أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد إبراهيم محروس - سلم للصعود














المزيد.....

سلم للصعود


محمد إبراهيم محروس

الحوار المتمدن-العدد: 7142 - 2022 / 1 / 21 - 08:25
المحور: الادب والفن
    


لا تفهم كل ما يجري حولها.. تعرف فقط أن امها تسحبها من يدها في الخامسة صباحا والشمس تخترق ظلام ليلة طويلة لتضيء الحياة من جديد.. تحب منظر الشمس وتحب يد امها اللدنة التي تحتوي يدها الصغيرة وهي تسحبها ببطء.. وبيدها الأخرى تسند شنطة كبيرة على ظهرها بها بضاعتها من امشاط واكواب وكمامات ومناديل وحجارة قلم.. تصعد السلم خلف امها. درجات السلم كثيرة وحادة.. تتخيل انها لن تنتهي ابدا اخيرا يظهر عالمها الذي تعرفه وتعرف انها تستطيع أن تبحر عبر هذا الكوبري الذي يربط جانبي محطة القطار وطوله يزيد عن الخمسة وعشرين مترا هو كل عالمها من هذه الساعة مع صوت وصول اول قطار حتى رحيل اخر قطار.. تتركها امها وسط الكوبري وهي تأخذ جانبا منه لاصقة جنبها لسوره الحديدي.. ترى البشر الذين يصعدون السلم لا تعرفهم جميعا.. ولكن ذاكرتها الصغيرة تتذكر بعضهم.. ترى عم احمد وهو يفرش بضاعتها بعيدا عن امها بأمتار.. بضاعته عبارة عن أدوات كهربائية وبعض الأقفال والمفاتيح الذي يسمح لها أن تلعب بها وقتما تريد.. تسمع صوته وهو يسب ذلك الشخص المجهول الذي يبول يوميا على مكان فرشته ليلا.. يذهب لأسفل السلم ويعود وهو يحمل كيسا مملوء بالتراب يدلقه على مكان البول.. ويبدأ في كنس كل الكوبري تقريبا بمقشة من الخوص.. اعتاد هذا الفعل يوميا واعتادت هي مشاكسته وقتها ومحاولة خطف المقشة من يده.. تقترب منه بجسدها الصغير فيضع في يدها قطعة من الملبن حلاوة المولد.. تجري وتقترب من امها وترمى في حجرها قطعة الملبن وتتجه الي اخر الكوبري حيث بائع اخر يحفظ ملامحها جيدا منذ أتت بها امها كقطعة لحم حمراء اول مرة على الكوبري حتى وصلت لسنها الحالي الذي لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة.. قطع من الحلوى مهداة من البائعين الذين يفترشون الكوبري وربما باكو شيكولاتة يعطيه لها راكب قطار مستعجل تعود ضحكتها الرائقة للانطلاق وهي تجري بطول الكوبري ذهابا وعودة بلا ملل.. كيس من النبق.. طاقية صوف.. كيس من الشيبسي.. علبة عصير.. كل هذا ترميه في حجر امها لتحوشه لها حتى تعود للبيت.. تعودت هي أيضا على أن امها لا تمل من تسريح شعرها الذي تحبه هي منكوشا طول الوقت.. ولا تمل امها من شراء قطع لقطة من الملابس يجلبها حليم الذي يفترس اول الكوبري لها حتى لو كانت بمكسب الاسبوع كله.. فدوما تفتخر بنظافتها ونظافة ملابس ابنتها وجمالها.. وهي تشعر بهذا ولكنها لا تستطيع تفسيره وفهمه حقا..
الحياة بالنسبة لها ولسنها هو امتداد الأمتار العشرين التي تمرق فيها طول النهار.. المارة لا ينقطعون عن صعود السلم.. تكاد الصغيرة تقسم أن البشر بلا نهاية وان الحياة رتيبة ومتكررة وهي برغم سنواتها الأربع فقد اعتادت كل شيء يحدث فوق السلم حتى فصال الزبائن مع امها وزملائه من الباعة.. تقلد بعض الزبائن وهم يفاصلون امها فيضحك زبون ويعطي امها ما تقرره من ثمن.. كل شيء هادئ ومريح ويدعو للمرح.. لم تفهم من أين ظهروا بملابسهم السوداء.. ولماذا الكل يهرول ليجمع بضاعته لم تفهم لماذا يحاول عم احمد ابعادها عن طريقهم وهو يشير لبائع بعيد ان يجري بالبضاعة التي تبعثرت تحت الأقدام.. فوجئ الجميع بوجودهم فوق رؤوسهم.. حاولت أن تواصل لعبها معهم كما تلعب مع الجميع كل يوم.. امها تصرخ وهناك من يسحب بضاعتها من أمامها.. امها تنادي باسمها.. تحاول بجسدها الصغير ان تصل لمكان امها.. ينشغل عنها عم احمد لوهلة فتجري تجاه امها.. تصطدم بقدم احدهم وتراه وهو يرفع عصاه وينزل بها على حليم.. تخاف وترجع للوراء فتصطدم بقدم اخر منهم.. تهرول بين الارجل.. عالمها يختفي وسط تلك الفوضى الرهيبة.. لا تعرف متى تحديدا كانت تطير في الهواء لتسقط لأسفل على السلم الحديدي.. ترى أقدام المارة فوقها تشعر بالدماء تنسال من راسها وتخضب السلم.. ترفع عينيها لتصرخ فترى امها للمرة الأخيرة وهم يسحبونها ليرموها في عربة مغلقة وهي تصرخ باسمها.. بينما تغيب الرؤية عن عينيها وهي ترى دماءها تواصل اندفاعها بشدة وتلوث أحذية الصاعدين......



#محمد_إبراهيم_محروس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نظرة أخيرة
- أحلام مشروعة (2) - رواية -
- أحلام مشروعة (1) - رواية -
- نهدان
- أنفاس صباحية
- قبلة باردة
- يقتله الشك
- لن أكمل القصيدة
- لون واحد ..
- اعتزال بائع الروبا بيكيا ..
- أيام خريفية ..
- رجل لا تعرفه الشوارع !!
- شات
- شوارع سالم ..
- قرار بالمواجهة ..
- عنوان سياسي..
- جبل الحكايات
- نظرة امتنان
- روح الدنيا
- مزامير الحي


المزيد.....




- مصر.. الفنان محمد عادل إمام يعلق على قرار إعادة عرض فيلم - ...
- أولاد رزق 3.. قائمة أفلام عيد الأضحى المبارك 2024 و نجاح فيل ...
- مصر.. ما حقيقة إصابة الفنان القدير لطفي لبيب بشلل نصفي؟
- دور السينما بمصر والخليج تُعيد عرض فيلم -زهايمر- احتفالا بمي ...
- بعد فوزه بالأوسكار عن -الكتاب الأخضر-.. فاريلي يعود للكوميدي ...
- رواية -أمي وأعرفها- لأحمد طملية.. صور بليغة من سرديات المخيم ...
- إلغاء مسرحية وجدي معوض في بيروت: اتهامات بالتطبيع تقصي عملا ...
- أفلام كرتون على مدار اليوم …. تردد قناة توم وجيري الجديد 202 ...
- الفيديو الإعلاني لجهاز -آي باد برو- اللوحي الجديد يثير سخط ا ...
- متحف -مسرح الدمى- في إسبانيا.. رحلة بطعم خاص عبر ثقافات العا ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد إبراهيم محروس - سلم للصعود