أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد إبراهيم محروس - عنوان سياسي..














المزيد.....

عنوان سياسي..


محمد إبراهيم محروس

الحوار المتمدن-العدد: 2493 - 2008 / 12 / 12 - 05:49
المحور: الادب والفن
    


عندما فقد إحساسه بالأشياء, أدرك أنه لا يعي جيدًا كل ما يدور حوله.. عندما نُقل إلي تلك الزنزانة الانفرادية شعر لأول مرة بالتفوق.. إنه لا يشعر بجسده.. لقد ضربوه كثيرًا حتي يعترف.. سكت لم ينبس بحرف.. ازداد الضرب.. سخن جسده لم يعد يشعر بأيديهم وركلاتهم.. وكلما ازداد ضربهم له زادت حرارة جسده حتي أصبح شخصًا آخر: حائطًا من الصخر الصلب يتلقي الضربات.. خرجت تأوهات قوية في بداية معاملته كحيوان ضاري.. ولكنه كتم تلك التأوهات بعد ذلك.. وأصبح يتمتع بلسعات الكرباج علي جسده وكأنهم يعطونه وسامًا لجدارته.. قال له أبوه منذ زمن: لا دخل لك بالسياسة إنك لن تغير نظام الكون.. رفض وصمم علي النضال.. وقف في وجوههم عبّر عن رأيه عبر صفحات الجرائد الخارجية.. تلقي تحذيرات كثيرة بالتوقف عما يكتبه.. لم يهتم.. صارت حياته علي وتيرة واحدة لمدة من الزمن: كتابة.. تهديدات.. وعود.. وعيد.. لم يتوقف.
اليوم وهو ملقي علي بلاط غرفة الحبس الانفرادي يشع بالتفوق يحس بشعور عارم يفوق كل شعور سبق أن أحسه في حياته: الانتصار.. هكذا تخيل.. إنه يدفع ضريبة الوفاء لوطنه ولمبادئه, ولكم كانت باهظة تلك الضريبة.. آه جسده مشتعل.. كيانه مشتعل.. كل شيء فيه ساخن أحس أنه يحترق.. يحترق بإحساسه العارم بالفوز.. مازال يفقد قدرة التمييز بين الأشياء.. الضربات الأخيرة هبطت علي رأسه مباشرة.. الرؤية معتمة.. والضوء الذي يمر إلي شبكية عينه ضئيل.. ضوء شحيح يبخل عليه بالإنارة.
ولكن ثمة نورًا آخر يضيء وجدانه وكيانه كله.. نور الحق الذي طالب به طوال حياته.. قلبه يخفق في عنف.. شفتاه ترتجفان في قوة.. اختلاجة عينيه لا تتوقف.. رعشة في جسده تتزايد.. وإحساسه بالاحتراق يزداد.
وأخيرًا بدأت الصورة تتضح أمامه وجدران الزنزانة تلتهب حوله باللون الأحمر.. شعر بالسخونة.. لفظ بعض عبارات السباب.. اتضحت الرؤية.. لمح شرارًا.. ثم بدأت النيران تلفح وجهه.. حاول أن يهرب.. الزنزانة صغيرة والنيران تزداد تأججًا ولهيبًا.
اشتعلت النيران في ملابسه.. ارتجف جسده في عنف.. حاول أن يتخلص من ملابسه المشتعلة.. التصقت بجسده وراحت النيران تأكل الملابس وتلتهم جسده وأحس باللفح الحقيقي للنيران.. صرخ.. لا مجيب.. سقط علي ركبتيه والنار تأكل جسده.. وتخيل صفحات جرائد الغد.. وعنوان موته: مات المناضل السياسي فلان إثر تعرضه لحريق غير معروف المصدر داخل حبسه الانفرادي.. ويظن المسئولون أن الحريق سببه ماس كهربائي.. ويصبح هو مجرد عنوان سياسي.. وراح يصرخ ويصرخ وجسده مستمر في الاشتعال وبلا هوادة



#محمد_إبراهيم_محروس (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جبل الحكايات
- نظرة امتنان
- روح الدنيا
- مزامير الحي
- امرأة اللؤلؤ
- صانع التماثيل..
- نور وقطعة الشيكولاتة
- الرجل الذي لم...
- فتاة الشيكولاتة
- حدود مملكته
- في انتظار المهدي ..
- حادثة
- دير العاشق ..
- أتوبيس (6)


المزيد.....




- يمكنك التحدّث لا الغناء.. المشي السريع مفتاح لطول العمر
- هل يسهل الذكاء الاصطناعي دبلجة الأفلام والمسلسلات التلفزيوني ...
- فيلم جديد يرصد رحلة شنيد أوكونور واحتجاجاتها الجريئة
- وثائقي -لن نصمت-.. مقاومة تجارة السلاح البريطانية مع إسرائيل ...
- رحلة الأدب الفلسطيني: تحولات الخطاب والهوية بين الذاكرة والم ...
- ملتقى عالمي للغة العربية في معرض إسطنبول للكتاب على ضفاف الب ...
- لأول مرة في الشرق الأوسط: مهرجان -موسكو سيزونز- يصل إلى الكو ...
- شاهين تتسلم أوراق اعتماد رئيسة الممثلية الألمانية الجديدة لد ...
- الموسيقى.. ذراع المقاومة الإريترية وحنجرة الثورة
- فنانون يتضامنون مع حياة الفهد في أزمتها الصحية برسائل مؤثرة ...


المزيد.....

- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد إبراهيم محروس - عنوان سياسي..