أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد إبراهيم محروس - روح الدنيا














المزيد.....

روح الدنيا


محمد إبراهيم محروس

الحوار المتمدن-العدد: 2474 - 2008 / 11 / 23 - 06:35
المحور: الادب والفن
    


صوت جرجرة عجلتها يشدني، أترك مكاني أمام الكمبيوتر وأجري إلى الشباك مع اقتراب صوت خربشة العجلة واحتكاك إطارها المكسور بالأرض، يبدو الصوت بعيدًا بعض الشيء، ولكن بداخلي أعرف أنها تقترب..

تعرف أنني أكون في هذا الوقت في انتظارها في الشباك.. يأتي صوتها عاليًا وهي تنادي، وتنادي..

وكان هذا يعلن اقترابها.. وأخيرًا تظهر أمامي في أول الشارع، ويرتفع ضجيج وسحب عجلتها بالأرض، تلك العجلة التي تشبه عجلات الأطفال بيد طويلة تسحبها، وقد كومت فوقها الجرائد، أبتسم لابتسامتها وصوتها الهادئ وهي تقترب قائلة: أجيب لك جرنال إيه يا أستأذنا..
- أي حاجة يا أم أحمد كله شبه بعض.
- حاضر.. هي الدنيا لسه هس ليه كده؟
- دلوقت تصحى..
- صح دلوقت تصحى.
- مين اللي تصحى؟ الدنيا؟!.
- لأ "نورا" بنتي عندها امتحان النهارده، دعواتك.
- طب مش كنتِ فضلتِ معاها عشان تبقي جنبها لو احتاجت حاجة.
- ماينفعش يا أستاذنا ما إنت عارف.. لقمة العيش.
- سلام يا أستاذنا.
- سلام يا أم أحمد.

تتباعد وهي تسحب الجرائد خلفها، وصوتها ينادي على الجرائد.. عمال البلدية يبدأون في الظهور في الشارع، رجال، وحريم.. أعمارهم فوق الأربعين.. معظمهم تشعر معهم بكم رهيب من الحياة ينبض.. شعور جميل بالمراقبة.. يقتربون.. يصبحون وأصبح..

صوت مقشاتهم وخربشتها بالأرض وحديثهم الفريد وكأنهم خارج حدود الحياة.

- لا يا أختي إنتِ ممكن تاخدي إجازة مرضي تروحي التأمين والدكتور يكتب لك الأجازة 3 شهور..
- يعني مش بالخصم ..
- لا ما هو الباشا قال ممكن إجازة 3 شهور بس شرط ترجعي أسبوع بعديهم وتاخدي 3 شهور تاني..
- صباح الخير يا أستاذ..
- صباح الخير أعمل لكم شاي.. إنتم كام؟
- كتير يا أستاذ.
- مافيش مشكلة.. دقيقة وراجع..

أغادر مكاني في الشرفة، وأدخل المطبخ، أضع البراد على النار.. صوت أم أحمد يعود ليقترب.. أراها من خلف نافذة المطبخ تجلس بجوارهم تحكي لهم عن "نورا" والكلية وتتبادل الدعوات.. البراد يغلي.. أصبّ الشاي بسرعة، وأجهز صينية كبيرة من كعك العيد.. أقترب من الشرفة، أناولهم الشاي، وصينية الكعك، وأجلس في مكاني واضعًا سيجارة الصباح المزعجة في فمي وكوب الشاي على حافة الشرفة..

أتطلع إليهم وأتساءل كم من الحكايات يملكونها، وكم هي طبيعة روح الحياة لديهم.. أشعر بأنني يجب أن أتبادل معهم الحديث..
- مابتاكليش ليه يا أم هدى.
- معلش يا أستاذ محمد صايمة.. بس نفسي في الكعك.. بس صايمة..
- ولا يهمك دقيقة وراجع.. كلوا إنتم.. كلكم جالكم شاي..
- أيوه.. بس عم "عبد الله" لسه..
- هاعمل له.. دقايق وجاي..
أرجع إلى المطبخ، ألف طبق من الكعك في ورق الجريدة التي لم أقرأها بعد.. وأحضر أحد الأكياس؛ لأغطي الطبق.. أرجع إلى الشرفة..
- خدي يا أم هدى.
- إيه ده يا أستاذنا.. الله يكرمك.. طب الصحن هجيبه لك بكرة.
- لا ماتجيبيهوش.. مش عايزه.
- الله يكرمك يا رب..
- إيه يا أم أحمد مش تقومي تلفي بالجرايد ولا عجبتك القعدة.
- قعدة الحبايب بالدنيا يا أستاذنا..
- شربتِ شاي ولا أجيب لك؟
- لا شربت الحمد لله .. تفتكر "نورا" بنتي ممكن تبقى دكتورة وأحضر فرحها كده على دكتور قد الدنيا..
- إن شاء الله يا أم أحمد.. إنتِ تستاهلي كل خير.. كفاية تعبك وشقاك عليها بعد موت أبوها.. إنتِ تستاهلي كل خير..
- الخير كله ليك يا أستاذنا..عم "عبد الله" جه أهوه.. أقوم أنا ألف بالجرايد بقى.. صينية الشاي يا أستاذ والكوبايات..
- خليهم عندك لما يخلصوا..

أتراجع للداخل، أنظر إلى صفحات الجريدة في لا مبالاة، أشعر بحاجة ماسة للكلام.. تهرب الكلمات مني.. صوت خبط على شباك النافذة.. أعود لأتناول الصينية من عم "عبد الله" لأضعها في المطبخ، وأعود لأوراقي وكتبي.. وأنا أنظر للساعة.. ما زال هناك المزيد من الوقت قبل ميعاد نومي..

وما زالت الأفكار التي أبحث عنها تدور في فلك بعيد عني.

ومازالت أصواتهم بطيبتها تضرب جوارحي فأشعر بالهدوء.. صوت أم أحمد وعجلتها يتباعد ويتباعد.. أعود للكمبيوتر، أتركه لأنام..

ليبدأوا هم يومهم مع الدنيا، وأبدأ أنا يومي مع النوم.. إحساس غريب أن تكون عكس الكثيرين من البشر..
أيام تعدي.. وتشرق الشمس وتغيب..

عمال البلدية كالعادة ينتظرون ظهوري في الشباك، كوب الشاي يمثل لهم شيئًا مهمًا، ينادي بعضهم بعضًا على استحياء، يلتفون حول صينية الشاي وكأنهم يحتفلون بحدث مهم..

أم أحمد مختفية منذ عدة أيام، أكيد لأجل "نورا" وامتحاناتها.. يدعون لها، ولي.. نظل ننتظر سويا ظهور أم أحمد.. غابت علينا هذه المرة..

اليوم هناك ملامح غريبة تظهر في صوتهم، لأول مرة أشعر بأن الصوت يحمل ملامح الإنسان.. تركوا مكانهم حول صينية الشاي.. البعض رشف رشفات منها وتركها، والبعض الآخر لم يلمسها، وكأن هناك شيئا غريبا يحدث.
وجدت نفسي أتساءل: لماذا اليوم هم مختلفون؟!

وجدتُ نفسي أحاول أن أتفهم ما يجري دون فائدة..
وأهبط إليهم، أقترب من عم "عبد الله" متسائلا:
- خير يا عم "عبد الله" فيه إيه.
- ولا حاجة يا أستاذنا..
- لا فيه.. فيه إيه قول.
- أصل هاقول لك على حاجة بس والنبي ماتزعلش، أصل هي دي روح الدنيا.. هي كده.
- خضتني يا راجل فيه إيه.. قول..
- أم أحمد ماتت.. أصل هاقول لك.. هي راحت تقعد مع أختها.. أصل أختها اتحرقت..
- يعني أختها اللي ماتت.
- لا أختها بقت كويسة هي فضلت جنبها وكانت بتديها الدواء بنفسها.. بس امبارح أختها قامت تروح الحمام .. بتهزها من على الكنبة لقيتها ماتت.. والنبي يا أستاذ ما تزعل نفسك.

لم أعرف ما الذي أستطيع قوله له، ولم أدرِ هل ما يدور بداخلي الآن حزن أم ماذا؟

وهل فعلا بدأت دموعي تسيل على خدي وأنا آخذ طريقي للشقة.. وصوت عم "عبد الله" يتردد على أذني..
- ما تزعلش يا أستاذنا ما هي دي روح الدنيا..



#محمد_إبراهيم_محروس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مزامير الحي
- امرأة اللؤلؤ
- صانع التماثيل..
- نور وقطعة الشيكولاتة
- الرجل الذي لم...
- فتاة الشيكولاتة
- حدود مملكته
- في انتظار المهدي ..
- حادثة
- دير العاشق ..
- أتوبيس (6)


المزيد.....




- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...
- أردوغان يشكك بالروايات الإسرائيلية والإيرانية والأمريكية لهج ...
- الموت يغيب الفنان المصري صلاح السعدني
- وفاة الفنان صلاح السعدني عن عمر يناهز الـ 81 عام ….تعرف على ...
- البروفيسور منير السعيداني: واجبنا بناء علوم اجتماعية جديدة ل ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد إبراهيم محروس - روح الدنيا