أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد إبراهيم محروس - نظرة امتنان














المزيد.....

نظرة امتنان


محمد إبراهيم محروس

الحوار المتمدن-العدد: 2478 - 2008 / 11 / 27 - 03:36
المحور: الادب والفن
    


اعتادت علي رؤيته كل صباح.. رؤيته تعطيها شعورًا بالارتياح طوال يومها..
أول ما تتطلع إليه وهي تغادر منزلها كل صباح أن تبحث عيناها عنه.. وتتنفس الصعداء وهي تراه يحتل مكانة الدائم فوق الرصيف المواجه لبيتها..
منظره لا يدعو للتفاؤل.. السواد يكلل وجهه الذي خط فيه الزمن من التجاعيد ما يفوق الوصف.. ملابسه الرثة الممزق معظمها بالكاد تغطي عظام جسده النحيل، كل ذلك يجعل العين تنفر من النظر إليه.. ولكنها رغم ذلك تعشق التطلع إليه لسبب لا تدركه ينتابها إحساس عارم بالهدوء والسكينة عندما تراه.. عيناه المكدودتان تتطلعان إليها في استحسان ورجاء.. تقترب منه في سرعة وعجالة.. تضع الكيس الذي تحمله في يدها علي حجره.. تنطق عيناه بالشكر والعرفان.. تعبر الشارع وتقف وتنتظر حافلة العمل وهي ترقبه.. يفتح الكيس البلاستيك ويخرج الطعام منه ويعكف علي تناوله في تأن بسيط وهو يرفع عينيه إليها كل برهة بنظرة امتنان.
لقد جاءها سائق الأتوبيس منذ نصف الساعة، رجته أن يمر علي باقي الزملاء ويتركها للآخر.. فلم تكن قد أعدت بعد طعام الإفطار لهذا الشخص الذي يسكن الرصيف المقابل، ولقد عاهدت نفسها منذ زمن أن ترعاه لسبب لا تعرفه.. فلقد مات زوجها منذ سنوات عديدة ولم يترك لها أولادًا.. فكانت تعتبر ذلك الشخص ابنا لها تحاول أن تعوض معه إحساسها بالأمومة التي تفتقدها.. تتطلع إليه ليلا وهو يلف نفسه ببطانية قديمة وقد مزق كرتونة افترشها تحته.
وكم تمنت أن تدعوه إلي بيتها لينام في فراش وثير.. ولكن ذلك لم يكن باستطاعتها.. إنه حلم طفولي غبي إلي حد كبير.. انتهي الرجل من الأكل.. جمع ما تبقي منه ووضعه في الكيس بجواره حتي يأكله في وقت لاحق.. كانت لم تزل واقفة ترمقه من آن لآخر.. وتسأل نفسها: لماذا تأخر أتوبيس العمل إلي هذا الوقت?!
لو تأخر أكثر من ذلك ستعود أدراجها وتأخذ اليوم إجازة.. وبالفعل لم يأت الأتوبيس.. تأخر إلي حد مقلق.. ربما تعطل.. هدأ هذا التفكير من قلقها.. وصعدت إلي شقتها ارتمت علي الأريكة في الصالة.. خلعت حذاءها.. وقررت النوم.. وأمضت اليوم في القراءة.
صباح آخر يأتي كل يوم مادامت الدنيا قائمة.. أعدت لذلك المتسول الفطور مبكرا.. أرسلته له مع البواب الذي دعا لها بطول العمر لعطفها علي الناس.. فردت صحيفة الصباح.. راحت عيناها تمران علي العناوين الرئيسية وهي تحتسي كوبا من الشاي الساخن.. قلبت الصفحات بسرعة فهي لا تريد أن تتأخر عن العمل هذا اليوم.. توقفت عيناها عند عنوان بعينه.. صرخت.. أوقعت كوب الشاي ولم تحفل لهذا..
لقد رأت اسم شركتها في صفحة الحوادث.. والخبر ينقل في بساطة رهيبة موت عشرين شخصًا إثر غرق أتوبيس الشركة في النيل وزادت صرخاتها وقلبها يخفق بلا هوادة.. تقيأت.. ذهبت إلي الحمام.. اغتسلت وأبدلت ملابسها.. فتحت الشرفة وقفت بها تحاول أن تلتقط أنفاسها اللاهثة وعيناها تجوبان الشارع في فزع.. ثم تسمرت عيناها علي ذلك المتسول وهو يتناول إفطاره.. في هدوء يلوح لها..
وعرفت الآن لماذا كانت ترتاح لرؤيته رغم غرابة منظره الذي يدعو للنفور..
وحمدت الله وهي ترقبه بنظرة امتنان



#محمد_إبراهيم_محروس (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- روح الدنيا
- مزامير الحي
- امرأة اللؤلؤ
- صانع التماثيل..
- نور وقطعة الشيكولاتة
- الرجل الذي لم...
- فتاة الشيكولاتة
- حدود مملكته
- في انتظار المهدي ..
- حادثة
- دير العاشق ..
- أتوبيس (6)


المزيد.....




- مؤرخ وعالم آثار أميركي يُحلل صور ملوك البطالمة في مصر
- -المعرفة- في خدمة الإمبريالية والفاشية والاستبداد
- روزي جدي: العربية هي الثانية في بلادنا لأننا بالهامش العربي ...
- إيران تكشف عن ملصق الدورة الـ43 لمهرجان فجر السينمائي
- هوس الاغتراب الداخلي
- عُشَّاقٌ بَيْنَ نَهْرٍ. . . وَبَحْر
- مظهر نزار: لوحات بألوان صنعاء تروي حكايات التراث والثقافة با ...
- في حضرةِ الألم
- وزير الداخلية الفرنسي يقدّم شكوى ضدّ ممثل كوميدي لتشببيه الش ...
- -بائع الكتب في غزة-.. رواية جديدة تصدر في غزة


المزيد.....

- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية
- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية / د. أمل درويش
- مشروع مسرحيات مونودراما للسيد حافظ. اكسبريو.الخادمة والعجوز. ... / السيد حافظ
- إخترنالك:مقال (الثقافة والاشتراكية) ليون تروتسكي. مجلة دفاعا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد إبراهيم محروس - نظرة امتنان