليّة المسيحيّة . و الآن ، صحيح أنّه قبل ريغن ، أدخل جيمى كارتر مسألة الدين في حملته الإنتخابيّة الرئاسيّة سنة 1976 جاعلا نقطة مماثلة نفسه ب " مسيحيّ مولود من جديد " . لكن كارتر لم يدع أبدا و بطريقته الخاصة قد عارض نوع الأصوليّة الدينيّة المميّزة للمسيحيّين الفاشيّن ؛ كما لم يبحث عامة عن إستخدام مكانته على رأس الدولة لنشر الدين رسميّا . إلاّ أنّه بطرق لها دلالتها، قام رونالد ريغن بكلّ ذلك . و كجزء من الدور العالم في البحث عن التحقيق العدواني للمصالح الإمبرياليّة الأمريكيّة في العالم و الدفاع بحماسة عن برنامج قسم معيّن من الطبقة الحاكمة الأمريكيّة - و هذا يهدف إلى تشويه و تفكيك عدّة برامج إجتماعيّة و إدخال عدّة تعديلات في الحكم كي لا تقف في طريق الإستغلال الرأسمالي الجامح و الهيمنة السافرة للرأسمال الكبير و تفوّق البيض و البطرياركيّة غير المعتذر عنها – أعاد ريغن إلى درجة لها دلالتها إحياء إستخدام الصورة الدينيّة في تصريحاته السياسيّة و في الخطاب السياسي بصفة أعمّ موظّفا ذلك لتقديس مفهوم المكانة الخاصة و الدور الخاص و العظيم في العالم لما هو في الواقع مسيحيّة البيض الأمريكيّة و الإمبريالية الأمريكيّة .
و اليوم ، وقعت إعادة تصوير ريغن على أنّه وجه ودود طيّب و حتّى كقائد تقدّم بقضيّة السلم في العالم .إلاّ انّ الواقع هو أنّه رجل أخذ العالم إلى حافة الحرب النوويّة مع الإتّحاد السوفياتي . و كمؤشّر صغير لكن له دلالته عن الذهنيّة التي تميّز ريغن و التي شجّع عليها ، من المفيد التذكير بأنّه في مناسبة من المناسبات ، لمّا كان يستعدّ لإلقاء خطاب إذاعيّ ، قبل أن يشرع رسميّا في البثّ و إنّما كان يقوم بتسجيل الخطاب ، أطلق " مزحة " : " إنّنا نشرع في القصف القنابل بعد خمس دقائق ، ها ها ها ! " . الآن ، فكّروا في أيّ نوع من الأشخاص و أيّ نوع من الطبقة الحاكمة يفكّر في أنّ هذا باعث على الضحك – المزاح بشأن بداية حرب نوويّة . و لم يأخذ ريغن العالم إلى حافة مثل هذه الحرب فحسب بل كان بوضوح ينوى دفع الأشياء لتتخطّى تلك الحافة في سعي منه لضمان جعل الولايات المتّحدة و ليس الإتّحاد السوفياتي هي القوّة التي تخرج من الحرب القوّة الإمبرياليّة المهيمنة على العالم .
أو أنظروا إلى نوع ريغن " العم الطيّب " و ما فعله في أمريكا الوسطى : دكتاتوريّا عسكريّة عنيفة فُرضت على الناس فرضا هناك ، بإستخدام واسع النطاق و عبثيّ لإرهاب الحكومات و فرق الموت المرتبطة بهذه الحكومات – و كلّ هذا كان مدعوما بصرامة من قبل الولايات المتّحدة . في كتابى " الديمقراطية : أليس بوسعنا إنجاز أفضل من ذلك ؟ "(7) (7 – بوب أفاكيان ،" الديمقراطية : أليس بوسعنا إنجاز أفضل من ذلك ؟ بانر براس ،1989 ) ، تحدّثت عن كيف أنّه في غواتيمالا مثلا ، الدكتاتوريّة العسكريّة خلف الأخرى كانت ترسل الجيش إلى الريف ليقترف جرائما جماعيّة و غيرها من الفظائع . و من الجزّارين العنيفين على راس السلطة في غواتيمالا الذين أصدروا أمرا بتنفيذ عمليّات القتل هذه كان مسيحيّا مولود من جديد ، ريوس مونت . و بينما قدّم ريغن دعمه لريوس مونت كان أمثال جيرى فلوال و بات روبرتسن يصلّون بصراحة للإلاه ليقدّم الدعم لمونت و يساعده . و ماذا فعلت القوّات المسلّحة لغواتيملا في ظلّ ريوس مونت و الدكتاتوريّين الآخرين ؟ بشكل متكرّر ، عندما كانت تتوجّه إلى القرى التي كانت تعتقد أنّها تأوى أو تساند الأنصاريّين المتمرّدين ، كانت القوّات المسلّحة الحكوميّة تستعرض جميع السكّان و تقتل كافة الذكور الذين تعتبرهم في سنّ القتال و تغتصب النساء و تأخذ الأطفال الصغار نزولا عبر النهر أو أي مكان آخر بعيدا عن القرية و تكسر رؤوسهم حتّى لا يمكن أن يكبروا و يعارضوا الحكومة . ولست أبالغ في شيء من هذا . لقد حدث هذا المرّة تلو المرّة . و لعلّ ريوس مونت الجزّار الذى ولد ن جديد قد إستلهم ذلك من عديد المواقع في الكتاب المقدّس حيث تتمّ المناداة بكسر رؤوس الأطفال ( كما هو الحال في كتاب إسحاق أو المزامير 137 ) .
و الآن و بوصرة أحدث نسمع عن القتل الرهيب الذى كان يحصل في أفريقيا – ما حدث في روندا قبل بضعة سنوات أو ما يجرى اليوم في منطقة دارفورد بالسودان . كلّ هؤلاء السياسيّين اللإمبرياليّين يعصرون أيديهم متعجّبين : " لماذا لم نفعل أيّ شيء لإيقاف مثل هذا القتل " ؟ إلاّ أنّ هذا نفاق رخيص لا سيما في ضوء كامل تاريخ الغزو الإمبريالي الإستعماري و أجل القتل الجماعي في أفريقيا ( و كذلك في أنحاء اخرى من العالم ) . و في ضوء واقع أنّ النظام الإمبريالي ذاته الذى اوجد و يعيد بإستمرار إيجاد و يعزّز الظروف الأساسيّة التي تولّد النزاعات في أفريقيا و في غيرها من الأماكن ؛ و هكذا هو الحال عادة أنّ الوكالات الماليّة الإمبرياليّة إلى جانب المؤسّسات السياسيّة الإمبرياليّة و الفاعلين السياسيّين منخرطين مباشرة و هم يشجّعون مثل هذه النزاعات بتبعاتها الرهيبة من العذاب الإنسانيّ.
و هنا أيضا ، رونالد ريغن نموذج للفساد . فخلال ثمانينات القرن العشرين ، في افريقيا ، بالضبط كما في غواتيمالا و غيرها من الأماكن في أمريكا اللاتينيّة ، دعّمت الولايات المتّحدة و موّلت و ساعدت في تنظيم فرق الموت الأكثر دمويّة ( و الحكومات التي بعثت فرق الموت هذه ) ، التي كانت تقترف هذه الفظاعات التي لا توصف .على سبيل المثال ، في الموزنبيق ، لمّا صعدت إلى السلطة حكومة إعتبرتها الولايات المتّحدة حجر عثرة أمام مصالحها و إعتبرت أنّها تنزع إلى الإصطفاف إلى جانب الإتّحاد السوفياتي و كتلته ، دعّمت حكومة ريغن و ساعدت مجموعة معارضة تسمّى RENAMOرنامو كانت طوال سنوات تمارس بصفة منهجيّة العنف الأكثر فضاضة والقتل الجماعي . و كانت هذه القوى تقتل الناس و تشوّههم ثمّ تمضى إلى المستشفيات أين تتمّ معالجة الجرحى و تقتل و تشوّه حتّى أعداد أخرى من الناس ز كلّ هذا نظّمته و موّلته المخابرات الأمريكيّة ، السى أي أي و حكومة الولايات المتّحدة في ظلّ إدارة رونالد ريغن " الطيّب ".
و هناك حدث آخر و في سياق ما يجرى في العالم يمكن أن يُعدّ شيئا صغيرا لكن مع ذلك يفضح بقوّة ما يمثّله رونالد ريغن و " الأخلاق " التي يُشجّع عليها . و مرّة أخرى ، لا تنسوا انّ هذا الرجل بنشاط قد شجّع وهو رئيس الدين و الأخلاق الدينيّة المسيحيّة ( حتّى و إن بدا مثل ذلك السيناريو الروماني في شريط " سبارتاكوس " ، على النطاق الشخصيّ ، كان رونالد ريغن لا أدريّا – و نعلم أنّ نانسى ريغن كانت تؤمن و تمارس أشياء من علم التنجيم – و أمام الملأ ، كرئيس ، كان رونالد ريغن يُشجّع الدين على نطاق واسع ). و بالخصوص في ضوء محاولة الأصوليّين المسيحيّين بلا هوادة أن يفرضوا أخلاقهم على العالم و حتّى أن يسوّوا الأخلاق عامة بمفهومهم الخاص لذلك ، من المهمّ الحديث عن ما كانت أخلاق هذا الرجل ، رو نالد ريغن و ما فعله عمليّا في العالم . و هذا الحدث الصغير ظاهريّا وهو مع ذلك يروى قصّة كبيرة ، حدث في سبعينات القرن العشرين لمّا كان ريغن حاكما لكاليفرنيا . مجموعة سرّية صغيرة كانت تسمّى نفسها جيش التحرير التعايشيّ/ سمبيونيزإختطفت باتى هارست الذى كان وريثا للثروة الكبيرة لعائلة هارست . ( لم يكن جيش التحرير ذاك قوّة ثوريّة حقيقيّة و نظرته العامة و توجّهه الإستراتيجي و التكتيكات المنسجمة مع ذلك لم تقدّم و لم تكن لتقدّم مساهمة إيجابيّة في النضال الثوريّ التحريري الحقيقيّ . لكن طبعا لم يمنع ذلك السلط القائمة من صيد تلك المجموعة بقساوة و قتل أعضائها ). و من المطالب التي رفعها ذلك الجيش التحريري وهو يمسك بباتى هارست ، تقديم غذاء مجاني للفقراء بكاليفرنيا . و وافقت أسرة هارست على تمويل الغذاء و توزيعه – أنشأت نقاط توزيع في مناطق مختلفة بالولاية .وسط هذا ، و خاصة بالنسبة إلى هذا التوزيع المجاني للغذاء على الفقراء ، صرّح رونالد ريغن بأنّه كان يتمنّى أن يحصل للمنتفعين بذلك الغذاء تسمّم غذائي قاتل !
الآن ، بأيّة معايير يمكن تصوّرها يمكن تمنّى تسميم غذائيّ قاتل لآلاف الفقراء الذين تسلّموا غذاء ما كانوا قادرين على توفير مقابل ماليّ له ؟ مهما أردتم التفكير بشأن جيش التحرير التعايشيّ / سمبيونيز ، على أيّ أساس يمكن لشخص شريف أن يتمنّى تسمّم غذائي قاتل للفقراء ؟ و إذا أراد البعض قول إنّ هذا التعليق لريغن كان مزحة ، أي نوع من الأشخاص يمكن أن يفكّر بأنّ هذا يحمل على الضحك ؟
و بالعودة إلى رونالد ريغن بوجه خاص و إلى السيرورة الأوسع و الديناميكيّة الوسع المتناسبتين معه و بالنظر في الوضع الراهن في العالم ، لنعد التذكير بموقف نابليون بصدد دور الدين و كيف يساعد في تبرير و فرض العلاقات الإضطهاديّة . و إعتبارا للرهانات المعنيّة بما يحدث في عالم اليوم ، و ما أطلقته " القوّة الماحقة " ( الوحش الراهن للحرب و القمع ) التي يدفعها نظام بوش – الذى أتانا بغزو و إحتلال العراق و كلّ ما أطلقه ذلك إلى جانب تواصل الحرب في أفغانستان ؛ و التهديد الوشيك بالحرب مع إيران ؛ و غوانتنامو و أبو غريب و التعذيب المبرّر بسفور و على نطاق واسع ؛ و القانون القومي و قانون اللجان العسكريّة و إلغاء الحقوق الأساسيّة كالأمر بالمثول و الحقّ في محاكمة ؛ و قرارات المحكمة العليا و وسائل أخرى عبرها نُظّمت هجمات متواصلة على الإجهاض و التأكيد العدواني للبطرياركيّة و التفوّق الذكوريّ و كذلك الإنقلاب على المكاسب التي تحقّقت بفضل النضال ضد تفوقّ البيض و العنصريّة ؛ و الهجمات التي تلقى تشجيعا رسميّا ضد العلم و ضد الفكر العقلاني و ضد فصل الكنيسة عن الدولة - و إعتبارا لكلّ هذا و أكثر ، فكّروا في ما يعنيه هذا الدين عامة و ما تعنيه الأصوليّة المسيحيّة الفاشيّة بوجه خاص ، ينهض بدور قويّ مثل هذا داخل المؤسّسات الكبرى لمجتمع الولايات المتّحدة – لما فيها ليس كافة فروع الحكم " المدنيّ" فحسب بل أيضا القوّات المسلّحة – و في التأثير في مسار الأحداث و كذلك في تركيز معايير ما هو صحيح و أخلاقيّ.

نظريّة التطوّر و المنهج العلميّ – و الظلاميّة الدينيّة

و من الطرق الأساسيّة التي يخدم بها الدين دورا " نابليونيّا " بالنسبة إلى الطبقات الحاكمة التي تستغلّ الجماهير الشعبيّة و تضطهدها هو الحفاظ على أسطورة موحّدة تخدم هذه الطبقات الحاكمة بينما في الوقت نفسه تحجب – و تعيق إدراك الناس – الأسباب و الدوافع العمليّ لأشياء في الطبيعة و في المجتمع ، و أساس و إمكانيّة تغيير راديكالي . و اليوم ، في الولايات المتّحدة بوجه خاص ، من أشدّ التعبيرات عن هذا هو العلاقة بالمعطى العلميّ للتطوّر . و عديد الناس في هذه البلاد – و ضمن أشياء أخرى ، هذا إتّهام عميق لنظامه التعليمي – لا يعلمون أو لا يقبلون بأنّ التطوّر فعلا معطى علميّا .و بالخصوص في صفوف الفقراء و المضطهَدين ، الأغلبيّة لا يعرفون حتّى ما هي نظريّة التطوّر . و بدلا من تعليمهم هذا ن بصفة متصاعدة حشو ذهنهم بقصص و روايات عن الخلق كما ورد في الكتاب المقدّس و بنظرة خاطئة عن التاريخ الطبيعي و كذلك تاريخ المجتمع الإنسانيّ. (8)
(8- في المدّة الأخيرة ، كتاب " علم التطوّر و أسطوريّة فك الخلق – معرفة ما هو واقعي و لماذا هو مهمّ " الذى صدر في الصل كسلسلة مقالات في جريدة حزبنا ، نُشر في شكل كتاب . و هذا الكتاب نادر في تقديمه شرحا شاملا لما هي نظريّة التطوّر و كيف تعمل ، و كذلك تقديمه دحضا حيّا لفكر الخاق بأشكاله المتنوّعة (منها التحوّل الأحدث،" التصميم الذكيّ ")، وهو يفعل ذلك بطريقة تهدف بوعي أن تكون في متناول الناس العاديّين الذين يحرمون من بلوغ و فهم المسائل العلميّة و المنهج العلمي و كذلك الحديث إلى المعتادين أكثر على الموضوع . و في الآن نفسه، بينما يتمّ نشر المنهج العلميّ شعبيّا، كما يرتبط بالظواهر الطبيعيّة ، يبيّن هذا الكتاب أيضا كيف أنّ هذا المنهج العلمي – و بخاصة النظرة و المنهج الأشمل و الأكثر منهجيّة للشيوعية – يمكن و يجب تطبيقه على الظواهر و السيرورات الإجتماعيّة و الطبيعيّة و الترابط بين المجال الطبيعي و مجال البشر و مجتمعاتهم . لكافة هذه الأسباب ، هذا الكتاب في منتهى الأهمّية .)
الحقيقة هي أنّه في الأوساط العلميّة – ضمن الغالبيّة الغالبة من المحترفين في المجال العلميّ ، الذين يعملون طوال حياتهم في العلم - كانت نظريّة التطوّر لبعض الوقت مسألة محسومة و ليست بتاتا موضع خلاف أو جدال ؛ و هذا صحيح بوجه خاص بالنسبة إلى العلماء في مجال البيولوجيا . و علاوة على ذلك ، في عالم اليوم ، نظريّة التطوّر أساسيّة بالنسبة للعلم ككلّ – دونها لا يمكن أن يوجد أيّ علم . لكن معظم الناس لا يعرفون حتّى هذا – يجرى الإبقاء عليهم على هذا النحو : يُستخدم جهلهم لجعلهم يتحرّكون ضد مصالحهم الخاصة ، للحيلولة دونهم و الفهم الحقيقي للعالم و بالتالى القدرة على تغييره – و دونهم و فهمهم للظروف التي يوجدون فيها و ما يمكن أن يُفعل بشأنها.
إلى درجة أنّ هناك جدال في المجتمع حول نظريّة التطوّر و الجهل الواسع بهذا المضمار، هذا جدال و جهل وُجد و تمّ تشجيعه عمدا من قبل الأصوليّين المسيحيّين بدعم من القوى ذات النفوذ القويّ داخل الطبقة الحاكمة . و في حقل البيولوجيا و العلم عامة ، بينما نظريّة التطوّر أمر راسخ للغاية ، من الأمور الأكثر رسوخا بقوّة في العلم كافة ، قد شدّد جورج بوش على أنّ " الحكم لا يزال مفتوحا حول كيف خلق الإلاه الحياة " و قد قوّض تدريس نظريّة التطوّر بتشجيع أنّه يجب أن يدرّس أيضا فى أقسام العلم " التصميم الذكيّ " حتّى و إن لم يكن ل " التصميم الذكيّ " أيّ أساس علميّ مهما كان . و الآن، في الواقع ، الحكم يمكن أن لا يزال مفتوحا حول ما إذا كان جورج بوش قادرا على التفكير العقلاني [ ضحك ] ؛ لكن هذا ليس جوهر تشجيعه المتعمّد للجهل و العبثيّة التطيّريّة . و أبعد من واقع أنّ عددا من المسيحيّين الفاشيّين يمكن عمليّا أن يعتقدوا في نوع من معاداة التنوير اللاعقلانيّة ، و إطلاقيّة الكتاب المقدّس ، و أنّ بوش نفسه يمكن أن يكون ضمن هذا العدد، ما هو أكثر جوهريّة المعنيّ و واقع أنّ أقساما ذات نفوذ من الطبقة الحاكمة مقتنعة بأنّ مثل هذه النظرة للعالم توفّر قوّة إيديولوجيّة موحّدة قويّة وهم يعتقدون أنّه من الضروريّ في هذه الأوقات خاصة ، إعتبارا لكلّ شيء محلّ رهان و كلّ ما قد كان دائما مفكّك – و إمكانيّة فوضى و إضطراب أكبر بكثير سينجم عنها – السعي إلى إرساء إمبراطوريّة الولايات المتّحدة التي لا تنازع و لا يمكن أن تنازع و التغييرات الراديكاليّة داخل الولايات المتّحدة نفسها تصاحب السعي إلى الهيمنة على العالم .
لهذا هناك حملة لا نهاية لها و متعدّدة الأوجه لتشجيع ليس الدين عامة فحسب بل بالأخصّ الأصوليّة المسيحيّة الفاشيّة . لهذا هذا النوع من الأصوليّة المسيحيّة لم يُسمح به فقط و غنّما جرى تشجيعه في صفوف جيش الولايات المتّحدة و خاصة ضمن الضبّاط . لهذا ، على سبيل المثال ، أحدهم كالجنرال جيري بويكين لا يستطيع الإدّعاء فحسب بل كان كذلك يشجّع عقب الإدّعاء أنّ الحرب بالعراق مبرّرة و عادلة لأنّ إلاهه هو إلاه حقيقيّ و أنّ إلاه الإسلام إلاها مزيّفا ، و أنّ جورج بوش سنة 2000 لم يكسب التصويت الشعبيّ لكنّه في البيت الأبيض لأنّ " الإلاه عيّنه ". و ضمن أشياء أخرى ، صرّح أيضا بويكين : " المعركة التي نخوضها معركة روحيّة . يريد الشيطان أن يُحطّم هذه الأمّة ، يريد أن يحطّمنا كأمّة ، و يريد أن يحطّمنا كجيش مسيحيّة " ( ذكر في جريد " الثورة " عد 98 ، 13 أوت 2007، و أنظروا أيضا " البنتاغون يشنّ حربا مقدّسة " لوليام أم.أركين في جريدة " اللوس أنجلاس تايمز " ، 16 أكتوبر 2003 ).
الواقع هو التأكيد على التأويل الحرفيّ و المطلق للكتاب المقدّس – أو القرآن أو الكتب و التقاليد المقدّسة لأي من الديانات العالميّة الكبرى – يمكن أن يؤدّى إلى الدفاع عن و فرض الإضطهاد و العذاب من النوع الأكثر فظاعة . و قد أرسل لى أحدهم عقب قراءة بعض من كتاباتى حول الدين ملصقة خلفيّة أعجبتنى حقّا – يقول " عندما كان الدين يحكم العالم ، كانت تلك العصور تسمّى عصور الظلمات ". و هذا ما يمثّله هؤلاء الناس . إنّهم يجسّ>ون و يبحثون عن فرض نظرة و قيم مميّزة ل " عصور الظلمات " لكنّهم يقومون بذلك خدمة لشكل معاصر جدّا من الإستغلال و الهيمنة و النهب – الرأسمالي - الإمبريالي – و بالذخيرة الأكثر حداثة من الأسلحة العسكريّة الحديثة .
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------




إن كانت الآلهة غير موجودة ، لماذا يؤمن بها الناس ؟

عند البحث في سبيل للتوغّل في هذا الموضوع الخاص ، فكّرت في أنّه ربّما كان بوسعى مجرّد التطرّق لكامل مسألة " الآلهة " بالتطرّق إلى خطّ حقيقيّ كبير إنطلاقا من فلم ليس حقّا كبيرا و قد عُرض قبل بضعة سنوات . إسم الفيلم هو " القفزة الكبرى " عامة ليس فلما ممتازا بل هو بالأحرى فلم" تكثيف جريمة " نموذجيّ لشتّى الرجال و النساء بحجج خادعة يحاولون أن يجعلوا بعضهم البعض يغادرون و يتمّ تجاوزهم – لكن عند نقطة معيّنة ، أحد الشخصيّات التي يقوم بدورها أوان ولسن يتحدّث إلى هذه الشخصيّة الأخرى ، قاضى فاسد ، كان يؤدّى دوره مورغان فريمان ، و هما يتناقشان حول كيفيّة تنفيذ حيلة، قالت شخصيّة أوان ولسن : " أجل ، لكن ماذا عن كافة هذه المشاكل التي سنواجهها ؟ كيف سنتعاطى معها ؟ " و جاء ردّ مورغان فريمان : " حسنا ، لا نحتاج إلى أكثر من الإيمان " فقال أوان ولسن : " تقصد مثل الإيمان بإلاه ؟ " و تعود شخصيّة مورغان فريمان إلى الخطّ اكبير : " الإلاه مجرّد صديق خياليّ للكهول ". [ ضحك]
حسنا ، فكّرت أنّه ربّما يمكن فقط أن ننطلق و ننتهي من هذا لكن طبعا ألمر أعقد من ذلك – و أكثر جدّية – لذلك من الضروريّ التعمّق في هذا بصفة أشمل و أعمق .
لذا ، لنعد أدراجنا لنحصل ن التاريخ على صورة أشمل . عبر العالم ، كان الناس في المجتمعات القديمة و الناس دون مقاربة علميّة لدراسة الواقع و الخوض فيه و تغييره – الناس الذين لم يطوّروا بعدُ أو الذين حُرموا الحصول على مثل هذه المقاربة العلميّة ، أو الذين قد قاوموا و رفضوا مثل هذه المقاربة العلميّة – لقد جلب هؤلاء الناس و توحّدوا حول أساطير متباينة في مسعى لتطوير قصّة لها معنى لكيف أصبحوا على ما هم عليه و للواقع الذى يعيشون و للواقع الأوسع الذى كانوا يعاينونه خارجهم و لكيف كانوا يرغبون في أن يكون الواقع . لقد تعاطوا مع هذه الأساطير كعنصر محدّد للواقع .
و على سبيل المثال ، قصّة الخلق كما تسمّى في سفر التكوين في الكتاب المقدّس ، ليست سوى أسطورة جذور لدى الشعب اليهودي القديم . لا تتناسب مع الواقع و ليلم يثبتها العلم كما تعلّمناه بشأن كيف أنّ الأرض و " السماوات – النجوم و المجرّات – قد تطوّرت فعلا . ليست الأرض مركز كلّ هذا و لم يقع وضع النجوم و كلّ شيء آخر هناك خدمة للإنسان على الأرض . و فعلا ، عديد هذه الجوم قد وُجدت قبل وجود الأرض . فبعضها قد وُجد ثمّ إختفى من الوجود في الفترة ما قبل الوجود الفعليّ للأرض و قبل ظهور البشر ( مليارات السنوات بعد تكوّن الأرض ). و هناك عدّة أشياء دقيقة تاريخيّا إلى جانب أشياء تبيّن أنّها علميّا خاطئة ، في قصّة الخلق هذه في سفر التكوين . و ليس هذا فريدا ، فللناس عبر أساطير تمثّل محاولاتهم تفسير الأشياء مثل من أين جاؤوا و كيف يرتبطون ببقيّة الواقع.
في كتاب " علم التطوّر و أسطوريّة فكر الخلق -..." هاك بيان تصويري لمختلف أساطير الخلق حول العالم بما في ذلك أسطورة الجذور اليهوديّة الأولى الموجودة في الكتاب المقدّس . فقد إعتقد البعض أنّه وقع تكوينهم داخل الأرض ثمّ صعدوا إلى سطح الأرض . و إعتقد البعض الآخر أنّه وقع تكوينهم في السماء ثمّ نزلوا إلى الأرض . و إعتقد بعض الآخرين أنّ مجمل الوجود الذى نعرفة مجرّد ظهر سلحفاة عملاقة . و الآن حين نستمع إلى هذه الأشياء ، ننزع إلى الضحك من كلّ أساطير خلق الآخرين –لأنّه جرى تعليمنا أن أساطيرنا هي الأساطير الصحيحة الوحيدة – لكن إذا وضعنا مسافة مع ذلك ، مهما كانت الأسطورة التي علّمونا الإعتقاد فيها ليست أقلّ غباءا من كافة الأساطير الأخرى . [ ضحك ] و ليست أقلّ دحضا من واقع ما حصل فعلا في تاريخ الإنسانيّة و تاريخ العالم الطبيعي .
لذا ما نتعلّمه من هذا هو أنّه في الواقع لم تكن هذه القصص و ليست وصفا حقيقيّا للطبيعة و لتطوّر البشر و شعوب معيّنة و علاقتها ببقيّة الإنسانيّة و بالكون الطبيعي ّ. لم تكن و ليست حقائق خارج الزمن و دائمة قدّمتها أو ألهمتها بعض الكائنات ما فوق الطبيعة ( آلهة ) أو كائن أعلى يعلم كلّ شيء و لا حدود لقوّته – إلاه ، جبّار – يتجاوز كافة الوجود الإنسانيّ و المعرفة الإنسانيّة بينما يحكم كافة الكون بطريقة ما غامضة لا يمكن لأحد منّا أن يفهمها . القصص الديّنيّة و الكتابات المقدّسة كانت و لا تزال تحديدا متجذّرة في الأساطير : إفرازات غريبة للخيال الإنسانيّ ؛ محاولات تفسير الأشياء التي لم يكن الناس يفهمونها و يشرحونها بدقّة و عقلانيّة و علميّة زمنها .
و في إرتباط بهذا ، من الجدير بنا التفكير في عامل مهمّ للغاية : بالنظر إلى العلماء – الناس الذين يمارسون العلم كمهنة – و معظمهم عاشوا الذين عاشوا أبدا على قيد الحياة . ما يعكسه هذا هو أنّه بالنسبة للغالبيّة الغالبة من تاريخ الإنسانيّة ، وُجد القليل من المعرفة العلمية و عدد قليل من الناس يبحثون في الواقع عن أي شيء يقترب من الموقف العلمي. و إعتبارا لكون هذا شيء حديث جدّا و أسباب ذلك متّصلة بلماذا نمت كافة هذه الأساطير و صارت معشّشة كثيرا في أذهان الناس .
لكن هذا ليس كلّ شيء . و التفاسير التي يحاول الدين تقديمها لمظاهر تبدو غامضة من الواقع و بالنسبة للمبادئ الأوسع و المحدّدة للواقع ، هذه التفاسير ليست خاطئة فحسب ببعض المعنى المحايد . ليست غير ضارة . إنّها تتسبّب في قدر كبير من الضرر و في قدر كبير من اللوعة و العذاب .
و لننظر في بعض الأمثلة من المسيحيّين " التقاليد اليهوديّة المسيحيّة " . كما جرت الإحالة على ذلك سابقا ، نعلم اليوم بفضل تقدّم العلم ، انّ داء الصرع – الذى يتسبّب في نوبات الصرع طوال معظم تاريخ الإنسانيّة كان غامضا جدّا و يفزع الناس ، ليس فحسب لما تتسبّب فيه نوبات الصرع من عذاب بل كذلك في عذابات أخرى أيضا – يُعزى عمليّا إلى عوامل و سرورات ماديّة في علاقة بسير الدماغ و النظام العصبيّ . لكن لمعظم وجود الإنسانيّة ، إعتقد الناس أنّ أشياء مثل داء الصرع كانت علامة عن شيء رهيب – مثلا ، أنّ الذين يعانون من هذا الداء و ما يصاحبه من نوبات صرع مسكونون بالشيطان أو بقوى الشرّ – و كان الناس يعانون بشكل فظيع نتيجة هذا الجهل . حسنا ، كما رأينا ذلك ، هذا الجهل موجود تماما في الكتاب المقدّس بما في ذلك بالطريقة التي يقول لنا بها الكتاب المقدّس أنّ عيسى عالج داء الصرع بطرد الأرواح الشرّيرة من المريض.
أو لننظر في قصّة الخلق في سفر التكوين . فهناك نعثر على مفهوم عجيبا لآدم و حوّاء في حدائق الجنّة و هما لا يعرفان لا الذنب و لا البراءة و لا الخطيئة و لا يعلمان ما هو الخير و ما هو الشيطان لأنّ كلّ شيء ببساطة كان على أفضل وجه ؛ لكن بطريقة ما وقعت حوّاء في إغراء ثعبان و أكلت ثمرة محرّم أكلها – تفّاحة – ثمّ أغوت آدم ليأكلها هو بدوره... و من هناك تتالت الأحداث . و بالتالى ، جدّ نزول الإنسان إلى الأرض و هذا سبب لماذا لدينا المسيح الذى يتّخذ شكلا إنسانيّا و يموت ليعاد بعثه ، من أجل توفير وسيلة لإنقاذ البشر من وضع الوضيع الذى صاروا فيه. يمكن أن نشاهد ذلك من خلال هذه الأساطير ، وضعت الإنسانيّة في موضع اللعنة و أنواع ساقطة ليس بوسعها سوى إنتاج فوضى عارمة و ضرر كبير لنفسها .
و ضمن هذا – و ليس أمرا مفاجئا بالنظر إلى نوع المجتمعات البطرياركيّة التي يُهيمن عليها الذكور لآلاف السنوات – نرى لعنة خاصة ضد النساء . فعلى سبيل المثال ، في سفر التكوين ، الفصل الثالث ، لا سيما الآيات 14 إلى 16 ، يُقال لنا كيف أنّه بسبب الدور الخياني المفترض لحوّاء في حدائق الجنّة و التسبّب في نزول البشر إلى الأرض ، أصبحت لذلك ولادة الأطفال لعنة على كافة النساء . كلّ امرأة تعانى آلام الولادة وفق المسيحيّة و " التقاليد اليهوديّة – المسيحيّة " ، تعانى ذلك بسبب ذنب حوّاء – ليس بسبب عوامل ماديّة حقيقيّة جدّا نعرف الكثير عنها في أيّامنا هذه ، و إنّما إفتراضيّا بسبب خيانة حوّاء و طبيعة غوايتها . إستمعوا إلى هذا – جلبت كتابى المقدّس - [ضحك ] إستمعوا إلى سفر التكوين 3:16 [ أي الصحاح الثالث ، الآية 16 – المرتجم ] هذا هو لعنة النساء و هذه كلمات الإلاه المرويّة :
" قال للمرأة : " تكثيرًا أكثّرُ أتعاب حبَلك ، بالوجع تلدين أولادا . و إلى رجُلُك يكون إشتياقُك وهو يسودُ عليك ".
كلّ هذا سبب ما يفترض أنّه سوء تصرّف لحوّاء في حدائق الجنّة .
هذه الأساطير و القصص ليست غير ضارة . إنّها تتسبّب في قدر كبر من الضرر و قد تسبّبت في ضرر كبير عبر القرون. هذه اللعنة الملصقة بالنساء ما في ذلك ولادة الأطفال ليست مجرّد شيء من التوراة – شيء يدافع عنه كذلك بول في الإنجيل. فمثلا ، إذا نظرنا إلى رسالة بولس الرسول الأولى إلى تيموثاوس 2 ، الأصحاح الثاني الآيات 8 إلى 15، سنجد بول يعيد التعبير عن هذه اللعنة ضد النساء .
[ و هذه الآيات هي :
٨فَأرُيدُ أنْ يصلي الرِّجال في كل مكانٍ، رَافعين أيادي طَاهِرَةً، بِدُونِ غَضَبٍ وَلاَ
جِدَال. ٩وَكَذلِكَ أَنَّ النِّسَاءَ يُزَيِّنَّ ذَوَاتِهِنَّ بِلِبَاسِ الْحِشْمَةِ، مَعَ وَرَعٍ وَتَعَقُّل، لاَ بِضَفَائِرَ أَوْ
ذَهَبٍ أَوْ لآلِئَ أَوْ مَلاَبِسَ كَثِيرَةِ الثَّمَنِ، ١٠ بَلْ كَمَا يَلِيقُ بِنِسَاءٍ مُتَعَاهِدَاتٍ بِتَقْوَى للهِ بِأَعْمَال
صَالِحَةٍ. ١١ لِتَتَعَلَّمِ الْمَرْأَةُ بِسُكُوتٍ فِي كُلِّ خُضُوعٍ. ١٢ وَلكِنْ لَسْتُ آذَنُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُعَلِّمَ وَلاَ
تَتَسَلَّطَ عَلَى الرَّجُلِ، بَلْ تَكُونُ فِي سُكُوتٍ، ١٣ لأَنَّ آدَمَ جُبِلَ أَوَّلاً ثُمَّ حَوَّاءُ، ١٤ وَآدَمُ لَمْ يُغْوَ،
لكِنَّ الْمَرْأَةَ أُغْوِيَتْ فَحَصَلَتْ فِي التَّعَدِّي. ١٥ وَلكِنَّهَا سَتَخْلُصُ بِوِلاَدَةِ الأَوْلاَدِ، إِنْ ثَبَتْنَ فِي
الإِيمَانِ وَالْمَحَبَّةِ وَالْقَدَاسَةِ مَعَ التَّعَقُّلِ. " – المترجم ]
أو لنأخذ قصّة سفينة نوح . حسنا ، لديّ أنباء للذين إعتقدوا في هذه القصّة – لم تحدث قط . [ضحك ] لا وجود مطلقا لدليل تاريخي من الأنتروبولوجيا و لا من الأركيولوجيا و لا من أيّ نوع من البحث التاريخي يوحى بأنّ فيضانا مثل ذلك الذى غطّى الأرض برمّتها لمدّة أربعين يوما و أربعين ليلة قد جدّ . أكيد أنّ فيضانات محلّة قد حدثت في منطقة ما بين النهرين ( داخل و حول ما هو الآن العراق ) لوجود أنهار كبرى هناك (دجلة و الفرات ) كانت تفيض من وقت لآخر بالضبط مثل المسيسيبيّ و الأنهار الأخرى في الولايات المتّحدة . لكن لم يوجد أبدا أيّ دليل على فيضان غطّى الأرض بأكملها كما يوصف في الكتاب المقدّس – و لم توجد أيّ’ رواية خارج الكتاب المقدّس عن أنّ سفينة نوح كانت أساس تمكين الإنسانيّة ( و الأنواع التي تحتاجها الإنسانيّة ) من تجنّب الإضمحلال و الإنطلاق من جديد عقب فيضان عمّ العالم أرسله الإلاه لأنّه كان غاضبا على ما فعلته البشريّة . لو حدث مثل هذا الفيضان ، كان سيؤثّر بالتأكيد على الحضارات التي وُجدت زمنها عبر العالم قاطبة . كان بالتـاكيد سيترك أثرا في آن معا بمعنى الهياكل الماديّة لهذه المجتمعات و بمعنى تخريب كامل طبيعة هذه الحضارات . و مع ذلك ، يمكنكم النظر في السجلاّت التاريخيّة و الأركيولوجيّة لأيّة ركن من أركان العالم و مطلقا لن تجدوا أي دليل عن حصول هذا الصنف من الفيضان .- تاركين جنبا كامل لاواقعيّة قصّة سفينة نوح بزوجين من كلّ نوع من الأنواع التي وُجدت إلى زمنها مكتظة في سفينة جنبا إلى جنب مع نوح و أسرته !
و مرّة أخرى ، ليس هذا هو الواقع ، هذه أسطورة . و إنّه لشيء أن يصنع الناس أسطورة لا سيما عندما لا يملكون أساسا لمعرفة أفضل إلاّ أنّ الدفاع عن و تشجيع التطيّر و جهل كيف هو العالم حقّا و كيف تطوّر و تغيّر عبر تاريخه الحقيقيّ . سيكون ذلك تشجيعا على كلّ العذاب المصاحب لذلك و لتعزيز التطيّر و الجهل . ليس غير ضار ؛ إنّه يتسبّب في قدر كبير من الضرر. إنّه يُبقى الناس في عبوديّة ذهنيّة غير قادرين على مواجهة الواقع و تغييره على أساس فهم كيف هو الواقع عمليّا و كيف أضحى على النحو الذى هو عليه .
هذه الأساطير و القصص العجيبة في الكتاب المقدّس كانت جزءا أساسيّا ممّا صار مجسّ>ا و مصاغا في كتابات كالكتابات المقدّسة اليهوديّة الديمة أو العهد القديم من الكتاب المقدّس . غير أنّ هذه الكابات المقدّسة لم تكن مجرّد تجسيد لمختلف الأساطير و محاولات تفسير الواقع بصفة مجرّدة أو دون أي محتوى إجتماعي أو تأثير على المجتمع ؛ كانت و لا تزال إنعكاسا للمجتمعات الإنسانيّة التي ظهرت فيها هذه الأساطير . إنّها إنعكاسات للعلاقات في تلك المجتمعات بين مختلف مجموعات الناس و كذلك للعلاقات بين تلك المجتمعات و المجتمعات الأخرى و إنعكاسات لكافة الأفكار التي تصاحب هذه العلاقات و تعزّزها . ( سأظلّ أعود إلى هذه النقطة و أشرحها بتقديم أمثلة و نحن نتقدّم في العرض ). لكن إلى جانب ذلك ،و هذه نقطة حيويّة ، حالما ظهرت علاقات الإستغلال و الإضطهاد – علاقات تجسّد هيمنة مجموعة صغيرة أو طبقة إجتماعيّة على وسائل الحياة و خلق الثروة و هيمنتها على السلطة السياسيّة و على الحياة الفكريّة – حالما ظهر هذا في المجتمع الإنساني ، إستخدمت الطبقات الحاكمة الدين لتعزيز و توسيع علاقات الإستغلال و الإضطهاد هذه .
و مثلما يلخّص منشور وضعه حزبنا بشأن شريط " شغف المسيح " :
" ليس انّ الكتاب المقدّس غير صحيح كلّيا فحسب – ليس أنّه كتاب يزخر بما يمكن أن يوصف بسخاء على أنّه خليط من الأساطير المتميّزة بالعنف و قصص خرافية و تاريخ قبائل متداخلة مع قليل من الشعر الغنائيّ و الكثير من الكلام الغاضب الخيالي المليء بالثأر و بعض الأساطير الخاصة بالأصول – بيد أنّ هذا جميعه يقال ثمّ يسجّل في كتابات لتعزيز أوّلا مجتمع فلاحيّ صحراويّ بطريركي قبل عدّة آلاف من السنوات ، و تاليا إمبراطوريّة عبوديّة في روما ثمّ مجتمعا إقطاعيّا إضطهاديّا في أوروبا . إنّه مليء بضوابط سلوك هي إمّا منافقة أو إضطهاديّة بسفور. و الآن يتبنّى الإضطهاد الرأسمالي ذات الأشياء القديمة و يعزّزها و ذلك في شريط ب 25 مليون دولار يجرى الترويج له بذكاء ".
-------------------------------------------

لماذا يؤمن الناس بآلهة مختلفة ؟

للمساعدة على تسليط الضوء على مسألة لماذا فى أزمنة مختلفة و أماكن مختلفة إعتقد الناس فى آلهة مختلفة ، و لماذا لا يعبدون اليوم الإلاه نفسه ، دعونى أروي قصّة لعضو من أعضاء حزبنا ذهب صحبة والدته المتديّنة بعمق إلى متحف حيث يقام معرض عن المكسيك القديمة و الحديثة . و كان المعرض فى قسمه الأوّل يركّز على سكّان المكسيك القدماء ، الأولماك و غيرهم ، و بعد ذلك على الأزتاك قبل عدّة قرون - و هناك تماذج من مصنوعات حضارة الأوتاك ، بما فيها أشياء إستعملت فى الإحتفالات الدينية . وثمّ فى نقطة معيّنة ، وسط المعرض ، وجدا صليبا ضخما يشير إلى زمن مجيئ الغزاة الإسبانيين و غزوهم المكسيك ملحقين الهزيمة بالأزتاك و ماحقينهم و مدمّرين حضارتهم . و إلى جانب ذلك ، فرض الإسبانيون الدين المسيحي على الناس هناك و قمعوا قمعا عنيفا و قتلوا الذين حاولوا مواصلة الطرق الدينية القديمة. حسنا ، كان الرفيق يتجوّل فى المعرض مع والدته ( التى نشأت فى المكسيك غير أنّها إنتقلت إلى الولايات المتحدة لمّا صارت شابة و كانت كاتوليكية مخلصة جدّا ) ، و عقب مرورهما بالقسم الخاص بالأزتيك و ذلك الصليب الضخم و ما تلاه فى صلة بالدين المسيحي ، قال لها " أنظري أمّى – وهو يشير إلى جانب الأزتاك – " إن إنتصر أولئك الناس عوض الآخرين – الإسبانيون – " كنتم ستعبدون تلك الآلهة بدلا من الإلاه الذى تعبدونه الآن ".
و هذا يجرّنا إلى مسألة عميقة المغزى : لماذا يعتقد الناس فى هذا الإلاه أو فى هذه الآلهة دون سواها ؟ لماذا يمارسون الدين على هذه الطريقة ؟ ألهذا علاقة بالماورائيّات التى أنزلت على الناس ، أم علاقة بأشياء أرضية و أرضيّة جدّا – كغزو الإسبانيين للمكسيك الذى أجبر الناس هناك على إتباع هذا الدين المسيحي الجديد ؟ و الآن ، إنسان مثل والدة الرفيق - قبل أجيال و قرون - لم يكن يعرف أنّ هذا هو السبب وراء عبادة الإلاه المسيحي جراء حجب كلّ هذا الماضي عنه ، و ببساطة كان يقبل بذلك على أنّه الحقيقة نظرا لكون الإنجيلو التقاليد الدينية برمّتها المبنيّة حول الإنجيل ، تقول له أنّ ذلك كذلك .
ولننظر إلى هذا من زاوية مغايرة . لماذا أضحى الصليب المرتبط بالمسيح و عملية صلبه هو الأيقونة المركزية و النقطة المرجعية المعظّمة الكبرى فى هذا المجتمع و لماذا لم يلعب الصليب الذى صلب عليه سبارتاكوس ذلك الدور ؟ فى الواقع، لا يعرف العديد من الناس على من أحيل حينما أتحدّث عن سبارتاكوس . سبارتاكوس كان عبدا ، قبل أقلّ من قرن منزمن المسيح ، قاد تمرّدا للعبيد فى الإمبراطورية الرومانية هدّد أسس تلك الإمبراطورية قبل أن يتمّ إغراق ذلك التمرّد فى حمّام دم فى النهاية . و نتيجة هزيمته فى آخر المطاف ، صٌلب سبارتاكوس والآلاف من أتباعه ، فى خطّ على الطريق الرئيسي المؤدّى من وسط روما خارجا إلى ضواحيها ، لأميال و أميال . لماذا لم يصبح ذلك الصليب و عملية الصلب تلك رمزا كبيرا فى مجتمعنا ؟ و لماذا ليس كذلك فى المجتمعات الأخرى فى عالم اليوم ؟ و الإجابة بسيطة و أساسية هي أنّ ما كان سبارتاكوس يمثّله حتى فى هزيمته – أي تمرّد العبيد – ليس شيئا تريد الطبقات الحاكمة فى المجتمعات التى نعيش فيها و الطبقات الحاكمة عبر العصور أن تروّج له. نعم ، أنجز شريطا سينمائيّا عن سبارتاكوس لكن هذا لا يمثّل شيئا مقارنة بالأمواج المستمرّة من الدعاية للمسيح و حياة المسيح و عملية الصلب و بعثه المنتظر. و مرّة أخرى ، لأنّ الذين يحكموننا لا يرغبون فى أن توجد رموز تذكّر بنهوض العبيد فى تمرّد ، يريدوننا أن نعتقد أن مثل هذه التمرّدات لا معنى لها و أنّنا نتّجه و ينبغى أن نتّجه نحو العيش بالطريقة التى نعيش بها لأنّها الطريقة التى يريد الإلاه أن نعيش وفقها ، و لأنّها الطريقة التى أقام وفقها الإلاه العالم و كلّ ما بوسعنا فعله هو القبول بإرادة الإلاه .
و لننظر فى مثال آخر . هناك فرقة دينية يهودية متمركزة فى نيويورك يطلق عليها إسم لوبافتشارس . إنّها متكوّنة من أصوليين يهود . و كان على رأس الفرقة إلى 1994 الحاخام ميناحيم شنيرسون . و كما تعلمون ، لا يقبل اليهود بإعتبار يسوع المسيح المنتظر بيد أنّ أتباع الحاخام شنيرسون ، أو العديد منهم ، بدأوا يؤمنون بأنّه المسيح المنتظر الذى أنبأت عنه الكتابات اليهودية القديمة ( العهد القديم من الكتاب المقدّس ). و ترويجهم لهذه الفكرة وصل عمليّا إلى حدود مضحكة و سخيفة جدّا – نوع من النموذج المعاكس من المزج بين التقنية الحديثة جدّا و أفكار متخلّفة جدّا ، من عصور الظلمات. كانجميعهم يحملون هواتفهم الخلوية و اجهزة إشعار عند إقتراب وفاة شتيرسون متوقّعين إكتشاف إن كان " الحاخام " سيعلن فى النهاية أنّه كان فى آخر المطاف المسيح . لذا لدينا هنا هذا المشهد السخيف و الغريب حقّا حيث جميع هؤلاء الناس كانوا يتشاركون فى هذا الدين القروسطي بينما كانوا يستعملون التقنية الحديثة للحصولتسجيل الصوت فى " الزمن الحقيقي" : هل سيقول لنا الحاخام إنّه المسيح المنتظر فى آخر المطاف ؟ و توفّي الرجل دون أن يبوح حتى بالكلمة .
لكن ماذا او أنّه لتداخل عدّة أسباب – فى علاقة بالعوامل الجغرافية السياسية و منها التطوّرات فى الشرق الأوسط و ترابط ذلك بما كان يجدّ فى الولايات المتحدة و ضمن دوائرها الحاكمة على وجه الخصوص – ماذا لو صار ما يمثّله أمثال الحاخام شنيرسون مهيمنين فى إسرائيل ، و بوجه خاص فى صفوف النخبة فى إسرائيل ، و بات هذا بدوره مدعوما بمجموعات حسنة التموقع داخل هياكل السلطة فى الولايات المتحدة ؟ ثمّ لعلّ الذين إدعوا أن شنيرسون هو المسيح المنتظر ، عوض أن يكونوا مجرّد فئة صغيرة ، أصبحوا يمسكون بموقع أقوى بكثير و يمارسون تأثيرا أوسع نطاقا بكثير ليس داخل إسرائيل و حسب بل على النطاق العالمي . فى الوقت الراهن ، من الصحيح أنّ الأمر يبدو غير محتمل الوقوع إلاّ أنّ ما يستحقّ عناء التفكير هو قبل ألفي سنة ، مدى إحتمال أن فرقة صغيرة من اليهود – كان المسيح قائدها و قد وقع إعدامه – ستغدو فى غضون عدّة قرون قوّة دينية عظمى فى العالم ، هي المسيحية – و بالفعل سيقع تبنّى هذه المسيحية و فرضها فرضا على أنّها الدين الرسمي للإمبرياطورية الرومانية القويّة . لذا التغييرات ضمن الهياكل الحاكمة و التغييرات المناسبة فى الإيديولوجيا الرسمية ( أو شبه الرسمية ) للإمبراطوريات الكبرى يمكن أن تحدث تغييرات كبرى فى دور تيّارات دينية متنوّعة و فى تأثيرها – و بالفعل قد حدث هذا بعدُ عدّة مرّات فى تاريخ الإنسانية .
أو لننظر إلى الراستافاريين [ أتباع الراستا ] فى الجماييك و غيرها من الأماكن ، الذين يعتقدون فى أن أفريقيا ستصبح جنّة على الأرض بالنسبة لشعب السود و أنّ هيلا سيلاسي ( المعروف أيضا بأنّه راس [ أمير ] تافاري ) ، رئيس دولة أثيوبيا لعدّة عقود فى القرن الماضي ، كان هو فعلا المسيح المنتظر و الغازي . و قبل بضعة سنوات ، شاهدت شريطا عن بوب مارلي أين كانت إمرأة من الجماييك تتحدّث عن زمن زيارة هيلا سيلاسي للجماييك و إعتقادها أنّها شاهدت فعلا على أيدي هيلا سيلاسي آثار الجراح – التى تسبّبت فيها المسامير الذى دقّت فى جسد المسيح . حسنا ، فى الواقع لم تكن هناك أيّة آثار لأيّة جروح . لكن هذا الإنخداع بشأن الجراح نبع من الإعتقاد بأنّ هذا الشخص ، هيلا سيلاسي ، الذى كان فى الواقع مضطهِدا وحشيّا لشعب أثيوبيا و أداة للحكم الإمبريالي فى أفريقيا ، كان نوعا ما المنقذ و المسيح المخلَّص .
فى " أغنية الفداء " لبوب مارلي ، الذى كان من أنصار الراستا ،هناك الكلمات المثيرة للإنتباه [ منشدا ] " حرّروا أنفسكم من العقلية العبودية ، لا أحد سوانا يمكن أن يحرّر عقولنا " . و مع ذلك ، من السخرية التهكّمية أنّ فكر الراستا مجرّد شكل آخر من العقلية العبودية . لكن ماذا لو أنّ ، بشكل من الأشكال ، حصل تغيي فى العالم قبل نحو قرن من الآن ، و ظهرت أفريقيا كقارة أين تتركّز أكثر القوى الإمبريالية تطوّرا و إلى جانب ذلك يساعد أولئك الإمبرياليّون الأفارقة هيلا سيلاسي على أنّه المسيح الحقيقي. عندئذ ستقدّس شعوب العالم قاطبة التى يكونوا قد غزوها هيلا سيلاسي على أنّه المسيح و سيعتقد الكثيرون أنّ آثار الجراح كانت على أيدى هيلا سيلاسي .
أو لنأخذ مثال المورمون الذين يعتقدون – إن قرأتم كتاب مورمون سترون ذلك - فى أنّه قبل المسيح بقرون ، غادر فرع من اليهود أرضهم و بشكل من الأشكال عبروا البحار نحو أمريكا. فى عقيدة المورمون هناك تاريخ كامل للشعوب المتحاربة فى أمريكا – بعضها كان إلى الإلاه ، ثمّ ثمّ ضدّه و كانت مواقفهم تتقلّب بين مساندة و معارضة . وثمّ عند نقطة معيّنة فى " التاريخ " القديم المفترض ، ظهر المسيح لآخر قدّيسيى دين المورمون فى أمريكا و قال لهم كلّ ما سيقومبه عندعودته . هذا هو كتاب مورمون - الذى من المفترض أنّه كشف لمؤسّس هذا الدين ، جوزاف سميث ، حوالي 200 سنة قبل الآن ، حينما ظهر المزعوم أنّه ملاك لسميث و أرشده لمجموعة من الصحف التى كتب عليها كلّ هذا التاريخ ( و الملاك كشف أيضا لسميث كيف يترجم هذه الصحف الواردة بلغة بدائية غير معروفة ).
حسنا ، هذا بداهة فى تناقض حاد مع المسيحية التقليدية – و عمليّا فى تناقض أحدّ مع الواقع إذ لم توجد مثل هذه القبائل فى أمريكا : وُجد سكّان أمريكا الأًصليّون و ما وُجد من تحدّث عنهم كتاب مورمون . مطلقا لا وجود لأدلّة على أنّ هؤلاء الناس قد أقاموا أو قاموا بأي شيء هنا . و الآن لدينا من يسمّون أنفسهم بالأركيولوجيين المورمون الذين ينقّبون بيأس فى كلّ الأنحاء محاولين العثور على دليل على أسطورة مورمون هذه ، لكنّهم لا يستطيعون إيجاد أي شيء ينهض دليلا البتّة. كلّ هذا " التاريخ " و التيولوجيا التى قصد دعمها ، كان إنتاجا لذهن جوزاف سميث .
وهناك شيء مهمّ بشأن المورمون – و يمكن أن يتصل بلماذا لم يعودوا يتعرّضون للإضطهاد فى الولايات المتحدة مثلما كان يحدث ذلك فى بداية دينهم – ألا وهو أنّه هناك الكثير من المورمون فى المؤسسات الحكومية مثل الأف بى آي . دين المورمون محافظ جدّا و متزمّت و يدعو لنوع من الخضوع للسلطة وهو أمر ينسجم للغاية مع التواجد فى الأف بى أي و السي أي أي . و اليوم لم يعد دين المورمون دينا مضطهدَا . وهو فى الواقع أحد أكثر الديانات نمّوا فى العالم . و يعزى هذا فى جزء منه إلى أنّه منذ البداية قد تضمّنت عقيدته و طقوسه نزعة عدوانية جدّا للتحويل إلى دين غير الدين السابق. عند بلوغهم سنّ الكهولة ، يطالب كلّ المورمون بأن يمضوا سنتين من حياتهم كمبشّرين دينيين.
و الآن لنفترض أنّ عند نقطة معيّنة من تطوّر الأحداث ، تقرّر قطاعات قويّة بما فيه الكفاية صلب الطبقة الحاكمة أنّه سيكون من المفيد أن يوجد مورمون فى إدارة كامل جهاز الدولة فى الولايات المتحدة. عندئذ سيكون الحال تماما أنّه ( بالضبط مثلما هو الحال فى ولاية يوتا الآن، اين تتركّز كنيسة المورمون و تمارس تأثيرا كبيرا ) عبر الولايات المتحدة، سيكون دين المورمون شيئا ترووّج له الحكومة على نطاق واسع . وحالئذ سيعتقد المزيد من الناس فى الروايات الخيالية الواردة فى كتاب مورمون عوض الأساطير الدينية الخيالية التى يؤمنون بها الآن ؛ و الأطفال الذين ينشؤون سيتصوّرون أنّ ذلك طبيعي مثلما يتصوّرون الآن أنّه من الطبيعي الإعتقاد فى قصّة المسيح فى الإنجيل و كافة الأساطير الأخرى فى الكتاب المقدّس .
و بوسعنا ذكر المزيد من الأمثلة من هذا القبيل . و هذا يبرز نقطة عميقة و غاية فى الأهمّية – أنّ الناس يعتقدون فى هذه الأِشياء و يفترضون أنّها حقيقة نظرا لأنّ مؤسسات قويّة فى المجتمع قد لقّنتهم هذه الأفكار و زرعتها فى عقولهم زرعا ؛ و لمّا ينشأ المرء فى إطار تقليد يكون منغرسا بعمق على هذا النحو و يتمّ الترويج له عبر المجتمع ، من اليسير جدّا أن نفترض ببساطة بأنّ هكذا هو العالم و يكون من العسير عادة الإقرار بأنّ الواقع قائم على نحو مختلف جدّا . و فى نفس الوقت ، إن كنت فى جزء آخر من العالمأين الإسلام هو الدين السائد لذات الأسباب التى تجعلكم على الأرجح لا تؤمنون بأنّ ياسوع هو المسيح المنتظر ، ستعتقدون أنّه رسول و أنّ محمّد هو آخر الرسل و الإسلام هو الدين الصحيح . و إن كنت تحيا فى مكان آخر – إن كنت فى صفوف مليارات البشر فى الصين و الهند مثلا – حالئذ تعتقد فى أشياء مغايرة للغاية - لكن فى الأساس لللأسباب عينها : لأنّ مؤسسات المجتمع و تقاليده لمدّة طويلة جدّا، قد كيقتك للإعتقاد فى تلك الأشياء .
و بطبيعة الحال ، للذين يتطلّعون إلى عالم مختلف راديكاليّا دون علاقات هيمنة و إستغلال و إضطهاد و دون الإكار المناسبة لها – و أكثر من ذلك يسعون بنشاط من أجل ذلك – الأسباب جميعها للأمل و على أساس العالم الواقعي الإعتراف بإمكانية أن تكون الإنسانية قبل مضيّ آلاف السنين أو قرون ، قد مضت بعيدا و قطعت خطوات جبّارة فى النضال من أجل بلوغ عالم جديد ، مختلف راديكاليّا – و كجزء مفتاح من هذا ، ستكون فى سيرورة التخلّص نهائيّا من الجهل و التطيّر المؤسساتيين و المفروضين الذين يمثّلهما الدين و الإعتقاد فى ماوراء الطبيعة على وجه العموم.
و إذن كنوع من التلخيص للنقاط الأساسية التى تناولتها بالنقاش من زوايا متنوّعة أقول :
مفهوم الإلاه أو الآلهة إبتدعته الإنسانيّة فى طفولتها نتيجة للجهل الذى أبّدت الطبقات الحاكمة لآلاف السنين مذّاك ، لخدمة مصالحها فى إستغلال غالبيّة الناس و الهيمنة عليهم و إبقائهم فى وضع عبوديّة الجهل و اللاعقلانيّة .
و إيجاد عالم و مستقبل جديدين و أفضل بكثير بالنسبة للإنسانيّة يعنى الإطاحة بمثل هذه الطبقات المستغِلّة و التحرّر من مثل عبوديّة هذا الجهل و اللاعقلانيّة و رميها وراءنا إلى الأبد .

---------------------------------------------------------------------------------------------------------------



#شادي_الشماوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ميزة من الميزات التي تختصّ بها الشيوعيّة و تتفوّق بها على ال ...
- مقدّمة لكتاب بوب أفاكيان ،- لنتخلّص من كافة الآلهة ! تحرير ا ...
- الثورة و كرة مضرب [ تنّس ] روجر فدرار : ما العلاقة بينهما ؟ ...
- أحد المحاربين القدماء في الفيتنام : كنّا قتلة أطفال لمصلحة ا ...
- لماذا نحتاج قطعا إلى حزب طليعي للقيام بالثورة
- تحمّل مسؤوليّة خطّ الحزب على أعلى مستوى
- لنجعل اليوم العالمي للتحرّك – 24 نوفمبر لمناهضة - حملة براها ...
- الماركسيّة الحيّة مقابل الماركسيّة المبتذلة – ثورة تحريريّة ...
- - التحكّم الديمقراطي للعمّال - وهمٌ ضارٌ : من غير الممكن تحق ...
- لماذا يؤمن الناس بالهراء الأكثر سخافة و شناعة ؟ التشويهات ال ...
- أمّة الإسلام ليست قوّة من أجل التحرير بل قوّة ضده – نحتاج ثو ...
- ماذا وراء واجهة -الإختراق - في إتّفاقيّات قمّة المناخ 26 – ا ...
- لماذا العالم مضطرب جدّا و ما الذى يمكن فعله لتغييره تغييرا ر ...
- حركة الشمس البازغة و سياسات الضغط على النظام لإنقاذ البيئة ذ ...
- مجون كلاسغو ... كيف يجرؤون على زعم - قيادة البيئة -
- ندوة غلاسغو للمناخ في الحسبان – الحكومات و الناس و الكوكب .. ...
- إلغاء العبوديّة – الحقيقيّ و الخياليّ
- تشجيع الناس على عدم التطعيم بالتلاحيق يبقى على جائحة الكوفيد ...
- لا حقّ لقتل البشر باسم الدين – - الإستثناءات الدينيّة - ليست ...
- نضال و نداء و تعبئة في مدينة المكسيك ضد تغيّر المناخ العالمي


المزيد.....




- الفصائل الفلسطينية بغزة تحذر من انفجار المنطقة إذا ما اجتاح ...
- تحت حراسة مشددة.. بن غفير يغادر الكنيس الكبير فى القدس وسط ه ...
- الذكرى الخمسون لثورة القرنفل في البرتغال
- حلم الديمقراطية وحلم الاشتراكية!
- استطلاع: صعود اليمين المتطرف والشعبوية يهددان مستقبل أوروبا ...
- الديمقراطية تختتم أعمال مؤتمرها الوطني العام الثامن وتعلن رؤ ...
- بيان هام صادر عن الفصائل الفلسطينية
- صواريخ إيران تكشف مسرحيات الأنظمة العربية
- انتصار جزئي لعمال الطرق والكباري
- باي باي كهربا.. ساعات الفقدان في الجمهورية الجديدة والمقامة ...


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - شادي الشماوي - من أين يأتى الإلاه ... و من يقول إنّنا نحتاج إلى إلاه ؟ الجزء الأوّل من كتاب بوب أفاكيان- لنتخلّص من كافة الآلهة ! تحرير العقل وتغيير العالم راديكاليّا! -